عقب سقوط عدن وسيطرة المجلس الانتقالي: ما الذي تبقّى لسلطة هادي؟

المرصاد نت - متابعات

تمثل سيطرة "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً على مدينة عدن جنوبي البلاد مسماراً جديداً في نعش  ماتسمي بالشرعية وضربة موجعة للحكومة والقيادة التي فقدت في العام 2014Wer Aden2019.8.13 السيطرة على العاصمة صنعاء لتلحق بها عدن ثاني أهم مدن البلاد التي تُوصف بـ"العاصمة المؤقتة" ليغدو الواقع بين سلطتي أمر واقع مركزيتين تمثّلان انقلابي صنعاء وعدن فيما يتبقى لماتسمي بالشرعية والسلطات المحلية الموالية لها العواصم الثانوية وأبرزها محافظة مأرب إلى جانب أجزاء من حضرموت وغيرها لكنها تبدو الحلقة الأضعف على الأرض.

وللمرة الأولى منذ إعادة توحيد اليمن في العام 1990م باتت المدينة الساحلية الاستراتيجية في أيدي من يعتبرونها عاصمة لـ"الجنوب" ويرفضون الاعتراف بكونها جزءاً من "الجمهورية اليمنية" ومع ذلك وكإحدى أبرز المفارقات في الوضع التي تعيشه البلاد فإن الانفصاليين يعترفون بسلطة هادي كضرورة رمزية وسياسية يقتضيها الموقف بالنسبة للتحالف السعودي الإماراتي الذي يستمد شرعية تدخله من هدفٍ معلنٍ هو دعم الشرعية.

وإلى ما قبل سقوط عدن كانت حكومة هادي تعتمد إلى حد كبير على الدعم الخارجي إذ إن الضربة الأولى التي لا تقارن بأي تحولٍ آخر كانت فقدان السيطرة على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 التي ما تزال تحت سيطرة الحوثيين يمارسون فيها سلطاتهم إلى جانب سيطرتهم على أغلب المحافظات الشمالية والجنوبية الغربية والوسطى وجميعها تمثل مركزاً للثقل السكاني حيث يعيش الغالبية من اليمنيين فضلاً عن كونها تضم البنية التحتية للدولة ومؤسساتها.

وبعد سنوات من العدوان و الحرب المدمّرة والتي سعت فيها سلطة هادي بدعم من السعودية إلى نقل المؤسسات الحكومية إلى عدن بوصفها "العاصمة المؤقتة" كما توصف وبما في ذلك نقل المصرف المركزي اليمني تفقد سلطة هادي وجودها الذي كان رمزياً وضعيفاً أصلاً في المدينة بسبب النفوذ القوي للإمارات وحلفائها الذين عملوا على تقويض الحكومة والحيلولة دون عودة  هادي إليها لتبدو أخيراً أضعف على صعيد السيطرة الميدانية خصوصاً أن سيطرة الانفصاليين على عدن تقود بالضرورة إلى إلحاق أبرز المدن والمحافظات المحيطة بها الأمر الذي بدت ملامحه خلال الساعات الـ72 الأخيرة إذ بدأ العديد من المسؤولين وفقاً لمصادر محلية بإعلان تأييدهم لـ"الانتقالي" كنتيجة للأمر الواقع الذي فرضه في مركز المدن الجنوبية.

في غضون ذلك تعد محافظة مأرب التي تحولت منذ سنوات إلى واحدة من أهم المحافظات والمدن اليمنية المركزية على رأس المحافظات التي ما تزال خاضعة لسلطة هادي بقواها المحلية والعسكرية والأمنية إلى جانب امتدادات النفوذ فيها في أجزاء من محافظة الجوف وغيرها. وعلى الرغم من أن المحافظة تشكل ثقلاً عسكرياً قوياً بوصفها المحافظة "الشمالية" الوحيدة غير الخاضعة للحوثيين إلا أنها مع ذلك لا يمكن أن تعوض عدن بما للأخيرة من رمزية وبنية تحتية، فضلاً عن التأثير الذي يتركه فقدان صنعاء وعدن على واقع الشرعية ذاتها.

 وإلى الشرق من البلاد تحتل محافظة حضرموت وضعاً سياسياً وعسكرياً يمكن اعتباره حالة فريدة من نوعها، فعلى الرغم من أن "الانتقالي" ينظر إلى المحافظة كجزء من "دولة الجنوب" قبل الوحدة إلا أن المزاج الغالب فيها يميل إلى تطبيق "الحكم الذاتي" وتأييد خطة الأقاليم التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني منذ سنوات.

وتنقسم حضرموت عسكرياً إلى منطقتين هما الأولى في الوادي والصحراء وتنتشر فيها ما تبقى من تشكيلات الجيش اليمني التي حافظت على نفسها من السقوط خلال العدوان والحرب وهذه المناطق تبدو في وضعها السياسي والعسكري أقرب لوضع مأرب كمناطق ما تزال خاضعة للشرعية. أما المنطقة الثانية وتشمل مركز المحافظة مدينة المكلا فتنتشر فيها قوات "النخبة الحضرمية" المدعومة إماراتياً ومع ذلك فإن الخصوصية المحلية لهذه القوات لا تضعها بكفة واحدة مع أذرع الإمارات في عدن ومحيطها.

وغير بعيد عن حضرموت تعد محافظة المهرة البوابة الشرقية لليمن واحدة من أبرز المحافظات التي ما تزال خاضعة لسلطة هادي ولو شكلياً في ظل النفوذ السعودي المتنامي في هذه المحافظة، وما يثيره من معارضة محلية إلا أن مصير المهرة يبقى مرتبطاً إلى حد كبيرٍ بحكومة هادي المدعومة سعودياً مثلما أن هناك مدناً وأجزاء من محافظات على غرار تعز وجنوب الحديدة تمثل وضعاً مختلفاً لا يمكن اعتباره خاضعاً لسلطة هادي أو خارجاً عن سيطرتها بقدر ما أن الحرب هي المسيطر.

من زاوية أخرى قد لا يكون دقيقاً اعتبار الوضع الذي آلت إليه عدن بعد سيطرة الانفصاليين حالة خرجت من أيدي سلطة هادي على غرار صنعاء إذ إن تقييم الواقع ما يزال مرهوناً بالسيناريوهات التي ستؤول إليها الأوضاع في المدينة بالمرحلة المقبلة وما إذا كان "الانتقالي" سيعلن الانفصال ويكمل الانقلاب على سلطة هادي أم أنه سيظل يعترف بالأخيرة كضرورة للتحالف السعودي الإماراتي ولكن مع افتقارها للقرار الحقيقي وتحولها إلى ما يشبه "حكومة منفى" أو "رمزية" على إثر فقدانها السيطرة على الجزء الأكبر من البلاد ومدنها الحيوية.

 السعودية والإمارات تضحيان بماتسمي الشرعية

انتظرت السعودية أربعة أيام حسم خلالها قوات المجلس الانتقالي المعركة لصالحهم في عدن بدعم مباشر وكبير من الإمارات لتطلق دعوة لوقف إطلاق النار وانسحاب التشكيلات التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" من المواقع التي استولت عنها، بعد صمت مطبق على الانقلاب الذي نفذه أتباع الإمارات في المدينة الجنوبية المعلنة "عاصمة مؤقتة" ليبدو واضحاً أن الرياض وأبوظبي ضحتا بسلطة هادي. والأخيرة التي يقطن رئيسها هادي ومعظم أركان حكومته في الرياض لم تُصدر أي موقف خلال الانقلاب باستثناء ما كان يصدر عن وزراء ومسؤولين كانوا موجودين في اليمن أبرزهم نائب رئيس حكومة هادي وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري الذي انتقد صراحة الرياض أمس الأحد لصمتها 4 أيام "وشريكنا في التحالف (الإمارات) يذبحنا من الوريد إلى الوريد".

ولفت أمس لقاء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز هادي ونائبه علي محسن الأحمر ورئيس الحكومة معين عبد الملك. ووفق وكالة الأنباء السعودية (واس) جرى اللقاء في الديوان الملكي بقصر منى في مكة المكرمة. وقالت الوكالة إن "اللقاء استعرض العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين وبحث مستجدات الأوضاع في المنطقة وبخاصة على الساحة اليمنية ومختلف الجهود تجاهها في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار".

وساد الهدوء في شوارع عدن أمس بعد أربعة أيام من المعارك العنيفة نجح خلالها أتباع الإمارات في بسط سيطرتهم على كامل مقار الحكومة في المدينة فيما أدت المواجهات إلى مقتل نحو 40 شخصاً وإصابة 260 منذ الخميس بحسب ما أعلنت الأمم المتحدة في بيان أمس. ونقل البيان عن منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي دعوتها السلطات إلى "ضمان وصول المؤسسات الإنسانية من دون عوائق" إلى عدن مشيرة إلى أن هناك 34 منظمة إنسانية عاملة في عدن وتقدّم مساعدات غذائية إلى نحو 1,9 مليون شخص. كذلك أشارت إلى أن ميناء عدن هو أحد المنافذ الرئيسية للمساعدات الإنسانية إلى اليمن.

هذا الهدوء كان قد خرقه قصف من قبل التحالف السعودي الذي أعلن في بيان أنه "استهدف إحدى المناطق التي تشكّل تهديداً مباشراً على أحد المواقع المهمة التابعة لحكومة هادي وذلك غداة سيطرة المجلس الانتقالي على القصر الرئاسي في عدن. ودعا البيان "المجلس الانتقالي الجنوبي" إلى "الانسحاب الفوري والكامل من المواقع التي استولى عليها بالقوة". وأضاف التحالف في بيانه "ستكون هذه العملية الأولى وستليها عملية أخرى في حال عدم التقيد ببيان قوات التحالف" الذي دعا إلى وقف لإطلاق النار في عدن.

وأكد التحالف أنه "سيتولى حماية المواقع التي ينسحب منها المجلس الانتقالي". وذكر البيان أن قيادة التحالف ترفض بشكل قاطع التطورات الخطيرة في عدن وأنها "لن تتوانى عن مواجهة كل من يخالف هذا الإعلان ويسعى لاستمرار القتال والفتنة والإضرار بالأمن والاستقرار أو التعدي على مؤسسات الدولة". وبحسب شهود عيان تحدثوا لوكالة "فرانس برس" فإن الغارات الجوية للتحالف استهدفت معسكري بدر وجبل حديد في المدينة اللذين سيطر عليهما المجلس الانتقالي. وفي موقف آخر منسوب إلى مصدر مسؤول في الخارجية السعودية دعت الرياض حكومة هادي وما وصفتها بـ"الأطراف التي نشب بينها النزاع في عدن" إلى عقد اجتماع عاجل في السعودية.

 دعوة التحالف منتصف ليلة السبت - الأحد لوقف إطلاق النار لاقت تعليقات ساخرة من أوساط يمنية باعتبارها جاءت في الوقت الضائع وبدت كما لو أنها محاولة لامتصاص الغضب. كما لاقت تحفّظات في الأوساط اليمنية نظرت إليها باعتبارها محاولة لـ"شرعنة الأمر الواقع المفروض بالقوة" قبل أن تضطر السعودية لتوضيح دعوتها وجعلها مشروطة بانسحاب قوات "الانتقالي" أولاً من المواقع التي استولت عليها.

وأعلنت حكومة هادي ترحيبها بدعوة التحالف إلى وقف إطلاق النار ودعوته كافة التشكيلات التابعة لـ"المجلس الانتقالي" إلى الانسحاب من المواقع التي استولت عليها. ونقلت وكالة الأنباء عن  المتحدث باسم الحكومة راجح بادي قوله إنها ملتزمة "بدعوة تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية لوقف إطلاق النار" وترحيبها بدعوة السعودية للحكومة وجميع الأطراف لعقد اجتماع عاجل في السعودية لـ"الوقوف أمام انقلاب مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي على الحكومة".

أما "المجلس الانتقالي" وبعد ساعات من ترحيبه بدعوة التحالف والسعودية إلى الحوار فقد خرج نائب رئيسه هاني بن بريك بموقف جديد أمس أعلن فيه رفض المجلس التفاوض "تحت وطأة التهديد" مع تأكيده الالتزام بـ"شرعية" هادي والوقوف إلى جانب التحالف.

في المقابل جاء الموقف الأبرز من مسؤولي حكومة هادي من وزير الداخلية أحمد الميسري الذي قال إن الإمارات انتصرت في حربها لإسقاط حكومته في عدن. وظهر الميسري في تسجيل مصور بث أمس وجرى تصويره قبيل مغادرته عدن إلى السعودية أعلن فيه أنه يقرّ بالهزيمة وبارك للإمارات "النصر المبين علينا" على حد قوله. واتهم الميسري الرئاسة اليمنية والسعودية بالصمت إزاء انقلاب عدن وقال إن مؤسسة الرئاسة لم تكن موفقة في صمتها المريب عما حدث ويحدث في عدن. كما انتقد السعودية على صمتها 4 أيام "وشريكنا في التحالف (الإمارات) يذبحنا من الوريد إلى الوريد". وتوعّد بأن "هذه المعركة لن تكون الأخيرة" وأنهم لن يتركوا الوطن للعابثين. وأشار الميسري إلى أن القوات الحكومية قاومت لأربعة أيام عصيبة في عدن على الرغم من الفارق في الإمكانية العسكرية مشيراً إلى وجود 400 آلية عسكرية لأبوظبي لدى قوات الانفصاليين الذين نفذوا الهجوم على مواقع القوات الحكومية.

 

 

المزيد في هذا القسم: