العودة المستحيلة إلى ماقبل الوحدة .... 5 سيناريوهات لمستقبل اليمن !

المرصاد نت - متابعات

فرضت مجمل التطورات التي شهدتها مدينة عدن خلال الأيام الماضية عقب الانقلاب الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً واقعاً مختلفاً يشكل مرحلةً مفصلية في تاريخ البلدYwnwbwbw2181987 والعدوان والحرب التي يعيشها منذ سنوات أخذاً بالاعتبار التغييرات التي يتركها هذا التحول على صعيد مصير سلطة هادي وحرب التحالف السعودي الإماراتي ما يفتح الباب أمام عدد من السيناريوهات يتصدرها الدخول في مرحلة الاعتراف بـ"الأمر الواقع" وصولاً إلى احتمالات وآفاق التسوية مع جماعة الحوثيين من عدمها.

في مقدمة السيناريوهات التي يدعمها مسار التطورات والتصريحات المتعددة من القوى الفاعلة محلياً وخارجياً الاتجاه من قبل "التحالف" السعودي - الإماراتي إلى الاعتراف بسيطرة الانفصاليين من المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن ثاني أهم المدن المركزية في اليمن بعد صنعاء وفي محيطها والدفع باتجاه استغلال الوضع لإجراء تغييرات جديدة داخل سلطة هادي تحديداً في مؤسسة الرئاسة والحكومة.

وجاءت التسريبات التي نشرتها وكالة رويترز بشأن مقترحات لتهميش الرئيس هادي وتغيير نائب الرئيس في وقت عقد هادي للمرة الأولى منذ انقلاب عدن اجتماعاً رئاسياً حضره نائبه علي محسن الأحمر ورئيس حكومتة معين عبد الملك بالإضافة إلى وزير الداخلية أحمد الميسري ووزير الدفاع محمد المقدشي. حيث أن الاجتماع أكد على الاستمرار في متابعة "ما تم الاتفاق عليه مع الأشقاء في السعودية" وذلك بـ"إنهاء التمرد وعودة الأمور إلى نصابها من خلال انسحاب المليشيات المتمردة من كل المؤسسات والمواقع والمعسكرات وعودة القوات إلى مواقعها في العاصمة المؤقتة عدن وكذا عودة الحكومة وكل المؤسسات للعمل من داخلها لخدمة المواطن اليمني" فيما كان لافتاً تجاهل أي ذكر للإمارات.

في موازاة ذلك نقلت وكالة "رويترز" عن ثلاثة مصادر يمنية أمس الإثنين قولها إن رفض المجلس الانتقالي التخلي عن السيطرة على ميناء عدن أدى إلى إرجاء قمة كانت مقررة لبحث تشكيل حكومة جديدة تضم المجلس الانتقالي وتنهي الوضع المتوتر عقب الانقلاب الذي نفذه المجلس في العاشر من أغسطس/ آب الحالي. مع العلم أن تعديلاً وزارياً كان من المقرر أن يجريه هادي على حكومة معين عبد الملك منذ ما يقرب الشهرين إلا أنه تأجل لأسباب غامضة لا يستبعد أن تكون من بينها حسابات التحالف السعودي الإماراتي المرتبطة بالتخطيط لما حدث في عدن بحيث قد يأتي أي تعديل لاحقاً بناءً على المعادلة الجديدة المفروضة على أرض الواقع.

وقال مسؤول يمني إنه "طُرح اقتراح تشكيل حكومة جديدة والتحالف يؤيده لكنّ ضم المجلس الانتقالي الجنوبي مرتبط بانسحابه الكامل أولاً" من دون أن يحدد ما إذا كانت السعودية أم الإمارات وراء الطرح. كما أشار إلى أن "هادي الذي فقد الحظوة لدى الإمارات منذ فترة طويلة قد يتم تحييده إذا ما اختير نائب جديد له" وقال المسؤول إن "هادي عاجز عن إدارة اليمن بسبب سنه وحالته الصحية وهو لا يثق بأحد وهذا يجعل الأمور صعبة في وقت حرج". وبحسب المسؤول ومصدر يمني آخر فإن أحد الخيارات التي يجري بحثها يتمثل في نقل صلاحيات رئاسية إلى نائب جديد للرئيس ليصبح هادي البالغ من العمر 73 عاماً والذي يقيم في الرياض، شخصية رمزية. بدوره، قال مسؤول كبير في الخليج: "سيكون من المفيد وجود نائب للرئيس يتمتع بالمسؤولية ويحظى بالتوافق". وأضاف أنه من الضروري بقاء هادي للحفاظ على الحكومة المعترف بها دولياً.

وتعني هذه الخطوة حكماً إذا ما تم المضي بها أن نائب هادي الحالي علي محسن الأحمر صاحب النفوذ السياسي والقوي سيترك منصبه وهو أمر لا يرجح أن يحصل إلا ضمن صفقة أوسع تشمل حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) والذي يعد العدو الأول للمجلس الانتقالي. وسبق أن اتهم المجلس الانتقالي حكومة هادي بسوء الإدارة و"حزب الإصلاح" بالتواطؤ في هجوم صاروخي شنه الحوثيون على عدن مطلع الشهر الحالي، فيما ينفي الحزب هذا الاتهام.

ومع عودة الحديث عن تحييد هادي وإمكانية استبدال نائب الرئيس يتم التداول مجدداً باسم نائب الرئيس السابق خالد بحاح الذي أقاله هادي من منصبه كنائب للرئيس ورئيس للوزراء في 3 إبريل/ نيسان 2016م بعد خلافات عدة بينهما. ويتعزز الاعتقاد بالتوجه نحو شرعنة الانقلاب بعد موقف السعودية "الناعم" تجاه ممارسات المجلس الانتقالي بعدما دعت "الانتقالي" أو ما سمتها الأطراف التي شاركت بمواجهات عدن إلى حوارٍ مباشر مع الحكومة في مدينة جدة برعايتها. وعلى الرغم من أنها ضغطت في الأيام الأخيرة لسحب مليشيات الانتقالي من المواقع التي سيطرت عليها عقب الانقلاب إلا أنها لم تتمكن، حتى الآن سوى من دفعها إلى ترك المقرات المدنية لا المعسكرات الرئيسية.

هذا الموقف حاولت السعودية تقديمه بوصفه يصبّ في إطار جهود احتواء الموقف وتوحيد الصف في المعركة مع سلطة صنعاء إلا أنه بدا انفتاحاً واضحاً على الواقع الجديد المفروض بـ"القوة "على الحكومة وبالتالي فإن الحوار يبدو أنه سيفضي إلى انتزاع "شرعية" للانقلاب. ومن شأن سيناريو شرعنة الانقلاب أن يجعل من واقع المرحلة المقبلة سواء أكانت لأشهر أم لسنوات خليطاً من حكومة ضعيفة تحقق شروط ورغبات أبوظبي والرياض ويدخل فيها المجلس الانتقالي الجنوبي شريكاً رسمياً في مقابل السماح بعودة بعض مسؤولي حكومة هادي أو القيادات العسكرية التابعة لهادي إلى عدن على أن تكون الكلمة الأولى للانفصاليين. ويشير هذا السيناريو في شقّه العلني المرتبط بـ"التحالف" سواء في البيان السعودي أو الإماراتي إلى توحيد الصفوف ضد الحوثيين غير أن الضعف الذي آلت إليه سلطة هادي وانكشاف "التحالف" يجعل جماعة الحوثيين في موقفٍ قوي.

 التطبيع شمالاً وجنوباً

في هذه الأثناء يبرز السيناريو الثاني المتوقع أن تؤول إليه التطورات في اليمن خلال هذه المرحلة ويتمثل بأن تقوم السعودية أو الإمارات بفتح خطّ تفاوض مع الحوثيين يبقي على سلطة هادي بصورة مؤقتة ويقرّ بسلطتي الأمر الواقع الحوثين (شمالاً) و"الانتقالي" (جنوباً) على نحوٍ يمكن اعتباره خطوة في طريق إنهاء الحرب ولكن عبر الاعتراف بـ"الأمر الواقع" والتطبيع معه بما لا يقود بالضرورة إلى "سلامٍ طويل الأمد" بقدر ما يكون أقرب إلى التهدئة، كنتيجةٍ لجملة من التعقيدات وحالة عدم الثقة بعد سنوات من الحرب.

في هذا السياق يبرز السؤال عن الصيغة التي يمكن أن يخرج فيها مثل هذا السيناريو وموقعه من المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة. ومن المرجح أنه قد يتحقق بأحد مسارين: الأول هو أن يكون أي حوار مقبل مبنياً على مشاركة قوى متعددة بدلاً من الصيغة السابقة التي كانت تتضمن حواراً بين الحكومة من جهة والحوثيين من جهة ثانية. وفي هذه الحالة يتوقع أن يضم أي حوار بالصيغة الجديدة الحوثيين و"الانتقالي" وأحزاب موالية للشرعية وكيانات أخرى كـ"مؤتمر حضرموت الجامع" وأن يفضي للاتفاق على ترتيبات عسكرية وأمنية وتشكيل حكومة "وحدة وطنية" أي إفراز واقعٍ أقرب إلى الفيدرالية التي كانت قد اعتمدت كواحدة من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني لكن من دون وجود سلطة مركزية قوية لأن توفرها ليس من مصلحة الحوثيين أو الانفصاليين.

وعلى الرغم من أن هذا السيناريو تدعمه معطيات عدة إلا أن العديد من التحديات تقف في طريقه أولها انعدام الثقة بين مختلف الأطراف بالإضافة إلى أن الحوثيين في صنعاء ومثلهم "الانتقالي" في عدن يعتبرون أنفسهم في موقع قوة ما يؤدي إلى رفعهم سقف مطالبهم فضلاً عن أن "المجلس الانتقالي" لا يعترف بالوحدة اليمنية ويصر على كونه يمثل "دولة الجنوب" بالحدود التي كانت سائدة لما يعرف بـ"الشطر الجنوبي" سابقاً قبل الوحدة في العام 1990م إلى جانب التعقيدات العسكرية المرتبطة بجبهات الحرب المختلفة.

حكومة مع "الانتقالي" وحوارٌ مع الحوثيين

أما المسار الثاني فيأتي عبر السيناريو الثالث للمآل الذي قد يتجه إليه اليمن في المرحلة المقبلة وهو يتمثل بحوارٍ يدخل فيه "الانتقالي" شريكاً في الحكومة المعترف بها دولياً ولكن بما يبقي الوضع على حاله بالنسبة للحوثيين كطرفٍ خارج الحكومة من دون أن يمنعهم ذلك من الدخول في تفاهمات منفصلة علنية أو غير علنية مع الرياض تخفف من حالة الحرب التي يعيشها البلد أو تفضي إلى ما يطلق عليها الأميركيون اسم "استراتيجية خفض التصعيد". هذا السيناريو لا يعني بطبيعة الحال أن يرفع "التحالف" يده عن اليمن. ومن المؤكد أن أي تفاهمات من هذا القبيل سيكون على رأسها ملف الأمن على الحدود السعودية مع مناطق سيطرة الحوثيين التي يتركز نفوذها شمالاً.

 استكمال "الانقلاب" وتحدي حضرموت

وإلى جانب ما سبق فإن السيناريو الرابع ليمن ما بعد انقلاب عدن، يتمثل في إكمال الانفصاليين الترتيب لإعلان ما يسمونه "دولة الجنوب" والسعي لإخضاع ما تبقى من المدن جنوب وشرق البلاد مع تحديات محورية ترتبط بمحافظة حضرموت ما لم يكن ذلك رغبة سعودية - إماراتية تضمن لهذه المحافظة حكماً ذاتياً. ولا يمنع هذا السيناريو بحظوظه الضعيفة ولكن الممكنة من تحقيق ما سبق الإشارة إليه في ما يتعلق بالمحافظات الشمالية من حوار سعودي مع الحوثيين أو رعاية الرياض حواراً بين الجماعة والقوى المؤيدة للشرعية، في مأرب وتعز وغيرها.

 استعادة "العاصمة المؤقتة"

وأخيراً يأتي الاحتمال الأضعف في ظلّ مختلف المعطيات المتوفرة ويتمثل بأن تعمل الرياض على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل انقلاب حلفاء الإمارات في عدن أخيراً. وتقلل الوقائع من حظوظ هذا السيناريو ذلك أن ما بعد أغسطس/ آب 2019م ليس كما قبله الأمر الذي يتعزز بتحرك الرياض المتأخر لتدارك ما حصل منذ اليوم الأول لتفجر المواجهات على أن هذا السيناريو إن حدث قد يلقي بظلاله على الوضع شمالاً سواء بخطوات نحو المفاوضات أو تصعيدٍ يخطف الأضواء مما شهدته "العاصمة المؤقتة" في اتباع لقاعدة "فلنعد إلى المعركة الأساسية ضد الحوثيين".

العودة المستحيلة إلى يمنين

بالترافق مع الأحداث التي شهدتها مدينة عدن، تابعنا كتابات وتنظيرات لبعض العرب تناقش فكرة عودة اليمن إلى ما قبل توحيد البلاد في العام 1990م وهو الهدف الذي تتبناه الإمارات علناً وتسعى لفرضه بقوة السلاح عبر دعم "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي أسسته أبو ظبي في 2017م بالاعتماد على التيار الأكثر تشدداً في ما عُرف بـ"الحراك الجنوبي" المطالب بالانفصال. وبصرف النظر عن تفاصيل الدور الإماراتي المعروف للجميع والذي بات موثقاً رسمياً يقفز الداعون إلى تقسيم اليمن على كمية مهولة من حقائق الواقع والتاريخ والتي تجعل من العودة إلى يمنين في خانة المستحيل.

أولى حقائق التاريخ والواقع أن اليمن بلد واحد ونسيج متداخل منذ فجر التاريخ، مهما تعددت السلطات من حقبة لأخرى. كما أن دولتي الشطرين اللتين ينادي الانفصاليون بعودة إحداهما انتهتا عملياً بالدخول بوحدة طوعية منذ ما يقرب من 30 عاماً وهذه الفترة أكبر من عمر التشطير إلى جنوب وشمال. وإذا كان من الصعب على اليمنيين إعادة الدولة التي تساقطت منذ العام 2015م وطحنها العدوان والحرب المدمرة خلال السنوات الماضية فإن الحديث عن إعادة الدولتين يفتقر إلى الكثير مما يؤيده على أرض الواقع ويتطلب استفتاءً يشارك فيه كل اليمنيين.

القضية الأخرى تتمثل في أن الجنوب اليمني ليس كتلة موحدة تمتلك من الروابط ما يجعلها تعود من جديد إلى دولة ما قبل الوحدة والتي كانت تُحكم بالحديد والنار. وفي نظر الكثير من سكان حضرموت (حيث ثلث مساحة اليمن) إن البقاء في إطار اليمن الكبير والهوية الجامعة في إطار الحكم اللامركزي أفضل من العودة إلى الهوية الجهوية التي حاول الاستعمار جنوباً ونظام الإمامة شمالاً خلقها قبل ثورتي 1962 و1963م ويتجاهل البعض أن أغلب مسؤولي السلطة الحالية حالياً هم من الجنوبيين وأنه لم يعد هناك شمال يسيطر في الجنوب بحيث يطالبون بخروجه. بات الواقع أقرب إلى التقسيم لكن من المستحيل أن يعود اليمن إلى يمنين بل إن ما يحصل هو اقتسام البلاد بين أمراء الحرب والكيانات والفصائل المسلحة التي تحركها أطراف كرياض أو أبو ظبي أوالدوحة وغيرهما وكلها لن يكتب لها أي اعتراف ككيانات دولة. ويبقى اليمن الكبير مهما كان ضعيفاً وممزقاً في الوقت الحالي وكيفما كان شكل الدولة الأوفر حظاً من أي دعوات نشاز.

المزيد في هذا القسم: