لعبة الحرب !

المرصاد نت

عندما دخلت الحرب حياتنا في اليمن، أصبحت كلماتنا حرباً، وتفكيرنا حرباً، حتى خلافاتنا صارت حروباً صغيرة. Wer Yemen2019.7.23
أما أطفالنا فقد استبدلوا المسدسات الخشبية والمائية والحقيقية مكان الأوراق، وصارت الألعاب النارية ألعابا حربية!
لن تجد شيئًا أو شخصًا حافظ على توازنه في زمن الحرب؛ لأن الحرب إذا دخلت الحياة أفسدتها، قلبت كيانها، جعلتها شيئًا آخر غير ما كانت عليه.
إنها تقويض سريع لكل مكتسبات الإنسان التي صنعها في زمن طويل؛ فهي ليست لعبة، بل مغامرة غير محسوبة العواقب، خصوصًا عند العرب الذين يدخلونها بعنتريات الجاهلية التي لا تزال سابحة في جيناتهم.
على الرغم من أن الحرب، كما يقول المؤرخ الأميركي وليم ديورانت المتوفى عام 1981 في كتابه "دروس التاريخ"، تبقى "أحد ثوابت التاريخ؛ فالحرب أو المنافسة هي أبو كل شيء، وهي الأصل الفعال للأفكار والمخترعات والمؤسسات والدول، أما السلام فهو توازن غير مستقر. وأسباب الحرب هي ذاتها أسباب المنافسة بين الأفراد: نزعة التملك والمشاكسة والغرور". وفي إحصائه الحروب التي وقعت في التاريخ البشري منذ تدوينه لم يجد من 3421 سنة سوى 268 سنة ليس فيها حروب، وأكثر من ثلاثة آلاف سنة كلها حروب؛ يعني قرابة 92% من تاريخ الإنسانية حروب!
على الرغم من هذا، لا أرى في هذه الإحصائيات، بغض النظر عن دقتها، حجة لقيام الحروب، فمنْ ذا يغامر بمستقبل أمة لخوض الحرب؟ أعلم أن المغامرين كثيرين في زمان الجنون الذي نعيشه، لكن تجارب التاريخ تعرض لنا ما آلت إليه الشعوب التي أسلمت زمامها لهؤلاء المغامرين.. لكن منْ يقرأ التاريخ؟
الحرب هي إفلاس البشر في التفاهم معا، والعرب هي أمة الإفلاس في هذا الزمان، فهم في مرتع الحروب منذ حرب البسوس وداحس والغبراء، وحتى حرب اليمن الراهنة، يعني لا جديد، اللهم سوى تطور آلات الصراع وتغير المسميات. ولا يخرجون من حرب إلا ليصنعوا أختها بدس بذورها في كل اتفاق سلام يُصاغ. يقول قائل: هل نسيت أن الغرب متآمر عليهم، فهو من يصنع لهم هذه الحروب؟ طبعًا، الكل متآمر علينا حتى سكان مجرة أندروميدا.
أقول قد تكون المؤامرة موجودة، لكن تضخيمها جدا وكأننا ملائكة أمر غير منطقي. ولا ننسى أن الغرب أناس يبحثون عن مصالحهم، لكن ماذا عنا؟
أغلب شعوب العالم من حولنا خاضت حروبًا، لكن العقلاء منها يتعلمون من هذه الحروب، كيف يصنعون عالَمهم وكيف يجنبون شعوبهم شبح الحرب، ما استطاعوا لذاك سبيلا، لأن أعظم مشكلة في الحرب، أنها تنزع منك حرية الاختيار، ومتى فقدت الشعوب هذه الحرية انساقت مثل السائمة للمحرقة.
يقول الروائي الألماني هيرمان هيسه، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1946: "وهذه الحرب العالمية البائسة بالذات يجب أن تجعلنا أشد وعيًا بأن الحب أسمى من الكراهية، والفهم أسمى من الغضب، والسلام أسمى من الحرب، وإلا فما جدواها؟".
نعم، السلام أسمى من الحرب.

كتب : عبدالحفيظ العمري

المزيد في هذا القسم:

  • رحلة الأنا (١) كل إنسان على الأرض لا سيما الرجُل ينقسم الى إثنين: قسم حقيقي والآخر وهمي. الحقيقي هو ذلك الإنسان البسيط المتصالح مع نفسه ومع غيره ومع قدراته والمرتبط بمن حوله... كتبــوا
  • تـبَّـة مـاسـوشِـتـس لا شيء تبقّى لأمريكا كي تتباهى به على اليمن: من التطور السياسي المتمثل في النظام الفيدرالي إلى التطور العلمي والتكنولوجي المتمثل في الاختراعات الخارقة، يبدو ... كتبــوا
  • عاجل لحكومة الوفاق بغير تحية. لحكومة الارتزاق أوجه نيابةً عن ابنائنا المتفوقون اليوم في المسابقة العلمية ،،التربوية ،،، رسالة عاجلة ،،اردتم تجهيلنا فحلينا في المرتبةالاولي للعام الثاني على... كتبــوا
  • اليمن وأزمة سقوط الشرعية! المرصاد نت كان اليمن من أوائل الدول التى وصلت إليها شرارة الربيع العربي والشعب اليمني في حقيقة الأمر. كان مهيئاً تماماً للثورة على نظام علي عبد الله صالح الذي... كتبــوا
  • سباق السيسي حمدين عندما التقيت الرئيس المصري محمد مرسي ظهر الرابع من حزيران (يونيو) عام 2013 في قصر الاتحادية في القاهرة قال لي انه يعتمد على حليفين اساسيين في مصر، طبعا غير الشع... كتبــوا