تجاذبات موسكو ـــ أنقرة مستمرة: النار تطاول النقاط التركية !

المرصاد نت - متابعات

لم يكن ثاني أيام «الهدنة» المفترضة في «جيب إدلب» اعتيادياً إذ بدأ بمقاربتين متباينتين من عرّابيها. موسكو أعلنت فجراً عن تفاهم لتهدئة «شاملة» (بعد 24 ساعة من موعد إنفاذها) نضج Hamaa2019.6.14عبر قنوات التواصل مع الجانب التركي، فيما خرج مسؤولو الأخير للتأكيد أن الحديث عن وقف كامل لإطلاق النار غير دقيق «في الوقت الحالي». التباين المعلن في موقف البلدين، ولا سيما موقف أنقرة، لا يخرج عن الأدبيات اللازمة لإدارة العلاقة مع الأطراف الفاعلة على الأرض. إذ يجهد المسؤولون الأتراك في استخدام لغة تُصوّرهم في خندق القتال مع الفصائل المسلحة في الشمال السوري، من دون أن يغيّر ذلك من مجريات محادثاتهم مع روسيا وفق قنوات «اتفاق سوتشي». ولكن اللافت أمس أن هذا التباين جاء مدفوعاً بتطوّر ميداني غير مسبوق إذ استُهدفت نقطة مراقبة تابعة للجيش التركي في جبل شحشبو بعدد من القذائف الصاروخية، تسببت بإصابة عدد من العسكريين المتمركزين فيها لتخرج روايتان متباينتان عما جرى من موسكو وأنقرة أيضاً.

وزارة الدفاع التركية أعلنت إصابة ثلاثة جنود يتبعون لها جراء سقوط 35 قذيفة «هاون» أطلقها «عمداً» عناصر تابعون للحكومة السورية على إحدى نقاطها في إدلب. وأشارت الوزارة إلى أنها أبلغت الجانب الروسي بهذه الحادثة وأنها مستعدة للردّ في حال «تكرر ذلك». وخلال وقت قصير خرج بيان من وزارة الدفاع الروسية، يقول إن الهجوم على نقطة المراقبة التركية نُفّذ من جانب «جماعات إرهابية»، وإن القوات الجوية الروسية ردّت على منفّذيه واستهدفت بأربع ضربات جوية مواقع «وفق إحداثيات أعطاها الجانب التركي... مدمّرة تجمّعاً كبيراً لمسلحين». وترافق التناقض في التصريحات مع استمرار التصعيد في «جيب إدلب» ولا سيما القصف الجوي على عدد كبير من المواقع قرب خطوط التماس، وأعمق داخل الجيب.

الأحداث الميدانية تشي بأن الهدنة ليست «قيد التنفيذ» ولكن تعاطي الجانبين الروسي والتركي يوحي بأن هناك إرادة لمنحها الفرصة المناسبة. إذ ضبط الجانبان تبعات هذا الحديث الاستثنائي، من دون أن يخرج التصعيد عن المألوف على خطوط التماس. وكان لافتاً في موازاة هذه التطورات النشاط الدبلوماسي الذي استضافته أنقرة خلال اليومين الماضيين. إذ استقبل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو نظيره الفرنسي جان إيف لودريان والمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن. وفي اللقاءين كان ملف إدلب حاضراً بشكل رئيس إذ شدد جاويش أوغلو أمام ضيفه الأممي على ضرورة «حماية منطقة خفض التصعيد في إدلب... ودفع العملية السياسية» فيما أكد الزائر الفرنسي أن بلاده تدعم تركيا في شأن إدلب وخاصة «ضمان الالتزام بوقف إطلاق النار لأن الوضع يمكن أن يكون له تأثير خطير ومتفجر للغاية».

وأضاف إن «أي خطوة يمكن أن تتداخل مع وقف إطلاق النار قد تكون لها عواقب وخيمة علينا جميعاً». وعلى رغم التوافق بين جاويش أوغلو ولو دريان في شأن إدلب، ظهرت الخلافات حول شرق الفرات علناً في تصريحات الطرفين ولا سيما العلاقة الفرنسية الدافئة مع حزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري و«وحدات حماية الشعب» الكردية. وإلى جانب الزيارات اللافتة، بحث المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن الملف السوري (وسواه)، مع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في اتصال هاتفي أمس. كما ناقش مع الجانب الروسي كيفية «إنهاء النظام السوري هجماته التي يسعى من خلالها إلى استفزاز أنقرة عمداً والسيطرة على مساحات في إدلب» على حدّ ما نقلت عنه وسائل الإعلام التركية.

معارك «جيب إدلب» مستمرة
لم تتغير خريطة السيطرة في ريف حماة الشمالي رغم استمرار الاشتباكات والقصف الجوي والمدفعي أمس في المناطق على جانبي خط التماس. الفصائل المسلحة أطلقت عدداً من القذائف على بعض بلدات الريف الحموي الشمالي والغربي فيما استهدفت مدفعية الجيش وطائراته مواقع في الزكاة والأربعين وحصرايا والجبين كما في كفرزيتا واللطامنة ومورك بريف حماة الشمالي إلى جانب معرّة النعمان وحيش بريف إدلب وتمكّن الجيش من إسقاط طائرة مسيّرة كانت تحاول استهداف قواته في محيط تل ملح، شمال محردة.

ورغم أن الأعين لا تزال على تطورات ريف حماة فإن ريف اللاذقية الشمالي الشرقي كان له النصيب الأكبر من الاشتباكات ولا سيما في محيط بلدة كباني. ومع أن المعارك على ذاك المحور لم تغيّر ـــ حتى وقت متأخر من أمس ــــ نقاط السيطرة فإنها تكشف أن الجيش لن ينتظر حسم الجولة في ريف حماة الشمالي قبل المبادرة إلى تحريك المحاور التي كان يحاول التقدم فيها سابقاً.

وبينما تناقلت أوساط معارضة معلومات تفيد بأن الجانب التركي أبلغ قادة الفصائل أن هناك محادثات متواصلة مع الجانب الروسي من أجل التهدئة جدّد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف تأكيده ضرورة «القضاء على التنظيمات الإرهابية» في إدلب ومطالبته أنقرة بالمضي في تنفيذ التزاماتها بموجب «اتفاق سوتشي».

على صعيد آخر وفي زيارة لافتة لمصر التقى ممثل وزير الخارجية الأميركي الخاص إلى سوريا، والمبعوث الخاص إلى «التحالف الدولي»، جايمس جيفري وزير الخارجية المصري سامح شكري والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط. جيفري الذي رافقه المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جويل رايبرن أطلع شكري على «الرؤية الأميركية تجاه مُستجدات الأوضاع في سوريا» وأكد «تقدير بلاده ودعمها للدور المصري المهم على صعيد إنهاء الأزمة السورية» على حد بيان وزارة الخارجية المصرية.

في المقابل أوضح شكري «مُحددات الموقف المصري تجاه الأزمة السورية» وأهمها وفق الوزارة «الحفاظ على وحدة الدولة السورية وسيادتها وسلامة أراضيها... ودفع العملية السياسية، بالتوازي مع جهود التصدي للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة هناك». أما أبو الغيط فنبّه إلى «خطورة التدخلات الإيرانية والتركية على وجه التحديد بما في ذلك ما يتعلق بالمسعى التركي لإقامة ما يسمى منطقة آمنة في شمال سوريا ومنطقة إدلب».

خلاف روسي ــ إسرائيلي على جدول أعمال القمة الأمنية
تكشف التسريبات الواردة من تل أبيب وجود خلاف بين أطراف القمة الأمنية الأميركية ــــ الإسرائيلية ــــ الروسية المقرر عقدها قريباً في القدس المحتلة حول جدول أعمال اللقاء وأولوياته. إذ تريد الولايات المتحدة وإسرائيل وفقاً لما ذكرته قناة «كان» العبرية أن يتركّز جدول الأعمال حول الأنشطة الإيرانية في المنطقة، وتحديداً في سوريا ولبنان، فيما ترغب روسيا في أن تركز القمة على «اليوم الذي يلي» انتهاء الحرب السورية أي على مرحلة ما بعد الحرب والحلّ السياسي النهائي.

في هذا الإطار يبدو واضحاً أن الروسي يدفع في اتجاه إعادة التطبيع مع الدولة السورية وتسهيل عملية إعمارها مع حفظ المكتسبات الروسية في سوريا نفسها وعبرها في المنطقة عبر الإقرار الدولي بهذه المكتسبات، وليس التسليم القسري بها فقط. أما وجود إيران وحلفائها فبإمكان موسكو التعايش معه في الحرب وما بعدها، ضمن تسويات تحفظ مصالحها وكذلك مصالح إيران وفي المقدمة مصالح الدولة السورية المقبلة التي من دونها قد تفسد سلة المصالح الروسية نفسها.

في المقابل وبعد تحوّلها عن هدف إلحاق الدولة السورية بمحور «الاعتدال العربي» (وما يعنيه ذلك من حصار لحزب الله في لبنان) باتجاه التموضع الدفاعي الوقائي ومحاولة تقليص ما أمكن من تهديدات البيئة الأمنية الجديدة على إثر فشل حلفائها عسكرياً في سوريا، تسعى إسرائيل إلى إخراج إيران من سوريا تحديداً ومنع ما تسمّيه «التمركز الإيراني» فيها على اعتبار أن هذا «التمركز» سيتكامل ــــ في حال الاشتباك ــــ مع التهديد القائم على الساحة اللبنانية وهو «سيناريو كابوس» وفق تعبير ضابط رفيع في الجيش الإسرائيلي.

مع ذلك يتعذر على إسرائيل توفير البضاعة للروسي حتى إن وضعت موسكو مقايضة الوجود الإيراني على طاولة المفاوضات وهو أمر غير مستبعد في ذاته روسياً وإن على أسس وإمكانات مغايرة لما يجري تداوله. هنا تراهن تل أبيب على الجانب الأميركي في إمكانية إنجاح هذه المقايضة. لكن السؤال: هل الأميركيون في وارد شرعنة وجود روسيا والتسليم بنفوذها عبر تسهيل ولادة الحل السياسي الذي تطمح إليه؟ يبدو أن الأميركيين يعملون على تحقيق الهدفين أي منع الحل السياسي وإخراج الإيرانيين بلا تسويات ولا مقايضات. وعلى رغم أن تصريحات الرئيس دونالد ترامب قد توحي بإمكانات مغايرة إلا أن سرعة تراجعه عن قراراته وإعادة الاشتباك الصامت مع روسيا في سوريا، تنبئان بوجود تعقيدات وعقبات أميركية تزيد عن المنظور منها.

العام الماضي التقى ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة البولندية هلسنكي وكان «النفوذ الإيراني» في المنطقة كما أكد الأول آنذاك من المواضيع الرئيسة على جدول أعمال اللقاء: «تحدثنا عن هدفي المتمثل في إيقاف إيران. لقد أوضحت أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بالاستمرار في التمركز في سوريا». قيل الكثير عن اللقاء وعن إنجاز الاتفاق بين الجانبين وعن «طرد» الإيرانيين من سوريا ووردت في ذلك قصص وروايات لم يكن بالإمكان حصرها لكن الواقع أثبت لاحقاً النقيض. فما الذي استجدّ كي تكون نتيجة القمة الأمنية في القدس المحتلة مغايرة؟ قد تكمن الإجابة في ما قاله بوتين أمس في مقابلة مع قناة «مير» الروسية حيث أشار إلى أن العلاقات مع الولايات المتحدة متدهورة وتنتقل من سيئ إلى أسوأ مذكّراً بأن «الإدارة الأميركية الحالية اتخذت خلال الأعوام الأخيرة عشرات القرارات المتعلقة بالعقوبات» ضد روسيا.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية