جولة أولى لـ«إحياء» مسار جنيف: تصعيد ميداني «مضبوط» في محيط إدلب !

المرصاد نت - متابعات

ارتفع منسوب التصعيد في المنطقة التي يفترض أن تكون «منزوعة السلاح» في محيط جيب إدلب إلى مستويات ما قبل توقيع «اتفاق أستانا» الذي «ضبط» تطورات الميدان داخل إطار Idllib sy2919.5.3التجاذبات الروسية ــــ الإيرانية ــــ التركية. ورغم أن تفاهمات «خفض التصعيد» عُزّزت عبر «مذكرة إدلب» الموقّعة في سوتشي بين أنقرة وموسكو إلا أن تعثّر تنفيذ بنود الأخيرة على الأرض فرض عودة جولات المعارك المتقطّعة التي يمكن استثمارها في سياق الجهد التركي المبارك من روسيا وإيران حتى الآن لحلّ ملف إدلب بلا الاحتكام إلى عمل عسكري واسع. وخلال الأيام الماضية شهدت حدود منطقة «خفض التصعيد» حشوداً عسكرية لافتة للجيش السوري وحلفائه وخاصة في ريف حماة الشمالي، وذلك بالتزامن مع عودة نشاط سلاحَي الجو السوري والروسي كما سُجّلت مشاركة الطائرات المروحية في قصف استهدف مواقع بين ريفَي إدلب وحماة بعد غيابها لما يقارب العام.

وترافق التحشيد العسكري مع استهداف الفصائل المسلحة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بصواريخ متوسطة المدى مناطق في محافظتَي حماة واللاذقية ولا سيما محردة ومحيط قاعدة حميميم الجوية. وتشير المعلومات إلى أن الصواريخ التي سقطت في بلدة القبيسية في ريف جبلة وتسببت باستشهاد شخص وإصابة أربعة آخرين أُطلقت من جوار بلدة باب الطاقة في ريف حماة الشمالي التي تفصلها عن قاعدة حميميم مسافة تصل إلى نحو 40 كيلومتراً. وتعد البلدة داخل «المنطقة منزوعة السلاح» حيث يجب ألا توجد أي أسلحة ثقيلة أو فصائل إرهابية كما أنها تبعد أقل من كيلومترين عن إحدى نقاط المراقبة التابعة للجيش التركي.

ووسط أجواء توحي بقرب نشوب معارك في سهل الغاب وأطراف ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، تفيد المعلومات المتوفرة بأن أي تحرّك محتمل سيجيّر لمصلحة الضغط وإنفاذ بنود «اتفاق سوتشي» وسيعتمد مداه على حجم الانتهاكات التي قد تخرج عن الفصائل المتشددة المتمركزة هناك. وفي موازاة ذلك، سيتابع سلاحا الجو والمدفعية مهمة استهداف النقاط التابعة لتلك الفصائل، على رقعة أوسع مما جرى استهدافه خلال جولات التصعيد الماضية.

اللافت في هذه التطورات الميدانية أنها تتزامن مع حراك دبلوماسي لافت في جنيف قد يكون الاختبار الأول لفعالية عمل المبعوث الأممي غير بيدرسن. إذ ينتظر أن يلتقي الأخير اليوم ممثلين عن «المجموعة المصغّرة» و«هيئة التفاوض» المعارضة، إلى جانب لقاءات مجدولة بينه وبين مندوبي «الدول الضامنة» لمسار «أستانا». ويضع بيدرسن نصب عينيه تحصيل توافقات على دعم ملف إنشاء «اللجنة الدستورية» برعاية أممية في محاولة لإحياء دور المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة، ونقل ملفات «أستانا» إليها. وبدا ذلك واضحاً خلال إحاطته الأخيرة في مجلس الأمن حيث أكّد وجود تعاون إيجابي من جانبَي الحكومة والمعارضة في ملف «الدستورية» مشيراً في الوقت نفسه إلى عدم وجود «اتفاق على كل شيء» حتى الآن.

وحاول بيدرسن التنويه إلى نقاط جديدة لم يتطرق إليها الوسيط الأممي بوضوح من قبل في محاولة لكسب ثقة الأطراف المعنية؛ إذ أشار إلى أن «المعاناة (في سوريا) لا تقتصر على اللاجئين والنازحين حيث يواجه الملايين من السوريين في الداخل نقصاً حاداً في السلع بما في ذلك الوقود وهم يقتربون من مستويات الأزمة». كما أكّد أن «هذا النزاع ذو طابع دولي كبير»، وأن الحديث عن «احترام واستعادة سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها» لا يكفي لتحقيق ذلك دون خطوات فعلية.

ويصل مسؤول التواصل في الخارجية الأميركي في الشأن السوري جايمس جيفري إلى جنيف للمشاركة في الاجتماعات قادماً من أنقرة حيث أجرى محادثات مع المسؤولين الأتراك حول «المنطقة الآمنة» المفترضة وسواها من ملفات مشتركة. وخلال اللقاءات عادت تركيا إلى الحديث عن قرب التوافق مع الجانب الأميركي حول «المنطقة الآمنة». ورغم ذلك، لمّح جيفري إلى تعويل بلاده على مشروع إنشاء «قوة حفظ سلام» مشتركة وهو ما سبق وعارضته أنقرة بالكامل.

«بلاك ووتر» تعود إلى العراق... وعينها على سوريا
بعد غيابها لسنوات، اشتغلت خلالها على توفير خدمات لأنظمة الخليج المتوجسة من الحراك الشعبي في بلدانها ومن ثم وضعت بصماتها في حرب اليمن من خلال تجنيدها مرتزقة عالميين للقتال، تعود «بلاك ووتر» اليوم إلى العراق فيما عين صاحبها إريك برانس على سوريا حيث يمكن «متعهّدينا التصدي للنفوذ الإيراني» بحسبه

في قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار (غرب) تواصل شركة «بلاك ووتر» السيئة الصيت التي كانت لها بصمات شديدة القتامة في العراق عملها بعد عودتها وشركات أمنية أخرى إلى هذا البلد مطلع العام الماضي بموجب رخصة عمل منحتها إياها وزارة الداخلية آنذاك تحت ضغوط أميركية مكثفة وفقاً لمصادر مقرّبة من القائم بالأعمال الأميركي في العراق جودي هود. تفيد المصادر بأن أول نشاطات «بلاك ووتر» تمثّل في نقل معدات عسكرية أميركية من الأردن إلى غربي محافظة الأنبار بالتنسيق الكامل مع قاعدة عين الأسد ثاني أكبر قاعدة في البلاد كاشفة أن الشركة تعمل حالياً في القاعدة نفسها على تدريب عناصر من تنظيم «داعش»، لافتة إلى أنها ضمّت قبل أيام إلى برامجها نحو ألف من هؤلاء. وكانت مصادر ميدانية قد كشفت، لـ«الأخبار» إبان اشتداد المعارك في الجيب الأخير للتنظيم في محافظة دير الزور السورية أن ناقلات ترافقها قوات أميركية أقلّت عناصر من «داعش» من بلدة الباغوز إلى «عين الأسد».

تأتي عودة «بلاك ووتر» إلى العراق بعد غياب لأكثر من عشر سنوات منذ عام 2007م حين طُردَت من البلاد على خلفية قتلها 14 مدنياً عراقياً في ساحة النسور في بغداد في جريمة مثلت ذروة انتهاكاتها بحق العراقيين. وشكلت الشركة، التابعة للمليونير الأميركي إريك برنس واجهة جيش «المقاولين المدنيين» الذين دُفع بهم إلى بلاد الرافدين في عهد جورج بوش الابن، ضمن مساعي التغلب على «بيروقراطية البنتاغون» كما سمّاها وزير الدفاع الأميركي الأسبق، دونالد رامسفيلد. وهي استراتيجية أعاد الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، إحياءها، مرسلاً الكثير من الإشارات إلى نيته إعادة تفعيل القطاع الخاص على قاعدة «تحقيق أرباح أكبر بكلفة أقل» خصوصاً في العراق الذي يرى ترامب أن بلاده أهدرت فيه تريليونات الدولارات من دون مقابل.

 في هذا الإطار أماط موقع «بازفيد» الأميركي قبل أيام اللثام عن وثيقة لوزارة التجارة العراقية تظهر أن من بين الشركات الأجنبية المسجلة لدى الأخيرة (بتاريخ 8 - 2 - 2018) «مجموعة فرونتير سيرفيسز» التابعة لبرنس (هي نفسها بلاك ووتر بمسمى آخر) والتي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها ولديها فرع في الإمارات (تعرض على موقعها الرسمي خدمات حراسة مسلحة وغير مسلحة مشترطة للتوظيف «تمتع المتقدمين بخبرة عسكرية لا تقلّ عن خمس سنوات»). ويشير الموقع إلى أن «برنس بدأ عام 2014 في هونغ كونغ تأسيس مجموعة خدمات لوجستية ومنذ ذلك الحين توسعت شركته في تقديم الخدمات للعديد من المشاريع، خاصة في أفريقيا قبل أن تبدأ العمل في الإمارات». والجدير ذكره، هنا، أن الإمارات استعانت بشركة «بلاك ووتر»، التي عمدت غير مرة إلى تغيير اسمها في محاولة للتخلص من صورة سوداء طبعتها بها تجربتها في العراق من أجل تجنيد مرتزقة كولومبيين وغيرهم للقتال في اليمن .

في تقريرها السنوي الأخير تنفي الشركة الأمنية وجودها في العراق متحدثة في الوقت نفسه عن مكاتب جديدة لها افتُتحَت في الشرق الأوسط العام الماضي من دون أن تحدد أسماء البلدان التي استضافتها. لكن وثيقة «بازفيد» كانت كفيلة باستثارة قلق كثيرين من بينهم عضو الكونغرس الأميركي جين شاكوفسكي التي رأت أن «الوثيقة يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار بالنسبة إلى الحكومة العراقية التي طردت بلاك ووتر من أراضيها بسبب سلوكها الإجرامي». إلا أن العراق لن يكون الساحة الوحيدة للمرحلة الجديدة من عمل المنظمة التي شكّل غزو هذا البلد عام 2003 فرصتها الذهبية الأولى بل إن سوريا ستكون على ما يبدو على قائمة خياراتها.

تنبئ بذلك حماسة برنس لإعلان ترامب في السادس من كانون الثاني/ يناير الماضي نيته سحب القوات الأميركية من سوريا. إذ قال برنس حينذاك في مقابلة مع شبكة «فوكس بزنس» الأميركية، إن «الولايات المتحدة ليس لديها أي التزام استراتيجي طويل الأجل يبقيها في سوريا ما يوجب إتمام عملياتها هناك» مستدركاً بأن «الحرب حرب لا نهاية لها». وعليه اقترح «استبدال متعهدي خدمات عسكرية خاصة بالقوات الأميركية المنسحبة من سوريا» لافتاً إلى أن «متعهّدينا قد يحمون حلفاء الولايات المتحدة ويتصدّون للنفوذ الإيراني بعد مغادرة الولايات المتحدة البلاد».

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية