د. أحمد عبد اللاه
من يظن أن اليمن بأحداثه وتعقيداته يشبه نظراءه في بلدان الشرق المنحوس فهو مجرد قارئ أخبار.. اليمن مثال يقارب بحاضره بعض خرافات انفلتت من كتب منسية، أو ما تسمعه وانت تصغي لحكاواتي شعبي في ليلة سمر رمضانية.. فتدهشك الحبكات والمفاجئات والتزوير وجمع النقائض.
ففي اليمن الأوصاف لا تشبه الموصوف والمسميات لا تنطبق على مدلولاتها، والحق ليس هو الحق بذاته ولكن هو ما تم تسويقه للناس بأنه حق. وكذلك الصدق والكرم وحتى الأعراف القبلية ، كلها مستبدلة ومغدورة ومتاحة لخدمة المصلحة، ولا توجد قيم مكتملة لم يتم اختراقها في كل فضاءات الجغرافيا والراهن اليمني.
كل شيء تم لَيّ عنقه حتى الدين والوطن والوحدة والثورة والجمهورية والدولة وكذلك التاريخ المفرغ من حقائق جوهرية. تلَفَّت حولك تجد عدم اليقين كابس على الأنحاء والزوايا، أينما ولّيت وجهك لا يقين في أي شيء، حتى أنك لا تكاد تصدق وجهك في المرآة لأنك لم تعد تعلم إن كان هو انعكاسك الحقيقي أم تم تزويره وشُبِّهَ لك!
وهكذا ينسحب ظلال الشك فوق المسميات... فالدولة ليست مثلما سموها دولة، لأنها ليست سوى بُنية تحتية للحروب الصغيرة والكبيرة التي تم/ ويتم التحضير لها بصورة مستمرة، فأصبح جوف الأرض من تحت المدن أقبية وأنفاق وممرات تختزن ترسانات من الأسلحة، وفي بُطُون الجبال مناجم من الصواريخ، وهناك قطعان كثيرة من العساكر المعدمين تنتشر في كل القمم والأودية والقرى والحضر وفي كل شيء ومن حول كل شيء، عقيدتها أهازيج من الشعارات والولاءات والعصبيات.
لقد اتضح بعد ٣٠ عام من النفخ أن الجيش تم تصميمه بهدف القصف العشوائي على المدن والقرى وتجهيزه بمهارات الكثافة النارية على التجمعات السكانية وبتقنيات القنص على المارة في الطرقات، وهذه بالطبع السمة القوية لعصر الحداثة في اليمن فقواته المسلحة هي حامية الحميِّات وحارسة البلاء المستفحل في بلد الجنون، "الحكمة المزعومة سابقاً".
لا قبائل احتفظت بالأعراف، فالقبيلي فاقد للشجاعة والأمانة والشهامة ولا يحافظ على "كلمة شرف".. لديه ما يكفي من مهارات تعدد الولاءات، يتبع في كل منعطف هوى "المذلِّ المنعم".. بينما الشيخ معصوم ب"جلباب التقاة" في قصور أنطاكيا الحديثة وحوله مدد من الحرملك العثماني ببركات سلطان الزمان هناك.
لا تجارة مأمونة.. فالتجار اعتبروا البلد مغارة علي بابا ونشاطهم يقتات على مشاريع الدولة الرثة كما أن منتجاتهم من أهم مصادر الحالات النفسية والشيزوفرينيا الاجتماعية.
ونقيس على هذه المتوالية أحجار البنيان اللوغاريتمي المعقد لهذا المجتمع... باختصار لا الأرض الأرض ولا السماء السماء.
والآن يحق لنا أن نتخيل بأن هذا الواقع أنتج جيل مجمّع من قصاصات سيكلوجية متناقضة بملامح مركبة وغير متوازنة، وغرائز نسجتها جينات رسبت منذ عهد الزير سالم دون حركة أو طفرة، وحتى دون أن ترث رطانة الزير الشعرية وشهامته وشجاعته.
في اليمن تسعى الاحزاب والمجموعات بالطرق البشعة المشينة لتحقيق الفضيلة..
فالغاية المحمودة عندهم تبرر الوسيلة الشنعة، والفضيلة العليا تتركز في: عودة الخليفة أو عودة الإمام العسكري من سردابه أو عودة القائد الفذ إبن اليمن البار، وكلها ثالوث الوهم والكذب، تتراكم حولها جماجم المستضعفين ويُباح القتل والتكفير والنهب والظلم والظلام ويبدأ الزمن يعصر زيته كما فعل قبل قرون خلت ليدور "مغمضاً" مُكرَّراً حول نفسه.
لهذا حتى "تنظيم الدولة" و"القاعدة" في اليمن مُنتج مغشوش، فهي إدارات مافيوية تسعى للمال والسيطرة وتنفذ غزوات النهب والسطو وتمتلك شبكات واسعة للتهريب، والأخطر أن بداخلها ولاءات باطنية متضاربة ومتعددة تسوق مشاريعها عبر دماء الأبرياء وتوريط الأدمغة الشابة المغسولة بأحماض فتاكة، وكل أفعالها تتركز في جلب الفوضى إلى الجنوب كمهمة أولى. كلها نبتة بيئة داخلية لا تتسق مع الظاهرة النمطية تماما في عالمها الخارجي ولا تتنفس الا من موروث الغش الضخم المستشري في اليمن والذي اصبح جزء أصيل في ثقافة الإدارة السياسية والنخب المهيمنة، وتأثرت به السلوكيات الفردية والعامة.
والآن يحق لنا أن نسأل ونجيب:
ماذا نتوقع إن سقطت صنعاء؟ الجواب سيذهب "سعد" وياتي "سعيد" وتبقى اليمن مثلما هي "مطلسمة" كحجاب تعتّق في شقوق الدهر !.
المزيد في هذا القسم:
- بن سلمان في واشنطن ! بقلم : عبدالعزيز القطان المرصاد نت الغرب ماكر وخبيث ويمثل دور الحليف في الوقت الذي لا يمانع فيه توجيه طعنة قاتلة لحليفه. ولا يدافع عن حليف عندما يقتنع بأن الحليف أصبح عبئاً عليه، ...
- الشرعية اليمنية ودراويش الثورة الجنوبية ! بقلم :عبدالكريم السعدي المرصاد نت يحق للشرعية اليمنية أن تركب ظهر الثورة الجنوبية وتدلدل رجليها ، يحق لهذه الشرعية الفاقده للشرعية (جنوبيا) أن تسخر من الجنوب وثورته ومابينهما !! عن...
- ما بعد جنون ترامب سقوط القطبين ! بقلم :ابراهيم الهمداني المرصاد نت ومازال ترامب يحمل الكثير من الكوارث والجنون والدمار ...هو صنيعة الماسونية ومهمته اثارة الفوضى والرعب والإرهاب على اوسع نطاق في المنطقة العربية والع...
- السودان والجزائر..ربيع الأمس وخريف اليوم! المرصاد نت على عكس ما حدث في 2011م من انتفاضات شعبية متلاحقة في عدد من الدول العربية، يبدو الصمت مخيما في غالبية عواصم المنطقة وهي ترقب ما يحدث في الجزائر وال...
- تلك الشعوب التي تستحق جلاديها! المرصاد نت مع فشل الربيع اليمني عادت نغمة قديمة قِدم حركة التحرر اليمنية نغمة “الشعب الجاهل الذي يستحق الجلاد”. وعلى رغم أن الشعب هو الخاسر الوحي...
- مسودة وقف إطلاق النار إحدى وسائل عدوان بني سعود ! بقلم : فهمي اليوسفي خاص : مسودة وقف إطلاق النار إحدى وسائل عدوان بني سعود هذه المسودة تعتبر فخ بالغ الخطورة .. فمن خلال الاعتراض والانتقاد الشجاع للأخ محمد عبدالسلام ال...
- الصحوة السياسية .. وملاحقة مليوني ونصف مُجرم الصحوة السياسية .. وملاحقة مليوني ونصف مُجرم. كتب: عبدالباسط الحبيشي لا يمكن ان تنتصر أي ثورة محلية او عالمية دون ظهور حقيقي لصحوة سياسية وأخلاقية شاملة، وبشك...
- مصلحة شؤون قبائل المجتمع المدني اليمني ! بقلم : أزال الجاوي المرصاد نت فشلنا في اليمن من ان نكون دولة وفشلنا ايضاً في ان نصل الى حالة نكون فيها شعب حيث مازلنا مادون ذلك في مرحلة الانتساب للقبيلة والعشيرة البسيطة او للم...
- ثلاثون يوما في الكويت ! بقلم :حميد رزق المرصاد نت اكثر من ثلاثين يوما قضيتها في قصر بيان الأميري بدولة الكويت بصحبة وفد القوى الوطنية سجلت الذاكرة انطباعات ليست كثيرة ابرزها اهتمام دولة ال...
- إلى هنا وكفى؟ المرصاد نت أوشكنا على دخول العام الخامس من العدوان السعودي الأمريكي على اليمن ولا زلنا نتعامل مع ما يحدث وكأنه شيء روتيني نتقبله ونعتاد عليه ورغم ذلك لم نسأل أ...