روسيا وإسرائيل: «حق الرد» ثم أسف في تل أبيب... فترطيب أجواء

المرصاد نت - متابعات

بعد ساعات قليلة على الاعتداء الصاروخي الذي طاول مواقع عسكرية في محيط مدينة اللاذقية أول من أمس تحوّل الاهتمام نحو أنباء اختفاء طائرة استطلاع روسية كانت في أجواءfly Roussia2018.9.19 الساحل السوري. الخبر الذي نقلته بداية وسائل إعلام روسية عن مصادر عسكرية، أشار إلى وجود 4 مقاتلات حربية إسرائيلية قرب الطائرة ورَصدِ إطلاق صواريخ من فرقاطة فرنسية متمركزة في شرق البحر المتوسط، من دون تحديد طبيعة تلك الصواريخ. طيف من الشارع السوري الذي لم ينم متابعاً تطورات ليلة السابع عشر من أيلول تلقّف خبر سقوط الطائرة الروسية بمزحة عن إصابتها بواحد من صواريخ الدفاع الجوي التي أطلقت بكثافة غير اعتيادية وقتها، قبل أن يخرج تعليق من مصدر عسكري أميركي (غير محدد الاسم) عبر شبكة «CNN» يقول إن الطائرة أسقطت بنيران «مدفعية مضادة للطائرات» خاصة بالجيش السوري التحليلات الكثيرة لأسباب الحادثة غطّت على أخبار الاعتداء نفسه والمواقع التي استهدفها ولا سيما بوجود 15 عسكرياً روسياً على متن الطائرة.

وبقي هذا الجدل حتى صباح أمس حين حسمته وزارة الدفاع الروسية عبر بيان أكد سقوط الطائرة بصاروخ من منظومة «S-200» السورية بعدما استغلت المقاتلات الحربية الإسرائيلية (من طراز F-16) وجودها لتنفيذ الغارات. البيان الروسي كان واضحاً في تحميل إسرائيل مسؤولية هذه الحادثة مؤكداً أن المقاتلات احتمت بالطائرة هرباً من صواريخ الدفاع الجوي وهو ما أدى إلى إصابة الطائرة وسقوطها في البحر خلال استعدادها للهبوط في قاعدة حميميم الجوية ليبقى سبب وجود الفرقاطة الفرنسية وذكرها في البيان الأول لوزارة الدفاع غير معروف حتى الآن.

الاعتداء الإسرائيلي على اللاذقية الذي يهدف - بجانب أهدافه العسكرية المباشرة - إلى رسم معادلة جديدة تتيح استهداف كامل الجغرافيا السورية بحجة مكافحة «الوجود الإيراني»، جاء غيرَ سابقاته مخالفاً للقواعد التي وضعتها روسيا وإسرائيل لتنسيق العمليات الجوية فوق سوريا. إذ أكدت وزارة الدفاع الروسية أن الجانب الإسرائيلي أبلغ قواتها بالهجوم قبل دقيقة واحدة فقط من بدئه وهو ما لم يترك مجالاً لإبعاد الطائرة من أجواء العمليات المفترضة.

سوء التنسيق هذا المقصود أو غير المقصود استدعى سلسلة طويلة من الاتصالات بين موسكو وتل أبيب بعد بيان للمتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية اعتبر أن ما جرى هو «تصرف عدائي وممارسة لا مسؤولة من قبل الطيارين الإسرائيليين سبّبت مقتل 15 عسكرياً روسياً» مضيفاً أن بلاده «تحتفظ بحق الرد بالإجراءات المناسبة» وحضرت اللهجة ذاتها في كلام وزير الدفاع سيرغي شويغو في مكالمة هاتفية مع وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إذ أكد أن روسيا «لن تترك مثل هذه التصرفات دون ردّ».

وبعد استدعاء وزارة الخارجية الروسية للسفير الإسرائيلي لدى موسكو لبحث تطورات الحادثة، ناقش الرئيس فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ملابسات الحادثة وتبعاتها عبر الهاتف. ووفق المعلومات التي نقلتها وكالة «تاس» أكد نتنياهو ضرورة تعزيز «التنسيق الميداني» بين روسيا وإسرائيل لـ«تجنب الخسائر لدى الطرفين»، معرباً عن أسفه لسقوط ضحايا في صفوف العسكريين الروس. التوجه نفسه ورد في حديث بوتين الذي قال في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الهنغاري أمس أن رد موسكو على حادثة سقوط الطائرة سيكون عبر «تعزيز أمن الأفراد والمنشآت الروسية في سوريا وهذا ما سيلحظه الجميع» مشيراً إلى أنها جاءت «نتيجة سلسلة من الأحداث المأساوية» ولا يمكن مقارنتها بحادثة إسقاط تركيا لمقاتلة روسية في عام 2015. غير أن الرئيس الروسي أشار خلال الاتصال إلى أن عمليات سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا تعد «انتهاكاً لسيادة الدولة».

اللافت في ردود الفعل أمس على الحادثة كان تساوق التصريحات الأميركية والإسرائيلية في إقحام «النشاطات الإيرانية» على رأس قائمة الأسباب. فمع تأكيد نتنياهو أن إسرائيل مصممة على وقف ترسّخ إيران عسكرياً في سوريا» جاء بيان الجيش الإسرائيلي ليحمّل كلاً من إيران وحزب الله المسؤولية عن إسقاط الطائرة مبرراً ذلك بأن مقاتلاته كانت تستهدف «منشأة للجيش السوري تنتج أسلحة دقيقة وفتاكة كانت تُعَدّ بالنيابة عن إيران لتنقل إلى حزب الله».

وبالتوازي أعربت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أصدرته أمس عن أسفها لموت طاقم الطائرة الروسية معتبرة أن الحادثة تؤكد ضرورة «إنهاء النزاع السوري ضمن إطار قرار مجلس الأمن 2254 وإنهاء النشاط الإيراني في نقل منظومات أسلحة عبر سوريا، بشكل يهدد المنطقة». كذلك زعم بيان الجيش الإسرائيلي أنه «حين أطلقت الدفاعات الجوية السورية الصواريخ التي أصابت الطائرة الروسية، كانت المقاتلات الإسرائيلية قد وصلت إلى أجواء إسرائيل» وهو ما يناقض الرواية الروسية عن ملابسات إصابة الطائرة وسقوطها في البحر. وأفادت وكالة «تاس» بأن أحد القادة في سلاح الجو الإسرائيلي سيتوجه إلى موسكو حاملاً معه كامل التفاصيل حول النشاط الجوي لمقاتلاته في ليلة 17 أيلول.

روسيا و«طائرتها»: لا نبحث عن أخصام 

حالة الاستنفار الدبلوماسي والإعلامي الروسية بعد تحميل موسكو تل أبيب مسؤولية إسقاط مروحيتها مقابل شواطئ اللاذقية خفتت حدّتها مع مرور نهار أمس. روسيا التي توظّف طاقاتها وعلاقاتها لحماية ما أسّست له منذ تدخّلها في سوريا في أيلول من عام 2015 لا تبحث عن خصم جديد. تدير العلاقة مع أعداء دمشق وأخصامها على نحو يبقي كعبها العالي في الساحة السورية من دون تحطيم هؤلاء هذا المسار تظهّر على نحو واضح مع تركيا ما بعد إسقاط طائرة السوخوي فوق ريف اللاذقية وصولاً إلى تفاهمات أستانا.

هذه العلاقة أبقت على دور أنقرة لكنها أضحت لاعباً ثانوياً مقارنة بموسكو. ومع إسرائيل أيضاً لم تقف موسكو في وجه ما تعتبره تل أبيب خطوطاً حمراً في ما يخص «التمركز الإيراني» و«نقل سلاح كاسر للتوازن إلى لبنان». لكنها حصّلت بالتعاون مع حلفائها خطوطاً حمراً لم تكن مواتية في السنين الأولى من الحرب: إسقاط الرئيس الأسد ودمشق.

كذلك استطاعت دمشق أن ترسم مسار تحرير جزء ضخم من المدن والأرياف رغم التهديدات الأميركية والإسرائيلية والتركية. عملياً وبالعودة إلى عدوان أول من أمس وتداعياته فإن موسكو لن تعتبره مطلقاً «حادثاً عرضياً»، لكنها أيضاً لن تتعامل معه كاعتداء يولّد توتراً وخصومة. هي ستظهّر ردّ فعلها في غير اتجاه ولا يتصل فقط بتل أبيب. هذه الأخيرة ستبقي (كما أكد رئيس وزرائها أمس) على طبيعة عملها العدواني في الأجواء السورية أما موسكو فهي ستستفيد من فرصة تعزيز حضورها العسكري «وهذه الخطوات سيلاحظها الجميع» حسب قول فلاديمير بوتين أمس. وفي هذا السياق ستكون الرسالة مسموعة في واشنطن على نحو أكبر فالإدارة الروسية أمامها اليوم «حائط» أساسي تجاه مخططاتها في سوريا يتمثّل بالولايات المتحدة.

دعم واسع لـ«اتفاق إدلب»

لقي إعلان الاتفاق الروسي - التركي على إنشاء منطقة «منزوعة السلاح» في إدلب ومحيطها ترحيباً من كل من دمشق وطهران والأمم المتحدة. وأكد مصدر في وزارة الخارجية السورية أن «الاتفاق كان حصيلة مشاورات مكثفة بين الجمهورية العربية السورية والاتحاد الروسي وبتنسيق كامل بين البلدين».

وأشار المصدر إلى أن الاتفاق «مؤطر زمنياً بتواقيت محددة وهو جزء من الاتفاقيات السابقة حول مناطق خفض التصعيد التي نتجت من مسار أستانا». بدوره رحب المبعوث الأممي بالاتفاق خلال إحاطة قدمها أمس خلال اجتماع في مجلس الأمن موجهاً الشكر إلى الرئيسي التركي والروسي على «التزامهما الشخصي بشأن إدلب».

أما تركيا فقد تعهدت على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو بأنه «سيجري إخراج المجموعات الإرهابية فقط من المنطقة المنزوعة السلاح وإخلاؤها من الأسلحة الثقيلة لكن الأسلحة الخفيفة ستبقى بأيدي بعض قوات المعارضة المعتدلة».

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية