المرصاد نت - وليد شرارة
مع انطلاق مناورات «حزام الأمن البحري»، الروسية - الصينية - الإيرانية المشتركة، تَدخل «المنافسة بين القوى العظمى»، وهو التعبير الذي روّجته التقارير الاستراتيجية الأميركية للإشارة إلى تصاعد المواجهة بين الإمبراطورية الأميركية المتراجعة والأطراف الدولية الصاعدة مرحلة جديدة. أوّل ما يلفت في هذه المناورات هو أنها تجري في قلب منطقة تكتسب أهمية مركزية على المستويين الجيوسياسي والجيواقتصادي العالمي وكانت في الماضي القريب جداً جزءاً من المجال الحيوي الاستراتيجي الأميركي الحصري.
لم يسبق أن قامت قوى غير غربية بمناورات في منطقة شمال المحيط الهندي وبحر عمان، والتي تقع بين ثلاثة أهمّ مضائق في العالم، هي مضيق هرمز وباب المندب ومضيق مالاغا ويَعبُر منها أكثر من نصف التجارة العالمية، من دون مشاركة قوى غربية وفي مقدّمتها الولايات المتحدة. والأنكى بالنسبة إلى الأخيرة هو أن المناورات تأتي بعد ارتفاع حدّة التوتر بينها وبين إيران الطرف الذي يستضيف التدريبات. الرسالة الإيرانية إلى الأميركيين واضحة، وقد لخّصها مساعد قائد العمليات في البحرية الإيرانية عندما قال إن «أهمّ مكاسب المناورات هو التأكيد أن الجمهورية الاسلامية لا يمكن عزلها».
لقد عملت الولايات المتحدة على تشكيل تحالف بحري مُوجّه ضدّ إيران بغية عزلها بذريعة تهديدها لأمن الطاقة، ويأتي هذا التطور ليؤكد فشل الأولى في ذلك. أما بالنسبة إلى الصين وروسيا، فقد أوضحتا من خلال مشاركتهما أن ضمان حرية تدفّق الطاقة لم يعد شأناً أميركياً أو غربياً بحتاً، خاصة بالنسبة إلى الصين، المستورد الأكبر للنفط في العالم، والتي لا تتردّد بعض دراسات «البنتاغون» في التوصية بحرمانها منه في حال احتدام المواجهة معها. كما أظهرت الدولتان، عن طريق مشاركتهما هذه، أنهما تعتبران إيران شريكاً أساسياً في الخليج، وترفضان محاولات زعزعة استقراره وخنقه وإضعافه. وسيعزّز هذا الحدث وأبعاده المشار إليها قناعة دونالد ترامب وفريقه بصحة إعادة جدولتهم لأولويات السياسة الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة وتركيزهم على مجابهة روسيا والصين. لكنّ نقاشاً يدور اليوم داخل النخب العسكرية حول طبيعة الحرب أو الحروب التي ينبغي الاستعداد لها تبعاً لتلك الأولوية وحول احتمالات الصدام المباشر بين القوى العظمى، أو اللجوء على نطاق أوسع الى الحروب بالوكالة.
عند حديثه عمّا يُمثّله ترامب في نظره، قال هنري كيسنجر، في مقابلة مع «فايننشال تايمز»، إنه يعتقد أن «ترامب قد يكون إحدى هذه الشخصيات التي تبرز في التاريخ للدلالة على نهاية مرحلة وما لازمها من أطروحات وادّعاءات». وعلى الرغم من أن التنافس بين القوى العظمى كان قد عاد بالتدريج منذ بداية الألفية الثانية وتزايَد في عهدَي الرئيس السابق باراك أوباما وسياسة «الاستدارة نحو آسيا»، إلا أن تحويله إلى أولوية استراتيجية رسمية للولايات المتحدة تمّ في عهد ترامب. ويذهب الريدج كولبي مساعد نائب وزير الدفاع السابق بين عامَي 2017 و2018، وميس ميتشيل، مساعد سابق لوزير الخارجية الأميركي في مقال في العدد الأخير من «فورين أفيرز» إلى حدّ اعتبار أنه «عندما سيدرس المؤرّخون في المستقبل سياسة الولايات المتحدة في بداية القرن الواحد والعشرين فإن أكثر تحوّلاتها أهمية سيكون عودة تركيزها على التنافس بين القوى العظمى... هو التحوّل الذي سيحكم السياسة الخارجية لجميع الرؤساء الذين سيلون الرئيس الحالي بمعزل عن انتمائهم الحزبي ولفترة طويلة من الزمن».
النخب الأميركية بحسب المسؤولين السابقين، أدركت أنها اليوم تواجه خصوماً أقوى وأكثر طموحاً من جميع الذين واجهتهم في الماضي، ويتمحور تفكيرها ونقاشها حول السبل الأنجع لخوض هذه المواجهة والانتصار فيها. ينطبق هذا الكلام أكثر ما ينطبق على العسكريين. قطاع واسع من هؤلاء كان قد اعترض على الغرق في حروب مكافحة التمرد في أفغانستان والعراق وما تسبّبت به من تعامٍ عن التعاظم السريع والنوعي لقدرات روسيا والصين العسكرية والذي تترتّب عليه تهديدات لـ«الريادة» الأميركية. لكنّ جون فروليك، ضابط الاحتياط في البحرية الأميركية يعتقد في مقال نشره على موقع «وور أون ذو روكس»، أن من بين دوافع الاعتراض المشار إليه ما يسميه «نفوراً ثقافياً متجذراً في أوساط البنتاغون من حروب مكافحة التمرد وبالتالي من جميع النزاعات المنخفضة التوتر... نتيجة لذلك لا يعدّ الجيش الأميركي غالبية جنوده لخوض حروب منخفضة التوتر بل يعطي الأولوية لباراديغم الصراع بين القوى العظمى وما يعنيه من عمليات عسكرية واسعة النطاق في مسارح محددة».
فرضية فروليك الرئيسة هي أن سباق التسلّح المحموم الذي يفضي إليه التنافس بين القوى العظمى وهو أمر لا يعارضه أبداً يجعل من احتمال الصدام المباشر بينها ضعيفاً جداً نظراً إلى ما سيتمخّض عنه من احتمالات إفناء متبادل كلّي أو جزئي، ما يترتب على هذا الاستنتاج هو أن القوى المذكورة ستلجأ على الأرجح إلى حروب بالوكالة في إطار صراعها على النفوذ والموارد أو ضمن استراتيجياتها لاستنزاف بعضها بعضاً. هو مقتنع بأن «الهزيمة في صراع عالي التوتر بين القوى العظمى تشكل تهديداً وجودياً للأمة. لهذه الغاية يحتفظ البنتاغون بحوالى 7000 سلاح نووي، ويستثمر بشكل مكثف في جيل جديد من الأسلحة ويعيد بناء عقيدته للتصدّي للمخاطر المحدقة. تساعد هذه القدرات على ردع التهديدات الوجودية التي يمثلها خصوم الولايات المتحدة. لكن في الوقت عينه، ينبغي أن تركّز وزارة الدفاع على بلورة وسائل وأدوات لمواجهة أنماط العمل التي سيلجأ إليها هؤلاء الخصوم، وهو ما تفعله اليوم الصين وروسيا وإيران».
وهو يجزم بأن الصين مثلاً، التي تسعى برأيه للحلول محلّ الولايات المتحدة في ما يطلق عليه منطقة «الهند - المحيط الهادئ»، ستعتمد على وكلاء دولتيين وغير دولتيين لتحقيق هذه الغاية، ينخرطون في مواجهات منخفضة التوتر وطويلة الأمد ضدّها. والحل في رأيه هو الاستعداد لخوض مثل هذه الحروب وإعداد الحلفاء المحليين للمشاركة فيها. بمعزل عن ثقة فروليك المفرطة بقدرة بلاده على الفوز في مثل هذه الحروب فإن المحسوم هو أن تصاعد الصراع بين القوى الدولية سينجم عنه سعيٌ متزايد من قِبَلها لتوظيف النزاعات المحلية والإقليمية ولافتعال أو تأجيج أخرى في إطار هذا الصراع.
المزيد في هذا القسم:
- عمليات عسكرية في صلاح الدين وديالى تمهيداً لتحرير الموصل المرصاد نت - متابعات ضمن التحضيرات العسكرية لعمليات تحرير الموصل شمال العراق انطلقت القوات العراقية المشتركة بعمليات نوعية لتطهير المناطق الحدودية بين محافظتي...
- دعم واشنطن للجماعات الإرهابية في سوريا؛ حقيقة أم ماذا؟! المرصاد نت - متابعات سبع سنوات عجاف مرت على الشعب العربي السوري ولا يزال هذا الشعب صامداً في وجه المؤمرات التي تحاك ضد بلده كاشفا بصموده وجبروته الستار عن أقذ...
- السيسي : المبادرة المصرية تهدف الى ايقاف النار والشعب المصري سيبقى مساند لفلسطين أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن بلاده ستبقى إلى جانب الشعب الفلسطيني “باعتبار ذلك مسؤولية وطنية وأخلاقية” موضحا أن المبادرة المصرية لوقف إطلاق النا...
- لماذا تحاول الإمارات السيطرة على موانئ المنطقة؟ المرصاد نت - متابعات تضع الإمارات عينها على منطقة رأس مسندم العُمانية من جديد. يفتح ذلك باب الخلاف بين البلدين وإن كان خلافاً خفيّاً غير مُعلَن. استياء لا تخف...
- لبنان يحبط مخططا إرهابيا يستهدف شخصيات سياسية المرصاد نت - متابعات أحبطت السلطات اللبنانية هجوما إرهابيا بعد أسبوعين تقريبا من إيقافها انتحاريا كان يخطط بدوره لتفجير نفسه في قلب بيروت. وأعلنت الأجهزة ا...
- الجيش اللبناني يتصدى لمسيّرات إسرائيلية اخترقت الأجواء اللبنانية ! المرصاد نت - متابعات تصدى الجيش اللبناني مساء أمس الأربعاء لثلاث طائرات إسرائيلية مسيّرة صغيرة اخترقن الأجواء اللبنانية. وأعلن الجيش اللبناني أنه أطلق النار ...
- نقاط مراقبة أميركية على الحدود مع تركيا وروسيا تضغط لاستكمال «اتفاق سوتشي» المرصاد نت - متابعات يأتي إعلان الجانب الأميركي لخطة لنشر نقاط رصد على طول الحدود السورية ــــ التركية شرقي الفرات في خطوة أولى على طريق توسيع التفاهمات المحل...
- تونس : إضراب عام لزيادة الأجور و«اتحاد الشغل» يتجه إلى التصعيد ! المرصاد نت - متابعات لم تفضِ مفاوضات اللحظات الأخيرة في الوصول إلى اتفاق يُلبّي مطالب الاتحاد النقابي الأكبر في تونس يطوي صفحة خلاف امتد أكثر من عام. تقول الحك...
- تاريخ الهجمات الارهابية الوهابية بعد ظهور القاعدة واخواتها المرصاد نت - متابعات يُظهر تسلسل الأحداث المرتبط بهذه الظاهرة ازدياد عنف هذا الأسلوب الدموي وقدرته على تجاوز الحدود ونشر الرعب والفزع بوسائل مختلفة تدرجت م...
- الكيان الصهيوني يتبع استراتيجية ناعمة مع غزة.. الهدوء مقابل الميناء المرصاد نت - متابعات قال تلفزيون الاحتلال الصهيوني إنَّ هدوء متكسرا على حدود غزة الآن وأن الطرفين لا يريدان حرباً لكن يبحثان عن حضور، وأن الكيان يريد...