المرصاد نت - قاسم عز الدين
يوضح الرئيس الاميركي بشكل متدرّج حجم المبالغ التي يطلبها من السعودية مقابل حمايتها وهو يقدّر ثمن الحماية بمليارات الدولارات. لكنه في واقع الأمر يطلب حرية التصرّف بكل النفط والغاز السعودي وما يقدّر من قيمة شركة " أرامكو" بحدود 2000 مليار دولار كدفعة أولى.
ما يشير إليه الرئيس الاميركي في خطابه أمام جمهوره في ولاية ويست فرجينا هو بمثابة إعلان أميركي رسمي عن انتهاء مرحلة أموال "النفط مقابل الحماية". والاقرار بأمر واقع جديد هو حرية التصرف الأميركي بكل النفط السعودي مقابل الحماية.
المرحلة الغابرة في العلاقة بين أميركا والسعودية المعروفة باتفاق "النفط مقابل الحماية" أقرّها لقاء فرنكلين روزفلت وعبد العزيز على متن الطراد كوينسي في العام 1945. وبذلك ورثت الولايات المتحدة التركة البريطانية في الخليج. وأخذت على عاتقها حماية السعودية من التهديدات الخارجية والداخلية التي يتعرّض لها الحكم.
السعودية لم تسلّم النفط والآبار والمنابع إلى الولايات المتحدة. لكنها سلّمت عائدات النفط على شكل مشتريات السلاح والسلع وعلى شكل تمويل الخدمات والتيارات السياسية والدينية التي تعارض الهيمنة الأميركية. ففي هذا السياق دعمت السعودية حملات حلف بغداد الذي كان يشبه وقتها ما يدعو إليه جاريد كوشنير باسم "الناتو" العربي لتصفية القضية الفلسطينية. وفي السياق نفسه دعمت السعودية قاعدة اسامة بن لادن في أفغانستان والتيارات والجماعات الأخرى التي لا تُحصى في كل أصقاع العالم.
صيغة الحماية الاميركية مقابل عائدات النفط، بدأت بالاهتزاز أثناء ولاية باراك أوباما الثانية حيث أخذت السعودية في التمادي بدعم الحروب بالوكالة بما يفوق الحاجة الاميركية، ولا سيما في العراق وسوريا واليمن. فالرئيس أوباما رأى أن الولايات المتحدة لا يسعها حماية السعودية من التناقضات التي تهدد انهيارها من الداخل. ولهذا دعا أوباما السعودية إلى تغيير أساليب الحكم ودعا الحكم السعودي إلى تحقيق إصلاحات داخلية. وتخلّى بذلك عن جانب من الصيغة القديمة وهو حمايتها من الداخل أيضاً مقابل عائدات النفط.
ترامب يقلب الصيغة رأساً على عقب، في إشارته إلى أن السلاح الذي تشتريه السعودية من الولايات المتحدة والدول الغربية، لا يكفي لحمايتها. فالسعودية ليست بمأمن مقابل تسليم العائدات إنما عليها تسليم ترامب حرية التصرّف في زيادة انتاج النفط السعودي لتغطية حاجة الأسواق المهددة نتيجة العقوبات على إيران. وعليها أيضاً تفجير منظمة الأوبك وتخفيض أسعار النفط، لحماية أميركا والدول الصناعية من الأزمات الاقتصادية التي يمكن أن تتعرّض لها بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز.
ما يطلبه ترامب من ثمن مباشر، يهدّد السعودية بأزمة اقتصادية داخلية خانقة. فما تسميه السعر التعادلي في حسابات ميزانيتها يتجاوز 87 دولاراً للبرميل. وفي حال انخفاض سعر البرميل تغرق الميزانية في عجز دائم. وبينما وصل فائض الميزانية إلى 155 مليار دولار في العام 2008، تغرق الميزانية في عجز يتجاوز 60 مليار دولار في العام 2018. وفي محاولة التخفيف من العجز، يحاول محمد بن سلمان تخفيض نفقات الدولة حوالي 30 مليار دولار، وخوصصة 5% من شركة آرامكو بمبلغ 30 مليار دولار. لكن هذه الحاولة تهدّد الحكم في الداخل حيث يعاني فقراء السعودية من زيادة التقشّف، وحيث يرفض الأمراء التخلي عن امتيازاتهم في ملكية النفط وتقسيمه بين العائلة المالكة.
ترامب يذكّر الملك سلمان بأن ثمن حماية واشنطن للسعودية يتجاوز كثيراً ما تدفعه من مئات المليارات. فهو يصوّب على شركة آرامكو لخوصصة الشركة كلها في بورصة نيويورك، آملاً بتوفير 2000 مليار دولار كدفعة أولى من التصرّف في ملكية النفط والطاقة. ولعل ما يطمح إليه ترامب يفوق هذه المساعي إلى دفع السعودية للخضوع إلى ديون البنك الدولي والمصارف الأميركية والقضاء بذلك على أكبر ميزانية عربية تتجاوز 260 مليار دولار. والافت أن ترامب لم يلوّح بعد بقانون "جاستا" الذي يتحرّك من جديد بعيداً عن الأضواء للتعويض على عائلات 2500 من ضحايا 11 أيلول/ سبتمبر وعلى 20 ألف من المصابين والمؤسسات المتضررة بمئات مليارات الدولارات.
ترامب لا يحمي السعودية من التناقضات الداخلية التي تهدّد أركان الحكم، بل يعمل على تفاقمه. ولا يحمي السعودية من الخارج إنما يدفعها لتهديد دول المنطقة. لكنه يحميها في العدوان على اليمن في قتل اليمنيين وتجويعهم إلى أن يتعرّض ترامب نفسه إلى تهديد داخلي وإنساني ضد الجرائم.
المزيد في هذا القسم:
- أربعون عاماً على احتلال جهيمان العتيبي الحرَم المكّي ! المرصاد نت - متابعات تُعتَبر حركة جهيمان العتيبي من ضمن الحركات المنسيّة في تاريخ العرب والمسلمين الحديث لا يذكرها أحدٌ ولا يتحدّث مثقّفٌ عربي عنها وذلك تحت و...
- القمّة الأوروبية غداً: جبل طارق عقدة وحيدة أمام «بريكست» المرصاد نت - متابعات يوم واحد يفصل عن موعد القمة الأوروبية «الاستثنائية» على المستوى الوزاري والمخصصة للتصديق على اتفاق «بريكست». الاع...
- أبواب الخليج تُشرَّعُ لصراع "عنقودي" المرصاد نت - متابعات «المعركة بدأت» هذا مختصر بيان القاهرة الصادر عن اجتماع الرباعي. أصرت الدوحة حتى الساعات الأخيرة على عدم الإفصاح عن مضمون ردها...
- مصر.. وفاة إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المرصاد-متابعات نعت جماعة الإخوان المسلمين المصرية عبر موقعها الرسمي إبراهيم منير نائب المرشد والقائم بأعماله، والذي وافته المنية فجر اليوم الجمعة عن عمر ناهز ...
- تحسن العلاقات بين مصر والسعودية.. إجراء تكتيكي أم إستراتيجي المرصاد نت - متابعات بعد التدهور الذي شهدته العلاقات بين مصر والسعودية العام الماضي على خلفية الخلاف بشأن عائدية جزيرتي "تيران" و"صنافير" الواقعتين في البحر ا...
- العرض الإسرائيلي الجديد: ناتو خليجي ضد إيران ثمنه الحماية! المرصاد نت - متابعات خرجت تل أبيب بعرض جديد ضمن مسار التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي. لكن لغة هذا العرض كانت عسكرية. فيما تضمن العرض إنشاء حلفٍ عربيٍ إسرا...
- «منازلة» جمهورية ــ ديموقراطية : ترامب يريد «خطاب حال الاتحاد» في وقته المرصاد نت - متابعات أبلغت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الرئيس دونالد ترامب بأنه لن يُسمح له بإلقاء خطاب حال الاتحاد السنوي داخل مقر المجلس إلى أن ...
- المجموعات "الجهادية": خسرنا المعركة لم تتّعظ المجموعات «الجهادية» من تجاربها في الشمال اللبناني. تكرّر الأخطاء نفسها وتخلُص إلى النتيجة نفسها. ما الذي يدفع مجموعة مسلّحة تحمل عبء قضية معينة، سواء ...
- لافروف يكشف عن شروط موسكو لانسحاب "النصرة" من حلب المرصاد نت - متابعات قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف إن موسكو مستعدة لدعوة دمشق للموافقة على خروج مسلحي "النصرة" من حلب مع أسلحتهم وكشف عن شروط موسكو ل...
- حملة اعتقالات واسعة بالضفة الغربية شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر الخميس حملات دهمات وتفتيش تخللها اعتقال عدد من المواطنين في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية المحتلة. وقالت وكالة "صفا" إن العشرا...