المرصاد نت - متابعات
زُرعت شجرتان «سياسيتان» الأسبوع الماضي الأولى في البيت الأبيض تشارك في غرسها في التراب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونظيره الأميركي دونالد ترامب.
الثانية، غُرست رمزاً للسلام والازدهار بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية خلال القمة التاريخية التي جمعت البلدين.
زرع الشجر في مثل هذه الأحداث السياسية والتاريخية يحمل العديد من الرموز وليس أمراً عابراً أو محاولةً للفت نظر الإعلام والرأي العام، فالأمر يعود إلى مئات السنين وقد تغيّرت رمزياته وحيثياته على مرّ العصور.
قبل العودة إلى معاني شجرتيّ ماكرون والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لا بدّ من المرور على أبرز المعاني السياسية التي يحملها غرس الأشجار إذ بجذورها العميقة ونموّها البطيء والعمودي الشجرة هي موضوع سياسيّ بامتياز.
في البداية هي منح «سبب للحياة» أو إعادة إحياء ما كان على طريق الموت، بطريقةٍ بسيطة وبأدواتٍ وموارد بسيطة وجهد جسدي. وهذا معنى يمكن اقتباسه من «رواية (الكاتب الفرنسي) جان جيونو ــ الرجل الذي يزرع الأشجار ــ وهي قصة فلّاح فقير يزرع غابةً في منطقة الألب في الفترة ما بين الحربين العالميتين»، كما يشير مقال في «لو فيغارو».
بالإضافة إلى كونها تمثّل الرغبة في الحياة والاستمرارية فإن نموّها البطيء ومعاصرتها لأجيالٍ عديدة يجعلها رمزاً للمستقبل أيضاً. من هنا، فإنّ غرس شجرةٍ في حدثٍ سياسي ما، يدلّ على رغبة السياسي أو سعيه لمنح طابع الاستدامة والاستمرارية لسياساته إذ سيموت السياسيون والقادة لكن الشجرة ستبقى رمزاً لما حاولوا تحقيقه.

الحريّة معنى سياسي آخر يمكن أخذه من زرع الشجر رمزية اكتسبتها الأشجار من زمن الثورة الفرنسية عام 1789 حينما زُرعت كرمزٍ للثورة والحرية وهي خطوة مستوحاة من فعلٍ مماثل حصل إبان الاستقلال الأميركي عام 1787. قال الرئيس الأميركي توماس جيفرسون حينها إن «شجرة الحرية يجب أن يعاد إحياؤها من وقت إلى آخر، بدماء الوطنيين والطغاة».
أعطى الشاعر والأديب الفرنسي فيكتور هوغو لزرع شجرة الحرية في باريس عام 1848 معنى دينياً حيث رأى أن أوّل «شجرة حرية» زُرعت قبل 1800 عام «من قبل الله نفسه في الجلجلة. أول شجرة حرية هي صليب المسيح الذي ضحى بنفسه من أجل الحرية والمساواة والأخوة (مبادئ الجمهورية الفرنسية) بين البشر» في إشارةٍ إلى صلب المسيح وآلامه.
رمزٌ آخر منحه القائد النازي أدولف هتلر للشجرة، عندما قدّم شجرة صنوبر يافعة للرياضيين الفائزين في الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936. مثّلت تلك الأشجار «الصورة الجميلة للشخصية الألمانية والقوة الألمانية والقدرة الألمانية والضيافة الألمانية».
بالنسبة إلى الأنظمة الملكية قد يشير زرع الشجرة إلى الشرعية والتوريث. عُلوّها يرمز إلى الرابط بين الإلهي والأرضي في إشارة إلى السلطة الإلهية التي حكم على أساس الملوك خلال القرون الوسطى في أوروبا أما جذورها فهي الدلالة على الاستمرارية العائلية بالإضافة إلى رمزها إلى السلطة والشرعية.
تلك المعاني تنطبق على العالم السياسي اليوم، فقادة العالم يبحثون عن الاستمرارية لسياساتهم، بالإضافة إلى الشرعية، لكن أحياناً، تتخذ عملية غرس الأشجار رمزية تاريخية، تأتي من استذكار حدثٍ تاريخي معيّن يؤكد على الصداقة بين البلدين، أو لرسم مسار تاريخي جديد.
شجرة كيم... «للسلام»

بالإضافة إلى ذلك الصنوبر شجرةٌ محبوبة جداً لدى الشعب الكوري ما يعطيها بعداً عاطفياً. استخدم في زراعة شجرة السلام تراب من كلا البلدين، وسكب كيم مياهاً من نهر في كوريا الجنوبية على التراب، فيما استخدم مون مياهاً من نهر تاي دونغ في كوريا الشمالية. الطابع الإيجابي السلمي الذي تحمله شجرة الصنوبر الكورية قد يكون من ناحيةٍ ثانية، بمثابة توجيه رسالةٍ إلى الولايات المتحدة. السبب في ذلك يعود إلى أنه في آب 1976، قام جنود أميركيون ممن كانوا جزءاً من بعثة الأمم المتحدة في المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين بقطع أغصان شجرة صنوبر لأنها كانت تحجب الرؤيا عنهم.
الخطوة استفزت الكوريين الشماليين الذين يقولون إن الشجرة قد زرعت من قبل كيم إيل سونغ مؤسس كوريا الشمالية. رداً على الاستفزاز الأميركي، قام جنود من كوريا الشمالية بقتل الكابتن الأميركي آرثر بونيفاس، وجندي آخر ما دفع بوزير الخارجية الأميركي حينها هنري كيسينجر إلى تنفيذ ضربة عسكرية ضدّ كوريا الشمالية بعد نشر 12 ألف جندي أميركي في كوريا الجنوبية. شجرة الصنوبر تلك التي استفزّت الأميركيين تمّ قصفها وتدميرها بالكامل.
شجرة ماكرون... شجرة الحرب الأولى
مع أنها اختفت من باحة البيت الأبيض، ليعاد زرعها في الخريف لأن فرص نموّها أكبر إلّا أن لشجرة البلوط التي أهداها ماكرون للرئيس الأميركي دونالد ترامب وتشاركا بغرسها فيما وقفت ميلانيا ترامب وبريجيت ماكرون تراقبان العملية عن كثب تاريخٌ خاص أيضاً يجعل منها رمزاً لعمق العلاقة التي يرغب ماكرون بتحقيقها مع واشنطن. بعيد زرع الشجرة نشر الرئيس الفرنسي فيديو على حسابه في موقع «تويتر» معلقاً عليه بالقول إنه «منذ 100 سنة حارب الجنود الأميركيون في فرنسا للدفاع عن حريتنا وهذه الشجرة ستبقى ذكرى في مركز البيت الأبيض عن هذه العلاقة التي توحدنا مع بعض».
وفق الرئاسة الفرنسية فإن هذه الشجرة مأخوذة من موقع معركة رئيسية في الحرب العالمية الأولى حيث تصدَّت مشاة البحرية الأميركية لهجوم ألماني في العام الأخير من الحرب قبل 100 عام. الشجيرة نمت قرب نافورة «دفل دوج» وهو موقع أصبح أسطورياً بين صفوف مشاة البحرية إذ تردّد أن الجنود الأميركيين تجمّعوا فيه بعد المعركة التي دارت في حزيران عام 1918 في «بلو وود» على مسافة نحو 100 كيلومتر شمال شرقي باريس في منطقة شامباني. إشارة ماكرون إلى مشاركة الجنود الأميركيين في تلك المعركة للدفاع عن «حريّة» فرنسا، هو بمثابة تأكيد على عمق الحلف الحالي الذي يجمع البلدين، والذي لا يقتصر على السياسة فقط بل يمتدّ إلى الاقتصاد والدفاع أيضاً.
المزيد في هذا القسم:
- موسكو وبكين: تعزيز العملة الوطنية بمواجهة الدولار المرصاد نت - متابعات تسعى موسكو وبكين إلى تعزيز استخدام العملات الوطنية في التجارة بين البلدين والتي بلغت العام الماضي قرابة 90 مليار دولار في خطوة تهدف إلى ا...
- الجيش السوري يدخل بلدة المضيق وقلعتها الأثرية وانهيار كامل لدفاعات المسلحين! المرصاد نت - متابعات سيطر الجيش السوري صباح أمس الخميس على بلدة المضيق وقلعتها الأثرية شمال غرب حماة بعد معارك عنيفة مع الجماعات المسلحة مع استمرار التقدم بات...
- طهران تجدّد مبادرتها الخليجية من الكويت وتحذر واشنطن من التعرّض للناقلة الإيرانية! المرصاد نت - متابعات استكملت سفينة «أدريان داريا»، الاسم الجديد لـ«غرايس 1» الإيرانية إجراءاتها اللوجستية التي من بينها تغيير الاسم ورفع العلم الإيراني بدلاً ...
- الإمارات ... عقدان من الخيانة للقضية الفلسطينية! المرصاد نت - متابعات كشفت صحيفة "معاريف" الاسرائيلية تفاصيل جديدة عن العلاقات الخاصة والتعاون الأمني والاستخباري بين الكيان الإسرائيلي وأبو ظبي موضحة أن العلا...
- تونس بين قوارب الموت وهجرة الكفاءات المرصاد نت - متابعات مثلها مثل الانقطاع المبكر عن الدراسة والفساد أصبحت الهجرة ظاهرة إجتماعية بارزة في المجتمع التونسي. لكن هذه الظاهرة تناولت زاويتين هجرة غي...
- الجيش اللبناني يعيد فتح معظم الطرق التي أغلقها المحتجون! المرصاد نت - متابعات أعادت عناصر الجيش اللبناني اليوم الإثنين إعادة فتح كل الطرق التي عمد المحتجون إلى قطعها في مختلف المناطق اللبنانية من البقاع إلى الشمال و...
- لبنان: إعلان حالة الطوارئ مالياً وحكومة بلا الحريري وباسيل! المرصاد نت - متابعات دخل لبنان مرحلة بالغة الخطورة من الناحية المالية. أمس استسلمت المصارف أمام حاكم مصرف لبنان لعجزها عن تلبية طلبات المودعين الكبار بتحويل ن...
- تل ابيب تقر بتصديرها اسلحة لدول تقوم بابادة عرقية المرصاد نت - رآي اليوم اعترف رئيس “دائرة مراقبة الصادرات الأمنية” في وزارة الأمن الإسرائيليّة دوبي لافي أنّ تل ابيب تقوم بتصدير أسلحة إلى دول غير د...
- الامم المتحدة: تهجير 30 الف شخص جراء أعمال عنف في بورما المرصاد نت - متابعات اعلنت الامم المتحدة الجمعة ان اعمال العنف في ولاية راخين غرب بورما حيث تتمركز اقلية الروهينغا ادت الى تهجير حوالى 30 الف شخص واسفرت عن عش...
- السعودية تعيش حالة من الصدمة.. والسبب؟ المرصاد نت - متابعات مع مرور الوقت تحولت أحلام وخطط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى كوابيس متعددة هذه الخطط التي بدأت في العام 2016 حين أعلن عن رؤيته الاق...