المرصاد نت
جرى الحديث ولا زال يجري حول انفصال الجنوب اليمني عن شماله، قبل أن يصاحبه حديث أكثر تفكيكا عن تحرير حضرموت عن من وصفوه باحتلال اليمن الجنوبي والشمالي وهي رؤية عصبة حضرموت التي تكونت مع أزمة 2011 بعد سنوات من تشكل الحراك الجنوبي المطالب بفك الارتباط عن صنعاء.
و أخيرا وصل الحال بالخفة لدى شخص منح نفسه صفة شيخ حضرمي، أنه بمقدوره بالإضافة إلى مائة شخص لا وزن لهم ولا حضور على الأرض الحضرمية أن يتجاوزوا الانفصال إلى الاندماج بالمملكة السعودية (تحت راية التوحيد) الوهابية كما جاء في الرسالة، مع ما فيه من سذاجة الجهل بالقوانين الدولية ذات العلاقة.
كما انه طلب حمل من الذلة ما لا يحتمله تاريخ حضرموت الذي بدأ مع خلق الأرض وتكونها، ويتناقض مع ما يحمله أبناؤها من إباء وعزة واعتزاز بانتمائهم إلى أرضهم، والذي لم ينتقص منه طول اغترابهم في شرق الأرض وغربها.
من المسلمات التي رواها تاريخ الأمم أنه كلما ضعفت الدولة المركزية وارتخت قبضتها كلما كان ذلك بمثابة إيذان للثقافات وللقوميات وللأقليات في مدن أو بلدان يجمعها التجانس، أن تحسن اقتناص الفرص كي تشكل كياناتها الخاصة وفق ثقافاتها ومعتقداتها. وقد تختلف الأسباب الداعية للانفصال عن المركز مثلما تختلف عوامل نجاحه.
عقب حرب 94 التي أفشلت انفصال الجنوب عن الشمال، والتي كان من الممكن أن تمثل تحولا إيجابيا في مسيرة الوحدة، باعتبار أن النصر صنعه الشماليون والجنوبيون على حد سواء؛ إلا أن ما حصل تمثل بتحول النصر السهل إلى حالة من الغرور والغطرسة لدى الحكام في صنعاء، لينعكس على حلفائه داخل السلطة والمتنفذين المحسوبين عليها، وهو ما تم على ضوئه صياغة التعامل مع الجنوب على المستوى السياسي والحقوقي وحتى الاجتماعي ليبدو الجنوب بكامله وكأنه أرض فيد أو بلد أقرب للمحتل.
هذا التعالي الذي عززه تواطؤ المشاركين في المناصب العليا من أبناء الجنوب هو ما جعل سلطة الشمال المهيمنة لا تكترث للمطالب الحقوقية التي تحولت إلى احتجاجات بدأها المتقاعدون العسكريون، حتى تطورت إلى حراك ظل يتصاعد إلى أن أصبح مشروعا سياسيا يقود بنتائجه إلى الهدف المتمثل بالانفصال، الذي صار يعبر عنه بوسائل مختلفة تتنوع بين من يطالب بالاستفتاء و بنظام الإقليمين أو بفك الارتباط وإعلان الانفصال.
إلا أن جميعها مع ذلك ظلت شعارات تعبوية ولا زالت غير قابلة للتحقيق، كون أن أيا منها لم يتحول إلى برنامج عمل تقتنع به الجماهير باعتباره يمثل تطلعاتها، حتى تضحي من أجل تحقيقه باعتبارها صاحبة الحق والمصلحة.
لقد مثلت الفترة الممتدة من 2011 وحتى 2014 أكثر حالات الدولة انقساما وضعفا، ووصل بها الحال إلى حد من الفراغ في السلطة. وكان يمكن لمتبني الانفصال ومن بينهم الحراك أن يغطوا مثل هذا الفراغ لو كانوا يحملون مشروعا، ويمثلون أبناء الجنوب، إذ تمكنت “القاعدة” رغم عدم مشروعيتها من سد مثل هذا الفراغ في عدد من المحافظات الجنوبية التي تمكنت من السيطرة عليها، إلا أن ذلك لم يحصل بسبب أن القيادات الجنوبية التاريخية منها والطارئة كانت أغلبها تبحث عن دور منفرد يقود إلى موطئ قدم في سلطة محتملة على الجنوب، الذي صار يعج بعشرات الكيانات ومئات الزعامات المتنافسة والمتباغضة.
وبالمقارنة يمكن استدعاء أهم عاملين قادا إلى نجاح جماعة “أنصار الله”، رغم قلة المنتمين إليهم بالمقارنة مع غيرهم، بالوصول إلى القصر الجمهوري في صنعاء، مع أنها لم تكن دولة أو جزء منها. هذا العاملان يتمثلان بامتلاك الجماعة المشروع الواحد والقائد الواحد ـ بغض النظر عن الاتفاق عليهما من عدمه ـ فيما لا تزال قيادات الجنوب حتى اليوم منقسمة بين الإمارات والسعودية بحثا عن من يفك أسر دولتهم، التي صارت بكاملها تحت هيمنة النظامين المحكومين بمصالح بلديهما أولا وأخيرا.
وفي هذه الحدود يمكن فهم السياسة المعلنة للدولتين المؤكدة على وحدة اليمن، التي تأتي في العادة بمصاحبة تأكيد آخر بعدم التدخل في شؤونه الداخلية مع أن كليهما يكذبهما الواقع.
تحرص السعودية تحديدا على الإبقاء على الوحدة كمسمى نظري يتم اختزالها في علم لا زال يجد مكانه بين أعلام الدول الأخرى داخل مباني المنظمات الدولية، وبشعار على أوراق المراسلات الرسمية، بالإضافة إلى رئيس وحكومة يمثلون الشرعية الواجهة، التي باسمها تمضي المملكة في إدارة حربها ضد خصومها (الحوثيين)، الذين تعدهم مهددين لوجودها، وكذا صالح والحرس الجمهوري المتعاون معهم باعتبار الأخير الجيش المحترف الذي بقي؛ بينما ما يجري على أرض الجنوب من قبل النظامين السعودي والإماراتي يعد أكثر سوءا من الانفصال إلى شطرين، بتقصدهما التأسيس لنزاعات وحروب لا يمكن معها إنشاء دولة مستقرة وموحدة في الجنوب.
و تبدى ما سبق من خلال الإبقاء على عشرات الفصائل المسلحة متعددة الولاءات والانتماءات وإحياء النزعات القبلية، حيث صارت كل قبيلة تبحث عن تعزيز لحضورها ونفوذها للمشاركة في إطار أي دولة محتملة على حساب الأخرى.
و لعل الأخطر يتمثل بإنشاء وحدات عسكرية وأمنية على أساس انتمائها القبلي أو المذهبي على حساب الولاء للوطن، بالتزامن مع ما يجري من إضعاف للأحزاب والمنظمات ذات التوجه المدني.
و لكل ذلك، لم يحصل الجنوب مع طول الوصاية الإماراتية السعودية لا على بلح الانفصال، ولا على عنب شرعية الوحدة، كما لن يحصل على أي منهما في قادم الأيام إلا في حال استعاد ابناء الجنوب زمام تقرير مصيرهم.
المزيد في هذا القسم:
- اليمن سينتصر في معركة الكرامة ! بقلم : علي عبده فاضل المرصاد نت مهما تََمَادت دول العدوان في المضي قدماً بفرض وصايتها وهيمنتها على اليمن ارضاً وانسانا فلن تحصد من وراء إقدامها على ذلك سوى الخزي والدمار والخسارة ...
- السلام الآن كتب: د. أحمد قايد الصايدي لا أميل إلى الاستغراق في الكتابات، التي تبعدنا عن الواقع أكثر مما تقربنا منه، وتثير مزيداً من المشكلات، دون أن تضع حلولاً لها...
- لعبة الحرب ! المرصاد نت عندما دخلت الحرب حياتنا في اليمن، أصبحت كلماتنا حرباً، وتفكيرنا حرباً، حتى خلافاتنا صارت حروباً صغيرة. أما أطفالنا فقد استبدلوا المسدسات الخشبية وا...
- تجريد اليمن من مصادر قوتها ! بقلم : محمد المقالح المرصاد نت 1- توقفت صواريخ زلزلال3 وغيرها ليس لأن مخزونها انتهى بل لأن وسيطا دوليا ما طلب ان تتوقف.. 2- خرج ابطالنا من الربوعة وغيرها في عسير وجيزان ليس لأن ...
- اليمن.. إرادة الشعب تنتصر دوماً "الحلقة الأولى" ! المرصاد نت في 26 مارس 2015 تعرضت اليمن لأكبر عدوان جوي في تأريخها وفي مارس نفسه ولكن قبل 87 سنة كان اليمنيون لأول مرة يشاهدون بذهول أسراباً من سلاح الجو البري...
- اليمن على أبواب النصر الكبير ! بقلم : ناصر قنديل المرصاد نت المؤشرات على تقدّم مفاوضات الفريقين اليمنيّين باتت فوق النقاش والجدل خصوصاً أنّ هذه المفاوضات التي جرت في ظروف مختلفة منذ البداية عن جولات سابقة...
- المنطقة " أ " .. ودلَّال التفكيك ! بقلم :علي احمد جاحز المرصاد نت منذ مشاورات الكويت لا تنفك جزئية الانسحاب من المنطقة " أ " تطرح كمطلب اساسي من قبل طرف العدوان وممثليه على الطاولة وايضا من قبل المبعوث الدول...
- ليقضي الله امراً كان مفعولا ! بقلم : زيد البعوه . المرصاد نت كان العدوان السعودي الأمريكي على اليمن يراهن كما علمنا منذ اليوم الأول على حسم المعركة في أيام قلائل معتمداً على قوته العسكرية والمادية ...
- الاحتلال يتجدد ..فماذا عنا؟ المرصاد نت حتى الآن لا يزال البريطانيون يقيمون الفترة التي أمضوها في احتلال الجنوب وخصوصاً السنوات الأخيرة من الاحتلال التي شهدت مواجهات مسلحة مع الثوار اليمن...
- هل نحن امام نهاية حركة تحررية وتمزق وطن؟ بقلم : محمد المقالح المرصاد نت منحت اليمن فرصة ذهبية اخيرة لكسر السعودية بعد رفض الاخيرة لاتفاق مسقط وبالتالي اخراج اليمن وانصار الله من كل تداعيات العدوان الاقتصادية والارهابية ...