عُقدة الجار.. لماذا ظل النظام السعودي يناهض "اليمن الموحد" منذ عقود؟

المرصاد نت - متابعات

عُرفت  الأسرة السعودية الحاكمة بموقفها المناهض لليمن منذ عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وحتى يومنا هذا وقد عاد الجدل مجدداً حول الموقف السعودي من وحدة اليمن بعد اتهامات لها Abdalaziz2019.10.6بتبادل الأدوار مع النظام الإماراتي لتمزيق البلاد من خلال خطوات مرحلية ومدروسة تفضي إلى القضاء على الوحدة اليمنية وفرض الانفصال وتخدير النخب السياسية الوحدوية وكذلك تخدير غالبية أبناء الشعب الرافضين للانفصال بتصريحات تؤكد على دعم وحدة البلاد، بغرض امتصاص الغضب، وتمرير مشروع الانفصال على مراحل مدروسة وتهيئة المناخ العام لتقبله في نهاية المطاف كأمر واقع.

 لا تبدو تصريحات المسؤولين السعوديين بشأن تأييد حكومة بلادهم للوحدة اليمنية مطمئنة لتناقضها مع طريقة إدارة المملكة للأزمة اليمنية ولا يبدو أن السعودية تدير سياستها الخارجية وفقا لتفكير إستراتيجي وبنفس الوقت لا يمكن لليمنيين أن يأمنوها على أي شأن من شؤون بلادهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بوحدة اليمن، ذلك لأن الموقف السعودي المناهض للوحدة اليمنية يعد أحد ثوابت السياسة السعودية إزاء اليمن، بدأ ذلك منذ أول خطوة لمحاولة تحقيق الوحدة عمليا قبل أكثر من أربعين عاما وحتى الآن.

 أول اغتيال للوحدة

 أبدت السعودية مخاوفها من إمكانية تحقيق الوحدة اليمنية منذ زمن مبكر وعملت على اغتيال ذلك الحلم في مهده ولعل أول إجراء عملي بهذا الخصوص يتمثل في تخطيطها لاغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي وجاء اغتياله في 11 أكتوبر 1977م قبل يوم واحد من زيارته المرتقبة لمدينة عدن لإعلان الوحدة وكان مخططا بأن يتم الإعلان يوم 14 أكتوبر 1977م أي بالتزامن مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر 1963 ضد الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن.

 وقد كشف فيلم "الغداء الأخير" -الذي أنتجته قناة الجزيرة عن حادثة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي - عن دور السعودية في اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وفقاً للوثائق والشهادات التي استند عليها معدو الفيلم وكان دور السعودية في اغتيال الحمدي يتمثل في أن عملية الاغتيال تمت بحضور الملحق العسكري السعودي في صنعاء صالح الهديان الذي يعد المشرف الرئيسي على الجريمة وتحدث عن دورها كذلك الرئيس الراحل علي صالح والذي كان ضمن المتهمين الرئيسيين بتنفيذ الجريمة.

 وكان الدافع الرئيسي للسعودية لاغتيال الحمدي يتمثل في إجهاض مشروع الوحدة اليمنية في مهده بالإضافة إلى أسباب ودوافع أخرى تتمثل في سعي الحمدي للنهوض باليمن والاستقلال بالبلاد عن الهيمنة والوصاية السعودية ورفض ترسيم الحدود معها واستمراره في الكثير من الإصلاحات وبناء علاقات قوية مع الدول الكبرى واهتمامه بأمن البحر الأحمر وبسط اليمن سيطرته على مياهه الإقليمية وسعيه لبناء جيش وطني بعيدا عن هيمنة مشايخ القبائل وقد كانت الرياض قلقة من كل ذلك خاصة سعيه لتحقيق الوحدة اليمنية وفقا لشهادة نائب رئيس البعثة الأمريكية في اليمن عام 1978م التي أدلى بها في فيلم "الغداء الأخير".

 تحقيق الوحدة عام 1990

 ظلت السعودية تكرس جهودها لإبقاء اليمن مجزءاً وتعمل ضد إعادة تحقيق وحدته خوفا منها وذلك حتى لا يزدهر ويشكل خطرا عليها بالإضافة إلى مخاوفها من أن يتمكن اليمنيون من المطالبة بالأراضي التي سيطرت عليها منذ عام 1934 واستعادتها بالقوة وكانت تحتضن قوى المعارضة من الشطرين وتستغلها لإعاقة تحقيق الوحدة اليمنية.

 وقبل الإعلان عن تحقيق الوحدة عام 1990م أرسلت السعودية وزيري المالية والخارجية إلى عدن إلا أن الزيارة لم تسفر عن نتيجة ملموسة وأحيطت بالسرية والغموض وسط تكهنات بأن الهدف منها إقناع حكام عدن بالتراجع عن الوحدة مقابل وعود بتقديم دعم مالي لدولتهم التي كانت منهكة اقتصاديا بسبب انقطاع دعم الاتحاد السوفياتي لها، وكان ذلك يعد السبب الرئيسي لهرولتهم نحو الوحدة بعد سنوات من العرقلة بسبب الخلافات بين قيادات الشطرين على شكل الدولة الجديدة.

 وبعد الإعلان عن الوحدة والغضب السعودي حيال ذلك جرت اتصالات لطمأنة المملكة بأن الوحدة اليمنية لا تشكل أي خطر عليها وأنها تمثل عامل أمن واستقرار في المنطقة، لكن السعودية لم تقتنع بذلك، وبدأت بتشكيل دوائر نفوذ تابعة لها واختراق البنية القبلية للمجتمع اليمني فاستقطبت العديد من مشايخ القبائل إلى صفها عبر الإغراءات المالية التي كانت تقدمها اللجنة الخاصة والتي تأسست بعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962 لدعم الملكيين ثم استمرت في تقديم الدعم بعد ذلك لبعض مشايخ القبائل ورأسها منذ تأسيسها الأمير سلطان بن عبد العزيز حتى وفاته في 22 أكتوبر 2011م وكان هدفها من ذلك إضعاف الدولة اليمنية الموحدة من خلال خلق ولاءات تابعة لها لاستخدامها عند الحاجة ولضرب وحدة البلاد من الداخل.

 حرب صيف 1994

 برز الدور السعودي المناهض للوحدة اليمنية بقوة أثناء حرب صيف 1994م والأزمة السياسية التي سبقتها، فعندما بدأت الخلافات على السلطة بين شريكي الوحدة وجهت السعودية رسائل إلى شركات النفط الغربية وطلبت منها عدم التنقيب عن النفط في الأراضي (اليمنية) المتنازع عليها مدعية أنها تجري في أراضٍ سعودية، مما أدى إلى توتر العلاقة بين البلدين.

 وكانت السعودية تهدف من وراء استفزازاتها تلك لتحقيق رغبتها القديمة في إعادة التشطير وفصل أراضٍ من الشطر الجنوبي بما في ذلك حضرموت والمهرة (الغنيتان بالنفط والمطلتان على المحيط الهندي والبحر العربي) لتصبحا دولتين مستقلتين، تمهيدا لإدخالهما في فيدرالية مع السعودية بحسب التصريح الرسمي الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية اليمنية في 28 ديسمبر 1994م عن التدخلات السعودية في اليمن.

 وبعد انتهاء حرب الخليج الثانية بدأت السعودية التدخل في الشؤون الداخلية لليمن بشكل واضح وحاولت تحريض القبائل على التمرد ضد السلطة ثم استغلت الخلافات بين شريكي الوحدة والتقى السفير السعودي في واشنطن بندر بن سلطان بنائب الرئيس اليمني علي سالم البيض أثناء رحلة الأخير العلاجية إلى الولايات المتحدة وبعد تلك الرحلة واللقاء بالسفير السعودي عاد البيض إلى عدن معتكفاً وربما أن ذلك الاعتكاف كان بتخطيط سعودي للمضي في مشروع الانفصال مع العلم بأن السعودية وعدت الانفصاليين بالدعم في حال تم انفصال الجنوب وهو ما تم بعد ذلك.

 وكان علي سالم البيض قد اتصل بعلي عبد الله صالح أثناء رحلته العلاجية إلى الولايات المتحدة وعرض عليه رغبته في الاتصال بنائب الرئيس الأمريكي آل غور فخوله علي صالح اللقاء لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين فقط غير أن البيض عندما بدأ هذه الاتصالات استثنى السفير اليمني محسن العيني من حضورها مما أثار الشكوك في طبيعة اللقاء والمباحثات التي جرت. وقد شكا حينها علي سالم البيض من إرسال الرئيس علي صالح الدكتور عبد الكريم الإرياني الذي كان يشغل منصب وزير التخطيط والتنمية حينها والسفير أحمد محمد لقمان بغرض التجسس عليه عندما أقام الاثنان في نفس الفندق الذي كان يقيم فيه البيض. وعندما عاد البيض إلى اليمن في 19 أغسطس 1993م اعتكف في عدن ولم يعد إلى صنعاء ولم يقدم تقريراً للرئيس علي صالح حول نتائج زيارته للولايات المتحدة.

 وكانت صحيفة "الشعب" المصرية قد كشفت بأن علي سالم البيض عقد لقاءات سرية مع المسؤولين الأمريكيين أثناء رحلته العلاجية إلى الولايات المتحدة وأن تلك اللقاءات كانت بترتيب من السفير السعودي لدى واشنطن الأمير بندر بن سلطان بهدف التهيئة لعملية الانفصال.

 وبعد أن اشتدت وتيرة الأزمة تقدمت الأردن بوساطة في يناير 1993م أفضت إلى التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق لكن السعودية ودول خليجية أخرى اعترضت على الوثيقة بحسب حديث لسالم صالح محمد مع جريدة "السفير" اللبنانية بتاريخ 12 أبريل 1995م وكان قد تم التوقيع على الوثيقة في 20 فبراير 1994م وبعد التوقيع لم يعد علي سالم البيض إلى صنعاء ولكن توجه إلى السعودية بينما توجه مساعده في الحزب الاشتراكي، سالم صالح محمد، إلى الكويت ودولة الإمارات وكانت تلك الزيارات السبب الرئيسي في فشل وثيقة العهد والاتفاق وتم خلالها التنسيق لدعم الانفصال وبنفس الوقت عدتها وزارة الخارجية في صنعاء خروجاً على النظام المتعارف عليه عند قيام مسؤولين بزيارات إلى الخارج دون علم الرئاسة ووزارة الخارجية علما بأن دولة قطر حينها رفضت استقبال سالم صالح محمد، وكانت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي ساندت الوحدة اليمنية.

 وكان من اللافت أنه حتى الموقف المصري من الوحدة اليمنية تأثر بالموقف السعودي وصرح الرئيس المصري محمد حسني مبارك بأنه لا يمكن فرض الوحدة بالقوة. ووصف الرئيس علي صالح الموقف المصري من الوحدة اليمنية قائلا إن الرئيس مبارك "تأثر بالحمى السعودية" في مقابلة مع جريدة "السفير" اللبنانية في صنعاء بتاريخ 12 أبريل 1995م.

 وعندما بدأ الحزب الاشتراكي الاستعداد عملياً لإعلان الانفصال قدمت السعودية ودول خليجية أخرى له الدعم بالمال والسلاح وقد تم ضبط بعض الأسلحة حينما أُجبرت إحدى الطائرات الأوغندية على الهبوط في مطار الحديدة وتبين أنها إحدى طائرات المخابرات البريطانية واعترف الطيار بأن تلك كانت ثامن رحلة إلى عدن. كما وصلت باخرتان محملتان بالأسلحة إلى ميناء عدن وتحملان العلم البلغاري وجاءتا عن طريق الكويت التي دفعت قيمة الأسلحة والبالغة 200 مليون دولار بحسب ما أورده عبد الولي الشميري في كتابه "1000 ساعة حرب".

 كما أن السعودية اشترت 30 طائرة "ميج 29" وقدمتها للحزب الاشتراكي ووصلت منها 12 طائرة استخدمها الانفصاليون في الحرب وأكد عبد ربه منصور هادي وزير الدفاع أثناء الحرب في حوار مع مجلة "أخبار الدفاع" (Defense News) في 19 - 25 ديسمبر 1994م أن السعودية مولت كلفة تلك الطائرات وقد تم شحنها من مولدافيا إلى بلغاريا وجنوبي أفريقيا وكانت متجهة إلى عمان لكنها وصلت إلى حضرموت.

 لقد بذلت السعودية خلال أزمة وحرب صيف 1994م جهوداً سياسية وإعلامية واقتصادية من أجل نجاح مشروع انفصال جنوب اليمن وكان الأمير سلطان والأمير نايف ووزير الخارجية سعود الفيصل من أكثر المسؤولين السعوديين تشدداً وتحمساً لتجزئة اليمن بحسب وزير التخطيط والتنمية حينها، الدكتور عبد الكريم الإرياني في حوار مع جريدة "السفير" في صنعاء بتاريخ 13 أبريل 1995م.

 ماذا بعد؟

 تبدو السعودية اليوم أمام اختبار عملي بشأن موقفها من الوحدة اليمنية وأمام خيارين كلاهما مر: الأول هل تستغل الظرف الراهن لفرض الانفصال كأمر واقع كفرصة تاريخية لا يمكن أن تعوض مع ما يترتب على مثل هكذا خيار من خطر يتمثل في تسليم دولة الشمال للحوثيين وإيران على طبق من ذهب والتي ستتحول مستقبلا إلى تهديد جدي يستهدف وجود السعودية من أساسه؟ أم الإبقاء على الوحدة اليمنية مع استمرار المخاوف من إمكانية نهوض "اليمن الموحد" بشكل لا ترضاه الرياض؟

 تؤكد المؤشرات بأن الموقف السعودي من الوحدة اليمنية حالياً في حالة اضطراب وعدم استقرار وأنها لم تحسم أمرها بعد رغم ميلها الواضح لانفصال جنوب اليمن، كخيار ظلت تعمل لأجله منذ عدة عقود ولعل ذلك ما يفسر استمرار خيار الحرب المفتوحة حتى تتضح الكثير من الأشياء ليتم بعدها تقرير مصير اليمن حتى وإن كان الموقف الشعبي في أغلبه رافضا لإملاءات الخارج إلا أن القوة العسكرية هي من ستحسم في الأخير المخطط المرسوم.

 ويمكننا القول بأن ما يحدث في عدن ولحج وأبين لا يعدو كونه مجرد "جس نبض" بالنسبة للسعودية لاختبار طبيعة ردود الفعل الشعبية والرسمية والدولية من مسألة الانفصال وعلى ضوء هذه الردود والمواقف سيتم تحديد ملامح السيناريو التالي. ويبدو أن الجميع يقودون اليمن والمنطقة بشكل عام إلى سيناريوهات قاتمة نظرا لغلبة منطق "الحقد" على التفكير الإستراتيجي وجعل الأولوية للمصالح المشتركة.

الإخفاقات تجبر الرياض على تغيير حساباتها تجاه اليمن
تجمع الكثير من مراكز الدراسات الغربية أن حرب الحدود البرية التي تتعرض الأراضي السعودية من قبل القوات اليمنية ستجبر المملكة في الأخير على تغيير توجهاتها في اليمن. ومنذ العام 2016م وبعد قرابة عام وأحد على بدء العمليات البرية اليمنية في الحدود أخذت السخرية تتزايد على النظام السعودي بسبب عدم قدرته على ايقاف الهجمات اليمنية بينما أخذت الهجمات البرية اليمنية تتسع في عمق الأراضي الجنوبية للمملكة .

ورغم أن الولايات المتحدة وبريطانيا أرسلت قواتها بشكل مباشر للمشاركة في التصدي للهجمات البرية اليمنية إلا أن ذلك لم يضف شيئاً للموقف الصعب الذي تواجهه السعودية نتيجة تواصل الهجمات البرية التي تنفذها القوات اليمنية. وعلى مدى أربعة أعوام أضطر نظام الحكم في المملكة إلى تقديم الكثير من التنازلات التي كانت تعتبر من المحظورات منذ تكوين المملكة السعودية قبل سبعين عام في محاولة لإضفاء القليل من التماسك أمام الهجمات اليمنية المتصاعدة.

حيث اضطر النظام السعودي إلى تجنيد ابناء مناطق نجران وجيزان وعسير في صفوف الجيش بعد أن كان ابناء تلك المناطق محرومين من الانضمام للجيش السعودي لأسباب مذهبية ومناطقية كان يتم على أساسها استبعاد أبناء تلك المناطق من الالتحاق بالجيش. وقد لجئت الرياض إلى التخلي عن تلك المحظورات بعد أن كثرت مشاكلها مع المرتزقة الذين تم جلبهم من اليمن للدفاع عن السعودية.

وكان معهد واشنطن الأمريكي للدراسات قد نشر في ديسمبر 2016م دراسة شكك فيها بقدرة الرياض على مواجهة الحرب البرية التي تشنها القوات اليمنية داخل الأراضي الجنوبية الحدودية بين البلدين وقالت الدراسة أن الهجمات البرية اليمنية ستجبر السعودية على تغيير مواقفها من الحرب على اليمن حيث قدمت الدراسة التي نشرت قبل ثلاثة أعوام استعراضاً لحجم الخسائر التي تعرضت لها مناطق جنوب السعودية في حينه جراء الهجمات اليمنية، والتي قالت الدراسة أن المملكة لن تستطيع الصمود بسببها.

في حين تسببت المواجهات على الحدود اليمنية – السعودية بالكثير من الإحراج للسلاح الأمريكي، فرغم أن واشنطن زودت الرياض بأحدث أنواع الأسلحة إلا أن تلك الأسلحة لم تجدي نفعاً في مساعدة الجيش السعودي على التصدي لهجمات القوات اليمنية مما دفع الأمريكيين إلى خوض حملة ترويج للأسلحة الأمريكية لتعويض عن حالة الفشل الذي ظهر بها السلاح الأمريكي في معركة الحدود بين اليمن والسعودية بينما وصف خبراء عسكريون امريكيون الجيش السعودي بأنه “نمر من ورق” وأن العيب هو في الجيش السعودي و”ليس في السلاح الأمريكي”.

تقرير : عبد السلام قائد

 

المزيد في هذا القسم: