المرصاد نت - متابعات
لم تكن روسيا بمنأى عن الملف اليمني كما يتصوّر البعض. لكنها كذلك لم تنخرط في الصراع هناك بالوتيرة التي عرفها التدخل الروسي في ساحات أخرى ولا سيما في سوريا وإن كان من المتوقع أن يتصاعد الاهتمام الروسي بالحرب اليمنية خلافاً لما هو عليه الأمر منذ أشهر. اليوم لا وجود لموسكو في اليمن.
الروس خارج هذا الملف بكل أوجهه الإنسانية والسياسية والاستراتيجية. وفيما تتطلع أطراف دولية إلى الحرب على اليمن كفرصة للعب دور مربح ليس واضحاً بعد ما إذا كان الروس قد رسموا استراتيجيتهم الخاصة بشأن اليمن في مرحلة قريبة.
ففضلاً عن الأميركيين والبريطانيين الموجودين منذ اليوم الأول الفرنسيون وحتى الألمان بدرجة أقل بدأوا بالتسلل إلى الملف اليمني من عدة أبواب رغم عدم وجود أرضية مواتية للعب دور لدى البعض منهم.
في الواقع كان لدى الروس سياسة مرسومة بشأن اليمن وُضع برنامجها في ظل الحرب وهي ذات طابع تدريجي وتصاعدي جعلها متركِّزة في البداية على الجانب الإنساني. وكان ثمة «شبه اتفاق» مع القوى في صنعاء على أن تولي موسكو الحرب في اليمن أهمية ولا سيما على الصعيدين الإنساني والسياسي. وبالفعل قام الروس ببعض الخطوات التي وعدوا بها مسبقاً ومن بينها الطائرة التي أُرسلت لكسر الحصار (على سبيل المثال).
يؤكد مطلعون على التواصل بين صنعاء وموسكو أن المصالح الروسية مع السعودية أمر جدّي وقائم لكن لا شيء استجدّ ليبعث على الاعتقاد بأن هذه المصالح هي التي لا تزال تحول دون استئناف خطوات «إيجابية» باتجاه صنعاء أو أنها السبب وراء فرملة النشاط الروسي يمنياً. تُرجع المصادر الأزمة إلى ملف «فتنة صنعاء» ومقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح «ولا شيء آخر».
ليس سرّاً أن صالح مثّل للروس منذ أمد بعيد الحليف الأوحد الذي تطمئن إليه موسكو في اليمن والجهة المعتمدة للتواصل والتنسيق لجملة اعتبارات أهمها المعرفة بالشخصية التي احتفظت بالولاءات العسكرية في الجيش إضافة إلى الولاءات القبلية في مرحلة سابقة والتي رغم تركها منصبها بعد عقود من الحكم ظلت ممسكة بـ«الدولة العميقة» فيما «أنصار الله» الحركة الصاعدة لا تربطها بموسكو معرفة وثيقة إلى جانب ما يتردد عن تحفظ روسي تقليدي من التعامل مع اتجاهات دينية أو «لا دولتية».
ما حدث في صنعاء أواخر العام الماضي شكّل انتكاسة كبيرة للسياسة الروسية في اليمن. وانعكس غضباً في موسكو على حركة «أنصار الله» إثر مقتل صالح في الأحداث الداخلية. الغضب الروسي أبلغه الروس لأحد الوسطاء العاملين في إطار حكومة الإنقاذ. سمع الرجل كلاماً «ثقيلاً» من أحد المسؤولين الروس الذين نقلوا عتاباً شديد اللهجة إلى «أنصار الله».
لكن ذروة ردة الفعل الروسية مثّلها الانسحاب من صنعاء وإقفال السفارة الروسية هناك بل وتأكيد هذا الاعتراض من طريق الضغط على دمشق لإقفال سفارتها هي الأخرى وهو ما استجابت له سوريا. كذلك ظهر التعبير الروسي عن الامتعاض من جانب وتأكيد حجم ما كان يمثله صالح للروس من جانب آخر عبر إرسال شخصية بمستوى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى الإمارات لتعزية نجل الرئيس السابق السفير أحمد علي عبد الله صالح.
ومنذ الخروج الروسي من صنعاء لم يُكتب النجاح لعدد من الاتصالات في ترميم العلاقة بين صنعاء وموسكو سواء مع «أنصار الله» أو حتى باقي الأطراف الحليفة لها كـ«المؤتمر الشعبي العام». واحد من أسباب فشل عودة الاتصالات إلى طبيعتها يتمثل في انهماك «أنصار الله» بالملف العسكري وانشغالها عن مهمة ترميم منظومة الدولة رغم تمكنها من حسم ملف الانقسام الداخلي لمصلحتها في المناطق التي لم يدخلها التحالف السعودي الإماراتي.
ففي فترة رئاسة صالح الصماد للمجلس السياسي الأعلى كان التركيز على ترميم الوضع الداخلي والقبلي وكذلك الاستعدادات لمعركة الساحل الغربي فيما لم تحظَ الجهود الدبلوماسية مع الخارج بالقدر الكافي من الاهتمام.
وربما جعلت أحداث الانقسامات الداخلية نفسها تركيز الحركة على الاتصالات الخارجية محصوراً بفريقها التنظيمي الخاص لا من داخل الأطر الرسمية التي تشكلت منذ إنشاء المجلس السياسي الأعلى وتفعيل عمل البرلمان وما انبثق من ذلك من تشكيل لحكومة الانقاذ الوطني. وهذا بحسب بعض الذين يسجلون ملاحظات على عمل «أنصار الله» بدرجة أو بأخرى سببٌ لإضعاف موقف صنعاء على مستوى التواصل الدولي فضلاً عن الإدارة الداخلية للدولة.
من جهة ثانية لا يمكن إغفال بعض التوجس اليمني من السياسات الروسية غير المطَمئنة التي لم تفهم صنعاء بعد أهدافها كملف طباعة العملة وتجديد العقوبات في مجلس الأمن الدولي وهو ما يطلِق عليه أحياناً مسؤولون في صنعاء اتهام «التواطؤ».
وفق مصادر مطلعة فإن الرئيس الجديد للمجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط يولي هذه الملفات عناية خاصة. وبحسب المعلومات ثمة توجه في صنعاء لإحداث تغييرات في أسلوب العمل يبدأ بتعزيز حضور الجيش اليمني واستكمال عملية ترميمه ويمرّ بتفعيل عمل المؤسسات الرسمية وصولاً إلى تفعيل التواصل مع دول بإمكانها أن تحدث توازناً أو تدخلاً إيجابياً في الملف اليمني.
وهو ما ظهر بالفعل في رسالتين بعث بهما المشاط إلى الرئيسين الروسي والصيني حيث تسلّم الروس الرسالة أخيراً من المبكر معرفة مدى ما يمكن أن تحدثه من فارق. إلا أن رسالة أخرى أكثر تفصيلاً تسلّمها الروس في سوريا قبل أيام بعث بها وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ هشام شرف لنظيره الروسي.
من الواضح حتى حينه أن صنعاء لديها إدراك عميق أكثر من أي وقت مضى لأهمية أن يلعب الروس دوراً «إيجابياً» في اليمن ليس بالضرورة بشكل استفزازي أو متصادم مع الدورين الغربي والخليجي. وهو ما يتجلى في الانفتاح على التنسيق مع موسكو بما باتت تمثله من ثقل على المستويين الإقليمي والدولي.
ويتحدث اليمنيون عن رغبة في هذا التنسيق لا على طريقة أن ينخرط الروس في مساعدة اليمنيين إنسانياً أو سياسياً في المحافل الدولية فحسب بل من خلال أطر تعاون استراتيجي تحقق مصالح روسية أيضاً على المديين المتوسط والبعيد ولا سيما في ملفات كبرى كإعادة بناء اليمن والمرافق الاستراتيجية والممرات المائية.
يأتي المسؤولون اليمنيون في صنعاء على ذكر هذه المصالح في وقت يتلمس فيه هؤلاء شراهة متصاعدة لدى الدول الغربية في تثبيت موطئ قدم لها جنوبي الجزيرة العربية وعلى البحر الأحمر وطريق المحيط الهندي والممرات المائية والمضائق الاستراتيجية من بوابة الحرب بينما تغيب الأدوار المنافسة للدول الغربية،التي يمكن أن تحقق توازناً استراتيجياً في هذه المنطقة يُنظر إلى بكين وموسكو كمرشحين طبيعيين لمهمة تحقيقه.
خليل كوثراني -الأخبار
المزيد في هذا القسم:
- الأمم المتحدة لا تعلم أن هناك "تعاملات مالية بين ولد الشيخ والسعودية" المرصاد نت - متابعات قال نائب المتحدث بإسم الأمم المتحدة فرحان حق في مؤتمر صحفي في مقر الامم المتحدة بنيويورك أمس الاثنين 14 اغسطس 2017 "إننا لسنا على دراية ب...
- صراع بين العدوان ومرتزقته بحضرموت حول بيع كميات من النفط المخزن المرصاد نت - المكلا كشفت مصادر صحفية عن مشهد جديد من فصول الصراع بين قوات الغزو العدوان ومرتزقتهم تدور أحداثه بمحافظة حضرموت حول بيع كميات من النفط المخزن ...
- اللجنة الثورية تدعو الشعب للجهوزية والإستعداد للخيارات الثورية القادمة وتأييد مخرجات المؤت... المؤتمر الوطني الموسعدعت اللجنة الثورية أبناء الشعب اليمني وكل الثوار الذين انتصروا وانتصرت إرادتهم في 21 سبتمبر أن يكونوا يقضين ومستعدين وجاهزين للخيارات الثور...
- تقييم أداء حكومة الإنقاذ.. أبرز الاختلالات وأوجه الحل المرصاد نت - متابعات عَقَدَ “منتدى مقارَبات” بمركَز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني لقاءَه عصرَ الأربعاء 25/10/2017 بإقامة ندوة بعنوان: &...
- الجبواني يهاجم رئيس “حكومة هادي”ويطالبه الامتثال للتحقيق والمحاكمة المرصاد-متابعات رد وزير النقل المستقيل من “حكومة هادي” صالح الجبواني على توجيهات رئيس حكومته “معين عبدالملك” للنائب العام للتحقيق حول اتهامات الجبواني...
- السلام في اليمن .. بين المبادرات وتعنت قوى العدوان المرصاد نت - متابعات السلام في اليمن ليس مستحيلا ولكن المطلوب هو الرغبة الدولية في إحلال السلام في اليمن وخاصة الدول العظمى فهي من أعلنت الحرب على اليمن وهي م...
- لجنة الجزاءات الدولية تصنف حزب الإصلاح منظمة متطرفة! المرصاد نت - متابعات كتب الصحفي ديڨيد جيساس في تغريدة نشرها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أن تصنيف الإخوان والإصلاح منظمة متطرفة بعد قتل أبنا...
- تحالف العدوان يترجع في الساحل والرياض في دائرة «الباليستي» مجدداً المرصاد نت - متابعات شنّت القوة الصاروخية في الجيش واللجان أمس هجوماً باليستياً واسعاً على السعودية استهدف العاصمة الرياض ومنطقتي نجران وجيزان. جاء ذلك في ...
- معهد أمريكي: حرب اليمن أصبحت حروب متعددة والصراع أصبح اقليمي ودولي المرصاد نت - متابعات تساءل معهد بروكنغز الأمريكي عن مغزى الإطاحة المفاجئة لأبرز القادة العسكريين السعوديين. وتوقع المعهد في تقرير له صدر الأسبوع الجاري أن ...
- ” فورين بوليسي ” تحذر من ابتلاع ” الطعم السعودي ” في الحديدة! المرصاد نت - متابعات حذّرت مجلة «فورين بوليسي» من مغبة مضي الولايات المتحدة قدماً في دعم السعودية مشيرة إلى التكاليف الإنسانية الباهظة المترتبة عن...