المرصاد نت
على الرغم من الضربة الموجعة التي أصابت الأحزاب السياسية في اليمن مع الحرب المستمرة التي دمرت كل شيء فإن مراجعة تأسيس الأحزاب السياسية أمر جوهري في ما يتعلق بمسألة إعادة بناء الواقع السياسي اليمني في مرحلة ما بعد الحرب. ويأتي موضوع فحص الأيديولوجيا التي تتأسس عليها الأحزاب السياسية واحداً من أهم الأسس التي ينبغي النظر إليها بعين الاعتبار من أجل وضع المداميك الصحيحة للتحول السياسي.
تكمن المشكلة أمام الواقع السياسي في اليمن ما قبل الحرب هو أن الدولة اليمنية لم تتحول بعد إلى مجتمع مدني وما زالت واقعة تحت سيطرة القبيلة والدين وهما العنصران الوحيدان - مع ترتيب أهميتهما - المتحكمان بكل ما عداهما من مؤسسات البلد الاجتماعية والسياسية. وعند التفكير جدياً بتأسيس مجتمع مدني ينبغي النظر في هذين العنصرين بصورة مخالفة للمألوف من أجل ضمانة عدم تكرار ما حصل.
شهدت اليمن بعد العام 90 وبعد اتفاقية الوحدة اليمنية انتشاراً واسعاً للأحزاب السياسية، في ظل الدستور الجديد الذي سمح بالتعددية السياسية والديمقراطية غير أن المحلل لفكرة إنشاء كل تلك الأحزاب سيجد أن الأيديولوجيا بنيت عليها، سواء تلك التي تأسست بعد الوحدة مباشرة، أو حتى ما بعد 2011 سيجد أنها لا تنفصل عن الدين ومسافة ما ترتكز إليه في برنامجها.
حتى «الحزب الإشتراكي اليمني» الذي كان يقوم على الفكر الماركسي لم يتم النظر إليه حينها كحزب يساري بأكثر من تقييمه من منظور ديني وأنه حزب (كافر وملحد... إلخ) وظل منذ ما بعد الوحدة وحتى فترة قريبة يحاول أن يدفع عن نفسه فكرة الإلحاد ويقدم كثير من أعضائه بأنهم مؤمنون بالله ويؤدون الطقوس الدينية مثلهم مثل أي مسلم في اليمن لذا فإن الدين أمر حاسم في تشكيل الهوية الأيديولوجية في الأحزاب في اليمن ومنظور المجتمع لتقييم هذا الحزب يأخذ الهوية الدينية هوية أيديولوجية قبل غيرها من الأيديولوجيات أو الفلسفات الأخرى.
على الطرف الآخر كان «حزب التجمع اليمني للإصلاح» حزباً دينياً ينادي بتطبيق المبادئ الإسلامية ومثله بعض الأحزاب السلفية التي أنشأت بعد 2011 مثل «حزب الرشاد السلفي» وغيرها تقوم على أسس مبادئ فهمهم للشريعة الإسلامية وكيفية تطبيقها في المجتمع.
في حين فضلت بقية الأحزاب وعلى رأسها «المؤتمر الشعبي العام» أن تبقي على مصطلح الوسطية بمعنى أنها تتأسس على الفهم الوسطي للتعاليم الإسلامية فلا تأخذ منحى التطرف في الالتزام (كما هو «الإصلاح» وغيره في نظرهم) ولا التفريط (ويشيرون إلى «الإشتراكي»).
غير أن من وراء كل هذا السجال لا يوجد أي أيديولوجيا واضحة لإدارة الدولة ولا يوجد هوية حقيقية تؤسس عليها خطط الاقتصاد والتجارة والصناعة والتعليم والصحة وبقية الخدمات في البلد. فإذا كان المجتمع محافظاً دينياً فإنه لا يحتاج لحزب سياسي يدير له عملية طقوسه الدينية بأكثر من حاجته لحزب سياسي يدير له أدوات الدولة الحديثة بطرق معاصرة. حتى وإن وجدت بعض الإشارات فإنها غير فاعلة ولن تكون فاعلة لأنها محكومة بطريقة التفكير ذاتها الفاعلة في المجتمع وأعني هنا القبيلة والدين.
حتى «الحزب الاشتراكي» بعد الوحدة تحول إلى جزء من هذه اللعبة التي يحاول فيها تأكيد ذاته جزءً من المجتمع وهويته الدينية وابتعد عن تأكيد سياساته لإدارة مختلفة للدولة تراعي مصالح الأغلبية الساحقة من الناس والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة.
تحتاج اليمن في مرحلة ما بعد الحرب إلى إعادة هيكلة للأحزاب السياسية تبنى على مفهوم جديد لإدارة الدولة، ولكن على أسس واضحة للجميع يثبتها الدستور وتعمل الأحزاب السياسية على وضع الاستراتيجيات التي تحقق بموجبها تحولاً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً بشكل مختلف ومغادرة خانة إثبات دين الحزب أو معتقداته فذلك لا يمس في الأصل دين المجتمع ولا عقيدته ولكنه يقدم للفاسدين مظلة يتسترون تحتها من أجل الاستمرار في سياسة التضليل وإنتاج الأخطاء.
كتب : محمد المحفلي
المزيد في هذا القسم:
- ماذا بعد فشل مفاوضات الكويت ؟!. بقلم : زيد البعوه المرصاد نت فشلت طاولة الكويت في الخروج بحل سياسي سلمي لوقف العدوان على اليمن والسؤال هنا ماذا بعد؟ هل على الشعب اليمني التحظير من الان لمهرجان الانتصار الذي ب...
- السودان والجزائر..ربيع الأمس وخريف اليوم! المرصاد نت على عكس ما حدث في 2011م من انتفاضات شعبية متلاحقة في عدد من الدول العربية، يبدو الصمت مخيما في غالبية عواصم المنطقة وهي ترقب ما يحدث في الجزائر وال...
- 2014عام جديد والوجة الأخر كتاب المرصاد: انقضى عام 2013 الأكثر دموية وانتهاك صارخ وفاضح للسيادة اليمنية عام مغلف بشعار السلم الوهمي وحلول رؤى سياسية بغلاف ثوري ومخرجات لحوار ع...
- يا فخامة الرئيس .. لا تجحد ولا تهدر ساقت الاقدار فخامة الرئيس هادي الى سدة الحكم في ظروف غاية في التعقيد , وليجد نفسه بين التزامين متضادين اولهما هو وجوب فرض تغيير حقيقي في البلد والاخر الحفاظ على...
- مفاوضات السويد حملةُ علاقات عامة ! المرصاد نت كيف تفهم مفاوضات جنيف في الوضع الحالي؟ وأين من الممكن أن تصل؟ وهل هناك جديةٌ في الوصول إلى حلول تؤدي إلى إنهاء العدوان؟ للإجابة على هذه التساؤلات ل...
- اتفاق يمني يمني لمواجهة العدوان ! بقلم : خديجة الماوري * المرصاد نت يمثل اﻻتفاق السياسي الموقع بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأنصار الله وحلفائهم اتفاقا تاريخيا هاما كان ﻻ بد منه سيما والطرفين يواجهان العدوان الغ...
- المثقف العابر للقارات الأسير لمنطقته المتابع للمتغيرات الأخيرة في موازين القوى في الداخل، يلحظ إزاحة لمراكز وتمدداً لأخرى، اندفاعاً لأطراف وانكفاء لأخرى، تلك عجلة التاريخ "الطبيعية" لمن درس حال ا...
- خلافا لما تحاول أن تظهر .. اميركا تتمنى أن تنجو من العدوان ! بقلم : مختار الشرفي المرصاد نت عندما حدثت جريمة الصاله الكبرى تبادر الى ذهني شيء ترددت في كتابته و هو قناعتي بأن أحد أطراف العدوان تعمد إرتكاب الجريمة لدفع أحدهم للمسارعة لاتخاذ ...
- لهذا هم منزعجون من الاتفاق ..! بقلم : جميل أنعم المرصاد نت من شروط الاتفاقات حسب المفهوم والرغبة الاستعمارية :- 1- أن تكون بنود الاتفاق أمريكية على ورقة إسرائيلية بأقلام سعودية .2- أن يُبنى الاتفاق على ا...
- ما هو سر الإمارات التى لا يعرفه أحد الاعلامى: جمال ريان من هي الامارات التي تحاول التدخل في كل شؤون الدول البعيدة عنها اليمن ليبيا سوريا واخيرا السودان لا أحد يعرف كيف لبلد مثل *"الإمارات"* ، الصغير في مساحته التي ل...