في خسارة "العثمانيين" الجدد لعاصمة الخلافة !

المرصاد نت - متابعات

أبانت الانتخابات البلدية التركية عن نتائجها النهائية، ومنحت حزب الشعب الجمهوري الولاية على البلدية التي تعُتبر بيضة القبان لحزب رجب طيب أردوغان.Tourkiya2019.6.25

توجد حالة واضحة من "استنكار الواقع" بعد طول إنكاره, تتلبّس بقياديي حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم أردوغان والذين يتوجسون من مآلات خسارة اسطنبول ويتخوفون من النهايات شبه الحتمية لخروج عاصمة الخلافة العثمانية من جلباب العدالة والتنمية.

تحمل اسطنبول من الرمزية السياسية والثقافية لدى إسلاميي تركيا ما لا تحمله باقي المدن والمحافظات, فهي تتجاوز "قونية" مهد الحركات الصوفية ومرقد الإمام جلال الدين الرومي، وتفوق "أنقرة" معقل الحركة العلمانية الأتاتوركية, وتتقدّم على مدن "إزمير" و"أنطاليا" عُمق السياحة التركية.

فبمعيّة الاعتبار التاريخي في المخيال الإسلاموي لاسطنبول بكونها "عاصمة الخلافة الماضية والقادمة", فإنّ جزءاً من سرديّة الاستنهاض لإسلاميي تركيا مرتبط بمحافظة اسطنبول, ذلك أنّ مسلسل السيطرة على منظومة الحُكم ومقاليد الحكومة في تركيا انطلقت بوصول رجب طيب أردوغان كرئيس لبلدية اسطنبول في 1994.

صحيح أنّ بداية التأريخ لحركات الإسلام السياسيّ في تركيا تبدأ في أكثر القراءات تأصيلا وتحصيلاً، مع حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان، وصحيح أيضاً أنّ رجب طيب أردوغان هو استكمال تراكميّ لما بدأه أربكان, ولكنّ الصحيح انّ بداية التمكين لإسلاميي تركيا ومقدمّات قلب الطاولة على الجيش وعلى المنظومة العلمانية الأتاتوركية انطلقت مع استحواذهم على بلدية اسطنبول.

كافة معارك إسلاميي تركيا مع المنظومة القضائيّة في مرحلة أولى، ومع المنظومة العسكرية والأمنية في مرحلة ثانية، ورحلة إعادة الروح لمشروع "العثمنة" بما يعنيه من قوّة ناعمة ظاهرها "الدين العابر للقوميات" وباطنها خلق معاقل نفوذ للدولة التركيّة القوميّة, استأنفت من محطّة اسطنبول خلال منتصف التسعينات من القرن المنصرم.

لا جدال بأنّ إسلاميي تركيا أحسنوا إدارة الصراع مع المنظومة القضائية والعسكريّة, واستغلوا الهوامش المتروكة ضمن العملية الدمقراطية للانخراط تدريجياً في المشهد السياسي أولا وفي مفاصل الدولة ثانيا, ولا جدال أيضا بانّ حاكميّة الجيش على علمانية الدولة لا معنى له في دولة مدنيّة, ولكنّ الأصحّ عن كل ما سبق أنّ إسلاميي تركيا وظّفوا "تناقضات الديمقراطية في تركيا", لـ"إحلال استبداد الفرد", فانقلبوا على الديمقراطية وعمّقوا التناقضات في المشهدية السياسيّة.

يخشى إسلاميو تركيا أن تكون الهزيمة في اسطنبول بمثابة استدارة الزمان السياسيّ ضدّ مشروع الأردغنة, سيما عقب المراجعات السياسية التي قامت وتقوم بها الأحزاب المعارضة عقب الخسارات والانكسارات المتتالية في كافة الاستحقاقات الانتخابية في البلاد.

وفي الوقت الذي تعكف فيه الأحزاب والحركات السياسية – بما فيها الحركة الكردية- على مراجعة عميقة لأدائها وسياساتها وخطابها, انطلاقاً من المصالحة مع الهوية الدينية والثقافية, ومروراً بدمقرطة الهياكل الحزبية, وليس انتهاء بتقديم التحالفات والتفاهمات على منطق التقارب الإيديولوجي, يعيش حزب العدالة والتنمية أزمة هيكلية وبنيوية عميقة جزء منها مرتبط بشخصنة الحركة, والجزء الآخر متعلّق بشبكات العلاقات الزبونية التي صنعها أردوغان على ضفاف وهامش السلطة, والجزء الثالث في تماس بالإشكاليات الإقليمية والتي حالت دون وضعية مريحة للحزب سواء داخل البلاد أو خارجها.

هزيمة اسطنبول مؤشر واضح بأنّ الحزب الذي تملّك الدولة وشخصن مؤسساتها و"عثمن" سردياتها وخطابها, يعيش حالة وهن سياسيّ أفقدته جزءاً معتبراً من عمقه ومن خزانه الانتخابيّ, فيما الأحزاب التي كثيراً ما اُتهمت بتوظيف الجيش ضدّ خصومها, بدأت تتعافى من متلازمة تدخّل العسكر ومن التنائي غير المبرر عن هوية البلاد والعباد.

المُفارقة أنّ الحزب الذي جيّر الدستور ومؤسسات الدولة وفق هويّته السياسية وهوى رئيسه, فحوّل النظام البرلماني الذي كان السبب في دخول الإسلاميين إلى السلطة- إلى نظام رئاسيّ صرف, وصيّر المؤسسات الديمقراطية إلى مؤسسات في يد السلطان أردوغان, يجني اليوم ثمار ما صنعت يداه.

ذلك أنّه من الطبيعيّ أن يعجز الحزب الذي بنى مشاريعه السياسية على شخص الرئيس, وحملاته الانتخابية من البلدية إلى الرئاسية على كاريزما أردوغان, عن إقناع الرأي العام بأنّ هناك شخصيات اعتبارية أخرى قادرة على تحمّل المسؤولية وإنقاذ الاقتصاد التركي المتهالك وانتشال الوضع الاجتماعي المترديّ, حتّى وإن كان هذا الشخص "رئيس الوزراء الأسبق بن علي يلديريم".

ومن الطبيعي أيضاً أن الحزب الذي يفقد منظومة "الديمقراطية الداخلية", بعد أن أحال عبد الله غول وعلي بابا جان وأحمد داوود أوغلو على الهامش, أن يعجز عن تقديم صورة الحزب التشاركي والديمقراطي سواء للناخب التركي أو لحلفائه السياسيين.

وما لم يستوعب الحزب أنّ الديمقراطية ليست بابا يوارب ويُغلّق بمجرّد الدخول, وانّ ما يضمن الديمومة والاستقرار ليست الكاريزما القيادية, ولا تطويع الدولة من أجل شخص, وإنما المراجعة العميقة ودمقرطة الدولة والحزب سويّة, فإنّ "العدالة والتنمية" مقبل لا فقط على أنصاف هزائم كما حصلت في الانتخابات المحلية الحالية وإنما على نكسات ونكبات جديدة....

زلزال اسطنبول... هل يوقظ حزب العدالة والتنمية؟

ليس خبراً عادياً أن يخسر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رئاسة بلدية اسطنبول، فهو القائل صبيحة دورة الإعادة عن انتخاباتها انها سترسم مستقبل المدينة السياسي.
لم يبُح إردوغان بما يجول في خاطره كاملا ، فالرجل موقن بأن اسطنبول هي مفتاح الوصول الى الرئاسة والذي احتفظ فيه قائد العدالة والتنمية مع رفاقه طوا لربع قرن...
هو زلزال سياسي اذاً، فعرش الطيب اردوغان اهتز تحت وطأة ضربات الشاب الاربعيني الواثق من خطاه اكرم إمام اوغلو؛ لعل أكثر ما يثير قلق اردوغان هو وجه الشبه في سيرته مع من يرشحه المراقبون ليجلس مكانه بعد أربع سنوات، فأكرم إمام اوغلو مثله كمثل إردوغان، درس كالرئيس التركي إدارة الاعمال وتخرج من بلدية إسطنبول ، فيما تخرج إردوغان من جامعة مرمرة، امتدت أوجه الشبه الى الرياضة، ، حيث لعب أوغلو كرة القدم هاويا خلال سنوات دراسته، ثم لعب في نادي طرابزون لكرة القدم، كما عمل مديرا لنادي بيليك دوزو سبور، وليكتمل المشهد ها هو ابن مدينة جيفيزلي بمدينة طرابزون، يعتلي رئاسة أهم مدينة في البلاد، كما فعل اردوغان الذي خط طريقه الى الرئاسة من بوابة إسطنبول عندما تولى رئاسة بلديتها عام 1994.
كل ما سبق يؤكد أن فوز مرشح حزب الشعب سيدفع الأحزاب المعارضة إلى الرهان عليه للعبور نحو رئاسة قبض عليها إردوغان وحزبه منذ العام 2007 ، والسؤال الملح المطروح هل توقظ صفعة إسطنبول العدالة والتنمية وتدفعه الى اجراء مراجعة شاملة قبل ان يسبق السيف العزل؟
سؤال لن يجيب عليه الا سيد الحزب "إردوغان" ، فبنظرة سريعة نجد أن المراجعة لا بد أن تتضمن ملفات من العيار الثقيل.
في الداخل يواجه إردوغان مصاعب تبدأ من بيته الداخلي صنعها بيديه، فهو أقصى رفاق الدرب من صنعوا معه مجد العدالة والتنمية، لائحة يتصدرها الرئيس السابق عبد الله غل ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان، والقيادي البارز بولنت أرينتش، مروراً بمحمد شمشيك، وبشير أطلاي وغيرهم.
الحريات باتت أيضا هاجسا يؤرق الشعب التركي، فالرئيس وحزبه حققوا مع اكثر من ستمئة الف شخص واعتقلت الشرطة الألآف من الموظفين والعسكريين منذ محاولة الإنقلاب الفاشلة عام 2016 .
ولا يمكن أن ننسى الوضع الإقتصادي المتدهور حيث سجل مؤشر الثقة الإقتصادية أدنى مستوى له في أيار مايو منذ أكتوبر عام 2018 بحسب معهد الإحصاء التركي.
هذا جزء من ملفات الداخل، اما في الخارج فحدث ولا حرج، فالرئيس التركي الذي تغنى في احد الأيام بسياسة صفر مشاكل، اشعل نار الخلافات مع العالم الخارجي، فنسف العلاقات المميزة مع سوريا، عندما فتح حدوده للمجموعات المسلحة وسار بركب المراهنين على إسقاط النظام وهو صاحب المقولة الشهيرة سأصلي في "المسجد الأموي وأزور قبر صلاح الدين" فلا زار المسجد ولا قرأ فاتحة مع الإشارة الى انه لم لم يكن يوما ممنوعا من زيارة الشام التي كانت تربطه يوما بها وبرئيسها علاقات أكثر من مميزة، فها هو خسر اسطنبول فيما يستعد "الأسد" لإستعادة إدلب ليعلن معها النصر الكامل على الإرهاب ويضيفها الى غالبية المحافظات السورية التي حررها الجيش السوري.
وسّع اردوغان قُطر خلافاته العربية، فعادى مصر بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، ودخل مباشرة على خط الخلاف الخليجي مصطفا الى جانب قطر بمواجهة السعودية والامارات والبحرين، ولم يعالج حتى الآن خلافاته مع الأوربيين وكاد أن ينسف علاقات بلاده مع روسيا قبل أن يستدرك الموقف ويعالج مأزق اسقاط الطائرة الروسية مع الرئيس فلاديمير بوتين.
شائكة اذا درب العدالة والتنمية فمواصلة الطريق نفسها بات يهدد مستقبل الحزب سياسيا ربما تتضح أكبر تجلياته في رئاسيات 2023 ، أما المراجعات فستحتاج إلى جرأة قد يضطر معها "رجب طيب إردوغان" إلى تقديم تنازلات قد تحمل طعم الهزيمة لإردوغان نفسه، ولكنها قد تشكل حبل النجاة "للعدالة والتنمية" فأي الطريقين سيسلك إردوغان؟

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية