ترامب يرفع منسوب التوتّر مع إيران... وابتزاز الخليج !

المرصاد نت - متابعات

ادت واشنطن وأكدت إرسال تعزيزات جديدة إلى المنطقة بينها 1500 جندي بعد ساعات من استبعاد دونالد ترامب مطلب البنتاغون. يأتي ذلك في وقت تتكثّف فيه الوساطات الإقليمية والدولية Bi52usa2019.5.24وآخرها حديث عن مساعٍ لطوكيو التي توجّه ترامب لزيارتها أمس

بعد تصريحاته الرافضة لإرسال مزيد من القوات إلى المنطقة بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب في محاولة لعدم الظهور بمظهر المنقلب على وعوده الانتخابية وهو الذي انتقد طويلاً إرسال الجنود للقتال في حروب بعيدة. وإذ تأكد أمس أن القوات الأميركية سترسل تعزيزات إضافية قوامها 1500 جندي وضع المسؤولون الأميركيون الخطوة في إطار حماية قواتهم في المنطقة فحسب. وقال ترامب وهو يغادر البيت الأبيض متجهاً إلى اليابان: «نريد توفير حماية في الشرق الأوسط. سنرسل عدداً صغيراً نسبياً من الجنود معظمهم لتوفير الحماية».

وتدعم توضيحات البنتاغون السياق الذي تحدث عنه ترامب. فبحسب وزارة الدفاع الأميركية، فإن 900 من الجنود المرسَلين سينتشرون للمرة الأولى في الخارج، فيما 600 من العدد المطلوب (1500) موجودون بالفعل في المنطقة، وسيتم تمديد بقائهم، ولكن ليس ضمن القوات المتواجدة في سوريا والعراق. وهو ما لا يشي، إذا ما اكتُفي بإضافة هذا العدد إلى عشرات الآلاف من الجنود، بحركة غير اعتيادية تمهّد لعمل عسكري، علماً أن طهران لم تعلّق أمس على هذه الأنباء. وكانت الإدارة الأميركية درست مع قادة البنتاغون طلباً من القيادة المركزية بإرسال عدد من الجنود (تحدثت بعض التسريبات عن رقم 5 آلاف)، في إطار تعزيز قواتها بالتزامن وارتفاع التوتر مع إيران، الأمر الذي علّق عليه ترامب أول من أمس بإبداء اعتقاده بأنه لا يرى فيه ضرورة. ونقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن مسؤول أميركي لم تسمّه أن استجابة ترامب لطلب القائم بأعمال وزير الدفاع، باتريك شانهان، تشمل بطاريات صواريخ «باتريوت»، وطائرة استطلاع، والقوات اللازمة لهذه التعزيزات.

وأمس اتهم مدير الأركان المشتركة مايكل جيلداي الحرس الثوري الإيراني، بالمسؤولية المباشرة عن الهجمات الأخيرة في بحر عُمان قبالة الفجيرة الإماراتية ضدّ السفن التجارية وناقلات النفط. وفي حين لم تعلَن نتائج التحقيقات التي يشارك فيها الأميركيون كشف جيلداي أن البنتاغون خلص إلى أن الألغام اللاصقة المستخدَمة في الهجوم تعود للحرس الثوري. وتحدّث جيلداي عن ما سمّاه «حملة إيرانية تربط بين التهديدات في المنطقة»، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى «نشر مزيد من القوات في المنطقة». وتشير هذه التصريحات غير الرسمية إلى ما يمكن أن تسوقه واشنطن من اتهامات في الأيام المقبلة لطهران في وقت تحقق فيه الولايات المتحدة ـــ على وقع التوتر ـــ المزيد من الانتشار في المنطقة بالتزامن مع رفع حجم صفقات بيع الأسلحة للدول الخليجية تحت عنوان «الحماية» من التهديدات.

وتوجّه الرئيس الأميركي إلى اليابان، حيث سبقه إليها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. وإثر زيارة الأخير إلى طوكيو سرت التكهنات في شأن وساطة يابانية بين طهران وواشنطن، خصوصاً بعد زيارة ترامب والأنباء عن تلبية رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي دعوة من الرئيس الإيراني حسن روحاني، لزيارة طهران. إلا أن الخارجية الإيرانية أوضحت أن لا موعد محدداً للزيارة بعد وأن «بعض التوقعات والتخمينات المنتشرة بعيدة عن الحقيقة ولا صحة لها» وذلك بعدما أفادت وسائل إعلام يابانية بأن شينزو آبي يدرس زيارة إيران منتصف الشهر المقبل بالتنسيق مع ترامب بهدف تخفيف التوتر.

وفي إطار الوساطات وبعد زيارته طهران أوضح وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي أن بلاده «تسعى مع أطراف أخرى لتهدئة التوتر بين واشنطن وطهران». بدوره أبدى نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، تفاؤلاً بانطلاق «اتصالات» بين الطرفين الإيراني والأميركي مؤكداً أن بلاده «مستعدة دائماً وحاضرة لبذل أي جهود تهدف إلى التهدئة والاستقرار وتجنب الصدام».
صفقات أسلحة للسعودية والإمارات بـ8 مليارات
يتّجه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى إقرار 22 صفقة أسلحة مع كل من السعودية والإمارات تُقدّر قيمتها بـ 8 مليارات دولار. وإذ كان ترامب يواجه معارضة شديدة في الكونغرس من قِبَل الجمهوريين والديمقراطيين على السواء، فهو يعتزم استغلال ثغرة في قانون السيطرة على الأسلحة، وذلك بإعلان حالة طوارئ وطنية بسبب التوتر مع إيران، ما يجنّبه مراجعة الكونغرس. ونقل مساعدون في الكونغرس أن الإدارة أبلغت لجاناً في الكونغرس بأنها ستنفذ الصفقات متجاهلةً المراجعة التقليدية للسلطة التشريعية، والمُتبعة منذ زمن بعيد. وبحسب هؤلاء، فإن ترامب «يشعر بخيبة الأمل إزاء تعطيل الكونغرس مبيعات أسلحة، ومنها صفقة كبيرة لبيع السعودية ذخائر دقيقة التوجيه من إنتاج شركة ريثيون».

العلاقات الإيرانية الأميركية: فرق إطفاء وفرقة إشعال
منذ انطلاق حاملة الطائرات الأميركية «أبراهام لينكولن» إلى المنطقة والتي رافقها استعدادٌ إيراني للدفاع، زاد منسوب الارتباك لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب، يبدو أنه ليس هناك من يصدّق التأكيد الأميركي على عدم نية «العم سام» الهجوم عسكرياً على إيران كما لم يصدّق أحد تعهّد طهران بعدم إغلاق مضيق هرمز في أي حال. التحركات العسكرية التي أبدتها إيران تحسباً لأي طارئ على حدودها الجنوبية البحرية، والتي لم تكن بعيدة عن الأنظار تكشف بحدّ ذاتها هشاشة الوضع الأمني في الخليج، ما يدفع بأكثر من دولة نحو التحرك من أجل تهدئة التوتر وتجنيب المنطقة نشوب الحرب بين إيران والولايات المتحدة. بناءً عليه شهدت إيران خلال الأسبوع الجاري زيارات وفود سياسية، معلنة وسرية، تحاول احتواء الأزمة التي لن تقتصر نيرانها على البلدين المتورّطين، بل تتعداهما إلى جميع دول المنطقة.

وبعد زيارة سرية لمبعوث قطري لطهران أعادت زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي المفاجئة الاثنين الماضي إلى الأذهان الوساطة الناجحة التي قامت بها سلطنة عُمان بين البلدين في عهد الرئيس باراك أوباما، وأدت إلى المفاوضات النووية. ما يميز «الوساطتين» هو أن طهران في عام 2012 لم تثق بواشنطن إلا بعدما طمأنتها مسقط إلى أن أوباما يعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم على أراضيها وبالسيادة الإيرانية.

لكن يبدو أن الزائر العماني اليوم لم يحمل معه أي رسالة تستحق النظر سوى أن ترامب مستعد للتفاوض، مع تأكيد على أن الولايات المتحدة لا تريد إسقاط النظام الإيراني، وإنما تغيير تصرّفاته، ولهذا شددت عقوباتها. والتحق الألمان بفرق الإطفاء عبر زيارة المدير العام السياسي لوزارة الخارجية الألمانية لطهران، والتي تمت تمهيداً لزيارة وزير الخارجية الألماني، مع مطالبة إيران بضبط النفس.

كما أن ثمة جهوداً عراقية تجرى بالتواصل مع الكويت، لتخفيف التوتر بين إيران والولايات المتحدة. ودخلت اليابان على الخط أخيراً بعد مضي أسبوع على زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف لطوكيو ولقائه رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، حيث أعلن عن زيارة قريبة للأخير لطهران الشهر المقبل. وتنبع أهمية زيارة آبي من أنها ستكون الأولى بعد 40 عاماً وتشي بأنها مرتبطة بنتائج زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لطوكيو اليوم. يبدو أن العلاقة الشخصية التي يتمتع بها رئيس الوزراء الياباني مع الرئيس الأميركي تتيح له القيام بوساطة ناجحة بين إيران والولايات المتحدة. واليابان من الزبائن التقليديين لنفط إيران وتتضرر من العقوبات الأميركية التي تشملها في حال استمرارها في شراء النفط الإيراني.

الجهود التي تبذلها قطر وعُمان والعراق وألمانيا واليابان وغيرها يوازيها صمت طويل سعودي ــــ إماراتي ــــ إسرائيلي (فرقة الإشعال). وهؤلاء الأطراف الذين كانوا يحرّضون الولايات المتحدة ضدّ إيران من قبل، يعرفون جيداً أن الحرب بين إيران والولايات المتحدة في الخليج سوف تصل إلى جميع أنحاء المنطقة وخصوصاً جِهاتهم وبالتالي عليهم أن يأخذوا تلك الحقيقة بالحسبان. لا يمكن لعاقل أن يتصور أن يشهد الخليج مواجهة عسكرية بين القوات الأميركية والإيرانية وفي الوقت نفسه البواخر النفطية السعودية والإماراتية تَعبُر مضيق هرمز!

تراجع الجهوزية القتالية يلجم النزعات العدوانية الأميركية

 العشرية الأخيرة شهدت تراجعاً اضطرارياً في شن الحروب يعكس انخفاضاً ملفتاً في الجهوزية القتالية للقوات الأميركية يتم التستر عليه بما يمكن وصفه بـ "الهوبرة" والتصريحات النارية، ويساعد في التستر على العجز الميداني إصرارها على ارتفاع متصاعد في نفقاتها العسكرية. فميزانية البنتاغون للعام الجاري 2019 بلغت 715 مليار دولار وصادقت لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، الأسبوع الجاري على مشروع ميزانية للعام المقبل تبلغ 750 مليار دولار – وربما سيضاف لها بنود تبرر زيادة بعض الميزانيات المخصصة في سعار سباق تبادل المصالح بين قادة الكونغرس.

التموضع العسكري الأميركي المكثف بالقرب من منابع الطاقة في المنطقة العربية تجسد بإرسال واشنطن إحدى أكبر حاملة طائرات في ترسانتها وقاذفات استراتيجية أيضاً بالإضافة لقواتها وترسانتها المتواجدة أصلاً في عموم المنطقة – من المحيط إلى ما بعد الخليج.

ثلاثية الاستراتيجية الأميركية الذهبية: الحرب الاحتواء أو التفاوض قلبته المؤسسة الحاكمة لا سيما الأجهزة الأمنية والاستخباراتية رأساً على عقب بإقرارها فشل سياسة احتواء إيران على مدى عقود أربعة سواء بالترهيب أو الترغيب، وتحاجج أنها ترمي لفرض خيار "التفاوض" على إيران بالقوة العسكرية.

قرار الحرب، على الشق المقابل من المعادلة ينطوي على آلية خاصة به، من الإعداد وتشكيل التحالفات لمحاصرة وعزل الخصم وصولاً لساعة الصفر. لكن سبر أغوار الخطوات الأميركية التصعيدية خاصة الأوضاع الذاتية للقوات العسكرية الأميركية لا تبدو مهيئة لخوض حرب "مفتوحة،" كما يحذر منه كبار القادة العسكريين في واشنطن وحلف الناتو، خارج سياق القوة العسكرية الصرفة التي باستطاعتها إحداث تدمير هائل في غضون ساعات قليلة لكن ليس بوسعها حسم نتائج الميدان بذات السرعة أو الرغبة.

قبيل أفول عام 2018 أعلن الرئيس ترامب عن حتمية "عودة كافة القوات العسكرية" من سوريا، ما لبث أن ناقضه مستشار الأمن القومي جون بولتون مطلع العام الجاري بالتأكيد على بقاء القوات الأميركية في سوريا لفترة أطول وتناغم الرئيس الأميركي مع ذلك مسنوداً بقراره للإبقاء على "400" عسكري هناك لبعض الوقت.

بعض القيادات العسكرية الأميركية لم يروقها تخبط تلك القرارات التي "تزيد من أعباء القوات والموارد الأميركية" في مستنقعات الشرق الأوسط على حساب ساحات مواجهة أخرى هي بحاجة ماسة لتلك القوات.

وأعرب قائد القوات الأميركية في المحيط الهاديء فيليب دافيدسون عن خشيته من تبديل الإدارة الأميركية للأولويات الاستراتيجية ممثلة بالتصدي "لصعود الصين وروسيا" وتسخير موارد ضرورية لمنطقة الشرق الأوسط.

وأوضح أمام حشد لجمعية القوات البرية الأميركية في هواوي، 23 أيار/ مايو الجاري، أن بلاده "تواجه تهديدات جدية، لا سيما من قبل جمهورية الصين الشعبية." واستعرض دافيدسون تناغم كل من روسيا والصين على تقييد حركة الولايات المتحدة في مياه الشواطيء الاسيوية وبأنهما "تسعيان لإنتاج نظام دولي جديد.. حيث تُخضع الدول الصغيرة والكبيرة سيادتها لمصالح دولة واحدة". وفي شهادة له أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، 12 شباط/فيراير 2019، أضاف دافيدسون كوريا الشمالية إلى قائمة التهديدات التي تواجهها بلاده في آسيا.

وشدد دافيدسون في شهادته المذكورة على أن الصين غافلت الولايات المتحدة واضحت "تسيطر بالكامل على بحر الصين الجنوبي .. وفي كافة سيناريوهات المواجهة في تلك المنطقة دون الدخول في حرب مباشرة" مع واشنطن.

هو جزء يسير من تحذير القيادات العسكرية الأميركية المتمرسة من توسيع رقعة انتشار القوات الأميركية وتبديل صناع القرار للأولويات الاستراتيجية لاعتبارات بحت سياسية، أي الإبقاء على "ردع" روسيا والصين ومنع تمددهما.

وفي ذات الفترة الزمنية صدرت دراسة معمقة لمعهد السلام الأميركي الملحق بوزارة الخارجية تشرين الثاني/نوفمبر 2018م شارك فيها كبار القادة الاستراتيجيين في المستويين السياسي والعسكري حذرت من "تآكل التفوق العسكري الأميركي لدرجة مقلقة وقدرة أميركا في الدفاع عن حلفائها وشركائها وحتى مصالحها الحيوية أضحت مبعث شك متصاعد".

فالخطوة التصعيدية بإرسال 1،500 عسكري أميركي إضافي لتعزيز التواجد العسكري في مياه الخليج والدول القريبة من إيران أرفقها ترامب بموافقته على بيع السعودية والإمارات صفقات أسلحة جديدة تبلغ قيمها نحو 8 مليارات دولار.

وإمعاناً في تهيئة الأجواء والمناخات العسكرية، أبحرت مدمرتان أميركيتان، ماكفول و غونزاليس، بذخيرتهما من الصواريخ الموجهة، عبر مضيق هرمز من دون أن تتعرضا "لمضايقة إيرانية، فرسالة الردع المتضمنة ماضية بشكل جيد"، حسبما أفاد مسؤول عسكري أميركي ليومية وول ستريت جورنال.

سعت "دولة الإمارات" استغلال مناخ التصعيد العسكري الأميركي بعرض تقدمت به للولايات المتحدة لاستخدام غير مشروط لأراضيها وأجوائها ضد إيران، والمساهمة في "استعادتها جزيرة أبي موسى" التي تنازل عنها حكام الإمارات لشاه إيران عام 1971.

التحركات الأميركية المكثفة وترسانات الأسلحة المختلفة وتموضعها بالقرب من السواحل الإيرانية هي رسالة "لردع إيران،" أو التهيئة لاشتباك مسلح يسعى الطرفان لتفاديه بينما يمضيان قدماً في الإعداد لخوضه.

لدى استعراض حقيقة القابلية الأميركية لخوض حرب أو "مواجهة محدودة" مع إيران تحذّر دراسة مركز السلام الأميركي من "الخطر الماثل أمام القوات الأميركية وامكانية اندحارها في حال اضطرارها للقتال على جبهتين أو أكثر في نفس الوقت".

بل ذهبت في تحذيرها لمستويات خطرة بالقول "قد تتعرض القوات العسكرية الأميركية لعدد كبير من الخسائر وفقدانها لموارد كبيرة أساسية" في المعركة المقبلة.

هذا الرأي شاطره صراحة التوصيف ضابط المخابرات المركزية السابق ديفيد جيو David Gieo بقوله "الولايات المتحدة ليست مستعدة للانخراط في حرب أخرى .. وقواتنا المسلحة تتمدد على رقعة أكبر من قدرتها على التحمل بل هائمة على نفسها"، (17نيسان/ابريل 2010).

وأضاف أن القوات العسكرية تعاني من جملة تحديات أبرزها "ديمومة التجنيد" بإقرار البنتاغون أن جهودها لتجنيد مزيد من المنتسبين "فشلت في تحقيق احتياجاتها للسنة المالية 2018م وحتى بعد اضطرارها لخفض سقف الشروط." واستنتج بالقول أن فشل الجيش في رفد صفوفه بانتظام يعني أنه "لم يعد يصلح لنشره" في ساحة سيشهد قتالاً حقيقيا فيها.

في هذا السياق أعلن نائب وزير الدفاع لشؤون الأفراد والجهوزية، روبرت ويلكي، في شهادته أمام لجان الكونغرس منتصف شباط/فبراير 2018، أن "نحو 14% من مجموع القوات العسكرية لا تستطيع الخدمة في ساحات أخرى،" مفسراً أن ذلك يؤدي إلى فقدان نحو 300،000 عسكري وإداري عند الحاجة لخدمتهم.

بيانات ومذكرات داخلية للبنتاغون تثير جملة أسئلة إضافية حول جهوزية قواتها العسكرية، واتساع الهوة بين الدعم الشعبي ورؤى القيادات العسكرية لرفد القوات البشرية بصورة دائمة.

مساعدة وزير الدفاع لشؤون التواصل مع الجمهور، آمبر سميث، أقرت في مؤتمر صحفي، مطلع عام 2018، صعوبة المسألة بقولها "استناداً لبياناتنا الداخلية نستطيع التوصل لخلاصة اتساع متنامي بين طموحات القيادات العسكرية ومدى تجاوب الشعب بكافة قطاعاته، ما يشكل تهديداً حتمياً لاستمرارية وديمومة قوات عسكرية قوامها الانتساب الطوعي"، (نشرة ستارز آند سترايبس، 18 كانون الثاني/يناير 2018).

واضافت أن الانطباع السائد بين العامة لا يحبذ الجيل الشاب على الانتساب الدوري، وترى أن الحياة العسكرية تسهم في "عزل وإرباك الحياة العائلية ومدى المعاناة التي يواجهها العائدون من ساحات القتال التي تسبب لهم أضراراً بدنية ونفسية وعاطفية، فضلاً عن المتاعب التي يتعرضون لها في العودة إلى نمط الحياة العادية".

ومضت مساعدة وزير الدفاع بوصف حالة التدني بين صفوف الأجيال الشابة التي انخفضت نسبة انتسابها إلى نحو 15% مقارنة مع انتساب نحو 40% في العقود السابقة ولغاية عام 1995، للدلالة على فشل سلاح الجيش عام 2005 برفد احتياجاته البشرية بما لا يقل عن 80،000 شاب وشابة.

بيانات البنتاغون المشار إليها تدل على نسبة بطالة مرتفعة، 28%، بين زوجات الجنود اللواتي تعودن على البقاء في سوق العمل والمساهمة في تحمل كلفة معيشة الأسرة، مقارنة مع نسبة 3% من البطالة بين النساء في باقي المجتمع.

وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس سعى لاستنباط آلية لنشر القوات أسماها "ديناميكية تسخير القوات" والتي ترمي لاتباع القادة العسكريين إجراءات أفضل لنقل وتبديل محدود للقوات الأميركية بسرعة في أي مكان من العالم - بحسب وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2017 التي أقرتها ادارة الرئيس ترامب قبل عامين.

وأشارت الوثيقة إلى أن الآلية المقترحة ".. لن تكفي لتجسيد الحضور الأميركي المطلوب لردع التهديدات الماثلة أمام المصالح الأميركية" في المنطقة العربية، بل إن "القوات الأميركية بوضعها الراهن ليس بوسعها الاستجابة لمتطلبات الدفاع عن كافة المصالح الكونية."

كلفة الحروب الأميركية تستمر في التصاعد للأعلى. إذ توصلت دراسة أجراها معهد واتسون للشؤون الخارجية والعامة بجامعة براون أن ميزانيات الحروب لغاية السنة المالية الحالية، 2019، بلغت نحو 6 تريليون دولار.

وزير الدفاع السابق ماتيس وكبار القادة العسكريين والاستراتيجيين يدركون حقيقة حدود سلاح الجو وحده في حسم أي معركة بل لم يثبت أي سلاح جو قدرته على حسم نتيجة معركة بمعزل عن القوات البرية وروافدها، مشاة البحرية والقوات الخاصة لفوز سريع قليل الكلفة.

استناداً إلى ما تقدم خاصة التوصيات الواردة في وثيقة استراتيجية الأمن القومي، قد يمكن الاستنتاج أن هاجس القيادة العسكرية الأميركية في منطقتنا هو الحفاظ "على الوضع الراهن" وعدم الانزلاق إلى مواجهة ولو محدودة، اتساقاً مع أبرز أركان أهدافها الاستراتيجية المتثملة باستقرار الأوضاع بما يخدم المصالح الأميركية.

المواجهة العسكرية هي نقيض الاستقرار المنشود. وقد أوجزتها دراسة أجرتها مؤسسة هاريتاج تحث الإدارة الراهنة على انتهاج "نمط متوازن مضبوط الحركة" في عموم المنطقة لمواجهة "تمدد إيران. وفي الوقت نفسه إشراك عدد أكبر من الشركاء الإقليميين لرفد جهود تطبيق حلول أمنية مستدامة" في المنطقة. (التحضير لاستراتيجية أمن قومي لأميركا لعام 2020 وما بعد 23 أيار/مايو 2019).

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية