المتحدث باسم 'البؤس'... والوقاحة

المرصاد نت - الأخبار

يبرع المتحدث العسكري باسم ماتسمي بعاصفة الحزم أحمد عسيري في مراكمة الإخفاقات لو كان يتّبع دليلاً إرشادياً بذلك، لما أدّى الدور بإتقان مثل ما هو فاعل واقعاً alaseeri2017.3.31


قبل يومين كان مستشار وزير الدفاع السعودي بوق العدوان أحمد عسيري على موعد مع حلقة جديدة من مسلسل «البؤس» الذي بات مادة دسِمة لنكات اليمنيين. لم يكد عسيري الذي يزور لندن حالياً يهمّ بالدخول إلى مقر انعقاد ندوة في العاصمة البريطانية حتى باغتته مجموعة النشطاء الشبان معترضة طريقه ومطلقة في وجهه شعارات منددة بالعدوان الذي تقوده بلاده على اليمن.

لم يسعف «البرستيج» الذي يتقنّع به عسيري منذ بدء العدوان مُطلقاً الابتسامات في المؤتمرات الصحافية ومنوّعاً لكنته ما بين العربية والفرنسية والإنكليزية في معالجة الموقف. سرعان ما نضح الرجل بما فيه معاجِلاً أحد معترضيه بلكمة على وجهه أدت إلى إصابته. وبعدما بادر محتج آخر برميه ببيضة على ظهره أبى الناطق بلسان «تحالف العدوان» إلا أن يكمل مشهد المصارعة الحية رافعاً إصبعه الوسطى بإشارة سوقية بذيئة أبعد ما تكون عن «الهدوء» و«الاتزان» اللذين وسمته بهما الوسائل الإعلامية الخليجية وكذلك عن «اللباقة» التي يتكلفها عسيري في المقابلات التلفزيونية.
تكلّفٌ غالباً ما لا يفعل فعله لغياب أي عوامل حقيقية يمكن أن تفد لإنقاذه حتى يغدو عسيري في معظم الأحيان مثيراً للشفقة أكثر منه للسخط أو للاستفزاز. منذ أول مؤتمراته الصحافية في 27 آذار 2015 بدا العميد الركن المولود في تهامة في محافظة عسير (تعمدت السعودية اختيار متحدث من تلك المنطقة نظراً إلى ارتباط معظم أهلها بأصول يمنية) عاجزاً عن مواراة «الكذب» الذي تحمّله إياه قيادة العمليات.

خطوة احتجاجية صغيرة استفزت المتحدث العسكري باسم مملكة الرمال من المفترض أنها واثقة بأسباب حرب كبيرة تخوضها منذ عامين لم يستطع أحمد عسيري أن يتحمل مجرد الاحتجاج في وقت تنفذ فيه السعودية ومن معها مجازر تستحق محاكمات عادلة… على الأقل .

«أنت قيد الاعتقال لارتكابك جرائم حرب في اليمن»، بهذه العبارة استقبل الناشط البريطاني سام والتون المتحدثَ باسم قوات تحالف العدوان على اليمن أحمد عسيري فور وصول الأخير إلى مقر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في العاصمة البريطانية لندن أول من أمس.

ورغم تدخل رجال الأمن وإخفاق محاولة الاعتقال وهي خطوة رمزية تعكس التباعد بين المواطن والسلطة لم يتوانَ الناشط في منظمة «الحملة ضد تجارة الأسلحة» البريطانية عن محاولة اعتراض بوق العدوان العسيري وملاحقته داخل المبنى وأظهر مقطع فيديو جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي رمي عدد من الناشطين عسيري بالبيض فيما ارتفعت الهتافات المعادية للنظام السعودي التي اتهمته بقتل الأطفال في اليمن.

وكانت الوقفة الاحتجاجية كسابقاتها منذ 2015 ستمر بلا تغطية إعلامية لكنّ تعجرف السياسي القادم من مملكة ديكتاتورية اعتادت «شراء الصمت» دفعه إلى الرد على الناشطين في مجال حقوق الإنسان برفع إصبعه الوسطى في حركة أسقطت القناع عن «حليف لندن» وفتحت فجوة في جدار الحصار الإعلامي المفروض. اجتاحت صور عسيري مواقع التواصل الاجتماعي ومعها التقارير التي أعدتها المنظمة المناهضة لصفقات التسليح بين بريطانيا والسعودية عن جرائم الحرب في اليمن وتصريحات الناشطين فيها.

ولا يتردد المتحدث باسم منظمة الحملة ضد تجارة الأسلحة أندرو سميث في مهاجمة السعودية «التي ترتكب المجازر وتجوّع الأطفال» في اليمن وكذلك الدول المصنعة للأسلحة وفي طليعتها بريطانيا على خلفية صفقاتها مع «الأنظمة القمعية والدكتاتورية».

سميث قال إن «يد الحكومة البريطانية ملطخة بالدماء وهي شريكة الرياض في العدوان على اليمن» واصفاً صفقات الأسلحة بين البلدين بـ«غير الشرعية واللاأخلاقية والمثيرة للاشمئزاز».

يشار إلى أنه في عام 2013 رحّب رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون بتبني الأمم المتحدة معاهدة تجارة الأسلحة التي وصفها بـ«المعاهدة التاريخية التي من شأنها إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة الإنسانية الهائلة الناتجة من الصراع المسلح في جميع العالم». بعد ذلك بعامين بدأت قوات «التحالف» قصف المحافظات اليمنية في حملة جوية ذهب ضحيتها حتى الآن أكثر من عشرة آلاف يمني بينهم 2568 طفلاً.

والآن وفق «يونيسيف» يعاني أربعة من كل خمسة يمنيين انعدام الأمن الغذائي كذلك يموت طفل واحد على الأقل كل عشر دقائق من أمراض يمكن الوقاية منها.

أيضاً أكدت التقارير الصحافية موافقة الحكومة البريطانية منذ بدء العدوان على تراخيص تزيد قيمتها على 3,3 مليارات جنيه إسترليني لتصدير طائرات وأسلحة وذخائر إلى النظام السعودي. وتسعى «الحملة ضد تجارة الأسلحة» إلى استصدار أمر من المحكمة العليا في لندن لوقف تراخيص تصدير الأسلحة ونفذت سلسلة من الخطوات كان آخرها تقديم طعن قضائي في شباط الماضي.

سميث شدد على أن «السعودية سبّبت كارثة إنسانية في اليمن فالحكومة البريطانية تتجاهل كل الأدلة التي قدمتها المنظمات الحقوقية حول استخدام السعودية أسلحة بريطانية الصنع، ومن ضمنها قنابل عنقودية محرمة دولياً في ارتكاب جرائم ضد المدنيين» داعياً السياسيين إلى «وضع نفاقهم جانباً والتوقف عن بيع الأسلحة الفتاكة للسعودية».

وبينما تؤكد المنظمات الحقوقية وتقارير الأمم المتحدة شن «تحالف العدوان» هجمات «قد تصل إلى حد جرائم حرب» ينفي النظام السعودي هذه الاتهامات بل زعم عسيري أول من أمس أن الحملة الجوية «تستهدف المتمردين الذين يهددون أمن حدودها (المملكة).

لكن بياناً أصدرته المنظمة أمس قال إن السعودية «خبيرة في الكذب والتضليل الإعلامي» معيداً إلى الأذهان التصريحات التي نفى فيها عسيري استخدام قنابل عنقودية قبل أن تعود وتعترف الأخيرة بأنها استخدمتها بالفعل.

وطاولت حملات التضليل الإعلامي الحدث فتحولت الوقفة الاحتجاجية في لندن إلى «اعتداء» ورشق البيض إلى «محاولة اغتيال» والمتحدث باسم العدوان إلى ضحية. أما الناشط البريطاني فتحول إلى «عميل إيراني» وانهال عليه سيل من الشتائم والتهديدات من «الجيش الإلكتروني السعودي»، الذي اجتاح صفحاته الشخصية.

تعليقاً على تلك التغريدات أبدى والتون استغرابه من الإعلام السعودي الذي وصف الناشطين بـ«بلاطجة إيرانيين» وقال ساخراً: «أود أن أشكر المتصيدين السعوديين الذين أسهموا من دون قصد في ترويج الاحتجاج» آملاً أن يساعد ذلك في وقف الحرب على اليمن وأضاف في تصريحات: «عسيري يمثل نظاماً قتل آلاف الأشخاص في اليمن وأظهر ازدراءً كاملاً للقانون الدولي. لا يجب الترحيب به ومعاملته كشخصية بارزة… بل يجب اعتقاله والتحقيق معه في جرائم حرب».

في الإيجاز المذكور أي بعد 24 ساعة على بدء عمليات ماتسمي بعاصفة الحزم أعلن عسيري تدمير 98% من القوة الصاروخية اليمنية وعندما سُئل بعد أيام عن سبب استمرار إطلاق صواريخ على الأراضي السعودية أعرب عن اعتقاده بأن تلك الصواريخ هي من الـ2% الباقية. الاثنان بالمئة نفسها التي لا تزال «تَرشح» صواريخ باليستية على جدة والرياض وغيرهما و«تسيل» دورياً كشوفاً جديدة كان آخرها صاروخ من طراز «قاهر M2».
مفارقة تاريخية أخرى سقط في شباكها عسيري في تشرين الثاني 2016 محققاً بها قمة إبداعاته حينما قال إن «التحالف لا يحاصر اليمن» موصّفاً ما يجري بأنه «منع ومراقبة للحؤول دون تهريب السلاح». رزوح أكثر من 60% من اليمنيين تحت نير الجوع بفعل انقطاع المساعدات ومنعهم من الدخول والخروج إلا بعد تعرضهم للإذلال ليسا بالنسبة إلى المتحدث السعودي سوى «انطباع خاطئ»!
هذه المفارقات ليست غريبة عن تاريخ المدير السابق لمكتب خالد بن سلطان. في 2009 عام الحرب السادسة ضد حركة «أنصار الله» في صعدة تولى عسيري الذي كان آنذاك ضمن السرب السادس من القوات الجوية الملكية، مهمة تعريف الصحافيين بمستجدات المواجهات، التي شارك فيها النظام السعودي، آنذاك بالغارات الجوية وبالتسهيلات العملياتية (سمحت الرياض لقوات النظام السابق باستخدام جبل الدخان في جيزان لمهاجمة «أنصار الله» ما دفع الأخيرة إلى اقتحام الجبل والسيطرة عليه). كان عسيري يعلن في 8 تشرين الثاني 2009 «تطهير جبل الدخان» ليتبين في خاتمة الحرب أن «أنصار الله» هي التي انسحبت من الجبل بعد توقف الأعمال القتالية.
كذلك كان عسيري ينفي كعادته استهداف المدنيين لتأتي وثائق «ويكيليكس» وتكشف أن الولايات المتحدة عمدت إلى تزويد السعودية بصور جوية للمواقع العسكرية بعدما تبين لها استهداف الطيران السعودي مرافق مدنية كالمستشفيات. أيضاً، وفي نهاية المطاف، كان عسيري يعلن «الانتصار وإجبار الحوثيين على الخروج من الحدود»، ليظهر لاحقاً وفق «ويكيليكس» أن السعودية هي التي أوقفت القتال بعدما أبدى الملك عبد الله تذمره من طول المعركة وازدياد الخسائر أمام مقاتلين غير نظاميين ولم تأتِ إقالة نائب وزير الدفاع يومذاك، خالد بن سلطان الذي تولى قبلها إدارة العمليات إلا دليلاً على استشعار النظام السعودي الفشل والحرج.
هذا المشهد لم يتبدل كثيراً في الحرب الدائرة راهناً منذ عامين. طوال ما يقارب 26 يوماً (ما بين إعلان بدء «عاصفة الحزم» وإعلان انتهائها) تكبد عسيري بنحو شبه يومي عناء الظهور في إيجاز صحافي لإجمال جديد العمليات والرد على أسئلة الصحافيين التي كانت تزداد صعوبة مع اتساع الهوة بين ما يعلنه القائد السابق لطابور العرض العسكري وما يدور على أرض الواقع إلى أن قررت السعودية في 21 نيسان 2015 إنهاء عمليات «عاصفة الحزم» والبدء بعمليات «إعادة الأمل» معفِيةً عسيري من مشقة الظهور يومياً وتكرار كلام مجترّ لم يعد يقنع أحداً.
لكن المهمة لم تنتهِ سرعان ما أضحى عسيري هدفاً لوسائل الإعلام وخصوصاً الأجنبية طلباً لإجراء مقابلات تصاعد الطلب عليها مع تزايد انتقادات المنظمات الدولية للسعودية على خلفية ارتكابها «جرائم حرب» في اليمن. لم يجد المتخرج من كلية سان سير الفرنسية إزاء ذلك إلا اتباع «الدفاع بالهجوم» في استراتيجية التفافية جدلية إفحامية وصّفتها وسائل الإعلام الخليجية بأنها «براعة في إدارة المواقف عندما تصادفه الأسئلة المحرجة التي يطرحها الصحافيون». بلغ الأمر بعسيري حد التهجم على الإعلاميين غير مرة واتهامهم بـ«مخالفة القواعد المهنية» وحثهم على التزامها.
في مقابلة قبل أربعة أشهر (تشرين الثاني 2016) مع كريستيان آمانبور وهي كبيرة مراسلي «CNN» للشؤون الدولية بُهت عسيري بعرض المحاوِرة عليه صورة لفتاة من محافظة الحديدة ظهرت عليها آثار المجاعة واشتُهرت حالتها على مستوى الإعلام العالمي. ولما بادرته آمنبور بالسؤال سارع عسيري إلى إخراج «قميص تعز» مؤكداً أن هذه الصورة التُقطت هناك في رد لا ينمّ عن جهل المحاوَر بقدر ما يجلي إرادته في التضليل والتمويه الخاليَين من أي سمات حنكة أو «كذب» قابل للتصديق.
قبل تلك المقابلة بثلاثة أشهر ظهر مترجم حرب الخليج الثانية عام 1991 للفرنسية على قناة «BBC - عربي» معلّقاً على استهداف طيران تحالف العدوان مدرسة في محافظة صعدة. زعم عسيري آنذاك أن الغارة أصابت مركزاً لتجنيد الأطفال في المحافظة. وبعدما حاججته المحاوِرة بأنَّ الأطفال يبقون أطفالاً حتى لو سلّمنا بأنهم أُخضعوا للتجنيد جسَر المتحدث باسم التحالف السعودي على رمي المذيعة بتحريف نصوص الأمم المتحدة قبل أن ينتحل دورها ويشرع في توجيه أسئلة إليها من قبيل: «كيف وصلتِ إلى هذه القناعة؟ هل لديك دراسات؟».
موقف «فلكي» سبق للعميد الحائز درجة الماجستير في دراسات الدفاع الوطني من فرنسا أن جلا نظيره في اتصال مع قناة «France 24»، تعقيباً على استهداف طيران التحالف سوقاً شعبية في مديرية مستباء في محافظة حجة ما أدى إلى وقوع أكثر من 100 قتيل. رفض عسيري آنذاك الشروع في مداخلته قبل محاضرة المذيعة ومن ورائها القناة في كيفية انتقاء المصطلحات التي لا تسهم في «التوجيه المغلوط» للرأي العام. اعترض مستشار وزير الدفاع السعودي على استعمال «France 24» تعبير «المجزرة» في توصيفها الحادث، معتبراً ذلك حكماً مسبقاً ومنبهاً القناة إلى أنها لا تملك وسيلة تحقيق. اعتراض يظهّر بوضوح الترهيب الفكري والعنف الرمزي اللذين يمارسهما عسيري كلما صادفته أسئلة مغايرة لما تطرحه نجوى قاسم على «العربية» من ممالأة مزوقة بالفرنسية.
يوم أمس أعاد عسيري إيقاع نفسه في الدوامة. ففي حديث إلى صحيفة «الشرق الأوسط» أكد أن «عودة الحديدة ومينائها إلى الشرعية مسألة وقت» وهو تقدير لا يبدو أنه سيكون أكثر واقعية من تقديرات سابقة بالسيطرة على المخا وإسقاط تعز و«تحرير» صنعاء و«تطهير» صعدة. قد ينخدع المتحدث باسم «عاصفة الحزم» بما يسوقه له المتحدث باسم القوات المشتركة في عاصفة الصحراء عام 1990 العميد أحمد الربيعان من مميزات من قبيل الفطنة والذكاء والاحتراف والاستحقاق (مقابلة مع «سبق» السعودية في 5 أبريل 2015) لكن يجدر بالقائد السابق لجناحَي التكتيك والصواريخ في معهد قوات الدفاع الجوي أن يتنبه وهو الحائز شهادة في التاريخ من جامعة السوربون ومن ورائه رؤساؤه إلى أنه كلما طالت الحرب أرّخت لمزيد من الإخفاقات السياسية والإعلامية التي ستطبع اسمَي عسيري ومستشيره (محمد بن سلمان) إلى أن ينفد مخزون اليمنيين من السلاح... والفكاهة.
مرّة سئل عسيري: «ذلحين (الآن) صحن الجن (منطقة) معكم أو لا؟ قال: الصحن معنا والجن مع الحوثيين»! ــ نكتة يمنية.

البريطانيون “يجهلون” ما يحدث في اليمن

أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة «ذا إندبندنت» البريطانية أنّ أكثر من نصف الشعب البريطاني لا يعلمون أي شيء عن الحرب علي اليمن. ووفق الاستطلاع فإن «49 في المئة من الشعب لم يذكروا اسم اليمن عند سؤالهم عن الدول التي تشهد حالياً نزاعاً مسلحاً… في المقابل ذكر 84 في المئة سوريا».

وهذه النتائج التي وصفتها المنظمات الحقوقية بـ«المخيبة» متوقعة في ظل التعتيم الإعلامي والصمت الدولي عن ضحايا العدوان علي اليمن والانتهاكات الإنسانية التي يرتكبها تحالف العدوان السعودي. الجدير بالذكر أن الاستطلاع جاء تزامناً مع الذكرى الثانية للعدوان وبعد أيام من احتضان العاصمة البريطانية لندن اجتماع ماتسمي بالرباعية الدولية الخاصة باليمن (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات  بالإضافة إلى سلطنة عُمان) لمناقشة «واجبات الأمم المتحدة والوضع الإنساني وسبل إيقاف الحرب وعملية السلام في اليمن».

 

دعاء سويدان

المزيد في هذا القسم: