هل يدغدغ ترامب أحلام أردوغان العثمانية في شرق الفرات؟

المرصاد نت - متابعات

تُوّج التفاهم الأميركي ــــ التركي حول مصير المناطق الحدودية في شرقي الفرات وما تلته من تعليقات رسمية من الطرفين، باتصال هاتفي بين المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالنTourkiaa2019.8.10 ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أمس (الجمعة)، لتطويب ما أنتجه عسكريو البلدين بإعلان «رئاسي». القراءة التركية للاتصال أوضحت أنه تضمن «نقاش قضايا تشكيل منطقة آمنة في شمالي سوريا، وإنشاء مركز العمليات المشتركة وزيادة حجم التجارة الثنائية»، مشيرة إلى أنه «بالنظر إلى الحساسيات الأمنية لتركيا، ينبغي تنفيذ الاتفاق المتعلق بتشكيل منطقة آمنة في أقصر وقت ممكن». وكرّر بيان الرئاسة التركية الرسمي الحديث عن ضرورة «استبدال الممر الإرهابي بممر السلام، وتوفير بيئة مناسبة من أجل عودة النازحين السوريين إلى بلادهم بأمان»، مضيفاً أن ملفَي «اللجنة الدستورية» و«تسريع عملية الانتقال السياسي» نوقشا خلال الاتصال أيضاً، إلى جانب تفاصيل زيارة الرئيس دونالد ترامب، إلى تركيا، المزمع إجراؤها خلال هذا العام. وحتى وقت متأخر من ليل أمس، لم يخرج بيان من الجانب الأميركي حول تفاصيل الاتصال وما جرى نقاشه من قضايا ضمنه.

وجاء هذا التواصل عالي المستوى في ظلّ تجديد وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو، لليوم الثاني على التوالي عقب الإعلان عن الاتفاق الحديث عن أن بلاده لن تسمح بتكرار ما حصل في منبج. إذ قال خلال «فعاليات مؤتمر السفراء الأتراك» «(إننا) من جانب نكافح الإرهاب في سوريا ومن الآخر نعمل مع الولايات المتحدة للقضاء على الحزام الإرهابي وإقامة ممر سلام أو منطقة آمنة بدلاً عنه، ولكن الأمر لن يكون مثل منبج ولن نسمح أبداً بالمماطلة، لأن هذه مسألة أمنية غاية في الأهمية بالنسبة لنا». وأكد أن تركيا مستعدة لاتخاذ جميع التدابير، محذراً الجانب الأميركي بالقول: «إمّا أن نعمل على تطهير المنطقة سوياً، أو سنقوم نحن بذلك لوحدنا... تماماً مثلما جرى في عفرين ودرع الفرات».

الموقف التركي الراغب في إبقاء الضغط على واشنطن، مدفوع بقلق من تكرار المماطلة في تنفيذ الاتفاق الخاص بمنطقة شرقي الفرات. وهي قراءة كرّستها بعض المقالات التي نشرتها عدة صحف تركية خلال اليومين الماضيين، تعليقاً على التفاهمات الجديدة. أبرز تلك التعليقات جاءت على لسان الجنرال التركي المتقاعد آردال شنار والذي كان أحد قادة القوات الخاصة التي شاركت في عمليتي «غصن الزيتون» و«درع الفرات»؛ إذ اعتبر في حديث إلى صحيفة «جمهورييت» أن الولايات المتحدة «لا تريد القضاء على الوحدات الكردية... وهي تمكنت الآن من وقف عملية عسكرية للجيش التركي في شرق الفرات». ورأى أن موافقة واشنطن على تشكيل «مركز مشترك» هي «محاولة لامتصاص الضغط التركي»، وأن الجانب الأميركي انطلق من مصلحته المرحلية في توقيعه الاتفاق، مضيفاً أن «ما جرى في منبج كان وهماً... ولم تتمكن الدوريات التركية من دخول تلك المنطقة أبداً».

الموقف التركي غير الرسمي المشكك في جدوى الاتفاق مع واشنطن، ترافق مع صمت رسمي في شأن إدلب وتطورات الميدان فيها. واكتفت أنقرة بتسيير قافلة مساعدات عبر جمعيات إغاثية إلى إدلب تحت اسم «لستم وحدكم». وصاحبت ذلك جولة تصعيد روسية ــــ أممية حول الاتهامات لموسكو ودمشق باستهداف «مواقع مدنية». إذ قالت روسيا إن الأمم المتحدة قدمت «بيانات خاطئة» عن المدارس والمستشفيات التي تعرضت للقصف في محافظة إدلب. وأوضح ممثل روسيا الدائم في مقر الأمم المتحدة في جنيف، غينادي غاتيلوف، أن موسكو طلبت من عسكرييها التأكد من صحة كل اتهام بقصف أهداف مدنية، لكنهم اكتشفوا أن البيانات التي قدمتها «الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة كانت خاطئة». وأضاف غاتيلوف أن «مكافحة الإرهاب يجب ألا تتوقف أبداً هذا أمر علينا فهمه جيداً... يجب القضاء على هؤلاء الإرهابيين جميعاً أو مقاضاتهم». وفي السياق نفسه اعتبر نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي أن وقف إطلاق النار يتم في «اللحظة التي يلتزم فيها الإرهابيون به» مضيفاً أن «على هيئة تحرير الشام الاستسلام... أو على أولئك الذين يدعمونها إيجاد حل آخر».

رفض سوري وصمت روسي: «المنطقة الآمنة» تغيب عن بيان «البنتاغون»

على وقع تصاعد وتيرة المعارك في ريف حماة الشمالي وتقدم الجيش العربي السوري على إثرها كرّست التعليقات الأولى على الإعلان الأميركي ــــ التركي حول «التعاون» المشترك المفترض في المناطق الحدودية شرقيّ الفرات، الأسئلة حول تفاصيل هذا الاتفاق والإطار الزمني المتوقع لتنفيذه إن تمّ وفق المخطط. الإعلان العام الذي خرج بالصيغة نفسها عن وزارة الدفاع التركية والسفارة الأميركية في تركيا، يعكس حرصاً أميركياً على امتصاص التصعيد التركي إذ سبق أن توتّرت الأجواء بين واشنطن وأنقرة، غير مرة على خلفية تباينات في البيانات الرسمية لكل منهما. غير أن هذا التفاهم العام لم يمنع الطرفين من التعبير عن مقاربتَيهما للاتفاق حول شرقي الفرات بوسائل مختلفة.

فالجانب الأميركي الذي رحّب عبر وزارة الخارجية بمخرجات التفاوض، عاد إلى استخدام لغة أقل تفاؤلاً في بيان وزارة الدفاع متعمداً تجنب ذكر تعبير «المنطقة الآمنة» (أو العازلة). إذ قال بيان «البنتاغون» إن «المحادثات العسكرية في أنقرة أحرزت تقدماً على مسار إنشاء آلية أمنية مستدامة في شمال شرق سوريا تعالج المخاوف المشروعة لحليفتنا في حلف شمالي الأطلسي تركيا».

وأضاف إن «هناك عزماً على إنشاء مركز عمليات مشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا. في تركيا لمواصلة التخطيط والتنفيذ... وسيتم تنفيذ الآلية الأمنية على مراحل»، متابعاً أن «الولايات المتحدة مستعدة للبدء في تنفيذ بعض الأنشطة بسرعة، بينما تواصل المناقشات مع تركيا». وربما يعيد غياب تعبير «المنطقة العازلة»، والحديث عن «مراحل» لتنفيذ الآلية المشتركة، إلى الذهن، مسار تنفيذ «خريطة منبج» المتعثّر ولا سيما أن تفاصيل الاتفاق الجديد لا تزال غير معلنة.

القلق من المقاربة الأميركية التي تترك الباب مفتوحاً أمام «التسويف» وشراء الوقت، حضر أمس في حديث وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، الذي قال إن «الاتفاق يعدّ بداية جيدة» وإن بلاده «لن تسمح» بأن يعاني ملف «المنطقة الآمنة» من «التأجيل» على غرار ما جرى في الاتفاق الخاص بمدينة منبج. وأوضح جاويش أوغلو أن ما جرى الاتفاق عليه هو «إطار عمل»، لافتاً إلى أن «من المهم إنشاء مركز عمليات لتنسيق ومتابعة الخطوات التي سيتم اتخاذها من الآن فصاعداً». وشدد على ضرورة «تحييد جميع مكونات وحدات حماية الشعب، وحزب الاتحاد الديموقراطي وحزب العمال الكردستاني.. من المنطقة الآمنة» مشيراً إلى أن هدف الاتفاق هو «تحقيق الاستقرار... لتتم عودة اللاجئين السوريين إلى تلك المنطقة».

تمايز اللغة الأميركية وتحذير تركيا من «تأجيل» تنفيذ الاتفاق، ترافقا مع غياب أي تعليق روسي رسمي، ومع رفض متوقع من جانب دمشق. موقف الحكومة السورية الرسمي الحادّ الذي اعتبر الاتفاق «اعتداء على سيادة سوريا» وهاجم «النزعة التوسعية للنظام الإخواني التركي» جاء ليكرّس غياب أي فرص لتفاهمات (حتى أولية) بين دمشق وأنقرة، وفق «اتفاقية أضنة» مثلاً وهو مسار كانت موسكو تعمل على تفعيله أخيراً. وسينعكس انعدام احتمالات مثل تلك التفاهمات على كامل المشهد السوري وخاصة في إدلب ومحيطها وهو ما تُرجم تصعيداً على الأرض، أفضى إلى تقدم ميداني لافت للجيش السوري أمس حيث سيطر على بلدة الصخر وتل الصخر وصوامع الجيسات في ريف حماة الشمالي تحت غطاء جوي ومدفعي كثيف طاول حتى المواقع الملاصقة لنقاط المراقبة التركية هناك ولا سيما في محيط مورك.

هل يدغدغ ترامب أحلام أردوغان العثمانية في شرق الفرات؟Syriaaaa2019.8.10

الاتفاق الاميركي مع تركيا بشأن تقاسم شمال الفرات في سوريا، ربما يشير إلى وجهة عودة التقارب بين واشنطن وأنقرة في إطار السياسة الغربية لحلف شمالي الأطلسي في الشرق الأوسط. لكن هذا الاتفاق يدغدغ أحلام الرئيس التركي في إحياء "ميثاق ملّي" العثماني في احتلال شمالي سوريا والعراق.

إعلان الجانبين الأميركي والتركي عن التوصل إلى اتفاق في مباحثات أنقرة، يدلّ على أن المساومة بين الطرفين التي لم تتضح تفاصيلها قد حفظت لكل من ترامب واردوغان ما يسعيان إليه على المدى البعيد بانتظار إرساء المعادلات في المدى المنظور.

قد يكون أساس التقاسم الاميركي ــ التركي لمنطقة شرقي الفرات، هو ما عبّر عنه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في تأكيده "اقتراب الولايات المتحدة من وجهة النظر التركية" بشأن ما تدّعيه أنقرة من هواجس وتهديات استراتيجية لأمنها القومي. وفي عبارات مشابهة تطرّقت السفارة الاميركية في تركيا إلى موضوع الاتفاق.

الخلاف الاميركي ــ التركي على عمق "المنطقة الآمنة" يبدو أنه لم يتبدّد في المحادثات بين الوفدين في وزارة الدفاع التركية يومي 5 ــ 7 آب/ أغسطس الحالي. ومن المستبعّد موافقة تركيا على ما اقترحه المبعوث الاميركي على رأس وفد عسكري بتاريخ 23 تموز/ يوليو الماضي. وهو شريط أمني بعمق 5 كلم يليه شريط منزوع من السلاح بعمق 9 كلم. ومن المستبعَد موافقة واشنطن على المطلب التركي "بمنطقة آمنة" بعمق 32 إلى 40 كلم ما يلغي إمكانية الوجود الاميركي والقوات الغربية بذريعة مكافحة "داعش".

ترامب الذي لم تتجاوب مع دعوته ألمانيا وفرنسا وبريطانيا "لحفظ الأمن في منطقة أمنية"، يمكنه الاعتماد على الحليف التركي في التعويض عن الوجود العسكري من حلفاء أوروبيين والاتفاق على إنشاء "مركز عمليات مشتركة" كانت أنقرة تطمح أن تكون تحت السيطرة التركية. ففي سبيل المحافظة على الحليف التركي برّر ترامب في قمة العشرين مسعى اردوغان لامتلاك منظومة أس 400 الروسية. ولا يزال يرى تركيا حليفاً لأميركا في سوريا وشمالي العراق وامتدادا إلى القرم وأوكرانيا وجورجيا والبحر الأسود، على الرغم من ارتفاع التبادل التجاري بين أنقرة وروسيا إلى نحو 40 مليار دولار.

الرئيس التركي الذي يعلن عن تدخل ثالث وشيك لتوسيع احتلال الشمال السوري، يهدّد منبج ويسعى إلى التمدّد من عفرين والباب وجرابلس وأعزاز والراعي ومنطقة شمالي شرق الفرات. فالاتفاق على "ممر آمن" إلى هذه المنطقة، يوفر لأردوغان التغيير الديموغرافي في الشمال السوري والشمال العراقي لحشد الجماعات من أصول تركمانية وجماعات عربية وكردية موالية، كما كانت الذريعة التركية في احتلال الشمال السوري والعراقي وفق "الميثاق الملّي" عام 1920 الذي ألغته اتفاقية لوزان في 23 نيسان/ أبريل عام 1923.

اردوغان يخطط لاستغلال انتهاء صلاحية اتفاقية لوزان في العام 2023، بعد مرور مئة سنة على ابرامها، للعودة إلى ما قبل الاتفاقية في التوسّع باتجاه قبرص واليونان والبحر الأسود استناداً إلى التنقيب عن النفط والغاز وإلى احتلال شمالي سوريا والعراق استناداً إلى الدعوة لاستفتاء سكان هذه المناطق التي كانت موالية لتركيا وخلوّها من أغلبية عربية. وربما يعزّز الاتفاق الحالي مع واشنطن وفاق الجانبين على انعاش التحالف التركي ــ الكردي التاريخي بين القوميين الاتراك وحزب العدالة والتنمية من جهة وبين جماعات البيشمركة من جماعة البرزاني وجماعات "المجلس الوطني" الكرد من جهة ثانية. فهذا الأمر سعى إليه اردوغان في بداية الأزمة السورية مع صالح مسلم قبل تصنيف الحزب الديمقراطي وقوات حماية الشعب على لائحة الارهاب التركية.

التحالف التركي مع الكرد أثناء التصويت على "ميثاق ملّي" عام 1920، انقلب عليه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك عام 1932 في القضاء على القيادات التركية الموالية لتركيا تحت تأثير نمو الحركة القومية التركية. فالرئيس التركي رجب طيّب اردوغان الذي يدغدغ له ترامب أحلام احتلال شمالي الفرات من دون خسائر عسكرية في العودة إلى عام 1920م هو أسير الحركة القومية التركية الحديثة التي أمّنت له الوصول إلى سدّة الرئاسة وفي المراهنة على التوسّع في سوريا والعراق لتنصيبه بطلا قومياً والحدّ من أزمات داخلية عميقة كشفته خسارة بلديات أنقرة واسطنبول. لكن أردوغان الذي يلتحق في الصعود إلى مركب ترامب المهدّد بالغرق في سوريا والمنطقة، قد لا تسعفه الأحلام العثمانية.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية