المرصاد نت - متابعات
بعد طول صمت امتدّ لأكثر من 20 يوماً خرج محمد بن سلمان بخطاب فيه الكثير من الأريحية مُنصّباً نفسه راعياً لعملية تحقيق العدالة في قضية جمال خاشقجي وعارضاً على الأميركيين والأتراك ما بيده من أوراق سياسية ومالية. بدا من خلال حديث ابن سلمان رهانه على أن أنقرة وواشنطن لا تزالان مستعدَتين لتسوية القضية. وهو ما لم يدحضه واقعاً هجوم دونالد ترامب على السعودية كونه جاء في سياق أشمل تكفّل بتظهيره مايك بومبيو.
على رغم ما بدا خلال الساعات الماضية أنه تصعيد أميركي ضدّ السعودية بعدما لَزِمت واشنطن منطقة «التذبذب» طيلة أكثر من 20 يوماً منذ اختفاء الصحافي جمال خاشقجي، أنبأت التطورات التي برزت أمس على خطّ أنقرة ـــ الرياض والمواقف التي سُجّلت في اليوم الثاني من مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» في المملكة بأن الباب لم يُغلَق على «تسوية» من شأنها استنقاذ ولي العهد، محمد بن سلمان. إزاء ذلك ظهرت التصريحات والإجراءات الأميركية المُتّخذة ليل الثلاثاء ـــ الأربعاء وكأنها محاولة من قِبَل إدارة دونالد ترامب لتنفيس الغضب المتصاعد على السعودية، وترضية المعترضين بإجراءات لم تقطع خطّ الرجعة.
بعدما قُرئ في خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أول من أمس هجوم مبطن على ابن سلمان، وبعدما رفع المستشار الأول، النور جيفيك السقف أكثر بقوله إن «وصمة» اغتيال خاشقجي تلطّخ ولي العهد، جاء الإعلان عن محادثات هاتفية بين الأخير وأردوغان ليخفّض منسوب التوقّعات بوجود توجّه أميركي ـــ تركي نحو رفع الغطاء عن ابن سلمان. تراجع عزّزته الأريحية التي تحدّث بها ولي العهد، أمس خلال المؤتمر الاستثماري المنعقد في المملكة. إذ تناول قضية خاشقجي بثقة عالية مُبرّئاً نفسه من أي مسؤولية ومُنصِّباً إياها راعية لعملية «إظهار الحقيقة وإنالة المجرمين العقاب الرادع».
وإذ جدّد تأكيده «أننا متعاونون مع تركيا لمعاقبة جميع المتورطين» ذكّر بالأمر الملكي المتعلق بتشكيل لجنة برئاسته لإعادة هيكلة الاستخبارات العامة حيث قال إنه «آن الأوان لإعادة هيكلة العمل الأمني بالسعودية لكي يرقى للتحديات الراهنة»، في تشديد على ما استهدفه الأمر المذكور من تصويرٍ لحادثة اغتيال خاشقجي وكأنها نتاج خلل هيكلي في المنظومة الاستخبارية، لا تنفيذ لأمر صادر من «الحاكم بأمره»، الذي يجدر التذكير هنا بأنه أطلق عملية حصر القرار الأمني بيده منذ ما قبل تسنّمه ولاية العهد عبر تأسيس «مركز الأمن الوطني» الذي جُعل تابعاً مباشرة للديوان الملكي.
على أن الأهم في كلمة ابن سلمان الأولى له منذ مقتل خاشقجي، يبقى الرسائل السياسية التي حملتها في أكثر من اتجاه مُستهدفة تأكيد استعداد الرياض لتقديم تنازلات مقابل إخراجها من أزمتها، وحثَّ إدارة ترامب على التمسّك بدفاعها عن السعودية. في آذار/ مارس الماضي وخلال زيارة له إلى القاهرة أطلق ابن سلمان «نظريّته» حول «مثلث الشر» عادّاً تركياً واحداً من أضلع هذا المثلث. وبعد قرابة سبعة أشهر فقط، أضحت تركيا صديقاً يريد «كثيرون استغلال الظرف» في إحداث «شرخ» بينه وبين المملكة، لكن ولي العهد طمأنهم إلى أن «ذلك لن يحدث طالما أن الملك سلمان وولي عهده موجودان والرئيس التركي» أيضاً.
حتى قطر التي يفرض عليها ابن سلمان وحليفه الإماراتي مقاطعة يأملان أن تدفعها إلى «الرضوخ» والتي كان المستشار في الديوان الملكي (سابقاً) سعود القحطاني يرفع راية تحويلها إلى جزيرة معزولة أشاد بها ولي العهد قائلاً إن «اقتصادها قوي وسيكون مختلفاً ومتطوراً بعد 5 سنوات». أما تجاه الولايات المتحدة وتحديداً تجاه الرئيس الأميركي المهتمّ كثيراً بالصفقات والاستثمارات والذي تتصدّر مواجهة إيران جدول أعماله فنبّهه ابن سلمان إلى أن «كل مشاريعنا ماشية الإصلاح ماشي وحربنا على التطرف ماشية وحربنا على الإرهاب ماشية».
باختصار يعرض ابن سلمان على الأتراك ما يشبه «صفقة سياسية»، منطلِقاً في ذلك من حقيقة أن ما تمارسه أنقرة هو عملية شدّ حبال أكثر منه تهديدات جدية. وفي الوقت نفسه يذكّر الأميركيين بـ«فوائد» بقائه على رأس ولاية العهد، مطمَئناً في هذا أيضاً إلى أن واشنطن لن تمانع في نهاية المطاف عقد «تسوية» تراعي مصالحها. إزاء ما تقدم كيف يمكن تفسير إعلان ترامب ليل الثلاثاء ـــ الأربعاء أنه سيترك أمر معاقبة السعودية للكونغرس، وتلميحه أمس إلى مسؤولية ابن سلمان عن الجريمة بقوله «إنه إذا كان هناك من يُلام فإنه هو»؟ ثمة تفسيران لما بدا أنه تحوّل في موقف ترامب.
يرتبط التفسير الأول بشخصية الرئيس الأميركي الانفعالية إذ إن تصريحاته تلك أعقبت حديثه إلى مديرة وكالة الاستخبارات المركزية جينا هاسبل التي كان أوفدها إلى تركيا حيث اطلعت ـــ وفقاً لوسائل إعلام تركية ـــ على «الأدلة المرتبطة بمقتل خاشقجي». وبالتالي قد يكون نمى إلى سمع ترامب أن لدى الأتراك أدلة على تورط جهات سعودية عليا في الجريمة، وهذا ما يمكن استشفافه واقعاً من حديثه عن «التفكير والتخطيط والتستّر» والذي ظهر من خلاله وكأنه يلوم حلفاءه على «سوء» إدارتهم للأمور.
أما التفسير الثاني فهو أن ترامب أراد التخفيف من حدّة الجدل المتصاعد في الولايات المتحدة على خلفية مقتل خاشقجي وتسكيت الأصوات التي تلقي باللائمة عليه في ذلك ريثما يستطيع التوصل إلى «مخرج» ينقذ السعوديين ويُعتقه هو من حالة الإحراج. ولعلّ التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية مايك بومبيو عقب حديث ترامب والتي جاءت أقلّ حدّة بكثير من مواقف رئيسه، تؤكّد التفسير المتقدم. إذ رأى بومبيو أن الخطوات المُتّخذة في السعودية «تعكس محاسبة جدية» مشدداً في الوقت نفسه على «ضرورة الحصول على وضوح تام بشأن ما حدث». وسبق موقفَ بومبيو إعلانُ الخارجية الأميركية «اتخاذ إجراءات مناسبة تتضمن إلغاء التأشيرات» بحقّ «بعض المسؤولين عن قتل خاشقجي في الاستخبارات والديوان الملكي ووزارة الخارجية ووزارات أخرى». إجراءات أوحت بأن واشنطن تمهّد الطريق لجعل القضية في طيّ النسيان على رغم أن وزير الخارجية قال إنها «لن تكون كلمة الولايات المتحدة الأخيرة».
النظام السعودي يدفع الملايين لتحسين صورته
أصبحت لندن مركزاً للعلاقات العامة السعودية وحملات التأثير الإعلامية حيث تلقّت وسائل الإعلام وشركات العلاقات العامة البريطانية خلال السنوات الأخيرة ملايين الجنيهات مقابل تحسين صورة الرياض وحلفائها الإقليميين لدى الرأي العام وفق تحقيق أجرته مؤسسة «ذي غارديان».
تعرّضت سمعة السعودية إلى عدد من النكسات بسبب سجلها في حقوق الإنسان المثير للجدل وحربها على اليمن وقد تلقت مطلع الشهر الجاري ضربة قاضية بمقتل الصحافي جمال خاشقجي. توصل التحقيق إلى النتائج التالية: بدأت «Freud›s» للعلاقات العامة، التي عملت في السنوات الماضية على تحسين صورة السعودية بالابتعاد عن الرياض؛ هناك مخاوف جديدة في شأن قرار «ذي إندبندنت» إقامة شراكة مع ناشر سعودي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام السعودي؛ يعمل مكتب موقع «VICE » في لندن على سلسلة من الأفلام تروّج للسعودية؛ تبرعت «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» بمبالغ طائلة لمؤسسة «توني بلير للتغيير العالمي» مقابل تقديمها خدمات استشارية إلى المملكة؛ تساعد شركة تضم عاملين سابقين في مؤسسة «بيل بوتينجر» للعلاقات العامة، الرياض في مجال الاتصالات.
(...)
ومن بين الشركات العاملة في مجال العلاقات العامة في لندن التي أكّدت توليها مهاماً في الأشهر الأخيرة بالنيابة عن السعودية، Pagefield Global Counsel التي زعمت أنها لم تعد تتعامل مع المملكة. أما Milltown Partners التي يديرها رئيس الاتصالات السابق للأمير تشارلز فقالت إنه ليس لديها أي عقود عمل مع الرياض في الوقت الراهن في حين أكّدت Kekst CNC التابعة لشركة PR Publicis الفرنسية أنها لم تتعامل مع السعودية منذ بداية العام الحالي.
بدورها أكدت مصادر في VICE أن فريقاً من الخبراء داخل الشركة يعمل على تقديم مواد ترويجية للسعودية بالتعاون مع «مجموعة الأبحاث والتسويق» وقد اجتمع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمؤسس VICE شين سميث أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة في وقت سابق من العام الحالي.
تقول رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «شاثام هاوس» لينا الخطيب، إن «المساعي السعودية لتحسين صورتها تركزت على بريطانيا والولايات المتحدة»، حيث تصاعدت بشكل ملحوظ في العامين الماضيين أي منذ تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد.
وتطاول الجهود السعودية البرلمان البريطاني إذ قام عشرات النواب بزيارات إلى المملكة مدفوعة من قبل العائلة الحاكمة وتبلغ قيمتها نحو 200 ألف جنيه إسترليني.
(عن «ذي غارديان» البريطانية)
المزيد في هذا القسم:
- كاميرون يعلن استقالته بعد التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي المرصاد نت - متابعات أعلن رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون اليوم الجمعة عزمه تقديم استقالته بعد تصويت معظم البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأورو...
- تظاهرات في مختلف المدن الفرنسية ضد قانون العمل المرصاد نت - متابعات عشرات الآلاف ملأوا شوارع أبرز المدن الفرنسية أمس احتجاجاً على التعديلات التي يريد الرئيس إيمانويل ماكرون إدخالها على قانون العمل في أول ا...
- السعودية.. تفاعل على تصريح "النقاب ليس من الدين" لمدير "الهيئة" الأسبق بمكة أحمد الغامدي المرصاد- متابعات أثار أحمد الغامدي، المدير العام الأسبق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة بالمملكة العربية السعودية، تفاعلا بين نشطاء على مواقع...
- منظمة حقوقية بريطانية... تعذيب وتحرّش جنسي للمعتقلات في الإمارات المرصاد نت - متابعات كشفت هانا فيليبس خبيرة في مجال حقوق الإنسان في مؤتمر لمنظمة حقوقية ببريطانيا عقد في 30 مايو أيار الماضي والذي حمل عنوان "النساء المعذبات ...
- أبرز التطورات السياسية والعسكرية في المشهد السوري ! المرصاد نت - متابعات أعادت التسريبات التي نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» عن موعد مفترض جديد لانسحاب القوات الأميركية من سوريا في نهاية نيسان المق...
- الاندبندنت: صفقة أسلحة بريطانية للسعودية رغم انتهاكات الحرب على اليمن المرصاد نت - متابعات نشرت صحيفة الاندبندنت في عددها الصارد اليوم الخميس تقريرا يكشف أن شركة أسلحة بريطانية تضع الخطوات الأخيرة لاتمام صفقة اسلحة للسعودية بمبل...
- إنتهاء الفتنة .. مسيرات حاشدة في مدن إيرانية للتنديد بأعمال الشغب المرصاد نت - متابعات خرج عشرات الالاف من أبناء الشعب الايراني في مدن إيرانية مختلفة للتنديد بأعمال الشغب التي شهدتها بعض المدن الإيرانية. واكد المتظاهرون ت...
- ثورة 14 فبراير البحرينية .. حراك شعبي يأبى الإندثار! المرصاد نت - متابعات مع اقتراب الذكرى التاسعة لثورة 14 فبراير يستعد البحرينيون لإحياء المناسبة بمختلف البرامج التي وثقها الحراك الشعبي في الداخل البحريني وخار...
- وسط إجراءات احترازية.. موسم الحج الأكبر منذ عامين ينطلق الأربعاء المرصاد-متابعات تنطلق رسميا، اليوم الأربعاء، مناسك الحج لعام 1443 للهجرة في أكبر موسم منذ تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، وسط إجراءات احترازية تشمل تعقيم ا...
- الأمم المتحدة: مستوى الفقر في السعودية صادم المرصاد نت - متابعات أعربت الأمم المتحدة عن صدمتها من مستوى الفقر في بعض مناطق السعودية كما دعت سلطات المملكة إلى السماح للنساء بالقيادة وإصلاح نظام ولاية الر...