“حرب بريطانيا الخفية”.. كيف انخرطت لندن في حرب اليمن؟

المرصاد نت - متابعات

بثت القناة الرابعة البريطانية تحقيقا استقصائيا ضمن برنامجها الشهير ديسباتشيز (Dispatches) عن مدى الانخراط الحقيقي لبريطانيا في حرب اليمن.Army london2019.4.3

وجاء في التحقيق الذي حمل عنوان “حرب بريطانيا الخفية” أن فنيين من شركة “بي أي إي سيستمز” المتخصصة بمجالات التصنيع والطيران والتكنولوجيا الدفاعية يعملون في قواعد جوية في السعودية لإبقاء المقاتلات السعودية في الخدمة.

ونقل معدو التحقيق عن موظف سابق في الشركة قوله إنه دون هذا الدعم فإن الطائرات المقاتلة يوروفايتر تايفون التي تملكها القوات الجوية الملكية السعودية لن تستطيع التحليق.

وجاء في التحقيق أن لدى القوات البريطانية والأميركية ضباط اتصال في مركز عمليات القوات الجوية لقيادة عملية عاصفة الحزم للتأكد من التزام السعوديين بالقانون الدولي الإنساني، لكن هؤلاء مقيدو الحركة ويوجدون في حجرات صغيرة بعيدا عن قاعة العمليات حيث تتخذ القرارات الرئيسية حسبما ذكر التحقيق.

وقال معدو التحقيق إنهم وجدوا عيوبا في علميات الاستهداف السعودية إذ إن معظم الضربات الجوية غير موجهة من مركز عمليات القوات الجوية السعودية مما يعني أن الأهداف التي تضرب ليست دائما ضمن قائمة الأهداف المحظورة كالمدارس والمستشفيات ومرافق مدنية أخرى.

وفي مقابلة أجراها البرنامج مع وزير الدفاع الأميركي الأسبق والمدير الأسبق للاستخبارات المركزية الأميركية ليون بانيتا قال إن أيادي بريطانيا والولايات المتحدة ليست نظيفة في النزاع اليمني.

من جهته قال عضو مجلس العموم البريطاني أندرو ميتشل للبرنامج إن بريطانيا شريك في الغارات التي قتلت مدنيين في اليمن.

أما المدعي العام البريطاني السابق اللورد كين ماكدونالد فقال إن انخراط “بي أي إي سيستمز” قد تترتب عليه مسؤولية جنائية إذا لم تكن على علم بوقوع انتهاكات للقانون الدولي.

وكشفت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية في تحقيق لها أن تنظيم «القاعدة» تلقى دعماً بملايين الدولارات تمت سرقتها من دافعي الضرائب البريطانيين.

ووفقاً للصحيفة فإن الملايين من الأموال المسروقة وصلت إلى تنظيم «القاعدة» وإن ملفات استخباراتية اطلعت عليها «صنداي تايمز» تفيد بأن عصابة لها علاقة بتفجيرات لندن عام 2005م التي أودت بحياة 52 شخصاً (أرسلت نحو 80 مليون جنيه إسترليني «أكثر من 104 ملايين دولار» لتنظيم «القاعدة») وحسب الصحيفة البريطانية فإن العصابة اخترقت مؤسسات حكومية على مدار أعوام وأجرت عمليات احتيال مرتبطة بالإعانات وبطاقات الائتمان والرهن العقاري مستهدفة مصارف وأفراداً.

الصحيفة أكدت أن استخبارات سرية أفادت بأن بعض هذه الأموال وصل إلى المجمع السكني الذي كان يقيم به متزعم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن قبل أن تزعم واشنطن أن قوات أمريكية قتلته في عام 2011م. وأشارت «صنداي تايمز» إلى أنها ممنوعة من الكشف عن هوية أعضاء تلك العصابة بموجب قرارات قضائية وأن هؤلاء المحتالين اخترقوا مؤسسات حكومية عدة وسياسيين فاسدين خلال حربهم لاستغلال أموال دافعي الضرائب في بريطانيا.ALqaidaah2019.4.3

وفي الأسبوعَ الماضي نشرت صحيفةُ “ديلي ميل” البريطانية تقريراً فضحت فيه مشاركةَ عشرات من عناصر القُــوَّات البريطانية الخاصة في صفوف العدو السعوديّ في اليمن وقالت إن القُــوَّاتِ البريطانية تقومُ بتدريب مليشيات المرتزِقة المرتبطة بشكل مباشر مع تنظيم القاعدة مؤكّـدةً أن أكثرَ من 40 % من تلك المليشيات أطفال كما تشارك القُــوَّات البريطاني في القتال إلى جانب تلك المليشيات أحياناً.

ويوم أمس أعلنت الصحيفة نفسها أنها تلقت طلباً من قبل لجنة الخبراء الرسمية التابعة للأمم المتحدة والتي تقدم المشورة لمجلس الأمن؛ للحصول على معلومات حول ما نشرته الصحيفة في إطار تحقيق جديد.

  فتحُ تحقيق أممي رسمي في ما نشرته “ديلي ميل” يمثّلُ فضحيةً دوليةً لبريطانيا التي تُعنَى بالملف اليمني في مجلس الأمن متنكرةً بشخصية “وسيط السلام” فما نشرته الصحيفة لا يثبت وحسب المشاركةَ العسكريّة المباشرة لبريطانيا في الحرب على اليمن بل يتجاوز ذلك إلى إثبات “إدارة” بريطانيا لهذه الحرب عن طريق التحكم بمسار التحَـرّكات الدولية بما يخدم المصالح البريطانية ضمن التحالف.

فضيحةٌ لا يبدو أن الوسط الإعلامي والسياسيّ في بريطانيا ينكرها فقد ذكرت الصحيفة البريطانية أمس أن المعلومات التي نشرتها أثارت اسئلة غاضبة في مجلس العموم البريطاني حول تورط المملكة المتحدة في الحرب على اليمن كما أثارت شكوكاً حول الادّعاءات المتكرّرة للحكومة البريطانية بأنها “ليست طرفاً في الحرب”.

وأعادت الصحيفة نقل اتهام وزير الخارجية السابق أندرو ميتشل لحكومة المملكة المتحدة بأنها “متورطة بشكل مخجل” في اليمن. ولا تقف الفضيحة عند هذا الحد فقد كشفت “ديلي ميل” في تقريرها الجديد أمس أن هناك احتمالات تفيد بأن سلاح الجو البريطاني متورط بقصف مستشفى للأطفال في اليمن قبل أيام وهو ما يوضح بشكل أوسع نوعية الدور البريطاني في اليمن والذي ينسف تَمَاماً ادّعاءات الحكومة البريطانية المتكرّرة بأنها “ليست طرفاً في الحرب”.

ما يكشفه الإعلامُ البريطاني راهناً ليس إلا تفصيلاً جزئياً من مجمل التحَـرّكات البريطانية الرسمية التي تشهدها الساحة اليمنية منذ بداية الحرب انطلاقاً من ضخ الأسلحة لـ “التحالف” ومروراً بتوفير الغطاء الدولي له وُصُولاً إلى عرقلة اتّفاق السويد الذي كانت لندن تريد أن تظهر من خلاله كراعية لعملية السلام إلا أنها أخفقت وكشفت عن مخطّطات بديلة لا علاقة لها بالسلام.

تبّنت بريطانيا القرارين الدوليين الأخيرين لمجلس الأمن بشأن اليمن واللذين يدعمان تنفيذ نتائج مشاورات استوكهولم لكنها استخدمت على الأرض فريقا نشيطا ليضعَ كُــلَّ عقبة ممكنة أمام تنفيذ الاتّفاق في محاولة لاستخدام الاتّفاق نفسه كوسيلة أقل تكلفة للحصول على المطامع الاستراتيجية وبالذات في الساحل الغربي.

على رأس ذلك الفريق كان وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت الذي مضى خلال الفترة الأخيرة يهدّدُ بفشل “اتّفاق الحديدة” بالذات وَيلمح بعودة الحرب ويتحدث عن “انسحاب الجيش واللجان” من الحديدة وهو أمرٌ مخالف تَمَاماً لنص ومضمون الاتّفاق الذي يفترض ببريطانيا أن ترعى تنفيذه.. تصريحاتٌ أكّـدت أن بريطانيا تسعى لاستخدام اتّفاق ستوكهولم كوسيلة لفرض سيطرتها العسكريّة على الحديدة والبحر الأحمر بدون خسائرَ بعد أن فشلت في كُــلِّ جولات التصعيد القتالي.

لم يقم وزيرُ الخارجية البريطاني بتأكيد الدور البريطاني المباشر لبلاده في الحرب على اليمن فحسب بل أكّـدت تصريحاته أَيْضاً أن المملكة المتحدة “تدير” تحالفَ العدوان إذ اتضح أن الخروقاتِ المتواصلةَ التي ترتكبها دول التحالف ومرتزِقتها في الحديدة كانت بإيعاز بريطاني أَيْضاً كما اتضح أن تسلُّمَ بريطانيا لملف اليمن لم يكن سوى للتحكم بمعطيات الموقف الدولي لدعم العملية الاستعمارية الجديدة التي تقف فيها بريطانيا على رأس هرم تحالف العدوان.

وفي ظل هذا الوضوح لم يفلح حتى المبعوثُ الأممي “مارتن غريفيث” في أن يتقنَ دورَ “الوسيط” كما لم تفلحْ بلادُه في الخدعة ذاتها فمع تكاثف الخروقات واتضاح المخطط البريطاني من خلال تصريحات “هنت” المخالفة للاتّفاق، كان الصمتُ الأمميُّ بمثابة دليل الإدانة الذي كشف أن “غريفيث” لم يكن سوى مجرد عضو آخر في الفريق البريطاني المكلف بعرقلة الاتّفاق وتهيئة الطريق لتحقيق مصالح المملكة المتحدة حتى أن رئيسَ الوفد الوطني محمد عبدالسلام أعلن بنفسه أنه لم يكن سوى “مبعوث بريطاني خاص”.

إلى ذلك وصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مبررات وزير الخارجية البريطاني لبيع الأسلحة إلى السعودية بأنها"ملتوية وغير منطقية" وفي بيانٍ لها أشارت المنظمة إلى أن توفير الأسلحة للسعودية يعرّض المسؤولين البريطانيين لخطر المساءلة القانونية.

وقالت إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يُبدِ أيّ استعداد لكبح أساليب التحالف التعسفية مضيفة أنّ على وزير الخارجية جيريمي هانت إعلامه بأن مبيعات الأسلحة البريطانية ستتوقف حتى يُنهي التحالف السعودي هجماته غير القانونية.

وأوضحت:"في أفضل الحالات، يبدو منطقُه (هانت) ملتوياً. لأكثر من 4 سنوات، ارتكب التحالف الذي تقوده السعودية انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب في اليمن. وقصفت طائرات التحالف المستشفيات والجنازات والأعراس والأسواق ومنازل المدنيين وحتى حافلة مدرسية وقتلت آلاف المدنيين بينما كانت البلاد تنحدر نحو فوضى إنسانية. كما وثّقت "هيومن رايتس ووتش" استخدام الأسلحة البريطانية الصنع في ما يبدو أنها ضربات جوية غير قانونية".

وأردفت قائلةً: "واصلت المملكة المتحدة خلال ذلك الوقت جني الأموال من بيع الأسلحة إلى السعودية بقيمة 4.7 مليار جنيه استرليني على الأقل. توفير الأسلحة لحكومة يُحتمل أن تستخدمها في انتهاك القانون الإنساني الدولي ليس فقط انتهاكاً لقواعد التصدير الخاصة ببريطانيا (كما وجدت "لجنة العلاقات الدولية" التابعة لـ "البرلمان البريطاني") بل يُعرّض المسؤولين البريطانيين لخطر المساءلة القانونية بسبب التورط في هجمات غير قانونية.

المزيد في هذا القسم: