العراق والعودة الأمريكية .. إعادة غزو أم ترتيب أوراق؟

المرصاد نت - متابعات

يجري الحديث حالياً في العراق عن وصول قوات خاصة أمريكية إلى أربيل قادمة من سوريا، بناءً على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من الاخيرة ويبقى انسحاب Army araq2019.1.9القوات الأمريكية من سوريا موضوعاً غامضاً وحتى الآن لم يعرف أحد على وجه الدقة لماذا تقرّر الانسحاب إلا أن دخولها العراق كما تقول وسائل الإعلام وبعض المصادر الأمنية العراقية يفتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من الاحتمالات حول مستقبل هذه القوات ومهمتها خاصة وأن للعراق تجربة مريرة مع الأمريكيين.

حول وجود القوات من عدمه ذكر مصدر أمني عراقي أن القوات الأمريكية بعد قرار الرئيس دونالد ترامب سحبها من سوريا ستتجه للاستقرار في قاعدتها العسكرية بمحافظة أربيل شمالي العراق.

مقابل ذلك ذكرت مصادر عسكرية أمريكية في العراق أثناء سياق إبلاغها حلفائها بقرار الرئيس ترامب أوضحت لـ "مسؤول أمني عراقي" بأن القوات المنسحبة من سوريا "ستستقر في القاعدة العسكرية (الأمريكية) في أربيل شمال العراق، وأنها ستباشر بوضع نقاط حدودية بين سوريا وإقليم كردستان العراق" حيث شرعت القوات الأمريكية بإنشاء "مركز عمليات عسكرية مشترك مع قوات البيشمركة" الكردية على الحدود العراقية ــ السورية.

وفي هذا الإطار قال أحمد الشريفي الخبير العسكري والاستراتيجي العراقي في حديث خاص إلى وكالة "سبوتنيك" الروسية: إن القوات الأمريكية التي ستنسحب من سوريا تتجه فعلياً إلى قاعدة في الأراضي العراقية.

وأضاف: "إن القوات الأمريكية قامت بمناورة، حيث إن عملية انسحابها تعدّ إعادة انتشار في المنطقة لا أكثر، وإن الآليات التي خرجت من سوريا وصل بعضها إلى قاعدة أربيل العسكرية، ويتم العمل حالياً على توسعة المدارج والمساحة لاستيعاب أعداد أكبر خاصة أنها قاعدة قديمة للقوات الأمريكية.

والثغرة في حديث ترامب كانت بعدم إشارته صراحة إلى وجهة القوات الأمريكية المنسحبة من سوريا سوى بالإطار العام بأنها ستعود إلى البلاد، واتهمه خصومه أنه لم "يستشر أي من الشركاء الاستراتيجيين من بينهم فرنسا والأردن وإسرائيل".

ردود أفعال حول قرار ترامب

اعتبر رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأمريكي جورج بومبيو أن "تطور الأمن في سوريا له علاقة مباشرة بأمن العراق واستقرار المنطقة". وذكر بيان صدر عن مكتبه الإعلامي أن "عبد المهدي تلقى اتصالاً هاتفيا من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو شرح خلاله الأخير حيثيات الانسحاب المرتقب من سوريا، وأكد أن أمريكا مستمرة بالتزاماتها في محاربة داعش والإرهاب في العراق وبقية المناطق" وحسب البيان فإن الوزير الأمريكي أثنى على وحدة الشعب العراقي بمختلف مكوناته وعلى جهود الحكومة بحماية الأمن في العراق ومنع التدخل في شؤونه وإكمال التشكيلة الوزارية".

وأضاف: إن "عبد المهدي استعرض طبيعة التطورات الإيجابية في البلاد والسعي لاستكمال التشكيلة الوزارية التي من المتوقع أن تحقق المزيد من التقدم خلال الأسبوع المقبل". وأكد عبد المهدي أن "تطور الأمن في سوريا والوصول إلى تسوية سياسية له علاقة مباشرة بالأمن العراقي واستقرار المنطقة، وأن العراقيين هم الأكثر حرصاً على ترسيخ الوحدة الوطنية والدفاع عن سيادة بلادهم ومنع التدخل في شؤونها الداخلية".

خروج القوات من سوريا

لايزال هذا الموضوع غامضاً في ظل وجود تأكيدات بأن أمريكا لن تنسحب بشكل كامل من شرقي الفرات وستبقي على وجودها قرب الحدود بين سوريا والعراق لمنع إيران من استخدام الطريق البري في نقل الأسلحة إلى "حزب الله" بحسب ما زعم موقع "ديبكا" المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية.

وقال الموقع: إن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا ليس كلياً وإنما جزئي حيث من المفترض أن تنتشر قوات أمريكية شرق سوريا وغرب العراق للحيلولة دون نقل شحنات الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله وسوريا. وأضاف: إن الانسحاب الأمريكي من سوريا لن يؤثر على ميليشيات الحماية بوجه عام وإنما مجرد دعاية إعلامية فحسب وبأن أمريكا تعمل وستعمل على مساعدتها وما يدور من حديث هو مجرد دعاية فحسب.

وأشار إلى أن أمريكا دشنت قاعدة عسكرية جديدة على حدود مدينة الأنباء العراقية قرب الحدود العراقية السورية مؤكداً أن هناك اتفاقاً أمريكياً تركياً روسياً جديداً بالقرب من الحدود السورية وأن هناك عدة شواهد على ذلك منها نقل صواريخ "إس 300" الروسية في سوريا إلى مدينة دير الزور السورية المحاذية للحدود العراقية.

بولتون يطمئن إسرائيل: لن ننسحب من التنف

تُعدّ زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون لإسرائيل السبت الماضي زيارة طمأنة تجاه حليف أعرب عن «صدمة» جراء قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب البري من سوريا لكنها في السياق وربما في المقام الأول زيارة عرض قلق متبادل بين الطرفين يشمل سوريا ولبنان وإيران إسرائيلياً ويقابله قلق أميركي من الصين التي بدأت «تتغلغل» في الداخل الإسرائيلي، على نحو يُخشى منه التأثير السلبي بمصالح واشنطن في المنطقة وما وراءها أيضاً.

في الخلفية لم يتضح هل الزيارة مقررة مسبقاً أو أنها نتيجة مباشرة لقرار الانسحاب من سوريا علماً أنه في الحالتين، يفرض القرار نفسه على جدول أعمال الزيارة وتحديداً من ناحية إسرائيل التي تدرك أن القرار اتُّخذ وأن رجالات ترامب يعملون على تقليص تبعاته السيئة عليها لكنها في السياق معنية باستغلال الفرصة المتاحة للضغط باتجاه تمكين أطماعها ودفع الإدارة الأميركية إلى الاعتراف بـ«سيادتها» على الجولان السوري المحتل كجزء من تعويض الانسحاب، وبمناسبته.

بالطبع زيارة بولتون تختلف عن زيارات المسؤولين الأميركيين الآخرين، لا لأنه يتوافق ومعنيّ أكثر بالمصالح الإسرائيلية بل لأنه أكثر تشدداً من المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم في كل ما يتعلق بهذه المصالح، ولا يخفي مزايداته عليهم. فمن ناحيته تأييد إسرائيل مبني على التزام عقائدي قبل أن تكون حليفة لأميركا، وقبل دورها الوظيفي في تمكين مصالحها. وبوصفه مستشار الأمن القومي، ناقش بولتون المسؤولين الإسرائيليين وفي مقدمتهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في ملفات أمنية وصفها بـ«ذات الاهتمام المشترك» فيما عمد الإعلام العبري لاحقاً إلى تحديدها مع التوسع فيها من دون أن يصدر عن الجانبين أي خلاصة رسمية حول نتائج الزيارة وتفاصيل ما اتُّفق عليه.

في ذلك ركزت التسريبات الإسرائيلية على أربعة ملفات أحدها كان بارزاً جداً: إعراب الولايات المتحدة عن قلقها العارم جداً من التغلغل الاقتصادي الصيني في إسرائيل بما يحمل من تحديات أمنية كامنة. وكما بات معروفاً، نجحت الشركات الصينية في الاستحصال على عقود استثمار في البنى التحتية الإسرائيلية ومن بينها تطوير السكك الحديدية وأنفاق الكرمل وأخيراً نجاح شركة «SIPG» الصينية في الاستحصال على عطاء لتوسيع ميناء حيفا وهو ما يثير قلق الأميركيين.

في هذا الإطار تنقل صحيفة «هآرتس» مخاوف جنرال أميركي من السيطرة الصينية على ميناء حيفا وهو يعني فيه ـــ حال ترسخ عطاء تطوير الميناء على الجانب الصيني ـــ أن كل التكنولوجيا الإسرائيلية والأميركية ستكون عرضة للانكشاف والقرصنة عن قرب ما يعني أن الأسطول السادس الأميركي لن يستطيع أن يشعر بعد اليوم بأن هذا الميناء تابع له، وينضم في النتيجة إلى سلسلة الموانئ الشرق ــــ أوسطية التي باتت ضمن سيطرة الصين.

  وبينما أكدت التسريبات العبرية أن القلق من الصين كان الموضوع الأول في تركيز بولتون أكدت أن الجانب الإسرائيلي ركز على مواضيع ثلاثة ذات طابع أمني مع معانٍ وتبعات استراتيجية: الانسحاب الأميركي من سوريا، حيث أكد بولتون لمضيفيه أن أميركا ملتزمة كل ما يتعلق بأمن إسرائيل مع التشديد في السياق على أنها لن تنسحب من قاعدة التنف على مثلث الحدود مع العراق والأردن، وأنها ستقف إلى جانب إسرائيل سواء من سوريا أو من خارجها وهي لن تخرج من المنطقة كما يردد البعض.

الملف الثاني هو ما تسميه إسرائيل «التمركز الإيراني» في سوريا والسبل المشتركة مع الأميركيين لصده ومنعه وهو ما لقي موافقة من المستشار الأميركي برزت في تصريحاته وفي التسريبات التي واكبت الزيارة من دون تفصيل في كيفية التوصل إلى هذه النتيجة مع التعذّر الميداني ومع الانسحاب الأميركي إلا إذا جرى العمل على إفراغ قرار الانسحاب من مضمونه مع المحافظة الشكلية عليه وهو ما يمكّن إسرائيل من معاودة الرهان على الأميركيين لمبادلة «وجودهم» هناك بالوجود الإيراني في سوريا.

أما الملف الثالث وهو الأكثر أهمية لنتنياهو سياسياً قبل الانتخابات العامة المبكرة للكنيست فهو اعتراف الإدارة الأميركية بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل. هنا تذكر القناة العاشرة العبرية أن رئيس الحكومة نقل طلباً إلى البيت الأبيض للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان وهو يطرح ذلك على خلفية الانسحاب الأميركي كجزء من محاولة للحصول من الأميركيين على بادرة سياسية تكون نوعاً من التعويض عن الانسحاب وهو الطلب نفسه الذي أسمعه إلى وزير الخارجية مايك بومبيو خلال لقائهما في البرازيل.

«هآرتس» التي ركزت على القلق الأميركي من الصين وتغلغلها في إسرائيل كشفت أن معارضة واشنطن للعلاقة الآخذة بالتعزز بين إسرائيل والصين تحولت إلى علنية وأصبحت أكثر تقييداً. وكشفت الصحيفة أن «القلق الأميركي من تعزيز العلاقات التجارية والتكنولوجية... احتل مكاناً أساسياً» في المحادثات خاصة أنها «ليست المرة الأولى التي يطرح فيها مسؤولون أميركيون قضية الاختراق الصيني إذ سبق أن حذروا نظراءهم الإسرائيليين من أن الدور الصيني في توسعة ميناء حيفا وبنى تحتية أخرى سيضع عقبات أمام استمرار التعاون مع البحرية الأميركية وهو ما دفع الأميركيين إلى تحذير إسرائيل: نظموا موضوع التجارة مع الصين، أو ننظمه (نحن).

الملفات الأربعة المعلَنة تسريباً ورد تأكيدها عبر التصريحات والمواقف التي جاءت على لسان بولتون ونتنياهو و«مصادر» لدى الجانبين لكن الملفات التي بقيت في الغرف المغلقة من دون تسريب قد تكون الأكثر حضوراً على جدول الأعمال الفعلي والأكثر أهمية في الزيارة مع أو من دون علاقة لها بالملفات الأربعة وإن جاءت الزيارة في الشكل لتركز في سياق القرار الأميركي بالانسحاب من سوريا على موضوع الطمأنة والإعراب عن متانة الحلف والعلاقة بين الجانبين.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية