السعودية تعيد التوازن السياسي إلى ما قبل معارك عدن

المرصاد نت - لقمان عبدالله

أطلّ بعض مسؤولي المجلس الانتقالي الجنوبي وعلى رأسهم رئيسه عيدروس الزبيدي على شاشات التلفزة ليعلنوا النصر على غريمهم هادي وحكومته.Aden yem2018.2.2


إعلان الفوز والنصر يبدو أنه جاء متسرعاً جداً إذ إن حسابات «الانتقالي» مبنية على القدرة العسكرية والرعاية الإماراتية التي وفّرت لهم الضوء الأخضر السياسي والإمكانات اللوجستية والإعلامية.

بالمفهوم العسكري الميداني الصرف، حقّق «الانتقالي» فوزاً واضحاً ومحققاً، وهذا متوقع منذ البداية إذ إنه يقاتل في بيئة حاضنة ومساعدة وجاهزية عسكرية (في التسليح والعنصر البشري) مقابل «الشرعية» التي تضم بين قواها عناصر من خارج بيئة الجنوب.

ومع انجلاء غبار المعارك الطاحنة بين طرفي النزاع، تبيّن أن النتائج السياسية هي غير التقدم العسكري والسيطرة على المقرات والمعسكرات. فاصطدم «الانتقالي» برفض الرياض إسقاط الإنجاز العسكري على الأرض بتغيير المعادلة السياسية الحاكمة أو السماح بتسييل تلك الإنجازات للإخلال بالموازين القائمة وهذا ما عدّه الكثير من المراقبين أن «الانتقالي» وقع في الفخ.

ويبدو أن الأخير ومن دفع به (دولة الإمارات) فسّروا غضّ النظر السعودي في بداية المعركة بأنه ضوء أخضر يتيح لهما تغيير التوازن الموجود بفرض حكومة أخرى تكون أقرب إلى الإمارات ويذعن هادي بالنهاية للموافقة عليها.

إلى ذلك توقف الحديث عن تغيير الحكومة بأخرى من الكفاءات فقد سرّبت مصادر مقربة من هادي أن الأحداث الأخيرة تعتبر حجر عثرة أمام التغيير وأن التغيير بحاجة إلى بعض الوقت وأن أقصى ما حققه «الانتقالي» في المعركة الدامية هو إقالة قائد اللواء الرابع الرئاسي مهران القباطي.

وتجدر الإشارة إلى أنّ التسوية بين الطرفين اقتضت أن تتموضع كتائب عسكرية سلفية تابعة لما يسمى «الشرعية» بدل من الألوية الرئاسية. بالإضافة إلى تشكيل لجنة تشرف على إطلاق الأسرى وتسلّم المعسكرات من القوى المحسوبة على «الانتقالي» وتسليمها للكتائب السلفية. وبالفعل باشر الطرفان عمليات تبادل الأسرى وتسليم المعسكرات للقيادات السلفية التابعة لـ«شرعية هادي».

وبذلك تكون أبو ظبي ومعها المجلس الانتقالي، قد دخلا في اختبار فرض أمر واقع جديد مقابل خطة السعودية القاضية باستعادة دورها في جنوب اليمن لكنها فشلت في ذلك الاختبار بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الأحد الماضي... لكن ثمن الاختبار كان قاسياً جداً وكلّف دماراً كبيراً ودماء كثيرة. ومعروف أنّ هادي أدار حكومة بكامل أعضائها الموجودين في الرياض لمدة سنة تقريباً وبعضهم ليس له وجود في عدن إطلاقاً.

كذلك يستمد الرجل قوته من القوى الدولية والإقليمية وكونه يوفّر غطاءً للعدوان على اليمن وفي قاموسه التأييد الشعبي من عدمه سواء ولن يضره كثيراً سقوط عدن كذلك فإن الاحتفاظ بها لن يغيّر من معادلة الحكم التي تؤمن وجوده.

وقد يكون الإنجاز الذي مرره عيدروس الزبيدي (للإمارات) هو قبول وجود طارق صالح في جنوب اليمن في معسكر بئر أحمد التابع للقوات الإماراتية إذ تردد في بداية وجوده من إعلان موقف رغم المعارضة السياسية والسخط الشعبي العام في الأراضي الجنوبية لهذا الوجود.

تجدر الاشارة أيضاً إلى أن «الانتقالي» أعلن أن هدفه من التحرك هو إسقاط حكومة أحمد بن دغر بسبب فشلها في تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين والتهم الموجهة إلى وزرائها ومسؤوليها بالفساد والسمسرات والصفقات المشبوهة واستغلال المناصب مقابل عدم مبالاتهم بالقضايا الحياتية للمواطنين الذين يرزح معظمهم تحت خط الفقر.

وفي هذا الإطار تعتبر مطالب المجلس محقة وعادلة لكن من يطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد والسعي لتحقيق القضايا العادلة للشعب يجب أن يتمتع بصفات الإصلاح ونظافة الكف، والسمعة الحسنة وأن يكون حاملاً همّ الناس ومطالبهم وقضاياهم وهو في السلطة. يُذكر أيضاً أن المسؤولين الرئيسيين في المجلس الانتقالي كانوا حتى الأمس القريب (وزراء ومحافظين) في حكومة بن دغر وقبلها في حكومة خالد بحاح. وعندما كانوا في السلطة لم يسمع منهم سوى المديح والثناء للحكم والحكومة ورئيسها. أما الاوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة فهي سواء، كانوا في السلطة أو خارجها.

وفي الآونة الأخيرة أظهرت استطلاعات الرأي أن «الانتقالي» بدأ يفقد من شعبيته وثقة الناس به. وقد شكّل المجلس من المقالين (وزراء ومحافظين) من قبل هادي وبدعم وتوجيه من دولة الإمارات ويمارس أنشطته على القطعة من دون أهداف بعيدة أو حتى متوسطة وذلك عائد الى التزام أعضائه الأجندة الإماراتية. وفي كثير من الحالات تعد انشطته «جعجعة من دون طحين». بالإضافة إلى غيابه عن المشهد في فترات متعددة، خصوصاً في الأوقات التي تتطلب منه القضية الجنوبية مواقف تكون مخالفة للتوجهات الإماراتية.

أدرك «المجلس الانتقالي» بناءً على تجربة سابقة أن الجماهير الجنوبية ملّت من وعوده وأن سمعة مسؤوليه لا تختلف عن سمعة المسؤولين الحاليين في حكومة بن دغر. وكان المناسب في مثل هذه الحالات التصعيد وفق التسلسل الزمني بوجه الحكومة ومحاصرتها بالجماهير التي تقول كلمتها وصولاً إلى العصيان المدني.

وهذا ما دعا إليه بالعلن الزبيدي نفسه. وعصر يوم السبت أي قبل يوم من وقوع النزاع المسلح، شاهد الجنوبيون مجاميع مسلحة قادمة من المثلث الأكثر ولاء لـ«الانتقالي» (الضالع، يافع، ردفان). وصباح الاثنين استيقظ الناس على الاشتباكات والعمليات العسكرية ولم يكن للجماهير أي دور على الإطلاق والذريعة التي تذرع بها «الانتقالي» بسقوط بعض الجرحى متهماً الألوية الرئاسية غير مبررة وكافية لإشعال عدن بالنار لمدة ثلاثة أيام مع ما خلّفته من ضحايا ودمار وضرر على الجوانب النفسية والاجتماعية والقبلية والمناطقية.

معارك عدن تؤجج السخط على «الانتقالي»

سعّرت المعارك التي شهدتها مدينة عدن جنوبي البلاد منذ يوم الأحد الماضي الانتقادات الموجهة إلى «المجلس الانتقالي الجنوبي» من قبل خصومه خصوصاً أن المجلس أثبت في أعقاب تلك المعارك صحة الاتهامات الملقاة عليه عبر ارتضائه بقاء قوات طارق محمد صالح في الجنوب وإبدائه الاستعداد لدعمها في معارك الشمال. ورأت المكونات السياسية والاجتماعية والقبلية المناوئة لـ«الانتقالي» أن الأخير ينفذ أجندات خارجية لا صلة لها بالقضية الجنوبية تحت شعارات «مخادعة» هدفها اجتذاب الناس ليس إلا.

النائب الأول لمدير أمن عدن علي الذيب الكازمي المعروف بـ«أبو مشعل» شنّ هجوماً لاذعاً على قيادة «الانتقالي»، متهماً إياها بـ«خداع الشهداء وأهاليهم». واعتبر أن «معركة عدن الأخيرة لا شأن للجنوب بها» وأنها «كانت لمصالح شخصية وانتهت باتصال هاتفي فيما لا تزال الحكومة في المعاشيق ولا يمكن الاقتراب منها». ووصف ما حدث بـ«المسرحية الهزيلة» وأولئك «الذين افتعلوا المعركة» بأن «عقولهم جوفاء (يرفعون) شعارات الجنوب ظاهراً وباطناً يسرقون ويعبئون الجيوب».

وكان القيادي في الحراك الجنوبي فادي باعوم قد وجّه انتقادات حادة إلى «المجلس الانتقالي» واصفاً مواقفه بـ«المتناقضة». وقال: «هم مع شرعية هادي ولكنهم ضد حكومته وسيطردونها فيُطرد بن دغر الحضرمي ويبقى طارق في عدن».

وأضاف: «هم من حرر عدن من الشماليين ثم سلموها للشرعية ثم حرروا المعسكرات من الشرعية ثم سلموها للسلفيين... وهم ضد وجود أي قوة شمالية في عدن ولكنهم سيحمون ويدعمون طارق عفاش وحرسه الجمهوري... وهم مع قيام دولة جنوبية ولكنهم سيحررون صنعاء أولاً... وهم أيضاً مع التحالف لإعادة الشرعية ولكنهم يريدون دولة جنوبية». وتابع: «هم يقولون إنها سياسة ولكنها سياسة الدم والذل والاستجداء والترجي والتضحية بشباب الجنوب لأجل مصالح الأسياد ورضاهم». وكرر باعوم أن ما يجري «صراع أدوات لا غير وفاقد الشيء لا يعطيه فلا صوت يعلو فوق صوت مندوب الاحتلال الإماراتي».

وإلى جانب الانتقادات الموجهة من شخصيات عسكرية وسياسية جاء الهجوم على «الانتقالي» من تشكيلات قبلية ومناطقية ليعيد إذكاء الصراعات التي أسهمت الإمارات، عبر إنشائها ميليشيات وسلطات محلية مبنية على تلك الأسس في إحيائها وتغذيتها. إذ أججت سيطرة قوات «الانتقالي» التي ينتمي معظم أفرادها إلى محافظتي لحج والضالع، على عدن، غضب القوات والقيادات المناوئة لها التي ينحدر معظمها من محافظة أبين مسقط رأس هادي.

يضاف إلى ذلك ظهور أصوات قبلية بدأت تطرح تساؤلات عن جدوى خوض حرب لغاية خارجية بأيدٍ جنوبية. وفي هذا الإطار، حمّل «المجلس القبلي لأبناء الحواشب»، رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي المسؤولية عن مقتل مجموعة من أبناء القبيلة داعياً القبائل «الحوشبية» كافة إلى «رفع الجاهزية والاستعداد لحماية أبنائها». وجاء في البيان الصادر عن المجلس القبلي: «نحمّل عيدروس الزبيدي وميليشياته كامل المسؤولية عن مقتل أبناء الحواشب والغدر بهم في مقرات عملهم دون أي وجه حق وتحت مبررات مرفوضة وواهية لا تعطيه الحق في سفك دماء أبناء الجنوب وأبناء الحواشب». تجدر الإشارة إلى أن قبيلة «الحواشب» كانت تاريخياً حاكمة لإحدى سلطنات جنوب اليمن قبل أن تنضم إلى «اتحاد الجنوب العربي» في شهر نيسان/ أبريل من عام 1963.

المزيد في هذا القسم: