المرصاد نت - متابعات
قبل عامٍ، أعدّ فريق خبراء “الأمم المتحدة” المعني باليمن تقريراً مفصلاً عن بروز اقتصاد حربٍ قوي لم يشكّل لأي من الطرفين حافزاً كبيراً للتوصل إلى السلام. ورغم استمرار تلك المشكلة يركّز تقرير هذا العام الذي أُنجز مؤخّراً والمؤلف من 209 صفحات على سلسلة من قضايا القيادة والسيطرة المحلية وعلى ما يبدو أنه مجرى لا نهائي من السلوك الوحشي الذي اتّسم به عام 2019.
يقدّم هذا الفريق المؤلَّف من خبراء مستقلّين ذوي معرفة متخصّصة تقريراً سنويّاً إلى “مجلس الأمن الدولي” بشأن تنفيذ حظر الأسلحة والعقوبات على اليمن، على النحو المفصل في القرارين 2140 (من عام 2014) و 2216 ( من عام 2015). وبناءً على تقييم العام الماضي يوضح التقرير الأخير الحرب الاقتصادية التي يمارسها الجانبان "المتحاربان" على حساب الشعب اليمني.
ومع ذلك، فإن مغزاه الأساسي ذو شقين: عدم تمكُّن هادي من السيطرة على شركائه في التحالف، ولجوء الحوثيين إلى إجراءات قمعيّة شديدة كآلية للسيطرة.
يخصّص التقرير حيزاً هاماً للتحليل المفصّل لمختلف الجماعات المسلَّحة في التحالف ويخلص إلى أن حكومة هادي لا تمارس إلا القليل من السلطة على العديد من هذه الجماعات وأن القتال في العام الماضي زاد من تضاؤل “مستوى السيطرة الضعيف أصلاً الذي يمارسه الرئيس هادي” (الفقرة 9). ومن المفارقات الجادة أن التحالف يدّعي أنه يعمل في اليمن بناءً على طلب هادي فقط، غير أن معظم عناصره لا ينفذون أوامره.
وبدلاً من ذلك تعمل ما لا يقل عن ست منظمات مسلحة في ظل تسلسل قيادي مختلف - فبعضها يخضع لهادي وبعضها الآخر للإمارات ، أو للمملكة السعودية أو لجهات غير واضحة. ويطلق عليها الفريق اسم “الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة” (الفقرة 25). وتشمل هذه “قوات الحزام الأمني” و”قوات النخبة الشبوانية” و”قوات النخبة الحضرمية” و”قوات أبو العبّاس” و “قوات الساحل الغربي” التي تضم ثلاث مجموعات فرعية هي: “قوات العمالقة” و”قوات تهامة” و”الحرس الجمهوري”.
وتُعتبر “قوات الساحل الغربي” مثالاً رئيسيّاً على المشكلة. فبحكم الأمر الواقع كان معظمها تحت قيادة الإمارات إلى أن غادرت هذه الأخيرة الجبهة الغربيّة في الصيف الماضي. وتخضع هذه القوات الآن لـ “قيادة القوات المشتركة” التي يخضع فيها الضباط من مختلف الجماعات المسلّحة إلى التحالف السعودي/الإماراتي. وفي مثالٍ آخر، يفصّل التقرير كيف كانت “قوات الحزام الأمني” في عدن تخضع لسيطرة حكومية متذبذبة من عام 2016 حتى عام 2019 (الجدول 8.1). بعد ذلك، في آب/ أغسطس الماضي ألحقت هذه القوات نفسها بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” - لتخضع للسيطرة العملياتية السعودية في تشرين الثاني/ نوفمبر. وفي غضون ذلك تبقى “قوات النخبة الشبوانية” و”قوات النخبة الحضرمية” نظريّاً تحت سيطرة الإمارات. ويواجه الفريق أيضاً صعوبة في تحديد التسلسل القيادي الخاص بالمقاتلين اليمنيين على الحدود السعودية مع الإشارة إلى أنه من غير الواضح ما إذا كانوا يشكّلون جماعةً مسلَّحةً أم متعاقدين خاصّين (الملحق 8: 8 أ). وما هو واضح في التقرير عدم خضوع أي من هذه الجماعات المختلفة للسيطرة العملياتية لـ “الجيش التابع لحكومة هادي”.
وتترتّب عن هذا الواقع تبعات حقيقية على الأرض، خاصة عندما يتعلق الأمر بإرساء القانون والنظام وحماية حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، يشير الفريق إلى أن الحكومة لا تسيطر على السجون الكبرى في مدينتيْ عدن والمكلا الجنوبيتيْن (الفقرة 106). ويؤدي غياب السيطرة على القانون والنظام الأساسييْن إلى فسح المجال أمام الجماعات المسلّحة لفرض قواعدها الخاصة. وفي هذا السياق، يلقي الفريق اللوم على السعودية والإمارات و”قوات الحزام الأمني” و”قوات النخبة الشبوانية” حول الحالات المتكررة من “الاعتقال والاحتجاز التعسفييْن، وسوء المعاملة، والتعذيب، والاختفاء القسري” (الفقرة 100-101). وفي ظل مواجهة هذه الادعاءات الخطيرة والعجز إلى حد كبير عن بذل المزيد من الجهود، يذكّر الفريق “قوات الحزام الأمني” بأنها “طالما تقوم بوظائف شبيهة بالوظائف الحكومية، فهي ملزمة باحترام معايير حقوق الإنسان” (الفقرة 107).
ووفقاً لحكومة هادي، إن هذه القوات المختلفة ستخضع أخيراً لسيطرة “الجيش الحكومي” - وكان الهدف من اتفاق الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي هو دمج القوات المتحالفة مع “المجلس الانتقالي الجنوبي”، ويصرّ المسؤولون على أن الجماعات المسلّحة الأخرى في التحالف سوف تحذو حذو هذه القوات قريباً. ومع ذلك، فإن اتفاق الرياض لم ينجح حتى الآن، ويعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى أن “المجلس الانتقالي الجنوبي” ما زال يطالب بالاحتفاظ بسلاسل قيادته حتى أثناء “دمجه” تحت سيطرة وزارة الدفاع. وبالمثل سترفض “قوات الساحل الغربي” الخضوع لقيادة الجيش إذا طُلب منها ذلك. ويعتبر كلا الفصيليْن أن جماعة «الإخوان المسلمين» تسيطر على “الجيش” ويطلقان عليه اسماً بديلاً هو “جيش الإصلاح”.
وبالطبع إن الواقع أكثر دقة، لكن هذه الروايات مترسّخة وسيكون من المستحيل إزاحتها لا سيّما أن الإمارات تشارك هذا الرأي على نطاق واسع. وتساهم مثل هذه المواقف في ما يدعوه الفريق دعماً “غير كافٍ” من التحالف للقوات الحكومية النظامية “مما أدّى إلى عجز الحكومة عن القيام بعمليات عسكرية كبيرة” (الفقرة 11).
وبعد الحرب لن يتم بسهولة توحيد ترتيبات القيادة والسيطرة هذه المثيرة للجدل. فسوف يرغب التحالف السعودي في حل نفسه والسماح لليمنيين بإدارة شؤونهم الخاصة ولكن قد يواجه صعوبة في القيام بذلك خشية أن يترك بعض الجماعات المسلّحة خارج قيادة “الجيش الوطني”. وستبقى إعادة التوحيد العسكري الحقيقي تحدياً هائلاً على المستوى الداخلي - بل أكثر من ذلك إذا كان من المتوقع أن يدمج الحوثيون قواتهم الخاصة في إطار الجيش الوطني الحالي أو المستقبلي.
على عكس الترتيبات الفوضوية للتحالف في الغرب والجنوب يصف الفريق كيف حكَمَ الحوثيون الشمال بقبضة حديدية في العام الماضي مشيراً إلى أنهم “واصلوا تعزيز سيطرتهم... وإظهار قوة عسكرية موحَّدة” (الفقرة 9). وتوصّل الحوثيون إلى هذا الإنجاز خاصّةً من خلال قمع المعارضة، والتجنيد القسري، وأنواع أخرى من السلوك العدائي.
وأشار تقرير العام الماضي إلى أن الحوثيين “يواجهون زيادة طفيفة في مستويات الانشقاق” من القبائل الكبرى و”الشارع”. ويشير إصدار هذا العام إلى أنهم استخدموا احتكارهم شبه التام للأمن في شمال البلاد لقمع المعارضة القبلية بوحشية من خلال أجهزة الاستخبارات المستحدَثة والقوة الصارمة - خاصةً ضدّ قبيلة حجور التي عانت من “خسائر فادحة” (الفقرة 20). كما يسلّط الفريق الضوء على استخدام الحوثيين وفقاً لبعض التقارير لأساليب مروّعة مثل اعتقال النساء واحتجازهنّ بشكلٍ تعسّفي وتعريضهن للاغتصاب في السجن، وتهديدهنّ بإلصاق تهمة الدعارة بهنّ من أجل جلب العار لهنّ ولعائلاتهنّ.بالإضافة إلى ذلك، يُزعم أن الحوثيين استخدموا القوة ضد السكان المحليين لجعلهم يقاتلون من أجلهم من بينهم الأطفال - وهي تهمة أنكروها مراراً وتكراراً. وذكر تقرير العام الماضي أن التجنيد النظامي أصبح أكثر صعوبةً في الشمال؛ وهذا العام، يتحدّث الفريق عن أخذ الأطفال من منازلهم ونقلهم إلى المعسكرات الإيديولوجية والعسكرية التي يقودها الحوثيون - لعدة أشهر في كل مرة، وغالباً مع إعطائهم كميات قليلة من الطعام. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هناك حاجة فعلية للأطفال في ساحة المعركة أو لمجرد استخدامهم كرهائن لتخويف السكّان.
وقد تؤدّي هذه الأساليب إلى نتائج عكسية إذا تمكّنت القبائل أو المجموعات الأخرى التي تعاني من المظالم من الانتقام بعد الحرب. وكما كتَبَتْ هذه الكاتبة والسفيرة باربارا ليف سابقاً، “الثأر... سيشكّل حافزاً قويّاً لما بعد النزاع في المجتمع القبلي اليمني، والحوثيون مسؤولون عن الكثير من الأمور في نظر [أعدائهم]”. وقد يُضعِف هذا الهاجس استعداد الحوثيين للمشاركة بشكلٍ كامل في خطة ترمي إلى نزع السلاح بعد الحرب.
ما الذي سيأتي في عام 2020؟
حتى وقت قريب استقرّ نوعٌ من الجمود العسكري على اليمن بعد توقُّف حملة التحالف في الحديدة عام 2018م وقرار الإمارات بالبدء في خفض قواتها في الصيف الماضي. إلا أن هذا الجمود انهار على الأقل لفترة مؤقّتة - حيث تحارب الآن مختلف القوات مجدداً على امتداد عدة جبهات حول محافظة صنعاء. علاوة على ذلك يقف اتفاق الرياض في الجنوب واتفاق استوكهولم في الغرب على شفير الهاوية. فالقادة من جميع الأطراف منقسمون حول ما إذا كان السلام أو الحرب هو أفضل طريق للمضي قدماً. وعلى الرغم من تحقيق الدبلوماسيين تقدماً ملحوظاً في الخريف الماضي، إلا أن نجاحاتهم كانت محدودة للغاية وبطيئة جداً في الحفاظ على الزخم. ونتيجة لذلك، قد تبرز العناصر المتشددة مجدداً على المدى القريب.وفي الوقت نفسه تَعرّض كل طرف من الأطراف اليمنية لأضرار متزايدة بسبب الحرب الاقتصادية التي شنّها عليه الطرف الآخر، ولا تريد أيٌّ من الجهات الفاعلة المحلّيّة أو الأجنبية (باستثناء ربما مجموعة صغيرة من الحوثيين) الانجرار إلى نزاعٍ إقليميٍّ أوسع نطاقاً كما جرى التهديد عدة مرّات في عام 2019. ونظراً لهذه المخاوف والإرهاق الواسع النطاق الذي تسببته الحرب لدى السكّان فقد حان الوقت لإجراء محادثات مجدية.
وعلى الرغم من العديد من العيوب يشكّل اتفاق استوكهولم واتفاق الرياض نقطتيْ انطلاق جيّدتيْن للبدء بالمحادثات. يجب على الولايات المتحدة مضاعفة جهودها الدبلوماسية لإحضار المقاتلين المحليين إلى طاولة المفاوضات. ومن جهتهم، يجب على الجانبين الالتزام بتنفيذ تدابير حقيقية لبناء الثقة من أجل الحفاظ على الزخم. ولا تستفيد حكومة هادي ولا الحوثيون من حرب أطول لا سيما وأن الاقتصاد يستمر في التدهور ومن المرجح أن يواجه كلاهما معارضة أكبر في صفوفهما.
إلينا ديلوجر - زميلة أبحاث في برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
المزيد في هذا القسم:
- بالصور جرائم ومجازر العدوان السعودي الامريكي في صعده جانب من الدمار والمجازر التي ارتكبتها طائرات العدوان السعودي الامريكي في غاراتها الجوية التي شنتها في وقت متأخر من ليلة أمس على محافظة صعدة في اعنف غارات تشنها ...
- اندلاع اشتباكات مسلحة وضبط سيارة مفخخة وإنفلات أمني بعدن المرصاد نت - متابعات اندلعت ظهر اليوم الاثنين اشتباكات مسلحة بحي إنماء بعدن بين مسلحين يستقلون طقم أمني وآخرين . وقال شهود عيان إن المسلحين الذين لم ...
- بعد الـ "مندب۱" والزوارق الملتهبة: رسائل عميقة في أغوار البحر المسجور! المرصاد نت - متابعات يوم بعد يوم تتوالى مفاجآت اليمنيين في معركة المصير مع أذناب وعتاولة طغاة العالم رغم العدوان والحصار في عامهما الرابع، ومع كل خسارة وفشل ل...
- عودة الحياة إلى اتفاق الحديدة: البحر بدلاً من البر ! المرصاد نت - متابعات بعد انقطاع دام قرابة شهر استؤنفت يوم أمس اجتماعات «لجنة تنسيق إعادة الانتشار» في الحديدة ولكن هذه المرة على متن قارب بحري تاب...
- الأزمة الاقتصادية تحاصر «التحالف»: «ثورة الجياع» مستمرة ومتصاعدة المرصاد نت - متابعات مع استمرار التظاهرات المناوئة لـتحالف العدوان والقوى المحلية الموالية له في «المحافظات المُحتله» يزداد موقف السعودية والإمارا...
- وفاة وإصابة ستة مواطنين جراء السيول الجارفة في مارب المرصاد-متابعات توفي أربعة مواطنين اليوم جراء السيول الجارفة في مناطق متفرقة في محافظة مأرب. وأوضح مصدر طبي ان السيول الجارفة تسببت بوفاة ...
- ما هي أهداف بن سلمان من إعلان قرب نهاية الحرب على اليمن؟ المرصاد نت - متابعات بعد مرور قرابة 3 سنوات على اندلاع العدوان السعودي على اليمن واستشهاد أكثر من 6 آلاف شهيد بينهم 1277 طفلاً و1041 امرأة وسقوط عشرات الآلاف ...
- تواصل خرق العدوان ومرتزقته لوقف إطلاق النار متابعات : يواصل العدوان ومرتزقته بصورة مستمرة خرق وقف إطلاق النار اليوم الثلاثاء في مأرب والجوف ومحافظات أخرى. وأفاد مصدر عسكري أن مرتزقة العدوان السعودي الأ...
- الحكومة تتجاهل استجواب البرلمان والنواب يمهلونها الى الأحد تجاهلت حكومة الوفاق طلب االبرلمان الحضور اليوم للرد على الاستجواب المقدم اليها بشان الاختلالات الأمنية والاقتصادية وانعدام الحد الأدنى من الخدمات العامة وأزمة ا...
- هل يحضّر تحالف العدوان السعودي مناورة التفاف بعيداً عن الحديدة ؟ المرصاد نت - متابعات من دون العودة للتفاصيل الميدانية التي تؤكد ذلك لقد اصبح واضحا لتحالف العدوان على اليمن إستحالة احتلاله الحديدة وانتزاع النقطة الاكثر استر...