المرصاد نت - رشيد الحداد
تعمل السعودية في أعقاب الضربة اليمنية التي استهدفت منشأتَي «أرامكو» في محافظتَي بقيق وهجرة خريص شرق السعودية على تشديد الحصار على اليمنيين عبر منع أي شحنة محمّلة بالمشتقات النفطية من الوصول إلى ميناء الحديدة الذي يتعرّض أصلاً لعملية تضييق شرسة تمنع الشحنات التجارية من الدخول إليه ما يسبّب تداعيات كارثية على سكان المحافظات الخاضعة لسيطرة «أنصار الله».
تعيش الأسواق المحلية في العاصمة صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة سلطة صنعاء اختناقاً حادّاً في المشتقات النفطية منذ أيام نتيجة تعمد تحالف العدوان احتجاز السفن المحمّلة بتلك المشتقات ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة على رغم خضوعها لآلية التفتيش التابعة للأمم المتحدة وحصولها من الأخيرة على تصاريح مرور إلى الميناء. مع ذلك أجبر «التحالف» أكثر من 13 سفينة منها 6 محمّلة بـ120 ألف طن من المشتقات النفطية واثنتان محمّلتان بمادة الغاز المنزلي المستورَد من الخارج لتعويض النقص الحادّ في الغاز المحلي المنتَج من منشأة صافر النفطية على البقاء قبالة جيبوتي.
يأتي هذا في وقت يمنع فيه «التحالف» أيضاً وفقاً لمصدر في النقابة العامة لتجار المشتقات النفطية «دخول سفن المشتقات النفطية القادم معظمها من موانئ دولة الإمارات منذ منتصف آب/ أغسطس الماضي من دون مبرر». وأوضح المصدر أن «هذه السفن المحمّلة بشحنات من مادتَي البنزين والديزل تابعة للقطاع الخاص اليمني وليست لحكومة الإنقاذ الوطني أو شركة النفط، وجرى استيرادها وفق نظام الاستيراد المعتاد بشكل سليم إلا أنها تعرّضت للقرصنة البحرية من قِبَل قوات تحالف العدوان البحرية قبالة جيبوتي وأُجبرت على تغيير مسارها من ميناء الحديدة إلى ميناء جيزان السعودي». وحمّل المصدر اللجنة الاقتصادية التابعة لحكومة هادي والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، مسؤولية ممارسات «التحالف»، التي تنعكس سلباً على حياة ملايين اليمنيين معتبراً احتجاز الشحنات التجارية «استهدافاً مباشراً للقطاع الخاص الذي يتولى مهمة تغطية الأسواق بالواردات من الغذاء والدواء والوقود، في ظلّ عجز الدولة عن القيام بواجبها في توفير الاحتياجات الأساسية للسوق اليمني».
هذه الممارسات التي كان «التحالف» قد دشّنها قبيل عملية بقيق وخريص اشتدّت حدّتها بعد العملية في ظلّ رفض الرياض جميع المساعي الهادفة إلى إطلاق سفن المشتقات النفطية المحتجز بعضها منذ أكثر من شهر. وكشف الناطق الرسمي لشركة النفط في صنعاء أمين الشباطي أن «العدوان لم يسمح بدخول أي شحنة جديدة من المشتقات النفطية منذ عملية الردع الثانية» مشيراً إلى أن «التحالف لا يزال يحتجز أكثر من 87 ألف طن من مادة البنزين و42 ألف طن ديزل ويرفض كافة المساعي التي يبذلها القطاع الخاص والمنظمات الدولية للإفراج عن السفن المحتجزة». وحذر الشباطي من «حدوث كارثة إنسانية وشيكة جراء استمرار العدوان في حجز السفن ومنع مرورها إلى ميناء الحديدة». تحذيرات سرعان ما بدأت مؤشراتها تنعكس في السوق المحلية منذ يوم الأربعاء الماضي، حيث تراجعت حركة النقل الداخلي بين المدن اليمنية إلى 50%، وترافق ذلك مع ارتفاع تعرفة النقل 50% عمّا كانت عليه قبيل الأزمة الأخيرة. كذلك، طاولت تبعات تشديد الحصار قطاعات المياه والكهرباء والصحة العامة؛ إذ ارتفعت أسعار المياه بنسبة 50% نتيجة انعدام مادة الديزل من السوق المحلية، وارتفعت أيضاً تعرفة الكهرباء بنسبة 33%، بل وصل الأمر إلى توقف نصف الحافلات الخاصة بنقل طلاب المدارس.
ويأتي تضييق الخناق على ميناء الحديدة توازياً مع تحقق تقدم جديد في عمل «لجنة تنسيق إعادة الانتشار» المعنيّة بتنفيذ اتفاق استوكهولم، في اجتماعها الأخير في التاسع من الشهر الجاري. إذ إن الأجواء الإيجابية التي سادت اللقاء، وما أسفرت عنه من اتفاق على نقل الفريق الأممي من جيبوتي إلى الحديدة من أجل تسهيل دخول الشحنات التجارية والإغاثية إلى الميناء، قابلتها الرياض بتشديد الخناق على حركة السفن القادمة إلى المدينة وتحديداً سفن المشتقات النفطية من جانب وبتصعيد عسكري في شمال الحديدة يُعدّ الأول من نوعه منذ ستة أشهر من جانب آخر.
يضاف إلى ما تقدم أن حكومة هادي ومن ورائها «التحالف» يمارسان ضغوطاً كبيرة على صنعاء لإجبارها على تسليم شحنة النفط الموجودة في خزان صافر العائم الذي يحمل 1.1 مليون برميل من الخام الخفيف في ميناء رأس عيسى في الحديدة والمُهدّد بالتسرب النفطي أو الانفجار منذ أكثر عامين وهو ما ترفضه صنعاء التي سمحت أواخر الشهر الماضي بدخول فريق فني أممي لمعاينة الخزان العائم، والاطلاع على الأضرار التي لحقت به جراء منع «التحالف» إدخال كميات من مادة المازوت لتشغيله وإجراء أعمال الصيانة الدورية له. وطالبت المنظمة الدولية، على إثر تلك الزيارة، بالسماح ببيع تلك الكمية وصرف عائداتها كرواتب لموظفي الدولة في المحافظات الشمالية المحرومين رواتبهم منذ أكثر من ثلاث سنوات.
كل تلك التطورات دفعت سلطات صنعاء إلى إيكال أمر الرد على جريمة احتجاز السفن إلى الجانب العسكري والتوعّد بردّ قاسٍ في حال إصرار «التحالف» على ممارساته. وعلى مدى الأيام الماضية من أزمة الوقود، ارتفعت الأصوات المؤيدة لضربة ثالثة كضربة بقيق وخريص، فيما حاولت اللجنة الاقتصادية التابعة لهادي، بإيعاز من السعودية إبعاد الأخيرة من واجهة الأزمة، بإعلانها مساء السبت الماضي مسؤوليتها عن احتجاز شحنات المشتقات النفطية. وادعت اللجنة أن ذلك جاء نتيجة لانتهاك الأوامر الحكومية ولوائح تجارة الوقود، وفق قرار حكومة هادي رقم 49، الذي خوّل مصافي عدن احتكار السوق المحلية عبر شركة أبو ظبي للخدمات النفطية وشركات تابعة لنافذين مقربين من الرئيس المنتهية ولايته معتبرة ما حدث «شأناً داخلياً» لا علاقة لـ«التحالف» به! واشترطت على تجار المشتقات النفطية الخضوع لآلية القرار رقم 49 الذي يخول حكومة هادي فرض الضرائب والجمارك والرسوم الحكومية وحتى رسوم مخازن شركة النفط مُقدَّماً على مستوردي المشتقات النفطية.
في المقابل تلفت مصادر اقتصادية مطلعة إلى أن تلك الآلية التي تتذرّع بها حكومة هادي لم تدخل حيّز التنفيذ أصلاً بسبب الخلافات الداخلية بين القوى الموالية لـ«التحالف»، وعجز مصافي عدن عن الاستيراد وتغطية السوق اليمنية بالوقود. وتضيف أن الحكومة التي غادرت عدن قبيل سقوط المدينة الشهر الماضي بيد ميليشيات «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي لأبو ظبي، لم تستطع استعادة البنك المركزي الخاضع لسيطرة الميليشيات المذكورة ولا تعبّر عنها اللجنة الاقتصادية التي يقودها حافظ معياد، محافظ البنك المركزي المقال أخيراً من قِبَل هادي بسبب ولائه للإمارات وهو ما تدركه صنعاء جيداً.
ولا تستبعد المصادر توجيه صنعاء ضربة إلى الإمارات في الوقت المناسب وهو ما كان قد توعّد به الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية يحيى سريع أواخر الأسبوع الماضي عندما حذر النظام الإماراتي من عمليات قاسية «ستكلّف أبو ظبي الكثير» مؤكداً «وجود عشرات الأهداف الإماراتية ضمن بنك أهداف القوات الجوية اليمنية ومنها في أبو ظبي ودبي»، وأن «تلك الأهداف المرصودة قد تتعرض للاستهداف في أيّ لحظة». وأشار سريع إلى أن «طائرات قاصف (من الجيل الثالث) التي نفذت عملية الردع الثانية تصل إلى مديات بعيدة كذلك فإن طائرات صماد 3 يبلغ مداها ما بين 1500 - 1700 كيلومتر» ما يعني أنها قادرة على الوصول إلى ما بعد دبي.
يشار إلى أن الجهود الدولية والمحلية التي كانت قد فشلت سابقاً في تحرير سفن الوقود المحتجزة من قِبَل «التحالف» في ميناء جيزان منذ أكثر من 20 يوماً نجحت مساء الأحد الماضي في الإفراج عن سفينتين محمّلتين بأكثر من 14 ألف طن متري من الغاز البترولي المسال المستورد لتعويض النقص في الكميات المنتَجة من منشأة صافر.
المزيد في هذا القسم:
- الأزمة اليمنية.. هل تعود الحياة لاتفاق ستوكهولم في 2020؟ المرصاد نت - متابعات بعد مرور عام على توقيع اتفاق ستوكهولم الذي أُعلن عن التوصل إليه نهاية 2018م بين حكومة هادي وحكومة صنعاء مازال الاتفاق حبرا على ورق وسط مح...
- إرادة اليمنيين: أقوى من آلة الحرب السعودية المرصاد نت - حسن زين الدين 3سنوات مرّت على عدوان التحالف بقيادة السعودية على اليمن. العدوان لم يوفّر الرياضة اليمنية التي تعرّضت لخسائر كبيرة لكن رغم ذلك فإ...
- ميدل ايست آي: كيف تدعم "حكومة هادي" مقاتلي القاعدة في اليمن؟ المرصاد نت - متابعات تعد الحرب في اليمن معقدة نظرا للتحالفات المتغيرة لنأخذ أبو العباس مثلا قائد أكبر قوة سلفية داخل تعز التي تدعم حكومة هادي وعلى مدى ثلاث سن...
- إستمرار إشتعال النار في بئر خولان لليوم الثالث وفريق فني يحلل عينات من المنطقة المحيطة به قال مدير عام الاستكشاف بهيئة انتاج واستكشاف النفط المهندس عادل الحزمي ان النيران ما تزال مشتعلة في البئر المائي بمنطقة هجرة شوكان بني سحام بمديرية الطيال خوﻻن م...
- توتر في مديرية حوف بالمهرة وتحرك عسكري سعودي في بيحان شبوة! المرصاد نت - متابعات تشهد مديرية حوف توتر بين قبليين ومسلحين مواليين للسعودية على خلفية اشتباكات ليلية نشبت مساء أمس الأحد 24 مارس/آذار 2019م. وقالت مصادر مح...
- الاتحاد الاوروبي يضغط علي التحالف لفتح مطار صنعاء الدولي المرصاد نت - متابعات ذكرت مصادر عن ضغوط من قبل الإتحاد الأوروبي على تحالف العدوان الذي تقوده السعودية لإعادة فتح مطار صنعاء المقفل كلياً منذ أغسطس 2016م وذلك ...
- الوضع بالجنوب قد يشهد تغيرات بعد عودة زعيم الحراك حسن باعوم إلى اليمن! المرصاد نت - متابعات عاد زعيم الحراك الجنوبي السلمي حسن باعوم إلى اليمن لتشييع جثمان نجله فواز الذي توفي قبل أيام ووصل جثمانه هو الآخر إلى اليمن بعد أن كان يت...
- عشرات الوفيات... والإصابات في ازدياد: «إنفلونزا الخنازير» يضرب اليمن! المرصاد نت - رشيد الحداد تعيش العاصمة صنعاء حالة رعب منذ أكثر من أسبوع، جرّاء تفشّي وباء «إنفلونزا الخنازير» الذي أودى بحياة العشرات من المواطنين وأصاب مئات آ...
- هذا حقيقة ما حصل لمقر الاشتراكي نت في صنعاء كتب علي البخيتي عضو المكتب السياسي لانصار الله في منشور على الفيس بوك، ان اللجان الشعبية قامت باعتقال المجموعة التي انتحلة صفة اللجان وحققت مع موظف في مقر الاشت...
- سلطة صنعاء تنشئ مراكز لإيواء اللاجئين الأفارقة وتتجاهل اللاجئين اليمنيين! المرصاد نت - متابعات أعلنت سلطة صنعاء يوم أمس انشاء مراكز لإيواء اللاجئين الأفارقة والذين أغلبهم من أثيوبيا في محافظة إب بتكلفة 10 مليون دولار حسب الإتفاق الم...