المرصاد نت - علي فواز
لا تستطيع تركيا أن تنصاع لرغبات واشنطن ولا تستطيع هجرها. السياسة التركية محكومة بتوازنات دقيقة بين المحاور. تراكم أنقرة أوراقها للتأثير في مجريات الإقليم. في سوريا أكبر مخاوفها وفي الداخل انكماش اقتصادي ومع أميركا علاقة متوتّرة. التحديات التركية لهذا العام ليست صغيرة. هذا المقال يُضيء على أبرزها بالاستناد إلى آراء الباحث في مركز كارنيغي أوروبا سينان أولغن. جزء من أبحاثه يتركّز على السياسة الخارجية التركية والعلاقات العابرة للأطلسي.
تميل العلاقة الأميركية التركية لتكون مُضطربة هذا العام. من الصعب أن تكون متفائلاً عندما تبقى الخلافات الكبرى مُعلّقة بغياب طريق واضح نحو تفاهم مشترك حولها.
رأينا صعوبات ظاهرة للعيان في هذه العلاقة. شهدنا أزمة إثر سجن القس الأميركي أندرو برانسون العام الماضي ثم بدأت العلاقات تستعيد مسارها بعد إطلاق سراحه.
الرئيسان دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان بدآ من جديد محادثاتهما. هناك تحسّن في العلاقات الثنائية على المدى القصير. مع ذلك لا يزال هناك عدد من الخلافات الرئيسية التي ستظهر بوضوح في العام 2019.
الطرفان لديهما شكاوى في ما يتعلق بالسياسات التي يتبعانها. من جهة تركيا الشكاوى الرئيسية ترتبط برفض الولايات المتحدة تسليم فتح الله غولن. لقد رأينا محاولة الانقلاب عام 2016 وما رافقها من تصريحات وتلميحات تركية. هناك أيضاً انتقادات شديدة للسياسة الأميركية في سوريا تحديداً دعم واشنطن لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي ينظر إليه كفرع لحزب العمال الكردستاني.
من جهة واشنطن هناك شكاوى بدأت مع قرار تركيا شراء أنظمة S400 الاستراتيجية من روسيا.
ارتياب من الناتو
رغم غياب أي نتائج إيجابية يمكن ضمانها لجميع هذه القضايا، إلا أن تركيا لا تعيد تقييم دورها في حلف الناتو. أنقرة تبقى واحدة من أقوى الأعضاء في الحلف منذ انضمامها إليه عام 1952. سيكون اتخاذ مثل هذا القرار سيناريو شديداً وخطيراً.
على المستوى الشعبي الأمر مختلف. هناك بالتأكيد ارتياب متزايد من الناتو على خلفية الخلافات الكبيرة مع الولايات المتحدة. استطلاعات الرأي تشير إلى أدنى مستوى على الإطلاق في دعم الناتو.
لا ينطبق هذا الأمر على سياسة الحكومة لأن النخبة السياسية والدبلوماسية تعلم جيداً الفوائد الأمنية التي تجنيها من وجودها تحت مظلة الناتو. هناك أيضاً مكاسب سياسية. عضوية تركيا في حلف الناتو يعني أنها جزء من الرابطة عبر المحيط الأطلسي الأمر الذي يرسّخ وجودها في مجتمع الدول الغربية.
مخاوف في سوريا
القضية الرئيسية التي ستحدّد الديناميات المحلية هذا العام تتمحور حول الاقتصاد. لوقت طويل حقّقت تركيا نمواً اقتصادياً سليماً بلغ نحو 5%. في الفترة الأخيرة تراجع هذا النمو بشكل واضح. الآن نحن نتطلّع إلى فترة من الانكماش الاقتصادي. هذا الأمر سيكون جديداً على المجتمع التركي، على الأقل منذ عام 2001. سيرتّب ذلك آثاراً تتعدّى الجانب الاقتصادي إلى الجانب السياسي لاسيما مع مجيء الانتخابات المحلية في شهر آذار مارس المقبل.
خارجياً، ستكون سوريا بالطبع واحدة من المناطق ذات الأولوية. تركيا تريد رؤية تسوية سياسية هناك هذا العام. لديها أيضاً بعض الشروط، تحديداً في ما يتعلق بالوجود الكردي شمال شرق البلاد.
هدف الأتراك في سوريا تغيّر مع الوقت. عندما بدأت الأزمة كان الهدف الأساسي تغيير النظام ورحيل الأسد. اليوم لم يعد هذا الهدف جزءاً من مجموعة الأهداف الرسمية خصوصاً على ضوء الشراكة مع روسيا وإيران من خلال مسار أستانة.
هدف أنقرة اليوم هو أولاً تسريع التسوية السياسية. كما لبنان والأردن تركيا هي واحدة من الدول الأكثر تأثراً بالأزمة الإنسانية في سوريا. تستقبل على أراضيها نحو 3.5 مليون لاجئ. لذا فإن عودة الاستقرار إلى سوريا مترافقاً مع تسوية سياسية يجعلها بمنأى عن تهديد أي كارثة إنسانية كبرى.
ثانياً ستحاول تركيا التأثير على التسوية السياسية بطريقة تعالج مخاوفها في ما يتعلق بمستقبل سوريا. هي تسيطر عسكرياً على ثلاث مناطق مختلفة في سوريا ولديها حلفاء على الأرض وبإمكانها التأثير على الأحداث.
خلال المفاوضات ستسعى إلى ضمان ألا يشكّل الكرد السوريون تحدياً أمنياً لها، مهما يكن الدور المرسوم لمستقبل حزب الاتحاد الديمقراطي.
من هذا المنطلق لا تسعى تركيا إلى السيطرة على مناطق إقليمية في سوريا. هذه مجرّد ظاهرة مؤقتة. الحملات عبر الحدود هدفت إلى إبعاد داعش وفصل بعض الإرهابيين عن تأثيره والسيطرة على الطموحات الإقليمية للكرد.
هذا العام سينتهي البُعد العسكري للنزاع بطريقة او بأخرى مع سيطرة دمشق على باقي الأراضي. سنبدأ في رؤية تسارع نحو تسوية سياسية لكن لن تكون متاحة هذا العام.
ما وراء قضية خاشقجي
هناك بُعد للتأثير السياسي الإقليمي في علاقة تركيا مع السعودية. منذ الربيع العربي وجدت هاتان الدولتان نفسيهما في مواقع سياسية متباينة على لوح الشطرنج السياسي. دعمت تركيا بشدّة الإخوان المسلمين وبشكل أساسي في مصر وتونس. بالمقابل كانت السعودية شديدة التفاعل تجاه هذه السياسة. هنا يكمن الخلاف الأساسي الذي ترك تأثيره على العلاقة الثنائية بينهما.
مقتل خاشقجي أحضر بُعداً جديداً. حدّدت تركيا نظرتها إلى هذه الأزمة على ضوء هدفين:
الأول ليس التقليل من تأثير المملكة فحسب ولكن أيضاً تأثير محمّد بن سلمان.
الهدف الثاني هو الحصول على مكاسب سياسية من واشنطن.
من هذا المنطلق لا ينبغي النظر إلى هذه القضية باعتبارها قضية ثنائية بين أنقرة والرياض. مقتل خاشقجي أنتج جواً جديداً. علاقة ترامب بشكل خاص مع وليّ العهد السعودي أرخت بظلها على العلاقة مع تركيا. الطريقة التي أدار بها أردوغان هذه العلاقة سعت إلى وضع تركيا في موقف أكثر تأثيراً بينما تحاول المفاوضة على خلافها مع واشنطن.
المزيد في هذا القسم:
- استمرار المجازر بحق الروهينغيا... والذنب أنهم مسلمون! المرصاد نت - متابعات تصاعدت مجددا وتيرة العنف بحق شعب الروهينغيا المسلم في إقليم أراكان غربي ميانمار وسط تنديدات خجولة من المجتمع الدولي وصمت متقع من بعض ديمق...
- داعمو الإرهاب.. بين تخريب سوريا ومزاعم إعادة إعمارها المرصاد نت - متابعات لو قمت بجولة سريعة في مواقع الإنترنت ستجد أمامك سيلاً من الأخبار والصور وأفلام الفيديو التي تتحدث عن الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوا...
- يديعوت : أجهزة السلطة الفلسطينية تحبط عملية كبيرة ضد جيش الإحتلال المرصاد نت - متابعات كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية اليوم أن جهاز أمن السلطة الفلسطينية أحبط عملية تفجير بواسطة عبوة ناسفة كانت ستستهدف جنود ...
- إقالة تيليرسون وصراع الأجنحة الأمريكي .. القصة الكاملة! المرصاد نت - متابعات توقف العالم قبل أيام أمام خبر إقالة الرئيس الأمريكي لوزير خارجيته ريكس تيليرسون. قد لا يكون مُستغرباً سلوك ترامب بمستوى استغراب قراره فيما...
- ما بعد خان شيخون .. الجيش يواصل عملياته العسكرية في ريفَي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي! المرصاد نت - متابعات أكدت مصادر انسحاب المسلحين من مدينة خان شيخون وسيطرة الجيش العربي السوري على المدينة حيث إن ما تبقى من عناصر جبهة النصرة في ريف إدلب الجن...
- السيد نصر الله: معارك الولايات المتحدة مع الشعوب مصيرها الهزيمة المرصاد نت - متابعات سأل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذين يتحدثون عن العروبة: هل العروبة باتت التخلي عن الشعب الفلسطيني والتبعية للاميركي؟ ...
- الليبيون المحتجزون في السعودية: إخفاء الجريمة بأخرى! المرصاد نت - متابعات بعد اغتيال الصحافي جمال خاشقجي عاد الزخم إلى قضية احتجاز السعودية ثلاثة مواطنين ليبيين وتغييبهم قسراً منذ شهر حزيران/يونيو 2017. أول من أ...
- المصريون ينتخبون رئيساً لجمهوريتهم ,, بدأت فى التاسعة من صباح اليوم عملية التصويت لانتخاب رئيس جمهورية مصر العربية 2014م فى معظم اللجان الانتخابية وسط إقبال متوسط من الناخبين حتى الآن وتأخر فتح بعض ...
- الأزمة الخليجية : تعثّر المحادثات السعودية ــ القطرية ! المرصاد نت - متابعات انهارت المحادثات بين السعودية وقطر بعد نشاطها لفترة قصيرة نسبياً لتستمر المقاطعة السياسية والحظر التجاري المفروض على الدوحة، على حد ما نق...
- الكيان الإسرائيلي ومسلّحو الجنوب السوري: قصة فشلِ «مَهمّة» المرصاد نت - متابعات تتوالى التقارير الكاشفة عن مزيد من الحقائق حول «التعاون» الذي كان قائماً بين الكيان الإسرائيلي المحتل والجماعات المسلحة الجنوبية. وعلى رغ...