المرصاد نت - متابعات
الزيارة المُقرَّرة سابقاً للرئيس الروسي إلى السعودية والإمارات تزامَنت مع أربعة أحداثٍ لافِتة: أولها، قيادة باكستان لوساطةٍ جدّيةٍ بين إيران والسعودية. ثانيها بدء إعادة النظر بالحرب على اليمن مع توفّر قناعة إماراتية سعودية باستحالة كَسْبِ الحرب هناك. ثالثها وأكثرها دلالة إعلان الرئيس ترامب الشروع بسحب قوّاته من سوريا وبدء نشر قوات جديدة في السعودية بعد تكفّل الرياض بدفع فواتير التكلفة. ورابعها بدء تركيا توغّلاً عسكرياً واسعاً على طول حدودها الجنوبية مع سوريا ترتَّب عليه إدانة عربية ودولية واسعة.
طبعاً، لا تناقُضات ترامب اليومية تجاه قضايا المنطقة ولا استفاقة سعودية متأخّرة لأهمية روسيا هو ما يُفسِّر الاستقبال الحاشِد المُبالَغ به لفخامة بوتين على الأراضي السعودية. العَراضة كانت مقصودة للإيحاء بأهميّة المملكة في المنطقة وعلى الصعيد العالمي بعد تزايُد عزلتها عقب جريمة تقطيع خاشقجي، ورسالة ضمنية لمَن يهمّه الأمر أن السعودية لا تُعدِم الخيارات في تنويع تحالفاتها الإستراتيجية في رسم مسارٍ جديدٍ يُثبت الحضور الفاعِل والمُتزايد لها إقليمياً ودولياً. لكن لا هذه، ولا تلك قد تؤتي أُكلها، نزولاً عند رغبة الحاكِم الفعلي للمملكة الأمير محمّد بن سلمان.
الزيارة الثانية لبوتين إلى السعودية منذ تولّيه الحُكم في روسيا وبعد انقطاع دام إثنتي عشرة سنة هي باختصار أكبر من أن تكون بروتوكولية ردَّاً على زيارةٍ سابقةٍ قام بها العاهِل السعودي الملك سلمان إلى موسكو عام 2017م وأقلّ من أن تكون استراتيجية.
المصالح الروسية الخليجية مُستجدّة نعم، لكنّها تتقدَّم بسرعةٍ لافتة. وتقاطُعاتها أكبر من الاختلافات القائِمة بينهما، والرغبة في توسيع العلاقات وتنوعيها مُتبادَلة.
دول الخليج تعيش مرارة التحوّلات الدولية الكُبرى. فأوروبا لم تعد عنصراً فاعِلاً في قضايا الشرق الأوسط خارج المظلّة الأميركية، والولايات المتحدة تعيش تحوّلات استراتيجية ضخمة مع تنامي التنّين الصيني وعودة روسيا القيصرية إلى الساحة الدولية.
وتراجُع أهمية نفط المنطقة مع ظهور اكتشافات جديدة في مناطق مختلفة من العالم وداخل الولايات المتحدة، وسياسات تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة العالمية، عوامل أساسية في تراجُع الأهمية القصوى لمنطقة الشرق الأوسط في الحسابات الأميركية.
هذا الفراغ الإستراتيجي في المنطقة الناتِج من انحسار الدور الأميركي تحاول أن تملأه أربع دول فقط، إذا ما استثنينا الدور الصيني القاصِر حتى اللحظة على الأبعاد الاقتصادية التي من دون شك سيلحق بها نفوذ سياسي في ما بعد.
الدول الأربع أهمّها روسيا تليها في الأهمية إيران وتركيا ثم إسرائيل. والمُتضرِّر الأكبر من انحسار الولايات المتحدة وضعف النفوذ الأوروبي هو إسرائيل التي تخسر ظهيراً منيعاً في مواجهة العرب، والمُستفيد الأكبر هو روسيا التي تحاول إرث كامل التَركة الأميركية في المنطقة. أمّا الإيراني والتركي فينافس كلّ منهما على حجز مكانة تليق بتاريخه وحجمه وموقعه الجغرافي.
وسط هذا الواقع فإنّ دول الخليج التي تتقارب مع إسرائيل إلى حدود الصدمة بنفس المسافة التي يتزايد فيها عداؤها لإيران وتركيا، لا تملك القدرة على المناورة كثيراً.
بوتين يُدرِك تماماً أن دول الخليج ولأسبابٍ موضوعيةٍ وعلميةٍ عاجزة عن التفلّت تماماً من الهيمنة الثقافية والعسكرية والاقتصادية الغربية ومديات ومستويات تقارُبها مع روسيا تبقى ضمن الدائرة المسموح بها اللعب غربياً.
فلا بأس بعشرات الاتفاقيات في مجالات الترفيه والاقتصاد وقطاعات التكنولوجيا المُتطوّرة ولا سيما الذكاء الاصطناعي والطاقة والبنى التحتية وغيرها مع روسيا، لكن من دون سقف بناء شراكة إستراتيجية تبعد دول الخليج عن الدوران في فلك المنظومة الغربية.
روسيا اليوم تحاول حماية نفسها من العقوبات الأميركية وتريد شركاتها الضخمة البحث عن أسواقٍ جديدةٍ لمُنتجاتها، وموروثها العلمي في مجالات التكنولوجيا الدقيقة وغيرها مع رُخص تكلفتها مزايا جديدة تُغري الراغبين.
يُدرِك بوتين ذلك جيّداً، كما يُدرِك حجم التناقُضات القائمة في المنطقة، ويُدرِك حجم العداء وانعدام الثقة بين حليفه الرئيس الأسد وبقيّة "مشيخيات الخليج". يعلم مدى الرُعب الخليجي من الجار الشرقي الإيراني الذي تحوَّل إلى "فوبيا"، كما يعي تماماً حجم الحَذَر والغَضَب الخليجيين المُتنامين من تركيا الجار الشمالي العائِد بقوَّة.
يلعب بوتين في المساحة المُتاحة ويتحرَّك بذهنية التاجِر الذي يوازِن بين بضاعته وبضاعة الآخرين في بزار حيث الجميع لديه حسابات ومصالح تتضارب حيناً وتتماهى أحياناً.
وهو يُراهِن على علاقات بلاده الجيّدة مع السعودية وإيران للعب دور "صانِع السلام" في التوتّر الإيراني السعودي. ماهِر هو في استثمار المواقف، حيث أظهر ودَّاً مُبالغاً به أمام الكاميرات مع الأمير محمّد بن سلمان في أوج عزلته الدولية عقب جريمة خاشقجي، ورفض التسرّع باتهام إيران باستهداف شركة أرامكو السعودية، خلافاً للموقفين الأميركي والأوروبي. بل وجدها فرصة للعَرض على الرياض شراء منظومات روسية للدفاع الجوي بهدف حماية أراضيها.
إعادة سوريا إلى حضن جامعة الدول العربية وإعادة المياه إلى مجاريها بين الرئيس الأسد وحكَّام الخليج بعد إشراكهم في مُحادثات أستانة ومساعدة السعودية والإمارات للخروج الآمِن من اليمن مع حفظ ماء وجهيهما في خسارة حرب دامت خمس سنوات ولم تحقِّق شيئاً يُذكَر واستثمار العداء الخليجي لجماعة الإخوان المسلمين وبعض التيارات الوهّابية في كَبْحِ جماح التطرّف الإسلامي وسط المسلمين الروس وفي الجمهوريات السوفياتية السابقة. جميعها قضايا تؤسِّس لبداية علاقاتٍ دائمةٍ بين روسيا بوتين وبين الملكيات الخليجية فهل سينجح الطرفان في ذلك؟
المزيد في هذا القسم:
- الإمارات تتآمر على دول المنطقة ..لَعب بالنار أم سقوط الأقنعة؟ المرصاد نت - متابعات بدأت أحجار دومينو السياسة الخليجية في المنطقة والعالم تتساقط الواحدة تلو الأخرى لتكشف المستور عما كان يجري في كواليس تلك الدول من مؤامرات...
- الإذاعة الاسرائيلية تفضح التعاون الأسرائيلي - السعودي .. والاخيرة ترد من مصر! المرصاد نت - متابعات ردت السعودية على ما نشرته وسائل إعلام عن موقع الإذاعة العبرية بشأن تعاون وتعاقد الرياض مع إحدى الشركات الإسرائيلية لتأمين الحجاج خلال موس...
- بارزاني يدعو ألمانيا إلى تسليحه ضد "داعش" طلب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في حديث مع صحيفة بيلد الشعبية الألمانية اليوم الاحد من حلفائه و"من المانيا أيضاً"، "أسلحة قوية" لمقاتليه. وأضاف: "نو...
- اللاجئون الفلسطينون في لبنان... عندما يكون الألم مُشترَكاً! المرصاد نت - متابعات (فلسطين ولبنان) جِراح طويلة بل عميقة فهما في الهمّ سواء.. جاءت النسخة الحديثة مع أحداث السادس من حزيران/ يونيو الماضي عندما أطلقت وزارة ا...
- هيومن رايتس ووتش: تنظيم "داعش" يعذب ويغتصب نساء العراق المرصاد نت - متابعات قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم الاثنين أنه يوجد حالات تعذيب واغتصاب ضد نساء عراقيات فررن من الحويجة في العراق. وقالت المنظمة إن م...
- أبرز التطورات السياسية والعسكرية في المشهد السوري! المرصاد نت - متابعات استقبل الرئيس بشار الأسد اليوم الإثنين المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف ونائب وزير الخارجية الروسي ...
- برعاية تركية .. رئيس الموساد يلتقي بوزيري خارجية السعودية وقطر متابعات : كشف الخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان عن زيارة لرئيس الموساد الإسرائيلىلعقد لقاء سري مع بعض وزراء خارجية الدول المشاركة في قمة المؤتمر الإسلامي. ...
- سيناتور أمريكي:ارهابيو حركة نور الدين الزنكي يقبضون رواتبهم من واشنطن المرصاد نت - متابعات أكد السيناتور الأمريكي ريتشارد بلاك مجددا أن الادارة الامريكية تقدم الدعم المالي للتنظيمات الارهابية وتدفع الرواتب لارهابيي حركة نور الدي...
- في انتظار عودة الروح الى الأمة: صورة مقربة للواقع العربي.. المهين! المرصاد نت - متابعات لكأنما يدور التاريخ بالعرب القهقرى ليرميهم خارج العصر وخارج أحلامهم وتمنياتهم وإنجازاتهم المنقوصة في القرن العشرين: قبائل وعشائر ببطون وأ...
- تاريخية العدوان على سوريا … أردوغان والأوهام العثمانية ! المرصاد نت - متابعات لطالما كان الحديث عن سوريا مميزا ًومعطرا ًبخصوصيتها وبعلاقتها الأبدية – الفريدة مع التاريخ وشهدت أرضها تعاقب الغزاة والحضارات فيما ...