المرصاد نت - متابعات
هو القرن الإفريقي على البحر الأحمر صاحب الأهمية التجارية العالمية كونه يربط قارات العالم الثلاث (آسيا، أفريقيا، أوروبا) ولذلك يُعدّ من أهم طرق الملاحة البحرية في العالم ونظراً لوجود قوى عظمى متصارعة على النفوذ، ووقوع دول شرق أوسطية عربية وإسلامية إلى جانب الكيان الصهيوني، عليه فمن الطبيعي أن يكون أحد أخطر وأكثر الساحات التي تشهد صراعاً دولياً كبيراً.
فمنذ 2012 بدأت السياسة الخارجية للإمارات تتجه أكثر فأكثر نحو المزيد من العَسكرة التي تتمدّد في (آسيا وأفريقيا) فدويّ الطلقات النارية التدريبية الذي يتردّد صداه في صحاري الإمارات بالقرب من القواعد العسكرية خارج دبي والمظاهر العسكرية الأخيرة في العاصمة أبو ظبي تكشف عن أن الدولة مستعدّة لخوض معارك أكبر خارج البلاد مع عسكرة مستمرة في الإمارات.
واقع الأمر أن الإمارات تبدو في طريقها إلى ذلك بتوزيع قواتها في قواعد عسكرية خارج البلاد ومع مرور الوقت تظهر قواعد عسكرية جديدة. ووفق ما ورد في تقرير استخباراتي نشره موقع «تاكتيكال ريبورت» المتخصّص في تقديم معلومات استخبارية حول الطاقة والدفاع في الشرق الأوسط فإن محمّد بن زايد كشف أمام قادة عسكريين إماراتيين عن رغبته في "تعزيز دور البحرية الإماراتية" في تأمين (ساحل اليمن حتى باب المندب) ضمن خطة استراتيجية لتوسيع الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الأفريقي. يلخّص هذا التقرير القواعد العسكرية الإماراتية خارج الحدود.
في المقابل للقرن الإفريقي حيث اليمن هناك تمتلك الإمارات قاعدة عسكرية واسعة في جزيرة قرب "باب المندب". وذهبت صوَر بالأقمار الصناعية التقطت في كانون الثاني/ يناير 2017 لتبيّن وجود بناء جديد لمدرج بطول 3200م على جزيرة ميون الواقعة في باب المندب وتربط بين اليمن وجيبوتي. وإن تملك الإمارات إلى جانب ذلك قواعد عسكرية لقوات برية في عدن ومأرب.
بالنظر لخريطة التحَـرّك الإماراتي في القرن الإفريقي سنجد شوطاً كبيراً قطعته الإمارات نحو بناء عديد القواعد العسكرية هناك، حيث بدأت تنفيذ مُخَطّطات عسكرية في الدول الواقعة على البحر الأحمر وعلى رأسها اليمن، عبر البدء بإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون اليمنية قرب باب المندب، وقبل ذلك وقّعت اتفاقية لتأجير جزيرة سقطرى اليمنية لمدة 99 عاماً وهناك بدأت الإمارات بتجنيد المئات من أبناء الجزيرة والبدء بمنحهم الجنسية الإماراتية تمهيداً لتنفيذ مُخَطّط لضمّ الجزيرة للسيادة الإماراتية.
لقد شهدت منطقة القرن الأفريقي تنافساً بين القوى العالمية الكبرى للتمركز في هذه المنطقة من العالم حيث تكتسي هذه المنطقة الممتدة على سواحل (الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا وكينيا) أهمية تجارية كبرى فهي تطل على المحيط الهندي من ناحية وعلى مدخل البحر الأحمر الجنوبي من ناحية ثانية، عبر مضيق باب المندب. وهو ما أهّلها لأن تتحكّم في طريق التجارة العالمي خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى الغرب، كما أنها تُعد ممراً مهماً لأية تحرّكات عسكرية قادمة من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية باتجاه منطقة الخليج العربي. ما شجّع الإمارات أن تستأجر الموانئ والجزر، بعد أن أقرّ البرلمان الصومالي في شباط/ فبراير 2017م الموافقة على قرار إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة شمال غرب البلاد.
لا تعتبر هذه القاعدة العسكرية التواجد الأول أو الوحيد للإمارات في المنطقة فخلال 2016 حصلت شركة "موانئ دبي" على امتياز إدارة مرفأ بربرة لمدة 30 عاماً. وإن لم يقتصر الحضور الإماراتي في سواحل القرن الأفريقي على الصومال فقط، فبحُجَّة المخاوف من التهديدات الإيرانية والعدوان الذي تشارِكُ الإمارات فيه على اليمن فيذكُرُ معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أنه "وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة عقد إيجار لمدة ثلاثين عاماً كجزءٍ من اتفاقية الشراكة المُبرَمة؛ لغرض إقامة قاعدةٍ عسكرية للإمارات في ميناء عصب بأرتيريا".
منذ 2017 وحسب الموقع العسكري البريطاني "جاينز" فإن صوَر الأقمار الصناعية أظهرت عمليات بناء المدارج، تعتبَرُ منطقةُ الشرق الأوسط، التي تنتمي إليها الإمارات منطقةً يُطلق على دولها بأنها "دول ملعب" بمعنى أن الجغرافيا السياسية لا تسمح لها بأن تكون "لاعباً دولياً" وبالتالي ولعدة أسباب خاصة بها فإن الإمارات لا يمكن أن تكون قوة عسكرية مؤثرة ومتوسّعة في المنطقة، ولذلك فإن تحَـرّكاتها لبناء قواعد عسكرية ما بين (الجزر اليمنية وباب المندب ودول القرن الأفريقي) الواقعة على البحر الأحمر ليست سوى غطاء لتحَـرّكات دولية تتقنّع بغطاء وتمويل خليجي.
يبقى في النهاية أن هذه التحَـرّكات الإماراتية التي قد تبدو في ظاهرها بأنها طموحٌ لامتلاك نفوذ في دول القرن الإفريقي إلا أن هناك كثيراً من الحقائق والعوامل والأسباب التي تؤكّد أن الإمارات تتصدّر مشروعاً لصالح غيرها. من تلك الحقائق أنها دولة قامت على حماية بريطانية وانتقلت لحماية غيرها مع تراجع القوّة البريطانية وبالتالي فإن الدولة التي يبلغ تعداد جيشها بضعة آلاف وتأريخها العسكري كلها لا تؤهلها لأن تكون دولة ذات تواجد عسكري عابر للحدود وهو ما يجعلها أقل قدرة من ذلك على حماية مصالحها خارج حدودها.
عليه يمكن القول إن التطوّرات المتصاعدة في الشرق الأوسط ستدفع في اتجاه إعادة تشكيل القرن الإفريقي ما سيجذب العديد من الفاعلين الذين يجدون أن هذه التطوّرات تحمل فرصاً حقيقية لتدعيم مصالحهم وسيسعى هؤلاء للبحث عن مواقع داخل الإقليم وجواره الجغرافي. وهنا تبرز أهميته كأحد الأقاليم الفرعية المهمة لإقليم الشرق الأوسط. وتتعاظم فرص الفاعلين الخارجين في ظل تركيز النُظُم السائدة هناك على استقرار نُظُمها فقط، فمصالح هذه النظم أقل من الإقليمية ما يجعل من الصعب إنشاء نظام فعّال للأمن الجماعي.
قراءة : محمد عبد الرحمن عريف - كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية
المزيد في هذا القسم:
- قمة الظهران «مخيم نزوح» للحكام العرب المرصاد نت - متابعات قمة فشل عربي تضاف إلى 28 قمة عربية مشابهة. المستفيد الأوحد فيها هو السعودية التي تحاول تكريس «محوريتها» عربياً في غمرة العجز ...
- توقعات بنزوح مليون شخص من الموصل والجيش العراقي يعلن مقتل نائب البغدادي المرصاد نت - متابعات قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الجمعة إن نحو مليون شخص قد يضطرون للنزوح في الفترة المقبلة مع محاولة القوات العراقية استعادة مدينة المو...
- موسكو تُطلق يدها في آسيا: الغاز يُرسّخ العلاقات الروسية - الصينية! المرصاد نت - متابعات اعتباراً من يوم أمس تاريخ تدشين أنبوب الغاز الروسي - الصيني المشترك «قوة سيبيريا» أصبح البلدان أمام أفق جديد من العلاقات سيحمل كما قال ال...
- السعودية أكبر مستورد للسلاح وأمريكا أكبر مصدر في 2015 المرصاد نت - متابعات في ظل استمرار صفقات السلاح السعودية الأمريكية وبعد قرابة عام ونصف من العدوان الغاشم على اليمن تظهر السعودية - وخلال عام واحد فقط من عدوان...
- اليوم الأول من هدنة إدلب: التزام لا يبدّد الشكوك ! المرصاد نت - متابعات في اليوم الأول من وقف إطلاق النار في إدلب شهدت خطوط التماس التزاماً شبه كامل بالتهدئة فيما خلت سماء المنطقة من أيّ تحليق لطائرات حربية أو...
- تظاهرة في بيروت: "الفقراء لن يدفعوا ثمن السياسات الخاطئة" المرصاد نت - متابعات تتدحرج التحركات الاحتجاجية في لبنان فبعد تظاهرات واعتصامات شهدتها مناطق لبنانية عدة نظم الحزب الشيوعي والتنظيم الشعبي الناصري تظاهرة حاشد...
- البحرين : 3 أحكام إعدام في ساعات... و«الترحيل القسري» متواصل المرصاد نت - متابعات بعد أقلّ من أربع وعشرين ساعة على إصدارها أحكاماً بإعدام مواطِنين وسجن 56 آخرين وإسقاط الجنسية عن 47 منهم أصدرت السلطات البحرينية أمس أحكا...
- قوى الحرية والتغيير السودانية تهدد بالعصيان المدني! المرصاد نت - متابعات يتجه طرفا الصراع في السودان إلى التصعيد مع دخول الإضراب العام الذي دعا إليه تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير» حيز التنفيذ اليوم (الثلاثاء...
- الحظر الأميركي الجديد .. بداية الحروب التجارية؟ المرصاد نت - عامر محسن لا ينبئ الحظر الإلكتروني الأميركي الجديد، فحسب بخسارات كبرى لشركات الطيران المتمركزة في الخليج والشّرق الأوسط بل قد يكون بداية لسياسة ح...
- 24 دولة تندد بسجل حقوق الإنسان في السعودية! المرصاد نت - متابعات أبدت 24 دولة أغلبها أوروبية قلقها العميق بشأن تقارير عن تعذيب واحتجاز غير قانوني ومحاكمات غير عادلة لنشطاء منهم نساء وصحفيون في السعودية....