الدماء تغذّي الحرب في ظل تعنت وتصعيد مختلف الأطراف المشاركة فيها!

المرصاد نت - متابعات

تعيد حصيلة ضحايا الخميس الدامي في عدن وسقوط نحو 50 قتيلاً وعشرات الجرحى في هجومين استهدفا أمس معسكراً لقوات "الحزام الأمني" التابعة للإمارات ومركزاً للشرطة تسليط الضوء Aden Alglla2019.8.1على حجم المأساة اليمنية التي تزداد تفاقماً ويدفع المدنيون الجزء الأكبر من فاتورتها في ظل استمرار العدوان والحرب منذ أكثر من أربعة أعوام من دون بروز أي مؤشرات على قرب نهايتها لا سيما في ظل تعنت وتصعيد مختلف الأطراف المشاركة فيها. كما تفتح المجال لتساؤلات عدة حول طبيعة ما حصل أمس بما في ذلك حول كيفية اختراق صنعاء أمنياً للمدينة القابعه تحت قبضة التحالف منذ نحو أربع سنوات وغياب دفاعات التحالف السعودي-الإماراتي وذلك بعد توجّه أبوظبي للانسحاب عسكرياً من الساحة اليمنية ثم فتحها حواراً مع طهران بزيارة وفد منها العاصمة الإيرانية في الأيام الأخيرة. كما أن التصعيد في عدن والذي ترافق مع إعلان  صنعاء إطلاق صاروخ بعيد المدى على مدينة الدمام لأول مرة منذ بدء استهدافها للسعودية يوجّه رسائل مزدوجة من  صنعاء  باتجاه الإمارات والسعودية.

وفي تفاصيل ما جرى أمس كشفت مصادر محلية وأخرى مقربة من "المجلس الانتقالي الجنوبي" في عدن أن معسكر "الجلاء" الذي يُعدّ من أبرز معسكرات "الحزام الأمني" في منطقة البريقة بعدن تعرض لهجوم بينما كان يستضيف عرضاً عسكرياً بمناسبة تخريج دفعتين من القوات الموالية للانفصاليين والمدعومة من أبوظبي الأولى تعرف بـ"اللواء 11 صاعقة" والثانية من قوات "الحزام الأمني". وكان العرض يجري بحضور قيادات عسكرية ومدنيين من أنصار "المجلس الانتقالي" قبل أن يحدث الانفجار خلف المنصة الخاصة بالعرض مخلّفاً حفرة تعزز الرواية بوقوعه جراء صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون.

وقُتل في انفجار معسكر "الجلاء" القيادي البارز في "الحزام الأمني" والذي يعد أحد أبرز قادة التشكيلات المسلحة الموالية لأبوظبي العميد منير اليافعي والمعروف بـ"أبو اليمامة" وهو القيادي الذي برز أكثر من مرة بتصريحات تصعيدية بما في ذلك البيان الذي ألقاه في يناير/كانون الثاني 2018م وأمهل خلاله هادي أسبوعاً واحداً لإقالة حكومة أحمد عبيد بن دغر (رئيس الوزراء السابق) وهي المهلة التي سبقت تفجّر الوضع عسكرياً في عدن بين قوات حكومة هادي وبين الموالين لـ"المجلس الانتقالي" الانفصالي من حلفاء الإمارات. وقال الصحافي ياسر اليافعي الذي كان يحضر العرض العسكري إن الانفجار حدث مباشرة بعد نزول أبو اليمامة من المنصة ما يعزز فرضية تعمد استهدافه على نحو مباشر. وذكر أحد سكان عدن محمد إسماعيل أنهم سمعوا طائرة تحلق في السماء ثم تبعها انفجار في معسكر "الجلاء".

من جهتها أعلنت  سلطة صنعاء المسؤولية عن الهجوم على معسكر "الجلاء" باستخدام صاروخ باليستي متوسط المدى بالإضافة إلى طائرة مسيرة من دون طيار من طراز "قاصف 2k"، الهجومية. كما قال وزير الإعلام في حكومة صنعاء ضيف الله الشامي إنّ هذا الهجوم "نتيجة عملية استخباراتية" واستُخدم فيه "صاروخ من نوع جديد" "كذلك سلاح الجو المسير ساند العملية بشكل كبير جداً ما أصاب الهدف".

وقبل دقائق من هجوم معسكر "الجلاء" كانت عدن على موعد مع تفجير انتحاري إذ فجّر انتحاري يقود سيارة مفخخة نفسه في مركز شرطة مديرية الشيخ عثمان شمال مدينة عدن مخلفاً ضحايا من الجنود والمدنيين المتواجدين في المكان. ولم تعلن أي جهة على الفور مسؤوليتها عن الحادثة. وأدى الهجومان إلى سقوط 49 قتيلاً بينهم نحو 20 من رجال الأمن إضافة إلى إصابة 48 آخرين، كما نقلت وكالة "فرانس برس" عن المسؤول في وزارة الصحة في الحكومة محمد ربيد.

 بالتوازي مع ذلك، أعلنت صنعاء أمس إطلاق "صاروخ باليستي متطور بعيد المدى" على "هدف عسكري" في مدينة الدمام السعودية. وقال المتحدث العسكري يحيى سريع في بيان  إن الإطلاق جاء في تجربة جديدة وعملية للقوة الصاروخية اليمنية مضيفاً أن الاستهداف يأتي ردا على هجمات التحالف وحصاره لليمن. ودعا كل الشركات الأجنبية والمواطنين إلى الابتعاد الكامل عن الأهداف العسكرية والحيوية، كونها أصبحت أهدافا مشروعة.

وسارعت حكومة هادي والنظام السعودي لاتهام إيران بالوقوف وراء الهجومين. وقالت حكومة هادي إن الهجومين هدفا إلى "قطع الطريق على كل فرص السلام والاستقرار في اليمن، كوسيلة لتحقيق المخططات الإرهابية التي تتلاقى وتتحرك بدعم من إيران". وتابعت "من خلال العمليتين يبرز الدور الإيراني المعادي والتدميري في اليمن، من خلال دعمها ورعايتها لمليشيا الحوثي وتزويدها بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والأسلحة النوعية". من جهته كتب السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر في تغريدة "الاستهداف المتزامن من قبل المليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران لأمن واستقرار العاصمة عدن مؤشر قوي لتوحّد أهدافها مع أخواتها الإرهابية داعش وتنظيم القاعدة".

وأثارت تفجيرات عدن وما تخللها من تصفية لقيادي مهم في القوات المدعومة من الإمارات عاصفة من التساؤلات وعلى الرغم من إعلان التحالف السعودي الإماراتي في فترات سابقة عن اعتراض طائرات مسيّرة أطلقتها صنعاء باتجاه عدن تعد المرة الأولى التي يسقط فيها صاروخ باليستي داخل أحد أهم المعسكرات المعروفة في المدينة. والأهم من ذلك أن القصف جاء بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة وصولاً إلى نجاحه بالوصول إلى الهدف وقتل قيادي بارز.

وفي السياق يقفز على رأس التساؤلات الخاصة بالخميس الدامي في عدن غياب الدفاعات الجوية للتحالف السعودي-الإماراتي إذ إن الأخير وبقيادته الإماراتية في عدن يمتلك منظومة دفاع جوي أميركية الصنع (باتريوت)، وخصوصاً في مدينة البريقة التي يقع فيها مقر قيادة التحالف وفيها استهدف "معسكر الجلاء"، الأمر الذي يمكن تفسيره من أكثر من زاوية بما فيها أن صنعاء وجّهت رسالة عملية إلى التحالف في عدن بقصف أحد المعسكرات القريبة جداً من قاعدته بالتأكيد أنها قادره على فعل ذلك، من دون أي اعتراض.

ومن زاوية أخرى فتح غياب وجود أي فعل للدفاعات الجوية التابعة للتحالف الباب أمام التكهنات التي مفادها أن وراء الحادثة أمراً ما وأنها قد لا تكون بعيدة عن تصفيات لشخصيات تحوّلت من حليف إلى هدف بالنسبة للإماراتيين كأحد الاحتمالات الممكنة ولو بنسبة ضعيفة مقارنة بغيرها من التفسيرات التي تشير بمجملها إلى أن القوات اليمنية المشتركة حققت اختراقاً نوعياً بقصف أحد أهم المقرات العسكرية والأمنية التابعة لقوات مدعومة من الإمارات.

وكان لافتاً أن يترافق أعنف هجوم على أهداف عسكرية داخل عدن مرتبطة بأبوظبي مع بدء الأخيرة في الفترة الأخيرة حواراً مباشراً مع إيران للمرة الأولى منذ العام 2013م من خلال إرسال وفد أمني من قوات خفر السواحل إلى طهران وهو التطور الذي بدا منعطفاً مهماً في العلاقات بين البلدين مثلما أنه يلقي بظلاله على التحالف بين الإمارات والسعودية.

صنعاء تلاحق الانسحاب الإماراتي
أخرجت صنعاء رؤيتها للتحول الإماراتي في اليمن إلى العلن. «التريث» لدى سلطة صنعاء عقب إعلان أبوظبي «شبه الانسحاب» كان يقود إلى توجس يمني من أن «المناورة» الإماراتية إذا ما كانت احتماء بالتحولات الإقليمية فإنها لن تكون كافية لتجاوب أكبر وبالتالي إما أن يترجم الأمر خروجاً جدياً وتفكيكاً لمنظومة «الاحتلال» في اليمن أو استكمالاً للعمليات لفرض مزيد من التراجع الإماراتي.

العملية النوعية التي نفذت أمس في عدن تترجم موقفاً صلباً لدى صنعاء ورسالة حازمة بأن أي خداع إماراتي من خلال تعزيز حضور الميليشيات التابعة لأبو ظبي لتغذية الحرب وإدارة النفوذ من الخلف لن يُغضّ عنه الطرف. والرسالة تعقب إظهار الإماراتيين مساعي لتزخيم الاعتماد على القوى المحلية، تحديداً في الجنوب، بغية تهيئتها لما بعد الانسحاب، عبر استحداث معسكرات تدريب وزيادة عدد عناصر الميليشيات التي استدعت قادة لهم في الآونة الأخيرة إلى أبوظبي لتنفيذ هذا البرنامج.

وفي تفاصيل ما جرى أمس نفذت القوات اليمنية عملية مشتركة للقوتين الجوية والصاروخية استخدمت فيها طائرة «قاصف K 2» وصاروخاً بالستياً متوسط المدى (تحفظ المتحدث باسم القوات المسلحة يحيى سريع عن الكشف عن طبيعته) مستهدفة قاعدة «الجلاء» في البريقة في عدن حيث كان يقام عرض عسكري وحفل تخريج دفعة تابعة لـ«لواء الدعم والإسناد» وأخرى تابعة لـ«لواء الصاعقة الحادي عشر» وهما قوتان تتبعان ميليشيا «الحزام الأمني» الإماراتية الإمرة والتمويل. وأسفرت نتائج العملية عن مقتل 36 من القادة والعناصر العسكريين المتواجدين وجرح آخرين أبرزهم القيادي منير اليافعي (الملقّب بـ«أبو اليمامة») وهو ضمن دائرة صغيرة من الشخصيات التي يعتمد عليها النفوذ الإماراتي وتحظى بصلة مباشرة بأبو ظبي.

«أبو اليمامة» كان قائد أبرز الألوية في ميليشيا «الحزام الأمني» المتخصصة بفرض النفوذ على الأرض ومواجهة قوات هادي أكثر من تخصصها في جبهات الحرب والقتال واشتُهر بتنفيذه العمليات القذرة لصالح الإماراتيين والإشراف على سجون التعذيب والإخفاء القسري ذائعة الصيت (يشرف على سجن سري في قاعدة «الجلاء» المستهدفة نفسها).

من شأن الضربة النوعية في قاعدة «الجلاء» وسقوط هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى العسكريين أن يضعفا من معنويات القوى المحلية المتعاونة مع التحالف السعودي الإماراتي لا سيما أنها المرة الثانية التي تتعرض فيها تلك القوى لضربة موجعة خلال أشهر قليلة. إذ كانت الضربة الأولى منتصف الشهر الأول من العام الجاري في قاعدة «العند» في محافظة لحج وباستخدام أسلوب مشابه (طائرة مسيرة) وقد قتل فيها قائد العمليات العسكرية وقائد الاستخبارات العسكرية وعدد آخر من كبار الضباط في ما يسمى «جيش الشرعية» أثناء تواجدهم في عرض عسكري.

ضربة البريقة تكشف مرة أخرى خللاً بنيوياً في المنظومة العسكرية والاستخبارية التابعة لـ«التحالف»، جراء الاختراق العميق والرفيع المستوى الذي حصل للقوى المحسوبة على الإمارات كما حصل سابقاً في اختراق «جيش الشرعية» في «العند» على المستوى الأمني ما يدلّل على أن جناحَي «التحالف» السعودي والإماراتي ليسا بمنأى عن الاختراق من قِبَل الاستخبارات في صنعاء.

إذ لم تقدم صنعاء على الاستهداف إلا بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة ترصد تحركات قيادات «الحزام الأمني» وموعد حضورهم الحفل العسكري وهو ما يمثل اختراقاً كبيراً ليس للقوى المحلية اليمنية فحسب بل كذلك لقوات «التحالف» التي تتواجد في أهم المعسكرات في عدن ومنها مقر القيادة العامة للقوات الإماراتية في البريقة (لا تبعد سوى بضعة كيلومترات قليلة عن قاعدة الجلاء وهي المسؤول الأول عن حمايتها جواً من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة). تجدر الإشارة إلى أن الاختراق المذكور يعتمد بالدرجة الأولى على العنصر البشري بالإضافة إلى مصادر أخرى لا تقل أهمية.

نجاح عملية «الجلاء» يثبت من جديد الفشل في حماية القواعد العسكرية التابعة للقوى المحلية العاملة تحت راية «التحالف» وأن تلك القواعد ليست مشمولة بمنظومة دفاع جوي ملائمة لمثل هكذا تهديدات على المستوى العسكري، علماً أن القواعد العسكرية التابعة لـ«التحالف» مُزوّدة بمنظومة «باتريوت»، وتخضع لإجراءات أمنية وعسكرية مشددة ويُحظر دخولها حتى على القادة العسكريين في «الشرعية» والفصائل الموالية للامارات إلا بشكل محدود وبعد الخضوع لتفتيش دقيق ومهين. مع ذلك، وعلى الرغم من أن العملية ليست الأولى من نوعها، فإن أسئلة سرت في الشارع اليمني حول توقيت مقتل أحد «الصناديق السوداء» للإمارات وعدم مشاركة الضباط الإماراتيين في الاحتفال أو تفعيل منظومة الدفاع الجوي وهي أسئلة تكررت مثيلات لها في أحداث أخرى ودافعها الأكبر التخبط وعدم ثقة القوى المحلية بـ«التحالف». وعلى إثر الهجوم بدأت عناصر «الحزام الأمني» عمليات ملاحقة انتقامية من السكان المتحدّرين من المحافظات الشمالية كما حاولت إغلاق الطرق المؤدية إلى تلك المحافظات وسط حالة تخبط وغضب.

وتأتي ضربة معسكر «الجلاء» في مسار تراكمي وتدشيناً لـ«المرحلة الثانية من عام الحسم» الذي أعلنته القيادة اليمنية وكذلك بالتزامن مع استهداف منشأة عسكرية في الدمام شرقي السعودية. وهي مرحلة تفيد بأن صنعاء باتت تهدد فرص «التحالف» في إنشاء مشاريع وكيانات مناطقية وجغرافية ومذهبية تخدم الأجندات الخارجية على حساب وحدة الأراضي اليمنية. كما يأتي الاستهداف بالاستفادة من الظرف الإقليمي الذي توفر بعد التراجع الأميركي عن التهديدات العسكرية والتواصل السياسي الحاصل بين كل من إيران والإمارات والذي أكد من دون شك على تراجع دور أبو ظبي في اليمن من الطليعة والتصدي المباشر إلى الجلوس على المقعد الخلفي.

المزيد في هذا القسم: