المرصاد نت - متابعات
حتى اللحظات الأخيرة كانت المصادر التركية تعطي حظوظاً متساوية لاحتمالَي الاتفاق على المنطقة الآمنة والعملية العسكرية التركية في منطقة شرقيّ الفرات. التوصل إلى اتفاق بين تركيا والولايات المتحدة على إقامة منطقة آمنة أمس جاء أول مؤشراته مع تمديد الوفد الأميركي إقامته في أنقرة يوماً إضافياً، بعدما ضاقت نقاط الخلاف إلى درجة لا تشكل مانعاً من توقيع الاتفاق.
في البيانات المنفردة عن وزارة الدفاع التركية والسفارة الأميركية في أنقرة حول اتفاق المنطقة الآمنة عبارات عامة؛ مثل تبديد مخاوف تركيا وتلبية مطالبها وتسيير دوريات مشتركة تركية ـــ أميركية وإعادة اللاجئين السوريين (طبعاً جزء منهم) إلى المنطقة الآمنة وإقامة مقرّ مشترك لتسيير الدوريات. لم يعلن البيان مقرّ القيادة المشتركة مع ترجيح أن يكون في أنقرة. ولم تفصح البيانات عن عرض المنطقة الآمنة وعمقها. فطول المسافة من جرابلس إلى الحدود العراقية هو 480 كلم. وليس محتملاً أن تكون المنطقة على امتداد هذه المسافة، بل في مناطق معينة منها الأرجح أن تكون في كوباني وتل أبيض ورأس العين.
كذلك لم تشر البيانات إلى عمق المنطقة. فقد كانت تركيا تطالب بعمق 30 ــــ 40 كلم فيما تقترح الولايات المتحدة 15 كلم. تغييب هذه النقطة عن الاتفاق ربما كان لترك تحديد العمق وفقاً لطبيعة كل منطقة على الحدود على أن تراوح بين هذين الحدّين. أيضاً من الطبيعي أن يشمل الاتفاق من دون إعلان الأمر نقطة في غاية الأهمية هي نزع سلاح «وحدات الحماية الكردية» أو نقله من المنطقة الآمنة وانسحاب المقاتلين الأكراد منها إلى مناطق العمق في شرقيّ الفرات.
اتفاقية المنطقة الآمنة مهمة جداً في هذه اللحظة من الكباشات الإقليمية والثنائية بين أنقرة وواشنطن:
1- هي تحقيق لحلم تركي عمره من عمر الأزمة في سوريا. وإذا كانت تركيا ترى سابقاً في المنطقة الآمنة وسيلة للضغط على النظام السوري وإسقاطه، فإن هدفها اليوم تعزيز دورها في سوريا كلاعب ميداني وسياسي، وإضعاف الجانب الكردي، والتقدم خطوة نحو الهيمنة على الشريط الحدودي داخل سوريا الذي كان ضمن حدود «الميثاق الملّي» لعام 1920، وبالتالي تمديد الحضور التركي المباشر من إدلب فعفرين وجرابلس إلى منطقة شمال شرقيّ الفرات.
2- الاتفاق خطوة متقدمة على طريق تطبيع العلاقات التركية ــــ الأميركية. فللمرة الأولى تتفق الدولتان على خطوة طالما كانت موضع خلاف بينهما. كذلك فإن توقيتها مهمّ لرأب الصدع، ولا سيما بعد صفقة صواريخ «إس 400». ويُظهر الاتفاق أن واشنطن قدمت تنازلاً مهماً لتركيا على أمل إعادتها إلى الحضن الأميركي من جديد في إطار الصراع الأميركي مع روسيا وإيران.
3- الاتفاق يقوّي موقع تركيا في الأزمة السورية ويضع بيدها ورقة ضغط مهمة على «حلفائها» الروس والإيرانيين ويوسّع هامش المناورة أمامها. وبالتالي سيزيد من تعنتها في تطبيق اتفاق أستانا في شأن إدلب، كما سيُدخل مسارات الوضع في سوريا في متاهات جديدة.
4- يُظهر الاتفاق أن الولايات المتحدة باتت عاجزة عن التمسك بموقفها في حماية «حلفائها» (وحدات الحماية الكردية)، وبات همّها الأول منع تعرّض تلك «الوحدات» للأذى، وإبقاء جسمها العسكري سليماً من دون معرفة وجهة استخدامها لاحقاً: هل لحماية المناطق الباقية التي توجد فيها خارج المنطقة الآمنة أم لمهمات أخرى؟
5- ثمة سؤال أساسي عن موقف «وحدات الحماية الكردية» من الاتفاق. فقد عبّرت القيادات الكردية قبل أيام عن رفضها مشاركة تركيا في الدوريات داخل المنطقة المقترحة، وطالبت بقوات دولية أو أوروبية، فهل ستوافق اليوم على الاتفاق أم تعلن رفضها له؟ خصوصاً أنه في حال تطبيقه، سيكون انتصاراً كبيراً لتركيا على الأكراد من دون إراقة نقطة دم تركية واحدة. والأمر سيّان هنا بين أن تقوم تركيا بعملية عسكرية أو تدخل المنطقة سلماً تحت ستار الدوريات المشتركة مع انسحاب المقاتلين الأكراد منها. لذا فالموقف الكردي سيكون محرَجاً جداً في حال قبول الاتفاق، وسيجد صعوبة في تبرير الموافقة عليه أمام جمهوره.
6- وفي اتصال بالموقف الكردي، سيكون الاتفاق، حال تطبيقه، ضربة قوية لمشروع الإدارة الذاتية في منطقة «روج آفا» من كل النواحي الجغرافية والاجتماعية والسياسية، التي من أجلها كانت تفشل المحادثات بين الأكراد والدولة السورية. فالكلام في الاتفاق عن عودة اللاجئين السوريين إلى المنطقة الآمنة، استهداف مباشر لديموغرافية المنطقة من جانب تركيا، لمصلحة فئات من أصول تركمانية أو عربية موالية لها على حساب الوجود الكردي ذي الغالبية في بعض أجزاء المنطقة الآمنة.
7- والتساؤل هنا عمّا إذا كان الأكراد سيعيدون النظر في موقفهم من التعاون مع أميركا، وبالتالي يعاودون التواصل مع دمشق؟ أم سيرضخون للإملاءات الأميركية والتهديد بتركيا ليبقوا إلى جانب واشنطن؟
8- تبقى دمشق الغائب الأكبر عن معظم الاتفاقيات المتعلقة بسيادتها من اتفاقيات سوتشي وأستانا، إلى اتفاق المنطقة الآمنة اليوم. وبطبيعة الحال، سترفض دمشق اتفاق أنقرة جملة وتفصيلاً، وسيدفعها إلى الضغط أكثر على روسيا لاستعادة إدلب. ويكشف الاتفاق أيضاً تضليل أنقرة بأنها مستعدة لتطبيق اتفاق أضنة 1998 لضمان أمن حدودها مع سوريا، ويُدخل العلاقات التركية ـــ السورية في مزيد من انعدام الثقة والخصومة. وهذا ينقل الكلام إلى الموقف الروسي من اتفاقية المنطقة الآمنة ومما بعدها، وفي مقدمها إدلب.
الخارجية السورية تعلن رفضها الاتفاق الذي أعلن عنه "الاحتلالان الأميركي والتركي" حول المنطقة الآمنة
أعلنت الخارجية السورية رفضها على نحو مطلق الاتفاق الذي أسمته بـ "الاحتلالان الأميركي والتركي حول المنطقة الآمنة" وقالت الخارجية إن الإعلان هو اعتداء فاضح على سيادة سوريا ووحدة أراضيها وانتهاك سافر لمبادئ القانون الدولي، معتبرة أن الاتفاق يعري الشراكة الأميركية التركية في العدوان على سوريا التي تصب في مصلحة "إسرائيل" وأكّدت الخارجية السورية اليوم أن الجيش والشعب وداعموهم أكثر تصميماً على الحفاظ على وحدة التراب السوري وسلامته.
بيان الخارجية جاء بعد تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المحادثات مع الجانب الأميركي كانت ناجحة وبنّاءة وقد تم الاتفاق على المرحلة الأولى من المنطقة الآمنة. وهي إنشاء غرفة عمليات مشتركة. وأضاف أن أنقرة وواشنطن تسيران خطوة بخطوة باتجاه شرقيّ الفرات وأشار أردوغان إلى أنه كانت هناك فترة مباحثات لمدة ثلاثة أيام مع الوفد العسكري الأميركي بخصوص ممر السلام بسوريا، وأن تلك المباحثات سارت بشكل إيجابي، موضحاً أنه سيتم البدء بإنشائه (ممر السلام) مع إقامة مركز العمليات مع الأمريكيين".
وفي وقت سابق أمس الأربعاء توصلت أنقرة وواشنطن لاتفاق يقضي بإنشاء مركز عمليات مشتركة في تركيا خلال أقرب وقت لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة شمالي سوريا. جاء ذلك في ختام المباحثات التي جرت في مقر وزارة الدفاع التركية بأنقرة مع مسؤولين عسكريين أمريكيين بين يومي الإثنين والأربعاء وأعلنت وزارة الدفاع التركية في بيان استكمال المباحثات مع المسؤولين العسكريين الأمريكيين حول المنطقة الآمنة المخطط إنشاؤها شمالي سوريا.
الجيش يتقدم في ريف حماة الشمالي
إثر استعادته السيطرة على قرية الأربعين في ريف حماة الشمالي أول من أمس تمكن الجيش العربي السوري صباح أمس في أعقاب اشتباكات عنيفة مع مقاتلي «هيئة تحرير الشام» من السيطرة على قرية الزكاة المجاوِرة واستعاد الجيش العربي السوري السيطرة على قرية الأربعين في ريف حماه الشمالي الغربي بعد مواجهات مع عناصر جبهة النصرة ويمهّد هذا التقدم لاقتحام بلدات كفرزيتا واللطامنة والزكاة التي تضم أبرز معاقل الجماعات المسلحة في ريف حماة.
كما قتل وجرح عدد من المسلحين خلال صد الجيش العربي السوري تقدم أرتال تابعة لهم على محور الكتيبة المهجورة وبالتوازي مع ذلك أحبط الجيش السوري محاولة لما يعرف بتنظيم أجناد القوقاز بشن هجوم واسع لمؤازرة الجماعات المسلّحة في ريف حماة الشمالي وإدلب. بدوره الجيش العربي السوري صد هجوماً عنيفاً للمسلحين على محور الزكاة حصرايا في ريف حماه الشمالي. كذلك استعاد الجيش العربي السوري السيطرة على بلدة الزكاة شمال حماة للمرة الأولى منذ دخول الجماعات المسلحة إليها قبل 7 سنوات.
جاء هذا بعدما شنّ المسلحون في وقت متأخر من مساء الثلاثاء هجوماً كبيراً على مواقع الجيش في الزكاة وحصرايا ما اضطر قوات الجيش إلى «الانسحاب من بعض مواقعها المتقدمة» بحسب ما نقلت وكالة «سانا» عن مصدر عسكري. وأضاف المصدر أن «قوات الجيش صدّت الهجوم وانتقلت إلى الهجوم المعاكس وأعادت الوضع إلى ما كان عليه بعدما كبّدت الإرهابيين خسائر كبيرة».
ولم تهدأ الاشتباكات بين الجيش العربي السوري والفصائل التي تدعمها تركيا بمختلف مسمياتها منذ اندلاعها أول أمس الثلاثاء بعد تمهيد جوي وصاروخي مكثف من قبل الجيش العربي السوري الذي أصدر بياناً الإثنين الماضي أعلن فيه استئناف العمليات القتالية بعد فشل أنقرة في تنفيذ التزاماتها بتطبيق بنود اتفاق سوتشي ورفض المسلحين الانسحاب من مناطق خفض التصعيد إلى عمق 20 كم مع سحب السلاح الثقيل والمتوسط. وتتابع قوات المشاة التقدم بالتزامن مع الضربات الجوية والصاروخية المكثفة على تحصينات المسلحين على محاور بلدتي كفرزيتا واللطامنة، مسقط رأس ومعقل الرائد الفار من الجيش السوري جميل الصالح القائد العام لما يسمى "جيش العزة".
وكشفت مصادر في إدلب أن غرفة العمليات المشتركة للفصائل المسلحة أعلنت عبر أجهزة الاتصال لكافة مقاتليها النفير العام والاستعداد لتعزيز النقاط والتوجه إلى نقاط المواجهة مع الجيش السوري. وأشارت المصادر إلى أن اجتماعاً عُقد أول أمس الثلاثاء بين قيادات من الفصائل وضباط أتراك في نقطة المراقبة التركية في شير المغار شمال غرب حماة دون أي تفاصيل حول نتائج ذلك الاجتماع الذي تزامن مع دخول حاملات تقلّ عربات مدرعة عبر معبر أطمة تمت مشاهدتها خلال مرورها بالقرب من بلدة سرمدا شمال إدلب.
وقالت المصادر إن الفصائل المسلحة عممت إلى كافة المشافي الميدانية المتوفرة في المناطق الواقعة قرب الاوتستراد الدولي حلب دمشق برفع حالة الاستنفار لتقديم العلاج لجرحى المعارك مع الجيش السوري، وتحويل الحالات المرضية إلى مشافي أخرى. وأخلت الفصائل المسلحة معظم مقارها الرئيسية المعروفة، وأنزلت الرايات منها، وأصدرت تعميماً بمنع التجمعات العسكرية، منعاً لاستهدافها بالغارات الجوية التي حققت عدداً من الأهداف خلال الـ 24 ساعة الماضية قضت فيها على عدد كبير من المسلحين، ودمّرت آلياتهم خلال توجههم إلى محاور القتال.
ونعت الفصائل المسلحة عدداً كبير من مقاتليها خلال المعارك الأخيرة مع الجيش العربي السوري على محوري الزكاة والأربعين من بينهم عدد من المقاتلين المختصين برصد حركة الطائرات الحربية في الأجواء.
وبموازاة ذلك استشهد عدد من المدنيين نتيجة انفجار سيارة مفخخة وسط بلدة القحطانية في ريف الحسكة الشمالي الشرقي. وفي التفاصيل، فإن «إرهابيين فجروا سيارة مفخخة كانت مركونة بجانب مركز الاتصالات في بلدة القحطانية ما أدى إلى استشهاد عدد من الأشخاص بينهم 3 أطفال» وفقاً لما ذكرته «سانا» أيضاً. وفي وقت لاحق، أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن تفجير السيارة بحسب ما أوردته مواقع تابعة للتنظيم.
البنتاغون: داعش يعاود الظهور في سوريا مع انسحاب القوات الأميركيّة
من جهة ثانية أعلن البنتاغون أن تنظيم داعش يعاود الظهور في سوريا مع انسحاب القوات الأميركيّة وأنه عزز قدراته في العراق خلال الربع الأول من هذه السنة مضيفاً أن التنظيم عزز شبكة سرية في سوريا والعراق فيما يختبئ أعضاء منه في مخيم الهول للاجئين.
هذا وأكّد البنتاغون أنَّ داعش استطاع توحيد ودعم عمليات في كلا البلدين مشيراً إلى أنّ القوات المحليةَ غير قادرة على مواصلة عمليات طويلة الأجل أو شن عدة عمليات في وقت واحد أو الحفاظ على الأراضي التي استعادتها، على حد تعبير بيان البنتاغون.
لقاء سوري ـــ عراقي في القائم: افتتاح المعبر مطلع أيلول؟
بعد مرور أكثر من خمسة أعوام على إغلاق المنافذ البرية كافة بين سوريا والعراق وآخرها معبر اليعربية الحدودي بعد هجمات متزامنة لتنظيم «داعش» على مناطق حدودية بين الدولتين يستعد البلدان لافتتاح أول معبر برّي بينهما. وعلى رغم مرور أكثر من عامين على التقاء وحدات الجيشين السوري والعراقي على الحدود وتطهير مساحات واسعة منها وتحرير مدينة البوكمال، بقي قرار إعادة فتح المعابر معلّقاً لحين توافر «الظروف المناسبة».
خطوة فتح المعابر واجهت رفضاً أميركياً، إذ رأت واشنطن أنها تهدف الى فتح جسر برّي لإيران من العراق إلى سوريا، ثم إلى لبنان وهو ما دفعها إلى نشر نقاط مراقبة على امتداد الحدود السورية ــــ العراقية، في محاولة لمنع تحركات غير مرغوب فيها على الحدود. إلا أن ارتفاع حدة العقوبات الاقتصادية على سوريا ورغبة الجانب العراقي في الانفتاح على دمشق، دفع الجانبين إلى التفكير جدّياً في تجاوز «اعتراضات» واشنطن، والمضيّ في خطوة فتح المنافذ، على اعتبار أن ذلك قرار سيادي عراقي وحاجة سورية ملحّة.
وفي هذا السياق زار وفد عسكري سوري أول من أمس منطقة القائم العراقية والتقى قيادات أمنية وعسكرية عراقية لمناقشة الجوانب التقنية من خطوة فتح المعابر. وأكدت مصادر مطلعة أن «الوفد السوري جال برفقة ضباط عراقيين على المنطقة الحدودية بين القائم والحصيبة لاستكشاف عدة نقاط حدودية ولاختيار نقطة مناسبة وتحويلها إلى معبر بري بين البلدين». ولفتت المصادر إلى أن «الجانبين السوري والعراقي ناقشا الواقع الأمني والعسكري للحدود بين البلدين وأهمية التنسيق الكامل بينهما، للحفاظ على أمن الحدود». وبعد ساعات من زيارة الوفد السوري أعلنت قيادة عمليات «الحشد الشعبي» في الأنبار عن «خطوات تُتخذ لفتح معبر البوكمال الحدودي مع سوريا، خلال فترة قريبة».
كذلك نقلت وسائل إعلام عن نائب قائد عمليات الأنبار في «الحشد»، أحمد نصر الله تأكيده تحديد موعد قريب لفتح معبر القائم الحدودي مع سوريا. وقال نصر الله: «(إننا) اليوم نقف في منفذ القائم الحدودي وبالتعاون مع قيادة حرس الحدود والجانب السوري، وبالمساعدة بين الجيش والشرطة وهيئة الجمارك، وبحسب توجيهات رئيس الوزراء، سيُفتَح منفذ القائم الحدودي في مطلع شهر أيلول القادم»، مؤكداً أن «الحشد الشعبي داعم لرفع مستوى الاقتصاد العراقي والحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها».
ما بعد «أستانا 13»: كسر «الجمود» من إدلب إلى شرقيّ الفرات
أعادت سخونة التهديد التركي بإطلاق تحرك عسكري في الشمال السوري وزخمُ العمليات في إدلب ومحيطها بعد نعي «الهدنة» من جانب دمشق، الديناميكية إلى المشهد الميداني الذي كان عالقاً قبل «أستانا 13» في دائرة معارك «الاستنزاف» المحدودة في ريفي حماة واللاذقية. انتهاءُ «الهدنة» وعودة الغارات والقصف المتبادل على أطراف منطقة «خفض التصعيد» في محيط إدلب تترك كلها الباب مفتوحاً أمام الاشتباك المباشر على محاور عدة وسيكون ممكناً استقراء مسار تطوّر تلك المعارك وفق توزّع المحاور التي قد تشتعل في الأيام القليلة المقبلة بما سيحمله ذلك من أثر مباشر في الخطوات التركية المفترضة شرقي الفرات.
في موازاة «محادثات أنقرة» العسكرية الأميركية ـــ التركية كان لافتاً تأكيد وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر أمس أن بلاده «لا تطمح إلى التخلي» عن «قوات سوريا الديموقراطية» وهي ستعمل على «منع أي إجراء أحادي من شأنه الإضرار بمصالحها مع كل من تركيا وقوات سوريا الديموقراطية». ولم يفت إسبر، كما سلفه، الإشارة إلى أن واشنطن ترغب في العمل مع أنقرة لمعالجة «مخاوفها الأمنية الشرعية» في الشمال السوري. جاء هذا المستوى من المواقف الأميركية عقب تصريحات جديدة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تضمنت تعهداً بالانتقال إلى «مرحلة جديدة» من العمل ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، والدفاع عن مصالح تركيا في سوريا «من طريق القوة الناعمة والدبلوماسية القوية، أو السياسة الواقعية عند الضرورة».
وبينما أفادت معلومات بوصول تعزيزات جديدة لقوات «التحالف الدولي» المنتشرة في المناطق الحدودية شرقي الفرات عكست الأوساط المقربة من «قسد» وجود استعداد لاحتمالات تحقّق التهديدات التركية. وتشكّل مناطق منبج وتل أبيض وعين العرب (كوباني) النقاط الأبرز على لائحة الحراك العسكري التركي المفترض دون تحييد تل رفعت ومحيطها عن اللائحة رغم خضوعها لتوازنات مختلفة. في مقابل هذه القراءة «الواقعية» للوعيد التركي ترى مصادر متابعة لملف شمال شرقيّ سوريا أن الوزن الأهم للتصعيد التركي سيكون على طاولة المحادثات مع واشنطن لا في الميدان. وتضيف أن الجانب التركي يعرف أن تحرّكه العسكري قد يفضي إلى «تماس» مع القوات الأميركية أو الأوروبية المنتشرة في مناطق «قسد»، وهو ما سيعزز موقف الجناح المناهض لأنقرة في الإدارة الأميركية، ويضعف توجّه الرئيس دونالد ترامب الباحث عن «حلول وسط» مع حليفه «الأطلسي». كذلك تبني المصادر نفسها على ما سبق لتستبعد احتمالات وقوع اجتياح تركي لمناطق خاضعة لسيطرة «التحالف الدولي» دون اتفاق مسبق وواضح مع الجانب الأميركي بالحد الأدنى.
طريق النفط الإيراني والعراقي إلى أوروبا: توتر مضيق هرمز يحيي «البوابة السورية»!
مع أن مشروع تصدير النفط العراقي عبر سوريا لم يتعدّ في كل مرة يطرح فيها مرحلة التفكير والمبادئ فإن ما يواجه كلاً من سوريا والعراق وإيران حالياً من ضغوط وعقوبات أميركية وما تشهده منطقة الخليج من تطورات لا يُعرف كيف ستؤول نهايتها، يدفع المشروع مجدداً إلى واجهة الاهتمامات الجدية للدول الثلاث مع توقعات ببدء مناقشة إجراءات التنفيذ، التي ستكون طويلة ومكلفة مالياً، ولا سيما أن تصدير النفط الإيراني والعراقي عبر المرافئ السورية يحقق ثلاث فوائد في آن واحد. فمن جهة، تضمن طهران وبغداد بديلاً اقتصادياً استراتيجياً لتصدير نفطها في ظل التهديد المستمر وحالة اللااستقرار في مضيق هرمز. ومن جهة ثانية سيوفر المشروع مزيداً من الوقت والتكلفة.
المنفعة الثالثة تكمن في نجاح الدول الثلاث المصنفة حالياً ضمن محور سياسي واحد في تشكيل نواة لتعاون وتكامل اقتصادي بعيد المدى على غرار بعض التجارب العالمية وهذا هو «الأمثل» في رأي خبير الطاقة الدكتور زياد أيوب عربش الذي يؤكد أن «وجود تعاون مشترك... هو الخيار الأفضل فالعراق محكوم بميناء ضيق وسوريا تمثل بوابة نفطية للبلدين ولن نذكر بقية الدول التي اتخذت موقفاً عدائياً من سوريا لأسباب عدة، منها محاولة تحجيم دورها في طرق العبور ما دامت لم ترتهن لهم».
على عكس الاعتقاد السائد لم يكن طرح المشروع نتيجة الظروف الحالية المحيطة بالدول الثلاث كذلك فإن إيران ليست صاحبة المبادرة والأهم أيضاً أن التعاون النفطي بين الدول الثلاث أُطّر سابقاً في مشروعين تبلغ تكلفتهما نحو 18 مليار دولار. فالخطوة التنفيذية الأولى لهذا التعاون وفق مسؤول نفطي سابق جرت في 2010 مع توقيع كل من سوريا والعراق مذكرة تفاهم لتنفيذ مشروع لنقل نفط الأخير إلى موانئ التصدير السورية. يذكر المسؤول السابق أن تنفيذ المشروع وفق مذكرة التفاهم كان سيصير على مرحلتين: الأولى تتضمن إنشاء خط لنقل النفط الخفيف بطاقة قدرها 2.25 مليون برميل يومياً، مع إنشاء خط غاز موازٍ له لتأمين الوقود الغازي اللازم لمحطات ضخ النفط على طول مسار الخط البالغ نحو 1278 كلم. والمرحلة الثانية إنشاء خط آخر لنقل النفط الثقيل بطاقة قدرها 1.5 مليون برميل يومياً وخط آخر لتصدير الغاز الطبيعي من العراق إلى سوريا أو دول الجوار. وقد قُدّرت آنذاك التكلفة التقديرية للمرحلتين بنحو 10 مليارات دولار أميركي.
المشروع الثاني وهو ظهر رسمياً بعد ثلاث سنوات على طرح الأول، يتضمن إنشاء خط أنابيب لتصدير الغاز الإيراني إلى السوق الأوروبية عبر العراق، فسوريا، فاليونان وإيطاليا، وقد وُقِّعَت في 2013 اتفاقية إطارية بين الدول الثلاث المذكورة لتنفيذ مشروع نقل الغاز الإيراني عبر العراق إلى سوريا. ويتضمن المشروع إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي بطول 185 كلم، وباستطاعة نقل قدرها 110 ملايين م3 من الغاز يومياً. وقد قُدّرت تكاليف تنفيذ المشروع حينذاك بنحو ثمانية مليارات دولار.
كل الحسابات تغيرت!
بعد سنوات على توقيع الاتفاقيتين المذكورتين، لم تتغير الحسابات المالية للمشروعين فقط، بل تغيرت الحسابات السياسية والاقتصادية فالوجود الأميركي في الشرق السوري وحضور القوات المتزايد في العراق بحجة القضاء على تنظيم «داعش» زادا المخاطر التي يمكن أن تواجه المشروعين، ولا سيما أن واشنطن وفق الدكتور عربش، تسعى للإمساك جيداً بمنابع النفط والغاز وتدفقاتهما وأسعارهما في السوق العالمية «بغية التحكم بإمدادات الطاقة المتجهة نحو الدول المنافسة اقتصادياً لها كالصين» كذلك فإنّ من غير المتوقع أن تقف إدارة دونالد ترامب مكتوفة الأيدي وهي ترى إجراءات حصارها النفطي لطهران ودمشق تنهار أمام ناظريها.
أيضاً لا تخرج إسرائيل خارج دائرة الحسابات المفترضة، خاصة أنها تعمل منذ بداية الحرب السورية على مشروع يجعل مرافئها بوابة للخليج وبعض الدول العربية نحو أوروبا والعالم، سواء لتجارة ونقل الترانزيت، أو لتصدير النفط والغاز. ومع «صفقة القرن» والتطبيع الخليجي المتزايد، ستتمسك إسرائيل أكثر بمشروعها الذي قد يكتب له التحقق على الأقل لبعض دول الخليج كالسعودية. وقبل سنوات كان ثمة طرح دعمته أطراف عربية، تمثل في تأمين مستوردات العراق عبر ميناء حيفاء عوضاً من مرفأي طرطوس وبيروت، لكن أطراف عراقية وطنية عارضته جملة وتفصيلاً.
أما تركيا التي لا تقل أهمية كبلد عبور، فإن حساباتها السياسية جعلتها تخرج من المشهد الإقليمي للطاقة رغم استمرار تعويلها على قطر «المخنوقة» حالياً من السعودية. ويبقى السؤال: ماذا عن موقف روسيا، هل ستسمح للغاز الإيراني بأن ينافس إمداداتها المتجهة إلى السوق الأوروبية، وهي التي يقال إنها أفشلت مشروعاً قطرياً مشابها قبل سنوات؟ تذهب معظم التحليلات إلى أن موسكو تفضّل وجود شريك أو حليف غازيّ لها في السوق الأوروبية، على أن تدخل في مواجهة مع منافس مدعوم أو محسوب على الولايات المتحدة. وكما يشير عربش، هناك دول مستهلكة تنظر بعين الرضى إلى بروز قوى إقليمية تحدّ الهيمنة القطبية الوحيدة، خاصة بعد خسارة واشنطن فرصة تاريخية من انهيار الاتحاد السوفياتي لقيادة العالم، ولذلك «يصبّ تمرير الأنبوب النفطي والغازي الإيراني في مصلحة موسكو مرحلياً».
المستفيد الأكبر
إذا كانت التطورات السياسية والعسكرية التي أعقبت توقيع الاتفاقيتين تفرض إعادة قراءة ما حملته تلك التطورات من متغيرات جيوسياسية وتأثيراتها المحتملة في المشروعين قبل المباشرة في أي منهما، فإن الحسابات الاقتصادية المشتركة والخاصة للدول الثلاث تضغط للإسراع في التنفيذ؛ يبدو أن سوريا ستكون الأكثر تنوعاً في الفائدة الاقتصادية المتحققة لها، والتي أبرزها دون شك تأكيد الأهمية الجغرافية لها كبلد عبور لإمدادات الطاقة بمختلف أنواعها، وتالياً تشجيع دول أخرى في المنطقة لإقامة مشاريع مشابهة.
وكما يذكر المسؤول النفطي السابق، هناك ست مصالح يمكن لدمشق أن تستفيد منها في حال تصدير النفط العراقي والغاز الإيراني عبر المرافئ السورية. أولى هذه المصالح «تأمين مصادر مستقرة للنفط والغاز من شأنها سد جزء من احتياجات البلاد، وتحقيق الأمن الطاقي للدولة السورية» في الوقت الراهن والمستقبلي، إضافة إلى «الحصول على إيرادات مالية تدعم الخزينة العامة لقاء أجور النقل والترانزيت لكميات لنفط والغاز عبر المرافئ». كذلك، يتعدى الطموح السوري مسألة تأمين النفط الخام والإيرادات المالية المتحققة إلى الرغبة أن يفتح المشروعان الباب أمام الشركات والدول لإقامة صناعات متطورة داخلها تحتاج إلى النفط والغاز كالصناعات البتروكيميائية والتكرير، وهو ما يمثل داعماً مهماً للاقتصاد مستقبلاً.
المزيد في هذا القسم:
- عجز الموازنات لدول الخليج يبلغ ذروته في العام 2016 والسعودية تستحوذ على أكبر نسبة المرصاد نت - فرانس برس توقع تقرير اقتصادي صدر الثلاثاء 20 سبتمبر/أيلول 2016 بلوغ عجز الموازنة لدول مجلس التعاون الخليجي ذروته عام 2016. وارجع التقرير أسباب...
- هل حان وقت ذبح النظام السعودي في مسلخ ترامب ؟ المرصاد نت - متابعات تشهد الساحة السياسية والإعلامية هذه الأيام تصريحات مهينة يكيلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد نظام بني سعود وشخص الحاكم سلمان بالذات. و...
- واشنطن تراوغ... وبيونغ يانغ تستأنف نشاطها «النووي»! المرصاد نت - متابعات في تغيّر مفاجئ للهجة حذّرت بيونغ يانغ من أنها تدرس «جدياً» إمكانية استئناف استراتيجيتها القاضية بتطوير برنامجها النووي إن لم ...
- توسّع صراع الفصائل المسلحة الإرهابية ومنبج تنتظر تفاهمات أنقرة ــ موسكو ! المرصاد نت - متابعات دخلت بلدات عدة في أرياف حلب وإدلب وحماة أتون معارك «هيئة تحرير الشام» و«الجبهة الوطنية للتحرير» تحت عين «نق...
- الجزائر : حرب بين أكبر حزبين... حول «تركة الرئيس»؟ المرصاد نت - محمد العيد يخوض مسؤولو أكبر حزبين في صفوف الموالاة في الجزائر، «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديموقراطي»، حرب تص...
- «حركة لبَّيك» تشلّ باكستان: الجيش إلى الشارع بعد إخفاق الشرطة؟ المرصاد نت - متابعات في تطوّر دراماتيكي شُلّت الحركة في إسلام أباد ومدن أخرى بعد أن خضعت تحت رحمة محتجين يطالبون بإقالة وزير العدل بتهمة «التجديف»...
- احباط اكبر مؤامرة للارهابیین التكفیریین في طهران المرصاد نت - متابعات اعلنت وزارة الأمن الإیرانیة عن احباط اكبر مؤامرة ارهابیة للجماعات التكفیریة الوهابیة في العاصمة طهران وعدد اخر من المحافظات الایرانیة....
- العودة عن الاستقالة: انقلاب آل سعود لن يمرّ المرصاد نت - متابعات «تريث» الرئيس سعد الحريري في تقديم استقالته له معنى واحد: العودة عنها وكل ما يشاع عن مؤتمرات حوار وبحث في سلاح المقاومة لا يع...
- أمريكا تكشف هوية زائر عربي بعد اتهامه بالتخطيط لمحاولة اغتيال جورج بوش المرصاد-متابعات أعلنت وزارة العدل الأمريكية، يوم الثلاثاء، اعتقال عراقي بتهمة المساعدة والتحريض على مؤامرة لاغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش (الابن). و...
- ليبيا : غسان سلامة تحت نيران «الوفاق»وحفتر يجهز لهجوم وشيك على طرابلس! المرصاد نت - متابعات منذ توليه مهمة رئاسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا منتصف عام 2017م اتُّهم غسان سلامة عدة مرات بالانحياز إلى أحد طرفي الصراع. وتزايدت الاتها...