عودة الاستفزازات إلى جنوب اليمن: تصعيد أبوظبي يهدد بتجدد الصراع!

المرصاد نت - متابعات

بعد مرور أكثر من شهر على توقيع اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والذي هدف لإنهاء الاقتتال في جنوب اليمن بعد الانقلاب الذي نفذه المجلس الانتقالي المدعوم ADen Aemy2019.12.13من الإمارات على سلطة هادي تتراكم الأحداث التي تدفع كما يبدو لدفن هذا الاتفاق في مهده بلا أي مؤشرات على إمكان أن يكون مدخلاً لحل يعيد الهدوء وسيطرة حكومة هادي إلى جنوب البلاد ولا سيما العاصمة المؤقتة عدن.

 وانتقلت التعثرات أمام الاتفاق من عدم تنفيذ الالتزامات الواردة فيه وفق المواعيد المحددة ومنها تشكيل حكومة جديدة إلى استفزازات واضحة تقف وراءها أبوظبي وحلفاؤها في "المجلس الانتقالي الجنوبي" تثير مخاوف من سقوط التهدئة في الجنوب وعودة الأوضاع إلى حيز الصراع العسكري لترتفع معها الأسئلة الموجّهة للسعودية عن دورها كراعٍ للاتفاق وعدم تحركها لمنع الانزلاق إلى مواجهة ميدانية.

 مؤشرات التصعيد المتسارعة تدل بوضوح على وقوف أبوظبي وراءها وأبرزها دفع الإمارات برئيس "المجلس الانتقالي" عيدروس الزبيدي للعودة إلى عدن فضلاً عن محاولة تمرير أسلحة للانفصاليين في شبوة وأبين وعرقلة عودة القوات الحكومية إلى عدن وكلها تطورات ترفع المخاوف في صفوف المدنيين في الجنوب.

 وفي جديد التطورات قُتل أمس ضابط من الجيش الموالي لحكومة هادي وأصيب عنصران آخران في كمين نصبه مجهولون لآليتهم في شبوة. سبق ذلك مطالبة محافظ شبوة محمد صالح بن عديو أمس الأول الأربعاء هادي بوقف استفزاز القوات الإماراتية للجيش الحكومي محذراً من توتر الأوضاع في المحافظة. وقال بن عديو في مذكرة رسمية رفعها لهادي إن طيران الأباتشي الإماراتي اخترق حاجز الصوت وهبط على مقربة من المعسكرات التابعة للقوات الحكومية جنوبي المحافظة. ولفت إلى أن الطيران كان يرافق قوة إماراتية كانت تنتقل من منشأة بلحاف للغاز المسال في مديرية الروضة إلى معسكر العلم في مديرية جردان جنوبي المحافظة مشيراً إلى أن القوات الحكومية سمحت للقوات الإماراتية بالتحرك لكن الأخيرة تعمّدت المرور بالحواجز الأمنية للجيش بسرعة كبيرة ومن دون توقف في خطوة مستفزة للجنود الحكوميين. وحذر من أن ما حدث يكشف أن "هناك نيّة جديدة لدى القوات الإماراتية باستهداف الجيش والأمن".

 وفي الإطار نفسه كشفت مصادر عسكرية أن عناصر أمنية تابعه لحكومة هادي في شبوة وأبين ضبطت قوات كانت بحوزتها كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات وكانت تنتحل صفة قوات من التحالف وتحاول الدخول مع الأسلحة إلى شبوة لتفجير الوضع من داخلها في تصعيد خطير لما بعد اتفاق الرياض. وأوضحت أن أتباع الإمارات حاولوا يومي الثلاثاء والأربعاء تمرير قوة عسكرية وآليات باسم التحالف أوقفتها قوات حكومة هادي بين أبين وشبوة، وهي تحمل أسلحة ومعدات، فردّ ضباط إماراتيون بتهديد قيادات عسكرية بقصف قوات هادي إذا لم يُسمح لهذه القوات بالمرور من دون تفتيشها لكن قيادات عسكرية في حكومة هادي أمرت بإيقاف هذه القوة وتفتيشها فسارعت الإمارات إلى إرسال طيرانها فوق سماء شبوة وأبين، نهار ومساء الأربعاء، خصوصاً فوق مناطق تواجد قوات حكومة هادي وبشكل مكثف، في تصعيد خطير للوضع.

 واعتبرت المصادر أن هذه الحادثة أحد الدلائل على محاولة أبوظبي زعزعة الأوضاع في المحافظات الجنوبية لا سيما الخارجة عن سيطرتها وهي تسعى بذلك لتغطية رفضها تنفيذ اتفاق الرياض حول سحب مليشياتها من عدن. جاء ذلك بعد أيام قليلة من منع أبوظبي وأتباعها عودة قوات حكومة هادي لا سيما ألوية الحماية الرئاسية إلى عدن كخطوة للبدء في تنفيذ اتفاق الرياض فعندما تحرك لواء الحماية الرئاسية وحاول الخروج من مدينة شقرة الساحلية في أبين عبر طريق عدن تعرض لاستهداف من قبل قوات مدعومة إماراتياً مع تهديد بضرب قوات حكومة هادي في شقرة وأحور في أبين إذا لم يتراجع هذا اللواء مع أن الأمر كان ضمن اتفاق مع السعوديين وفق المصادر العسكرية نفسها.

 وقالت المصادر إن الإمارات ترفض أي وجود لقوات حكومة هادي في عدن وباقي مناطق الجنوب ويزعجها كثيراً تواجد قوات حكومة هادي بشكل كثيف في أبين وشبوة وفي الوقت نفسه تواجه حكومة هادي ضغوطاً لإعادة قواتها إلى عدن وفق اتفاق الرياض وبإشراف السعوديين لذلك فإن الإماراتيين وأتباعهم يقومون بعرقلة تطبيق هذا الاتفاق ويختلقون كل يوم مشكلة ويدفعون نحو التصعيد بينما ينتظر مسؤولو حكومة هادي الموقف السعودي من هذا التصعيد.

 وتأتي هذه التطورات ضمن سلسلة من الخطوات التصعيدية التي قامت بها الإمارات في مقدمتها دفع رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" عيدروس الزبيدي للعودة إلى عدن ومنذ وصوله بطائرة للقوات الجوية الإماراتية بدأ التوتر إذ اضطر السعوديون إلى قطع الإضاءة عن المطار عقب محاولة قوات مدعومة من أبوظبي استقبال الزبيدي وكأنه رئيس الدولة وفرش السجادة الحمراء في ساحة المطار من دون موافقة السعوديين الذين استاؤوا من هذا الإجراء وفق مصادر مقربة من "الانتقالي" ومصادر في حكومة هادي.

 وفي السياق نفسه ذكرت مصادر سياسية جنوبية أن لقاءات مكثّفة جرت في الأيام الماضية في أبوظبي بين ضباط وقيادات ومسؤولين إماراتيين مع قيادات عسكرية وسياسية في "المجلس الانتقالي" فضلاً عن قيادات وكيانات جنوبية أخرى في مقدمتها قيادات مقربة من علي سالم البيض فضلاً عن قيادات في حزب "الرابطة" الذي يتزعمه عبد الرحمن الجفري وتهدف هذه اللقاءات إلى عودة الحراك السياسي في الجنوب وتضييق الخناق على حكومة هادي.

 وذكرت المصادر أن هناك خلية تم تشكيلها من الإماراتيين وأتباعهم لمواجهة اتفاق الرياض وتوسيع نشاط "المجلس الانتقالي" والمنضوين الجدد الذين تمكنت أبوظبي من استقطابهم خلال الفترة الأخيرة وسخرت لهذه الخلية وأنشطتها الكثير من الدعم المفتوح.

 وبحسب اثنين من تلك المصادر فإن الخلية تهدف إلى تطبيق ما حققه "الانتقالي" وعرقلة أي خطوات تخدم حكومة هادي وعودتها لذلك يعاني رئيس حكومة هادي معين عبد الملك والوزراء الذين عادوا معه من مضايقات في عدن، بهدف منعهم من تحقيق أي شيء وباتوا يعيشون بما يشبه الإقامة الجبرية في قصر المعاشيق حتى أن القوات التابعة للإمارات تمنعهم تارة من دخول مكاتبهم، وتارة أخرى تمارس استفزازات ضدهم.

 هذه المعطيات كلها تتقاطع مع تأكيد مسؤولين حكوميين أنه لم ينفذ أي شيء من اتفاق الرياض حتى اللحظة على الرغم من أن كل المهل المحددة في الاتفاق شارفت على الانتهاء بينما لا تزال أبوظبي والموالون لها يرفضون التعامل بإيجابية مع تنفيذ الاتفاق ما يجعل حكومة هادي تتحفّظ على الدور السعودي الذي وعد بالإشراف على تنفيذ الاتفاق بنفسه وفي الوقت المحدد بينما مرّ ما يزيد عن شهر ولم تنهِ الرياض انقلاب أبوظبي وأتباعها في عدن بل تعزز وجود الإمارات التي تدفع نحو تفجير الصراع من جديد من خلال إجراءات التصعيد الأخيرة.

 ووفق المصادر فإن أبوظبي وأتباعها من المجموعات المحلية يرفضون سحب القوات الموالية لهم التي جاءت من خارج عدن لا سيما من الضالع ويافع وردفان وإخراجها من عدن ومشارف أبين والعودة إلى مناطقها وسحب السلاح الثقيل والمعدات العسكرية منها وإنهاء وجود أي مليشيات وهو ما يعتبره مسؤولون في الشرعية المحك الحقيقي للسعودية إذا ما أرادت تنفيذ الاتفاق ومنع عودة التصعيد والاستهدافات التي تطاول السلطة وقياداتها ومنع إفشال دور سلطة هادي والدفع نحو توتر الأوضاع وتصاعد خطر عودة الصراع العسكري من جديد في معظم مناطق الجنوب اليمني.

 وفي هذا السياق دعاء وزير النقل بحكومة هادي صالح الجبواني يوم الجمعة الماضي الرياض إلى تحديد خياراتها "بوضوح" حول ما يجري في عدن. وقال الجبواني في تغريدة له: "على السعودية تحديد خياراتها بوضوح قبل أن تغرق في رمال عدن المتحركة" مضيفاً "يحشد مجلس المرتزقة الانتقالي الجنوبي قواته ويدفع بها باتجاه زنجبار ويتصرف في عدن كدولة ويفعل أشياء لم يعملها حتى أيام الوجود الإماراتي". وتساءل الجبواني عن "دور الجيش السعودي في عدن وأسباب عدم تحركه طالما قد جاء إلى المدينة لنصرة السلطة اليمنية.

 وفي ظل هذه الأجواء بدأ أهالي عدن يستشعرون عودة الصراع بعد تكثيف نشاط الموالين لأبوظبي كما في أوقات سابقة. وذكر سكان محليون أنهم بدأوا يفكرون في شراء بعض المواد الغذائية التي قد تكفيهم لفترة أطول نظراً لأن عودة الزبيدي وتحركات قواته والدعم الإماراتي المتواصل كلها عوامل تثير المخاوف خصوصاً مع تفجّر الأوضاع في أبين عندما حاولت قوات مدعومة إماراتياً وصلت حديثاً مهاجمة قوات حكومة هادي في شقرة وأحور في محافظة أبين على بحر العرب.

 وقالت مصادر عسكرية في أبين إن الهجوم الذي شنّته القوات المدعومة من أبوظبي فشل لكنه لا يبشر بخير نظراً لعودة الأنشطة التصعيدية للإمارات وأتباعها في أبين وعدن وشبوة وعودة الاغتيالات لتطاول ضباطاً ورجال أمنيين موالين لحكومة هادي في هذه المناطق والذين عاد بعضهم للعمل في المؤسسات الحكومية ظناً منهم بأن اتفاق الرياض دخل حيز التنفيذ لكن ذلك لم يكن حقيقياً إنما خداع للشارع وهي واحدة من وسائل إفشال اتفاق الرياض من خلال تخويف رجال الدولة ودفعهم لغض النظر عن العودة إلى أعمالهم في المرافق والمؤسسات الحكومية المختلفة.

 وفي أحاديث خاصة مع قيادات عسكرية وسياسية في "المجلس الانتقالي" حول إمكانية سحب قوات المجلس وأسلحتها أكدوا أنهم لن يقبلوا بذلك بل إن قوات حكومة هادي هي من يجب سحب أسلحتها وتسريحها وليس قوات "الانتقالي" التي دربتها وشكلتها الإمارات ويعتبرون أن سلطة هادي منتهية وأن الزبيدي هو الرئيس وصاحب الكلمة في ما يخص مستقبل الجنوب. وفي هذا الإطار يصر الزبيدي على لعب دور الرئيس الفعلي في الجنوب ويتعامل مع الأوضاع على هذا الأساس منذ عودته عقب اتفاق الرياض في محاولة للضغط على السلطة والرئيس هادي بدرجة رئيسية لتمرير بعض القرارات مثل إعطاء الانتقالي مناصب أكثر في السلطة خصوصاً فرض حصولهم على أكثر من محافظ أو إدارة إقليم لترفع كل هذه المعطيات من مخاوف عودة الصراع إلى عدن بل إلى كل محافظات جنوب اليمن.

المزيد في هذا القسم: