المرصاد نت
لا شيء من لا شيء كما يقول العلم ولكن التاريخ يبدأ من الأحداث الكبيرة والعناوين الرئيسية ولا يحتفي كثيراً بالجزئيات والتراكمات الكمية.
ثورة الربيع العربي في تونس عام 2010 لم تأتِ من فراغ. هناك تراكمات وأسباب عديدة تعود جذورها إلى تنوير خير الدين التونسي وطبيعة الاستقلال ومتانة وتأثير الاتحاد العام التونسي للشغل وحداثة المجتمع وحياد الجيش وتأثير الثورات الأوربية وبخاصة الفرنسية. ولا تزال ثورة ربيع تونس الرائدة تبحر نحو شواطئ الحرية والديمقراطية وبناء مجتمع العدل والمساواة، برغم الانقسامات والصراعات السياسية بين قيادة الأحزاب التقليدية الخارجة من رحم النظام القديم بشقيه الحاكم والمعارض.
الانتفاضتان الفلسطينيتان: الأولى 8 ديسمبر 1987 والثانية 2000م لا تزالان مشتعلتان في قطاع غزة منذ أكثر من عام تحت يافطة المسيرة الكبرى «مسيرة العودة»، وبرغم القمع الإسرائيلي البشع والدعم الأمريكي والخذلان العربي والانقسامات الفلسطينية وقتل العشرات وجرح المئات إلا أن الاحتجاجات في تصاعد مستمر.
ليبيا ما تزال الحرب بين أكثر من طرف تعيق انتصار الثورة التي جرها نظام القذافي إلى الحرب منذ اللحظات الأولى ولَعِبَ المحيط الإقليمي والتدخل الخليجي المتصارع الإماراتي – القطري دوراً شائناً في تأجيج الحرب. ويقيناً فإن لأيادي أمريكا وفرنسا وإيطاليا والمحيط دخل في استمرار الحرب.
مصر كانت المركز الثاني لثورة الربيع العربي ثورة 25 يناير 2011 ومصر دائماً قاطرة الثورات العربية.
الثورة التي تُوِّجَت بالانتصار خلال أسبوعين تحالف ضدها قادة الجيش والإسلام السياسي. دَعمَ الجيش قادة الإسلام السياسي للاستيلاء على السلطة في انتخابات مفبركة قبل إعداد الدستور؛ ليسهل لقيادة الدولة العميقة في مصر وأداتها (الجيش) الانقلاب ضد الإخوان وعودة نظام لا علاقة له بثورة الربيع ولقى الانقلاب ضد الثورة تفهم الأمريكان والأوروبيين، لتنهال عليه بركات السعودية والإمارات؛ لإقصاء الإخوان وحلفائهم القطريين والأتراك.
شهدت سوريا ما يشبه الحرب الكونية المصغرة عليها حيث دخلت أمريكا وفرنسا وبريطانيا وتركيا والأردن وإسرائيل على خط الحرب وزودت السعودية ودول الخليج الحرب بالآلاف الملايين من الدولارات وتم تجنيد مئات آلاف المسلحين وتدخلت إيران و«حزب الله» وروسيا إلى جانب الدولة وكانت ثمرة حرب الـ 8 سنوات تدمير سوريا والمدن السورية وتشريد شعبها .
ومن السودان تأتي الانتفاضة دوماً. بدأت الانتفاضة الأولى عام 64 ضد عبود والثانية عام 85 ضد النميري وتعيش السودان حالياً انتفاضتها الثالثة وتدق الثورة الربيعية السلمية أبواب الانتصار ضد نظام الجبهة القومية الإسلامية التي دوخت السودان بالفتن والحروب ومزقت وحدته وزرعت الفتن والصراعات بين أبنائه الطيبين.
في الأردن ما تزال الاحتجاجات دورية ومستمرة ومتصاعدة أما العراق؛ فتضمد جراح الحروب التي أشعلها صدام بالصراعات الطائفية: سنة، وشيعة؛ والقومية: عرب، وأكراد؛ ودمرت الحرب الثلاثينية - بقيادة أمريكا ومشاركة الأنظمة الخليجية والإيرانية - وحدةَ الكيان العراقي ومزقت نسيجه المجتمعي.
تمكن النظام السعودي في زمن قياسي من وأد الاحتجاجات في المنطقة الشرقية وتصدى لقمع الربيع العربي في البحرين. أما اليمن فالنظام العسكري العميق قبلياً وجهوياً انقسم على نفسه كما حدث بعد ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م: جمهوريين وملكيين؛ وأشعل النظام المنقسم الحرب الأهلية في غير منطقة لوأد الثورة الشعبية السلمية، ولتجاوز مخرجات الحوار.
دول «مجلس التعاون الخليجي» أسهمت في إعادة الحياة للنظام المنقسم والمتحارب ومنح الحصانة للنظام ككل وإعفائه من المساءلة والقفز على الثورة الشعبية السلمية؛ مما مهد للانقلاب الثاني في 21 سبتمبر4 201.
ثورات الربيع العربي من الماء إلى الماء كانت محاولة الخلاص من شرعيات الغلبة والقوة - ثورية كانت أو رجعية - ومن الحروب الكاثرة التي غرست العنف والإرهاب والتصارع الكالح.
الانتفاضة الفلسطينية الأولى أنجزت في بضعة أشهر ما عجز عنه الكفاح المسلح خلال عدة عقود والانتفاضتان السودانيتان هما التعبير الأمين والصادق عن إرادة وطبيعة ونزوع الشعب السوداني التواق للديمقراطية والحكم المدني والانتفاضة الثالثة تبشر بفجر سوداني مغاير ومختلف بعد عقود من حكم القوة والفساد والاستبداد.
في اليمن تذهب أوهام الحسم العسكري أدراج الرياح ويظهر بجلاء فشل الحرب الداخلية والخارجية.
مشعلو الحروب الآن يعانون الخيبات الكبيرة، والصراعات الكالحة التي أشعلوها وتمتد الآن إلى أوكارهم ومناطق نفوذهم وحلقاتهم الجهنمية.
الابتزاز والصراعات ليست محصورة في أطراف الحرب الأهلية؛ فحلفاء الحرب الإقليمية وسندهم الدولي هو الآخر مفكك ومتصارع ومبتز. فترامب يوظف ضغط الكونجرس عليه لابتزاز بن سلمان والحكم في السعودية بقضية مقتل خاشقجي والحرب في اليمن للتطبيع العلني والقبول بـ«صفقة القرن» وتمويل الحروب وآثارها وصفقات السلاح الخرافية.
كتب : عبد الباري طاهر - نقيب الصحفيين الاسبق
المزيد في هذا القسم:
- المقال الرخو والدولة (المشحوطة) !! .. لا أميل إلى قراءة أي كتابات لمن عملوا في نظام صالح وتشكّلوا كجزء من نظامه وحكوماته المتعاقبة خاصة بدرج ة وزير فما فوق وبدرجة أخص ممن لم يسجلوا مواقف حقيقية إ...
- من خلف قفصه الزجاجي عجز عن ترجمة أجندته إلى الواقع ! بقلم :عفاف محمد المرصاد نت نجد سيناريو بغداد اليوم يتكرر في الجنوب ..والأحداث تنبئ بنشوب حرب جنوبية جنوبية ...في فعاليات احياء الذكرى الثالثة لحرب ٩٤ في يوم الجمعة اوالتي انقس...
- هل تخرج اليـــــــــــــــــــــمن من محنتها ؟ المرصاد نت للأسف ، أصبحت اليـــــــــــــــــــمن غير مستقرة وغير آمنة ، وهذا هو بالضبط ما كان يريده الأعداء : خلق بيئة يسودها الصراع والانقسام ، طاردة...
- " يوم القدس العالمي " .. فلسطين قضيتنا الواضحة والاولى اذا جردنا القضية الفلسطينية من كل ما راكمه " الطاغوت " عليها فهي قضية واضحة لا تعدو كونها احتلال لأرض عربية اسلامية تم بالقوة والتآمر . جرائم بشعة ومعارك...
- من تجارب الشعوب حرب القتل والتدمير الجوية! بقلم : د. حسن مجلي المرصاد نت تمهيد : ما فعلته السعودية وحلفاؤها باليمن سبق وأن جربته أمريكا في جنوب شرق آسيا. تسير السعودية على خطى أسيادها في شن الحروب العدوانية الظالمة وما ي...
- رؤساء اليمن خلف قضبان المحكمة … بقلم : عابد المهذري علي عبدالله صالح يشهد بكفاءة أبوأحمد الحوثي .. أكثر من يهتم ويراقب أداء وأعمال اللجنة الثورية العليا يدقق في كل صغيرة وكبيرة بشكل يومي لأعمالها الم...
- الحرب السعودية على اليمن 3 المرصاد نت وحشية العدوان ومواضعات السقوط .. استطاعت أمريكا أن تجرجر نظام آل سعود إلى حافة الهاوية ليس في اليمن فحسب بل في المنطقة العربية بأسرها حيث أشعلها ال...
- آل سعود قتلة يبحثون عن الانتقام ! بقلم :عبدالملك العجري المرصاد نت لم يعد النظام السعودي وجرذانه يفكرون في الانتصار على الجيش اليمني واللجان الشعبية بل كيف يهزمونهم والفرق بين الانتصار على الخصم وبين ارادة هزيمته ه...
- لماذا يغضب عسيري على الأمم المتحدة ؟ بقلم : محمد المنصور المرصاد نت جرائم آل سعود بحق اليمن واليمنيين وغيرهم من العرب والمسلمين والغربيين ستكون سببا في سقوط مملكة الرمال الداعشية ،التي بدأت تلاحقها الاتهاما...
- الدول العشر من رعاية (المبادرة) الى فرض (الجرعة) !! ليست المرّة الاولى اللتي تحاول فيها الدول العشر التاثير على صناعة القرار السياسي والاقتصادي للبلد، فقد احتظنت نظام صالح طيلة عقود من الزمن، وشاركته كل حروبه ومع...