في ذكرى ثورة 23 يوليو/تموز.. الناصرية مقاومة وثورة

المرصاد نت - متابعات

نتّفق أو نختلف مع الثورة المصرية التي أنهت النظام الملَكي في مصر يوم 23 تمّوز/يوليو 1952، ولكن تظلّ ثورة مقاوِمة للاستعمار والصهيونية، ولابدّ من قراءة المشهد الذي Naseer2018.7.24قامت فيه الثورة من خلال تاريخها وظروفها، لا في تاريخ اليوم،  فالمشهد العالمي والإقليمي كان يُحتّم وقوع انقلاب من الجيش المصري ضد النظام الملَكي، وقد تحوّلت الثورة العسكرية خلال أقل من شهرين عندما تم إلغاء الألقاب مثل الباشا والبيه والأفندي، وإلغاء الامتيازات الأجنبية والإقطاعية، وتأسيس الإصلاح الزراعي، وكله تم بعد شهرين فقط من نجاح ضبّاط الثورة.

كانت الحرب العالمية قد انتهت قبل الثورة بسبع سنوات أي عام 1945، خرجت منها الولايات المتحدة الأميركية زعيمة العالم الرأسمالي الغربي، المؤيّد للصهيونية، فورِثَت الاستعمار البريطاني/الفرنسي وهنا رحل الملك السعودي المؤسّس عبد العزيز آل سعود إلى مصر حيث التقى بالرئيس الأميركي روزفلت في باخرته عند البُحيرات المرّة في قناة السويس عند عودته من مؤتمر طهران عام 1945، وعقد اتفاقية الحماية المشهورة للعرش السعودي مع أميركا بدلاً من بريطانيا التي كانت قد وقّعت مع السعودية اتفاقية دارين عام 1915، بعدها حدثت الهزيمة للجيوش العربية أمام الكيان الصهيوني عام 1948.

وخلال تلك الفترة، كان الشعور الوطني القومي جارِفاً في مصر، شَعَرَ الضبّاط بأنهم دخلوا في حربٍ بلا استعداد سياسي أو عسكري، وأن الصهيونية باتت على الحدود الشرقية لمصر، وعلى الحدود الأخرى مع سوريا ولبنان وشرق الأردن، وأن الاستعمار الغربي يدعم الصهيونية بكامل قوّته، يساعده ما عُرِف في ما بعد بـ "ساحة الرجعية العربية"، وهو مُصطلح أطلقه الرئيس جمال عبد الناصر في الستينات على الدولة السعودية، وقامت عدّة ثورات في المنطقة، ثورة حسني الزعيم في سوريا 1949 - ثورة الفدائيين في مصر عام 1950 و1951، ضد الاحتلال البريطاني عند قناة السويس - استقلال ليبيا عام 1951 – وصول الدكتور محمّد مصدق لرئاسة الوزراء في إيران رغماً عن نظام الشاه 1951، كلها كانت إرهاصات أن مصر ليست بعيدة عن التغيير الراديكالي، وهو ما حدث في تمّوز/يوليو 1952، وبعدها بعامٍ واحدٍ قام محمّد مصدق بتأميم النفط الإيراني في آب|أغسطس 1953، وهو التأميم الذي ألهمَ عبد الناصر تأميم قناة السويس عام 1956، صحيح أن المخابرات المركزية تدخّلت في إعادة الشاه إلى العرش ومُحاكمة محمّد مصدق، ولكن الشعور الشعبي الإيراني ظلّ ثورياً، داعِماً لثورة جمال عبد الناصر، خاصة وأن عبد الناصر اعتبر الشاه البهلوي عدواً، لأنه حليف الاستعمار وصهر الملك المخلوع فاروق، وكلاهما نظام طاغوتي مُتحالف مع القوى الاستعمارية الصهيونية، وهو نفس الوصف الذي أطلقه على النظام السعودي كساحةٍ للرجعية كما قلنا آنفاً.

بعد أربع سنوات، أي عام 1956 تمكّنت مصر بقيادة جمال عبد الناصر من تأميم قناة السويس، وبالتالي قام العدوان الثلاثي في نفس العام، وانتهى الأمر بنصرٍ سياسي كبير، قامت كل شعوب الأرض تدافع عن مصر، وأعلن عبد الناصر عداءه للاستعمار والصهيونية، أعلن القومية العربية، ولكنه أيّد كل الثورات في العالم العربي والإسلامي والأفريقي الآسيوي، ثورة الجزائر – ثورة اليمن – الثورات في الدول الأفريقية والآسيوية، كما ساعد ثورة المدرسة الفيضية في قُم بقيادة الإمام الخميني عام 1963، إعلامياً ومعنوياً - أسهم في إسقاط حلف بغداد عام 1958، ويمكن تفسير تشجيع عبدالناصر لحركات التحرّر، وإرسال المُدرّسين المصريين لتعليم أبناء الدول العربية، بأنه كان يؤمن أن مساعدة الدول العربية على الدخول في عصر النهضة أمر مفيد جداً لمصر، وأن استمرار تخلّف الدول العربية واستمرار وقوعها في قبضة الاستعمار أمر يضعف مصر، وأن نهضة المسلمين والأفارقة يُعضِد مصر الجغرافيا والتاريخ، وضد الاستعمار على طول الخط.

ومن الفكر الثوري المقاوِم للرئيس عبد الناصر توسعة ودعم دار التقريب بين المذاهب الإسلامية برئاسة شيخ الأزهر محمود شلتوت ومعه الشيخ الإيراني محمّد تقي الدين القمّي، في إشارة إلى وحدة المسلمين ضد الأطماع الاستعمارية، كما ظلت مجلة "رسالة الإسلام" تصدر عن دار التقريب حتى توقّفت عند المد السعودي|الوهّابي في مصر عام 1976، ومن الأمور اللافتة في فكر الرئيس عبد الناصر المُقاوِم أنه عندما قام العدو الصهيوني بإحراق المسجد الأقصى عام 1969، كان يرى الأخذ بفتوى الإمام روح الله الخميني بعدم ترميم أو طلاء المسجد الأقصى، لكي لا يضيع أثر الجريمة للأجيال التالية، ولكنه عبد الناصر مات عام 1970 وقامت لجنة القدس برئاسة الملك الحسن الثاني بإخفاء الجريمة الصهيونية، بعد أن تم ترميم آثار الحريق، والمُدهش أن عبد الناصر قابل الشيخ المشهور الذي اختفى في ليبيا القذافي السيّد موسى الصدر، قابله عام 1968 ، وطلب منه الصدر أن يزور الجنود المصريين على جبهة القتال عندما كان يستعدّ لخوض الحرب التي تحقّقت عام 1973، وذهب السيّد الصدر وخطب في الجنود وألهبَ حماسهم، فالرئيس عبد الناصر كان يُفكّر بالفعل في وحدة الأمّة الإسلامية، ليكون المشروع المقاِوم فرصة للتوحّد، والنتيجة أن تحالفت عليه كل قوى الشر، الغرب الصهيوني والرجعية العربية، ومن ثم نجد أنه رغم كل الانتقادات الداخلية في مصر لجمال عبد الناصر، نجد الأجيال الجديده ترفع صورته في تظاهرات الثورات، ومن المفيد أيضاً أن نقول إن قبيلة "الحوثيين" اليمنية من أهم القبائل الداعِمة للجيش المصري في اليمن، ولذلك فقد رفعوا صورة الرجل، الذي انتصر في القلوب والعقول المقاوِمة قبل أن ينتصر أو ينهزم في المعارك.

وللمُقارنة نجد أن إيران تحوّلت للنظام الثوري المقاوِم عام 1979 بعد نجاح الثورة الإسلامية، وفي نفس العام كانت تنسحب مصر من الثورية، للرجعية، بعد أن وقّعت اتفاقية السلام "كامب ديفيد"، في نفس العام 1979، مع العِلم أن العدو هو العدو والرجعية هي الرجعية، تبدّلت المواقف الثورية المقاوِمة فقط.

وبمناسبة ذكرى ثورة تموز- يوليو المصرية، نعتقد أن النظام الثوري المقاوِم في إيران استفاد من دروس الضعف في المشروع الناصري، وأهمها عدم الانسياق وراء أية دعوة تصالحية مع العدو الاستكباري أو الحليف الخليجي، حتى لا يكون مكتوباً على جبين الأمّة عدم الوحدة بسبب التحالف الخليجي القديم منذ موقعة الأحزاب في العصر النبوي، وحتى اليوم في التحالف الخليجي ضد اليمن، الذي كان سعيداً في يوم من الأيام..

علي أبو الخير - كاتب مصري.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية