تحشيد عسكري متبادل في الجنوب : وواشنطن ليس بمقدورنا حماية السعودية!

المرصاد نت - متابعات

تراجعت اللهجة السعودية الداعية إلى عودة حكومة الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي إلى عدن وتسلّمها المؤسسات والمعسكرات التي كان سيطر عليها «المجلس الانتقالي Aden Armuy2019.9.12الجنوبي» المدعوم إماراتياً. تراجعٌ يكشف أن موقف الرياض المؤيد لفريق «الشرعية» لم يكن إلا تكتيكاً وتمضية للوقت من أجل تقوية «الانتقالي» وتمكينه من عدن.

تغيّر الموقف السعودي تجلّى في بيان مشترك يوم أمس دعت فيه الرياض وأبو ظبي إلى «وقف كل النشاطات العسكرية والشروع في المفاوضات»، خلافاً للبيان الأول الصادر عن المملكة في شأن الأحداث الأخيرة، والذي طالب «الانتقالي» بـ«الانسحاب من عدن» ملمّحاً إلى إمكانية «استخدام القوة إذا لم يستجب الانتقالي». كما أن البيان المشترك يأتي بعد يومين فقط من صدور بيان جديد عن السعودية رافض «للواقع العسكري الذي يفرضه الانتقالي» ومطالب بـ«إعادة معسكرات ومقرات الشرعية» ومشدد على ضرورة «الانخراط في حوار جدة من دون تأخير».

غير أن الموقف السعودي انقلب سريعاً لصالح «المجلس الانتقالي» في مؤشر إلى أن الخطوات التصعيدية التي شهدتها مدن جنوب اليمن جاءت ربما وفق اتفاق سعودي ــ إماراتي لتمكين حلفاء أبو ظبي من مدينة عدن وإشراكهم في الحكومة وإعادة هيكلة المؤسسة الرئاسية لـ«الشرعية» بحيث يتحول منصب نائب الرئيس الذي يشغله حالياً الفريق علي محسن الأحمر المحسوب على حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون) إلى «الانتقالي» إضافة إلى حقيبتين وزاريتين فضلاً عن وزارة الدفاع المطروحة لحزب «المؤتمر الشعبي العام» ــ جناح أحمد علي عبد الله صالح الموالي للإمارات. لكن هذا المشروع الذي تبنّته الإمارات علناً ظلّت السعودية تراوغ في شأنه، محاوِلةَ خلال شهر من اندلاع المواجهات القيام بدور الوسيط بين الطرفين في ظلّ انسجام بياناتها مع بيانات حكومة هادي الداعية إلى عودة الأوضاع إلى ما قبل 7 آب/ أغسطس تاريخ سيطرة «الانتقالي» على عدن.

إلى الآن يرفض «الانتقالي» الاستجابة لشروط «الشرعية» مع أنه أبدى استعداده لحضور «مؤتمر جدة» من دون شروط مسبقة وبادر أمس إلى الترحيب بالبيان السعودي ــ الإماراتي. أما وزارة الخارجية التابعة لحكومة هادي فكانت رفضت التحاور في جدة مع «الانتقالي» وقالت في بيان إن «الحوار يجب أن يكون مع الإمارات بصفتها المسؤولة المباشرة عن انحراف بوصلة التحالف في اليمن». لكن فريق «الشرعية» لم يعلن حتى مساء أمس موقفاً من البيان السعودي ــ الإماراتي الأخير في وقت ذكرت فيه مصادر في حكومته أن «لا تراجع عن بيانَي الحكومة والرئاسة السابقين» اللذين حمّلا الإمارات «مسؤولية أحداث عدن» ودعَوا إلى «مواجهة التمرد العسكري للانتقالي بكل الوسائل المشروعة».

وفي خضمّ التجاذب السياسي والتراشق الإعلامي بين الطرفين، يشهد الميدان الجنوبي تحركات عسكرية تنذر باحتمال بدء جولة جديدة من القتال إذ عزّز «الانتقالي» مواقعه على مداخل مدينة عدن مستغّلاً توقف المواجهات خلال الأيام الماضية لاستقبال تعزيزات ضخمة من الإمارات وتجهيز الأنفاق لتحصين مدخل عدن الشرقي (نقطة العلم). أما قوات هادي فعزّزت حضورها في محافظتَي أبين وشبوة، واستقبلت قوات إضافية من المنطقتين العسكريتين الأولى والثالثة في حضرموت ومأرب.

كما تمكنت تلك القوات من إفشال محاولة إسقاط مدينة عزان في شبوة من قِبَل قوات «النخبة الشبوانية» الأسبوع الماضي، فيما يواصل «الانتقالي» مداهمة منازل القيادات المحسوبة على «الشرعية» في عدن. وسقط، أول من أمس قتلى وجرحى أثناء محاولة قوات «الانتقالي» اقتحام منزل القيادي في «المقاومة الجنوبية»، محمد البوكري في منطقة دار سعد في عدن إضافة إلى اقتحام منزل قائد شرطة خور مكسر ناصر عباد الحسني قبل أيام.

هكذا يبدو المشهد في المحافظات الجنوبية. لا سيطرة لطرف على آخر فيما لا تزال خيوط اللعبة بين يدَي الرياض وأبو ظبي. ويرى مراقبون أنه وإن اختلف مشروع السعودية عن مشروع الإمارات في اليمن إلا أن الأخيرة أرغمت الرياض على السير خلف مخططها وذلك خوفاً من تصدع تحالفهما على أكثر من جبهة سواء في ما يتعلق بـ«صفقة القرن» أو بملفات ليبيا ومصر والسودان وسوريا ولبنان؛ إذ يُعدّ التنازل السعودي في الملف اليمني لصالح أبو ظبي تراجعاً بسيطاً لصالح بقاء الشراكة بين البلدين في التعامل مع بقية ملفات المنطقة.

إلا أن قيادات جنوبية تؤكد أن موقفَي السعودية والإمارات من أحداث عدن يندرجان ضمن تبادل الأدوار نافية أن يكون هناك خلاف من الأساس. وهو ما يذهب إليه قائد الشرطة العسكرية السابق في اليمن عضو القيادة لـ«مجلس الإنقاذ الوطني» اللواء عوض محمد فريد الذي يرى أن «بيانات السعودية من أحداث عدن تأتي فقط لذرّ الرماد في العيون»، معتبراً أن «التحالف يعبث بالبلاد. الرياض تستخدم الشرعية المنتهية ولايتها بحسب الدستور اليمني لتحقيق أهدافها في اليمن والإمارات تستخدم المجلس الانتقالي لمصالحها» مستدركاً بأن «أطماع التحالف لن تتحقق في ظلّ وجود قوى وطنية تعرف نيّات التحالف وستقاومه كاحتلال أجنبي للبلاد».

واشنطن بعد «مفاجأة» التفاوض مع «أنصار الله»: ليس بمقدورنا حماية السعودية!
في موقف لافت في توقيته وسياقه والآثار المترتبة عليه أدلى رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، بتصريحات مثيرة حول حماية شركاء بلاده في منطقة الخليج والشرق الأوسط إذ قال دانفورد في لقاء متلفز إن «لدينا اتفاقاً يسمح لنا بوجود قوات كافية في المنطقة لردع أي هجوم إيراني ضد أميركا أو الأميركيين» مستدركاً بالقول: «ولكن بوضوح، ليست لدينا قوة ردع لاعتراض هجمات على شركائنا في المنطقة. يمكنك أن ترى السعودية والإمارات تعرضتا أخيراً لاعتداءات». لم يكشف دانفورد، في تصريحه، ما هو غير معلوم، بقدر ما عبّر عن سياسة بلاده حيال المنطقة بشكل عام مُقرّاً بمحدودية خيارات واشنطن وحرصها على عدم الاستمرار في التورط في الإقليم عموماً واليمن خصوصاً.

صدور هذا الموقف من أعلى الهرم العسكري يعني أنه يعبّر عن توجه رسمي لدى القوات المسلحة، وليس توصية منها للقيادة السياسية. وسوف يكون له، بكل تأكيد، صداه لدى الحلفاء في منطقة الخليج، ومن الطبيعي أن ينتاب معه الملوكَ والأمراءَ القلقُ على المستقبل القاتم الذي ينتظرهم. كما يفهم منه وجود الكثير من المحاذير الأميركية والتي باتت واضحة وملموسة من خلال توجهات الرئيس دونالد ترامب. وبشكل أكثر تحديداً من شأن تصريحات رئيس الأركان الأميركي في هذا التوقيت أن تؤدي إلى تظهير أكبر للضعف السعودي في اليمن خصوصاً أنها تنطوي على رسالة ضمنية إلى الحلفاء بأنه في أي مفاوضات مقبلة لن تحصلوا على أكثر مما حصلتم عليه.

في مقابل ذلك تؤشر مواقف دانفورد إلى اعتراف أميركي ضمني بقوة اليمن، وإقرار بانقلاب الموازين لصالح صنعاء التي أصبحت أمام مسار جديد. وهي تعني، أيضاً، أن الخيارات الدراماتيكية والرهانات المفاجئة التي طالما وعد «التحالف» بها باتت من الماضي، ليَثبت مجدداً أن القيادة السياسية اليمنية تتقن إدارة المواجهة مع النظام السعودي، وتعتمد التدرج في رفع مستوى الخيارات وفق رؤية شاملة للوضع اليمني المحلي والظروف الإقليمية والدولية. وقبل كل شيء تجلّي التصريحات الأميركية حضور صمود الشعب اليمني واستعداده للتضحية لدى أعدائه، الذين باتوا يبدون حرصهم على عدم الاستمرار في التورط في الحرب بسبب الأكلاف المرتفعة جداً لهذا التورط.

ويرى المطلعون على التوجه الأميركي الجديد أن من المتسالم عليه لدى الأطراف الدوليين والإقليميين والمحليين أن وجود حركة «أنصار الله» في شمال اليمن (أي ما يعرف بالهضبة) بات أمراً حتمياً لدى الجميع، وكل ما ستحاول واشنطن فعله في أي مفاوضات مقبلة هو السعي إلى تحييد الحركة عن محور المقاومة مقابل تقديم إغراءات كبيرة لها، بما فيها شراكة فاعلة في حكم اليمن وإبقاء البلاد موحدة فضلاً عن تقديم تعويضات مجزية عن الأضرار التي لحقت بالبلاد من جراء الحرب. ومن هنا، تمكن قراءة إعلان مساعد وزير الخارجية الأميركي للشرق الأدنى ديفيد شينكر خلال زيارته السعودية أخيراً عن أن واشنطن تجري محادثات مع «أنصار الله» بهدف إيجاد حل «مقبول من الطرفين».

وهذا يثبت أن الولايات المتحدة لم تكن جادّة في جولات التفاوض السابقة وفي مجمل المسار السياسي والتفاوضي وأنها في الحقيقة كانت تراهن مع حلفائها على عامل الوقت والخطط العسكرية والضغوط السياسية واستخدام الأساليب البشعة (التجويع والحصار والمجازر) لتطويع اليمن. وعليه ليست اليقظة الأميركية نابعة من خشية من تفاقم الوضع الإنساني بل إقرار بأن استمرار الحرب لم يعد يجدي نفعاً سواء لها أو للأطراف الإقليميين الرئيسيين في «التحالف».

وتأتي المواقف الأميركية المستجدّة في وقت يعكف فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تجميع أوراقه لانتخابات عام 2020م والتي ستبدأ حملاتها الانتخابية الرسمية الشهر المقبل. وفي هذا السياق أيضاً، يندرج التنبّه إلى الحرب المنسية على اليمن، علّ ترامب يستطيع أن يقدّم بذلك إنجازاً انتخابياً إلى جمهوره أو على الأقل يسحب الورقة الإنسانية التي طالما أُشهرت في وجهه من قِبَل أعضاء في الكونغرس في الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري»، علماً بأن حرب اليمن دخلت بقوة في البازار السياسي الداخلي الأميركي حيث صوّت الكونغرس مرتين لصالح إيقاف المساعدات الأميركية لـ«التحالف»، قبل أن يستخدم ترامب «الفيتو» لإبطال القرارين.

وعلى رغم الصراحة الأميركية في التبرّؤ من الحرب وإعلان السعي إلى إنهائها إلا أن شينكر سعى بوضوح، من الرياض، إلى طمأنة الأخيرة إلى أن واشنطن ستراعي مصالحها في أي مفاوضات مع صنعاء وأن الأمن السعودي سيكون من الأولويات في تلك المفاوضات، خصوصاً أن الحرب توسّعت دائرتها لتطال كامل التراب السعودي وتصاعدت مساراتها بحيث أصبحت منظومات الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية تهديداً للأمن القومي للمملكة.

قراءة : أحمد الحسني -لقمان عبدالله - الأخبار

المزيد في هذا القسم: