المرصاد نت - متابعات
وحده الهواء لا يزال متاحاً (إلى حد ما) امام اللاجئين الفلسطينيين خفض وكالة «أونروا» موازنتها، تحت ضغط إنقاص الادارة الأميركية مساهمتها المالية بدأ يُلمس لمس اليد في مخيمات اللجوء في لبنان. «التقشف» الدولي حوّل التعليم والصحة ترفاً ليس في متناول أولئك «المزروكين» في أزقة يكاد يُمنع الهواء من دخولها!
«خفض الموازنة» أوّل غيث العام الجديد في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا). برّرت الوكالة الأممية النقص الذي سيطاول عدداً من الخدمات التي يتلقّاها الفلسطينيون في بلاد لجوئهم بـ«تراجع التمويل» الذي كانت تتلقاه من الولايات المتحدة المموّل الرئيسي، تقريباً، للوكالة.
لكن مدير الوكالة بيار كرانبول كان أكثر وضوحاً عندما عزا خفض الولايات المتحدة مساهمتها في الوكالة إلى حسابات سياسية لا إلى طريقة عمل المنظمة كما كانت قد أشاعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. السياسة هي السبب المباشر. لا أسباب تعلو فوق أزمة توتر العلاقات بين السلطتين الأميركية والفلسطينية.
أثر الخفض يظهر جلياً في تراجع عددٍ من الخدمات، ولا سيما تلك المتعلقة بالصحة والتعليم. وهاتان خدمتان أساسيتان يعوّل عليهما اللاجئون. إذ يتابع نحو 115260 طالباً وطالبة دروسهم في مدارس الـ«أونروا» ويستفيد نحو 3,1 ملايين شخص من خدماتها الصحية في بلدان اللجوء الفلسطيني. في ظل هذا الواقع المستجد كيف يمكن هؤلاء أن يكملوا حياتهم مع تراجع ــــ وحتى غياب ــــ أكثر الحاجات ضرورة؟
لا يخصّ الجواب بلداً وحده ولكن للبنان خصوصية هنا إذ يحتضن الكثير من اللاجئين الذين يختبرون في كل يوم نقصاً في جوانب الحياة سواء في طريقة عيشهم أو في ما يصل إليهم من خدمات. لا حاجة للوصف. تكفي يد «أبو شفيق» عضو الهيئة القيادية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الموجهة نحو أحد بيوت المخيم لفهم ما يعيشون. يسأل: «هاد منظر بني آدمين عايشين هون؟». يقول بثقة إن ما يحدث «ما هو إلا خطوة تمهيديّة لإلغاء الأونروا التي تُعَدّ الشاهد الوحيد على نكبتنا».
حال مستشفى حيفا في مخيم البرج نموذج يفنّد تداعيات القرار الأميركي. أهل المخيم يجدون في تسمية «مستشفى» نوعاً من البذخ. بالنسبة إليهم هيئته توحي بالمرض أكثر من الصحة. معظم جدرانه المتصدّعة بهُت لونها، فبدت كمشهد تلوين طفل لباب بيته بألوان مبعثرة. كل الاختصاصات الطبية متوافرة في المستشفى، ولكن ما فائدتها إن كان سكان المخيم لا يستطيعون القيام بأي فحوص أو تحاليل طبية من دون أن تكون «الأونروا» سنداً. فهم مضطرون للرجوع إلى الوكالة، في كل شاردة وواردة للحصول على تحويلاتٍ من شأنها التخفيف من كلفة العلاج.
هذا الرجوع بات «مكلفاً» مع جولة الخفوضات الجديدة. في السابق، كان يفترض بالمريض تقديم طلب إلى الـ«أونروا» قبل موعد إجراء الفحوص التي ينوي القيام بها بـ15 يوماً. اليوم أصبحت العملية أكثر صعوبة بسبب «عجز» الوكالة. العجز طاولت تأثيراته أيضاً العاملين في الوكالة. إذ عمدت أخيراً إلى خفض عدد العاملين من أطباء وعمّال مياومين وموظفين عاملين في مكتب الإدارة المركزية. أدّى ذلك إلى عرقلة عملية التواصل بين الوكالة واللاجئين المستفيدين من خدماتها.
وأدى أيضاً إلى تراجع المستوى الخدماتي للوكالة تالياً. يروي أحد المستفيدين أنه كان يقصد المركز الرئيسي لتسلّم دواء السكري كل شهر، وكان الأمر يستغرق «ربع ساعة بالكتير»، صار اليوم يستغرق أكثر من ساعة ونصف ساعة بسبب قلّة الموظفين (من عمال وإداريين وأطباء). ضعف الخدمات في المستشفى يدفع السكان للجوء إلى مركز لإحدى الجمعيات التي تملك آلات أفضل من تلك الموجودة في «حيفا».
طاول النقص «الصحة». صار الحصول على أبسط مقومات البقاء صعباً. ولكن، ليست الصحة وحدها. الناس هنا في مخيم البرج يعانون من كل شيء. أهالي هذا المخيم الذي يضم نحو 36000 نسمة في مساحة لا تتجاوز الكيلومتر المربع الواحد، 16000 منهم من الوافدين، وخصوصاً من سوريا، سبق أن تلقوا وعوداً كثيرة بتحسين البنى التحتية للمخيم وظروف القاطنين فيه، إلا أن الوعود بقيت في الهواء. يتساءل الناس: أين تذهب الأموال التي تأتي باسمهم؟ ولا يملكون جواباً. حتى إن إيجارات البيوت بدأت تتحول إلى مشكلة حقيقية، إذ إن البيت الذي يضم غرفة ومطبخاً وحماماً بات إيجاره اليوم، مع النزوح، مئتي دولار. هذا ليس كل شيء. تأتي بعض الجمعيات إلى المخيم لتحسّن البيوت، فيرفع أصحابها بدل إيجارها لكونها صارت جيدة نوعاً ما. وهذا ليس كل شيء أيضاً. ثمة أمور كثيرة سبقت الخفض الأخير الذي زاد الطين بلة إضافية.
لكن ما السبب لكل هذا؟ يرى المسؤول في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان مروان عبد العال أن «إضعاف قيمة الدعم الذي تتلقاه الوكالة هو السبب الرئيسي لاتجاهها نحو اتباع سياسة تقشف في التقديمات والخدمات» محذّراً من أن «استمرار هذا الوضع سيسبّب أزمة كبيرة مع نهاية العام الجاري».
يتحدّث عبد العال عن «التداعيات الأخطر» لهذا الخفض فيشير إلى أن «الهدف من وراء ما يجري هو إضعاف وكالة الأونروا التي تُعنى بقضية اللاجئين الفلسطينيين التي تُعَدّ بدورها قضية سياسية بامتياز تمهيداً لإلغائها نهائياً للدخول في مشروع توطين للاجئين الفلسطينيين». عندها يصبح «اللاجئون مواطنين عاديين في الدول التي لجأوا إليها، فتُلغى فكرة العودة وتترك فلسطين إلى العدو». يختتم عبد العال حديثه بالقول: «الحل لهذه الأزمة يكمن في تدخّل مجموعة دولية غير خاضعة للتأثير الأميركي لإيجاد مصادر تمويل بديلة من تلك التي بدأت تحدّ من مساهماتها تدريجاً».
لكن ماذا عما تقوله «أم الصبي» هنا؟ ماذا تقول الوكالة عما يجري؟ وإلى أين؟ تقول مديرة قسم الإعلام في الأونروا هدى سمرا بدبلوماسية مبالغ فيها إن «القرار الأميركي بخفض التبرعات لهذا العام هو قرار سيادي خاص بالولايات المتحدة كدولة وهم وحدهم يستطيعون الإجابة عن أسباب قرارهم. والوكالة تبذل جهوداً كبيرة بالتنسيق مع الأمم المتحدة والدول الداعمة والمضيفة للاجئين لثني الإدارة الأميركية عن قرارها».
لا يسمن الردّ ولا يغني عن جوع. الظروف الحياتية الصعبة مستمرة وإن لم تكن بالأمر الجديد على اللاجئين الفلسطينيين. لكن الأمر يتجه ليصبح أكثر خطورة بسبب العجز المالي الآخذ في الاتساع. هذا العجز الذي يأتي كل مرة ليضرب بعضاً من الحياة التي بناها اللاجئون بلحمهم الحي.
زينب إسماعيل
المزيد في هذا القسم:
- أشكال التطبيع العِلمي ورفضه بين تونس وإسرائيل المرصاد نت - متابعات جرائم إسرائيل في حق العُلماء والباحثين من اغتيالات وتصفيات متنوّعة تثير ردود فعل في سياق رفض التطبيع وحملة المقاطعة الأكاديمية. في مجم...
- كم مرة هزم الرئيس الأسد واشنطن… أسرار الانتصار بالتفاصيل؟ المرصاد نت - متابعات بدأت عملية غزو العراق في 20 آذار/مارس 2003م من قبل قوات الائتلاف بقياده الولايات المتحدة الأمريكية عندما كان جورج دبليو بوش هو الرئيس الأ...
- تناغم روسي ـــ صيني في أميركا اللاتينية: احتواء النفوذ الأميركي عن قرب ! المرصاد نت - متابعات تشهد دول الجنوب الأميركي نشاطاً روسياً ـــ صينياً لافتاً، تنامى كثيراً في أعقاب تصاعد الهجمة الأميركية على كلّ من فنزويلا وكوبا. وعلى رغم...
- مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب يدعو الوقوف مع مظلومية الشعب البحريني المرصاد نت - خاص دعي الامين العام لمركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب الاستاذ محمد صفا اليوم الي الوقوف مع مظلومية الشعب البحريني ضد الاجراءت التعسفية التي ...
- النزعة الحربية لترامب في غرب آسيا .. رؤية تحليلية المرصاد نت - متابعات من الأمور التي أثارت اهتمام المراقبين بعد تسلم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مهام عمله في 20 كانون الثاني/يناير 2017، هي رؤيته بشأن الأو...
- الجيش اللبناني يستهدف مواقع جبهة النصرة شمال شرق لبنان المرصاد نت - متابعات استهدفت قوات الجيش اللبناني تجمعات للعصابات الإرهابية المسلحة قرب الحدود مع سوريا في شمال شرق لبنان، واوقعت إصابات مباشرة بصفوفهم . وق...
- الرئيس الأمريكي: سنطرد 3 ملايين لاجئ أو سنزج بهم في السجون المرصاد نت - متابعات قال دونالد ترامب الرئيس الأميركي أن امريكا ستقوم بطرد ثلاثة ملايين لاجئ غير شرعي وبشكل فوري عقب توليه مهام منصبه في العشرين من يناي...
- ماذا يفعل الجبير في واشنطن ..وهل تغيرت الأولويات السعودية؟ المرصاد نت - رآي اليوم تشعر السلطات السعودية بحالة من القلق من جراء فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الامريكية الأخيرة لان الرجل اظهر اثناء حملته الانتخاب...
- واشنطن ترفع العقوبات عن السودان وتبقيه على قائمة "رعاة الإرهاب" المرصاد نت - متابعات رفعت الولايات المتحدة الأميركية أول أمس الجمعة عقوبات مفروضة منذ فترة طويلة على السودان مشيرة إلى أنّ حكومة الخرطوم أحرزت تقدماً في محارب...
- كاتب في صحيفة أمريكية: الإعلام الغربي يزور الحقائق عن سورية المرصاد نت - متابعات أكد الكاتب مارك تاليانو في صحيفة “ذا أميركان هيرالد تريبيون” الأمريكية أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تعمل للتأثير على الرأي...