أميركا تلعب الصولد: الوصاية أو الانهيار!

المرصاد نت - متابعات

بعد بطولات العشرية الأولى من الألفية الجديدة، صارت أميركا لاعباً في مقاعد المعطّلين. كانت هذه مَهمة المشاغبين، من القوى الصغيرة المعترضة في العالم، لكن، اليوم، أميركا لم تعد قادرةLobnanao2019.12.19 على صنع وقائع كبرى بل باتت تلعب دور المعطّل والمعرقل والمخرّب لا أكثر ولا أقل: أعطوني حصتي أو أهدم السقف عليكم؛ أغيثوا جماعتي نيابةً عني أو تحل اللعنة عليكم؛ اتركوني أرحل بهدوء واحفظوا مصالحي من بعدي أو لا أغادر إلا بعد التأكّد من أن نصيبكم هو الخراب فقط.

عندنا نفد صبر الأميركيين. لا يطيق الرجل الأبيض عدم استجابة العبيد لمطالبه، فكيف سيطيق تمرّدهم عليه؟ وإذا كان في المشرق العربي من يعتقد أنه قادر على هزيمة أميركا وطرد جماعاتها وإضعاف الأنظمة الحليفة لها فإن العمّ سام يقول له: لا أزال أمسك بشرايين حياتكم، طالما أن الاقتصاد العالمي يخضع لشروطي وطالما أن الدولار هو عملة التداول.

في لبنان الحسبة بسيطة جداً. فبعد فشل مشروع الإمساك بلبنان من قبل قوى حليفة لأميركا وفشل الحرب الإسرائيلية عام 2006م وفشل الحرب على سوريا وتغيّر الوضع في العراق وعدم سقوط النظام في إيران واستعادة المقاومة زمام المبادرة في غزة تقول لنا أميركا بأنها مستعدّة لقلب الطاولة. وهي باشرت خطوات كثيرة من حولنا. أما عندنا فهي تخاطبنا بالدم والدموع وتقول لنا: إما الوصاية المباشرة أو الانهيار!
لم تعد أميركا تثق بأي وعد من قبل الناس في لبنان لا سعد الحريري ولا 14 آذار ولا كل آكلي الكبّة النية والتبّولة والعرق. هي تريد التأكّد بنفسها من إدارة الأمور وفي كل الجوانب. ومن تريدهم في الحكم مجرد أدوات يخضعون لإشراف مباشر منها وبواسطة المؤسسات الدولية الخاضعة لسلطتها. وجدول أعمالها يشمل كل شيء وفق برنامج قيل بعضه لمن يهمه الأمر وقيل بصورة أوضح للآخرين، وفيه:
في السياسة الخارجية:
تريد واشنطن أن يكون حياد لبنان عن المحاور الإقليمية انسلاخاً تاماً عن محور المقاومة. لا تريد أي شكل من أشكال التنسيق مع سوريا أو العراق خارج الإطار المناسب لها. وكل الملفات العالقة من النازحين إلى العلاقات التجارية أو ملفات الحدود يجب أن تكون خارج البحث إلا متى قررت واشنطن ذلك. وبالتالي، فإن أي حكومة يجب أن تعتبر نفسها غير معنيّة بهذا الملف ومن الأفضل عدم توزير أي جهة متورّطة في هذا النقاش.
في السياسة الدفاعية:
يباشر لبنان إجراءات عملية لضمان عدم وجود أي جهوزية قتالية مع إسرائيل. ويجري توسيع صلاحيات الجيش اللبناني بعيداً عن السلطة السياسية ومدّه بالغطاء الكافي للقيام بكل الأنشطة التي تضمن تقييد سلاح المقاومة بصورة عامة ووضع اليد على القوة الصاروخية للمقاومة، والقيام بكل الإجراءات الكفيلة بمنع المقاومة من أي نشاط إضافي على صعيد تعزيز القوة والردع جنوباً.
وفي هذا السياق على لبنان القبول من دون نقاش، بتعديلات جوهرية على عمل وصلاحيات القوات الدولية العاملة في الجنوب والاستعداد لتوسيع دائرة عملها وانتشارها لتشمل كل حدود لبنان الجنوبية والشرقية والشمالية والبحرية أيضاً. ويكون لها حق المبادرة بالتنسيق مع الجيش اللبناني لا تحت إشرافه.

ملف النفط والغاز:
يوافق لبنان على تفويض الحكومة الأميركية بإدارة ملف النزاع مع إسرائيل حول المنطقة الاقتصادية على أن تتولى شركات أميركية أعمال التنقيب واستخراج النفط والغاز في هذه المنطقة، ويترك لها إدارة الحصة المتنازع عليها وهي من يتولى توزيع الأرباح على الطرفين. ويجري الأخذ بالتوصيات الأميركية الكفيلة بضمان المباشرة بعمليات التنقيب والاستخراج بما في ذلك شكل ترسيم كامل الحدود الجنوبية البحرية منها والبرية. أكثر من ذلك فإن الولايات المتحدة التي تريد «الاستماع إلى أصوات الشعب» ستتولى هي مَهمة الإشراف على الأموال الناتجة عن النفط، وتحديد آلية ووجهة إنفاقها مع التشديد على ضرورة التزام لبنان سداد ديونه كافة ولا سيما الخارجية منها.
الاقتصاد والمال:
تعتبر أميركا أن لبنان فشل في كل التجارب ومن الضروري إيكال المَهمة كاملة إلى صندوق النقد الدولي الذي ينتقل إلى ممارسة الوصاية الكاملة على الملفات الاقتصادية والمالية والنقدية وفق رؤية تقوم على توسيع أعمال الخصخصة بقصد جلب استثمارات داخلية وخارجية وبالتالي بيع كل ما تبقّى من القطاع العام ثم تحرير النقد الوطني من كل دعم وجعل سعر الليرة أسير سوق العرض والطلب واعتماد السياسات التي تقلّص الإنفاق العام من خلال تقليص حجم القطاع العام عموماً وإلغاء كل أشكال الدعم الاجتماعي والاستثماري الذي تقول أميركا إنه باب للسرقة والهدر.
الإدارة العامّة للدولة:
تعتبر أميركا أن لبنان فقد أهليته لإدارة أموره بنفسه وبالتالي فإن منطق الوصاية يسمح باختيار الفريق المفترَض به تولي المسؤوليات العامة في كل مرافق ومؤسسات الدولة وستكون «لائحة فضلو خوري» جاهزة غبّ الطلب لملء المراكز وأي شواغر ومعها لوائح أخرى تعدّها مجموعات منتسبة إلى الحراك القائم بما في ذلك ترشيحات أتت هذه المرة من مموّلين لمنظمات غير حكومية. وعلى قول أحد دبلوماسيي شمال أوروبا فإن المموّلين لديهم خبرة بمن هو الأكثر كفاءة والأكثر أمانة أيضاً. وسيتم فرض نظام إداري جديد في البلاد يخضع لسلطة الحكومة خارج سلطات الرقابة التي «تُعيق الرشاقة في الإنتاج الإداري».
الصلاحيات والقرار:
بحسبما تريد أميركا، فإن الحكومة الجديدة يجب أن تتمتع بصلاحيات خاصة حتى تتمكّن من وضع يدها على كل مرافق الدولة وحتى تتمكّن من إعداد وتنفيذ البرامج المستعجلة لمعالجة المشكلات الاقتصادية والمالية، وهذا يعني ضرورة أن يتخلى مجلس النواب عن قسم كبير من صلاحياته التشريعية لهذه الحكومة كما يُفترض برئيس الجمهورية أن يحترم دستور الطائف الذي يجعل القرار قائماً في مجلس الوزراء فقط. وبحسب «الموال» المذكور فإن الحكومة «ستستجيب لتطلعات الشعب» الذي لا يريد أياً من أركان الطبقة السياسية الحالية وبالتالي لا يمكن للقوى السياسية أن تمارس أي رقابة من خلال المؤسسات أو حتى من خلال الشارع.
هذه هي حكومة العمّ سام التي يرشّح نواف سلام لرئاستها!

حسان دياب رئيساً للحكومة بـ70 صوتاً اليوم؟ واشنطن تُخرج الحريري من السباق
لم يعد السيناريو الأميركي سرّاً. فقد خرجت به الولايات المتحدة يوم أمس إلى العلن. فالانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية الذي بدأ باستقالة وزراء حزب القوات اللبنانية وهم الأداة الأسهل والأكثر التزاماً بالأوامر الأميركية - السعودية وتلته استقالة مفاجئة لرئيس الحكومة سعد الحريري لشلّ البلد ومؤسساته؛ استكمل بحرق الحريري عبر تجريده من الصوت القواتي وإجباره على عدم الترشح مجدداً إلى رئاسة الحكومة. والمصادفة هنا أن رئيس الحكومة المستقيل كان قد تفرّغ خلال الشهر الماضي لحرق كل مرشح غيره بمساعدة دار الإفتاء ولما أتمّ مهمته لدى الأميركيين أحرقوا حظوظه هو الآخر. لم يعد سرّاً أيضاً أن الولايات المتحدة الأميركية بسلوكها الحالي، تدفع نحو المواجهة الداخلية والفوضى وتجهد لتغيير المشهد السياسي اللبناني والانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية التي حدّدت القوى السياسية وأحجامها وتشكلت الحكومة بناءً عليها.

خط التوتر الأكثر خطورة في البلاد هو خط التوتر السني - الشيعي لذلك سعى حزب الله وحركة امل، بحسب مسؤولين في 8 آذار منذ لحظة استقالة الحريري للتمسك بالتفاهم مع الأخير «لا لسبب سوى لأنه الأكثر تمثيلاً للطائفة السنية ولا تندرج المحاولات الحثيثة للتفاهم معه أو مع من يسميه إلا لحماية البلد من فتنة طائفية يخطط لها أعداء لبنان»، إذ يندرج «إحراق» اسم الحريري يوم أمس ودفعه إلى التنحي في خانة الأهداف الأميركية لمنع أي تنسيق بين الطرفين الأكثر تمثيلا ًللطائفتين السنية والشيعية.

القرار الأميركي ليس جديداً بل أعلن عنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عبر الطلب من الشعب اللبناني رفض وجود حزب الله. اتضحت معالمه أكثر يوم أمس. ففي اليوم السابق زار الحريري عين التينة حيث أكّد لرئيس مجلس النواب نبيه بري أنه «ماشي» بخيار رئاسة الحكومة. لاقاه بري «في منتصف الطريق» عبر اقتراح حكومة من 18 وزيراً، 14 من التكنوقراط و4 من الأحزاب السياسية بحسب مصادر مطلعة على الزيارة. واقتضى الاتفاق أن يبذل الحريري جهداً باتجاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والقوات اللبنانية، لمحاولة الحصول على أصواتهم للتسمية في موازاة سعي بري لتأمين نحو 60 صوتاً للحريري، عبر إقناع حزبي الطاشناق والسوري القومي الاجتماعي والنائب إيلي الفرزلي وغيرهم بالتصويت لمصلحته... كان الرئيسان متوافقين إلا أن رئيس الحكومة المستقيل «أبلغ وزير المال علي حسن خليل والحاج حسين الخليل أمس بقراره عدم الترشح لرئاسة الحكومة، قبيل نحو نصف ساعة من إصدار بيانه». وعندما طُلِب من الحريري تسمية مرشّح من قبله، رد بالقول: «القصة عندكم. انتم حلّوا المشكلة».

لدى قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر معلومات بأن الأميركيين يدفعون باتجاه تسمية السفير السابق نواف سلام لرئاسة الحكومة. القوات اللبنانية التي انتقلت من تأييد الحريري إلى رفض تسمية أحد، سعت لإقناع الحريري نفسه بالتصويت لسلام الذي يستحيل أن يقبل به تحالف 8 آذار - التيار الوطني الحر. أمام هذه الوقائع، قرر التحالف المذكور المضي في الخيارات البديلة. كان اسم الوزير السابق حسان دياب أحد تلك الخيارات. استقبله رئيس الجمهورية أول من أمس. وبعد التشاور بين الحلفاء أمس عاد واستقبله مرة ثانية، ليؤكد دياب استعداده للقبول بالتكليف، «في حال كان ذلك سيؤدي إلى خفض التوتر في البلد».

وإذا لم تحصل مفاجآت صباحية فإن دياب سيُكلَّف تأليف الحكومة بأكثرية ربما ستصل إلى نحو 70 نائباً. هل هذا الخيار هو حصراً لإحباط تسمية نواف سلام ومنح الحريري فرصة إضافية للتفلّت من الضغوط الأميركية والقبول بـ«حكومة شراكة»؟ تنفي مصادر 8 آذار ذلك مؤكدة أن خيار دياب جدّي وهدفه «لمّ الأمور بالبلد». وتعوّل المصادر على عدم رفض دياب من قبَل الحريري الذي رجّحت مصادره ألا يسمّي أحداً في الاستشارات اليوم.

وكان الحريري قد أعلن في بيان «سعيه منذ استقالته لتلبية مطلب الشعب بتأليف حكومة اختصاصيين» لكن «المواقف التي ظهرت في الأيام الماضية من مسألة تسميتي غير قابلة للتبديل فإنني أعلن بأنني لن أكون مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة». وأعلن دعوته كتلة المستقبل للاجتماع صباح اليوم لتحديد موقفها من مسألة التسمية وتوجهه «للمشاركة في الاستشارات النيابية على هذا الأساس، مع إصراري على عدم تأجيلها بأي ذريعة كانت». الجملة الأخيرة أثارت غضب رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر فردّ مستشار الرئيس سليم جريصاتي بتغريدة متوجهاً إلى الحريري بالقول: «لا يعود لك أن تصر على إجراء الاستشارات وعلى عدم تأجيلها مهما كانت الذريعة ذلك أن هذا الاختصاص بحسب الدستور هو حصراً لرئيس الجمهورية وأنت تشكو دوماً من تجاوز مزعوم لصلاحيات رئيس الحكومة».

بدوره أصدر المكتب الإعلامي لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بياناً انتقد فيه «استنسابية» الحريري في التعامل مع الاستشارات النيابية كما حصل سابقاً عبر طلبه تأجيلها أو فرض إجرائها كما يريد «فيما هي صلاحية حصرية لرئيس الجمهورية يستعملها بحسب ائتمانه على المصلحة العامة والدستور». من جهة أخرى أشاد باسيل «بالموقف المسؤول الذي اتخذه سعد الحريري وأنه ذاهب إلى الاستشارات النيابية الملزمة». ورأى فيه «خطوة إيجابية نتمنى أن يستكملها بأن يقترح من موقعه الميثاقي شخصية موثوقة وقادرة ليعمل على التوافق عليها والتفاهم معها حول تشكيل حكومة، تحظى بثقة الناس وتأييد الكتل البرلمانية الوازنة فضلاً عن ثقة المجتمعين العربي والدولي».

على خطّ آخر أثار بيان ستريدا جعجع حفيظة تيار المستقبل. فبعد أن نوّهت نائبة بشرّي بـ«موقف الحريري الوطني بعد ما سمعنا منه رفضه تولي رئاسة حكومة من غير الاختصاصيين» معلقة على من يرددون أن القوات «لم تكن وفية» بالقول: «اتصلت بدولة الرئيس ليل الأحد - الاثنين لأخبره أن كتلة الجمهورية القوية لن تسميه». وتابعت جعجع أن قرار القوات أدى «إلى تأجيل الاستشارات وانسحاب الحريري في ما بعد من قبول التكليف وهذا ما أدى أيضاً وأخيراً إلى صيانة الخط السياسي الوطني الذي يقوده». كلام الأخيرة استدعى رداً من الوزير غطاس خوري اعتبر فيه أن جعجع «لم تحسن قراءة بيان الحريري وبخاصة قوله إن قراره نتج عن المواقف التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية من مسألة تسميته رغم أنه كان أثبت التزامه القاطع بحكومة اختصاصيين». وعلّق مقربون من الحريري على كلام جعجع بالقول: «اللهم اكفني شرّ أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم».

قراءة : أ . إبراهيم الأمين

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية