حرب شائعات بين أطراف الصراع وحرب بالوكالة في سماء ليبيا !

المرصاد نت - متابعات

توازياً مع الحرب الميدانيّة يخوض طرفا الصراع الليبيّ نزاعاً إعلاميّاً لتعبئة الرأي العام المحليّ والدوليّ. فعلى المستوى العربيّ يعدّ المحور المساند للمشير خليفة حفتر الأقوى إذ تسانده غالبيةLiayba2019.8.30 وسائل الإعلام المحليّة المرئيّة والمكتوبة التي يتلقى جزء كبير منها دعماً ماليّاً من «المجلس الوطنيّ للإعلام» الإماراتيّ كما يروج له جزء واسع من الإعلام الخليجيّ. على المقلب الآخر تعوّل حكومة «الوفاق الوطني» على بعض التلفزات ومواقعها الإلكترونيّة المرتبطة بها مباشرة أو الممولة من رجال أعمال مقربين منها، إضافة إلى وسائل الإعلام القطريّة.

الأمر لا ينحصر في الإعلام التقليديّ، بل تُخاض الحرب أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وهنا أيضاً توجد غلبة لمحور خليفة حفتر. كذلك، تسري أخبار داخل البلاد عن وجود غرف تنسيق إلكترونيّ لبثّ الدعاية والدعاية المضادة على مواقع التواصل بدعم رسميّ من مؤسسات شرق البلاد وقد تسربت بعض الوثائق الداعمة لهذا الاتهام. لكنّ الحملات المنظّمة الأبرز كانت عند إطلاق حفتر هجومه على طرابلس مطلع نيسان/ أبريل الماضي إذ التحقت جحافل «ذباب إلكترونيّ» خليجيّة بنظيرتها الليبيّة، وعمدت على مدى أيام الى نشر آلاف التغريدات المكرّرة حول انهيار وشيك لقوات «الوفاق» وأخبار مماثلة.

أما ما حدث مساء أول من أمس فيمثّل دمجاً لاستراتيجيّتين بعدما تجاوز الأمر هذه المرة مجرد نشر شائعات على نطاق واسع، إذ تمّت قرصنة الصفحة الرسميّة الموثّقة للمجلس الرئاسيّ لـ«الوفاق»، وبُثّ منها خبر جاء على صورة بيان استقالة. ورد في الاستقالة، التي حملت الشكل الاعتياديّ لبيانات الحكومة، أنّ «المجلس الرئاسيّ... يجد نفسه مضطراً أمام مسؤوليته التاريخيّة أمام الله والشعب إلى تقديم استقالته من مهماته... لحقن دماء الليبيّين، ومنع تغوّل الجماعات المسلحة التي ارتبط بعضها بالإرهاب والتطرف وعصابات سرقة المال العام». إضافة إلى ذلك، أعلن البيان المزور «تسليم مقاليد الحكم التنفيذيّة للحكومة الليبيّة المؤقتة (تسيّر شرق البلاد) برئاسة السيد عبد الله الثني كما يعلن تسليمه لما سعى إليه من ترتيبات أمنيّة للقوات المسلحة الليبيّة، بقيادة المشير خليفة حفتر».

سريعاً تلقفت قناة «العربيّة» السعودية الخيط، ونشرت البيان على موقعها وصفحاتها وبّته على شاشتها. كما تناقلت البيان مواقع وتلفزات إماراتيّة وسعوديّة أخرى رغم ورود نفي رسميّ للاستقالة بعد وقت وجيز ما يعطي انطباعاً بأنّ الأمر مُنسّق منذ البداية. وواضح أن الهدف من نشر البيان المزيّف إحداث ارتباك داخل التحالف الذي تقوده «الوفاق» قد يفضي إلى ارتخاء في الجبهات. لكن يوجد هدف أبعد نظراً يعمل عليه محور حفتر منذ مدّة وهو ضرب رصيد الثقة بين «الوفاق» وداعميها تدريجياً عبر اختلاق أزمات وتضخيم الخلافات على نحو منهجيّ. ولا يعني ذلك غياب المشكلات الفعليّة داخل محور غرب ليبيا لكن هجومات محور حفتر تهدف إلى تعزيز الشكوك وإعطاء انطباع عام بأنّ الوضع على وشك الانفجار من الداخل.

في المقابل يوجد مستوى آخر للدعاية الإعلاميّة يجري على الصعيد الدوليّ، وتتفوّق فيه «الوفاق الوطنيّ». ففي الأشهر الأخيرة نشر رئيس الحكومة فائز السراج وعدد من وزرائه، مقالات في صحف أميركيّة وأوروبيّة تدافع عن وجهة نظرهم كما يميل عدد من الخبراء حول ليبيا إلى دعمهم ضدّ حفتر سواء لأسباب أيديولوجيّة أو ماديّة. وفي واقع الأمر يرتبط الظهور في وسائل غربيّة في أحيان كثيرة بالمال وقد وقّع كلا المحورين المتصارعين في ليبيا عقوداً مع شركات علاقات عامة.

حرب بالوكالة في سماء ليبيا
منذ لحظة إطلاقه هجومه على طرابلس في نيسان/أبريل الماضي دعا خليفة حفتر قوته الجوية إلى دعم مقاتليه في الميدان. ولتعزيز جيشه المكوّن من مجموعة ميليشيات تحوم حول نواة جيش نظامي يشمل حوالى 25 ألف مقاتل استخدم المشير نحو 15 طائرة حربية وبعض المروحيات القتالية وأخرى للنقل.

في العاصمة الليبية عوّلت حكومة «الوفاق الوطني» المدعومة من الأمم المتحدة، على عدد مماثل من الطائرات القتالية وقد شهد الأسبوعُ الأوّلُ لهجوم حفتر غاراتٍ مكثّفةً من الجانبين. قد تبدو القوّتان الجويتان اللتان يسيّرهما طرفا القتال مثيرتين للإعجاب لكنّهما في الحقيقة باليَتان على غرار قوات المشاة اللتين تدعمانهما. سريعاً ظهرت معالم الاهتراء مع خسارة جيش حفتر مقاتلة «ميغ 21 إم إف» روسيّة الصنع وخسارة «الوفاق» مقاتلتي «ميراج إف 1 آي دي» فرنسيتي الصنع. ومع غياب مقاتلات جديدة، انشغل الميكانيكيون في كلتا الجهتين بإبقاء الأسطولين الهرِمين في الخدمة. لكن مع رغبته عن البقاء دون قوّة جوية، التفت حفتر و«الوفاق» إلى صنف آخر: الطائرات المسيّرة.

الطائرات المسيّرة على الخطّ
بعد أسبوعين على بدء القتال راجت أخبار من المدنيّين والميليشيات المرتبطة بحكومة «الوفاق» تفيد بوجود قصف جويّ ليلي بالطائرات المسيّرة. الأدلة الأولى على هذه الطائرات بدأت تظهر في أواخر الشهر الرابع، حين جرى تداول صورٍ لبقايا صاروخ «بلو آرو 7»، عقب غارات على وادي الربيع والهيرة والعزيزيّة وعين زارة. هذه الصواريخ، التي تعرف أيضاً باسم «إل جاي ــــ 7»، موجّهة ومضادة للدروع وتُصنع في الصين بغرض التصدير.

وتناسب «بلو آرو 7» طائرات «وينغ لوونغ 2» المسيّرة، إذ سبق أن حُمِّلت عليها شرقي ليبيا على أيدي الإمارات التي تمثّل أحد الداعمين الرئيسيين لحفتر. وقد أبقت أبو ظبي منذ حزيران/يونيو 2016 على أسطول «وينغ لوونغ»، إضافة إلى طائرات هجومية أخرى، في قاعدة «الخادمة» بمحافظة المرج (شرق). ونشط الأسطول الإماراتي الصغير في شنّ غارات، فضلاً عن اضطلاعه بمهمات استطلاع دعماً لقوات حفتر عند قتالها ميليشيات في بنغازي عام 2012، وفي درنة عام 2018. أما الآن، فتستخدم في دعم حملة المشير على طرابلس.

رداً على دعم الإمارات لقوات حفتر طلبت «الوفاق الوطنيّ» من نظيرتها التركيّة أربع طائرات مسيّرة من طراز «بايركتار تي بي 2». ووفقاً لمصادر خاصة سُلِّمت الطائرات في ميناء طرابلس في 18 أيار/مايو بعدما وصلت على متن سفينة شحن تحمل اسم «أمازون»، وتمّ توزيعها بين قاعدتَي مطارَي مصراتة ومعيتيقة. وفي حين لم تكن لدى قوات «الوفاق» التجربة والخبرة التقنيّة اللازمتان لإدارة هذه الطائرات، جُلب خبراء أتراك إلى ليبيا ليتولّوا المهمّة. هذه الخطوة عرّضت مواطنين أتراكاً للخطر إذ عندما ضربت غارة مساندة لقوات حفتر «معيتيقة» يوم 6 حزيران ــــــ نفذتها الإمارات على الأغلب ـــــــ تسربت أخبار عن جرح خبيرين تركيَّين كما دُمرت طائرة خدمات من نوع «بييشكرافت كينغ إير» وطائرتان مسيرتان من نوع «بايركتار تي بي 2». وبدلاً من أن تكون هذه الحادثة رادعة، أدت إلى تدفّق دعم تركي إضافي، إذ طلبت «الوفاق» ثماني طائرات مسيّرة جديدة، غالبيتها مُخزّنة الآن في مصراتة.

حرب بالوكالة في الجوّ
شهد الشهر الأول من الهجوم على العاصمة استخداماً مكثّفاً للطائرات الحربية من كلا الطرفين. لكنّ عمر الطائرات القتاليّة نال منها وصارت غالبيتها الآن تحت الصيانة. منذ ذلك الحين، عوّضتها الطائرات المسيّرة وباتت الأجواء الليبية تعيش ما يشبه حرباً بالوكالة بين الإمارات وتركيا. يمثّل ذلك صراعاً صار في بعض الأوقات مباشراً إذ دَمرت الطائرات المسيّرة مقدرات إماراتية وتركية. كذلك، دُمرت ثلاث طائرات شحن «إليوشن إي إل 76 تي دي» في غارة تركيّة على الجفرة وأخرى في غارة إماراتية على مصراتة. وفي الأثناء، تحطمت طائرة «وينغ لوونغ» إماراتية أثناء محاولتها الوصول إلى مصراتة وذلك على الأغلب نتيجة تشويش نظام تركي مضاد للطائرات المسيّرة.

تمثّل القواعد الجويّة أهدافاً رئيسية للطائرات المسيّرة المسلحة، وقد تصاعدت الغارات الانتقاميّة بين الطرفين في الأسابيع الأخيرة، إذ قُصفت قواعد بعيدة عن ساحة القتال في غرب ليبيا. ولا يسمح مدى عمل طائرات «بايركتار» التركية بقصف «بنينا»، أهم قاعدة جويّة لحفتر، لكن يمكنها الوصول إلى موانئ النفط التي يسيطر عليها الأخير في حال استخدَمت أنقرة قاعدة القرضابيّة جنوب سرت. وفي الجهة المقابلة، يمكن لطائرات «وينغ لوونغ» أن تصل بيسر إلى أيّ بنية تحتيّة تديرها «الوفاق»/تركيا، ويمكن أن ترفع قدراتها في حال شيّدت الإمارات قاعدة جويّة جديدة في النيجر، حذو الحدود الليبيّة.

خفض القتال في جبهة طرابلس خلال العيد سمح لحفتر بأن يركز على جنوب ليبيا والمنطقة المحيطة بمرزق حيث قتلت ضربات طائرات مسيّرة 45 شخصاً في 4 آب/أغسطس الجاري. كذلك سمح اقتناء طائرات مسيّرة قتاليّة لطرَفي النزاع بتجاوز كل منهما لضعف قوته الجويّة وافتقاده القدرة على توجيه ضربات دقيقة في المناطق الآهلة. ولذلك، يبدو أن ليبيا صارت مختبراً تجرّب فيه دول أجنبيّة أنواعاً جديدة من القوّة الجويّة، من دون تدخل تقريباً للطائرات التقليديّة التابعة للمتحاربين. يؤكد ذلك انتشار استخدام هذا الصنف من الطائرات ــــــ «وينغ لوونغ» الصينيّة، و«بايركتار تي بي 2» التركيّة، والطائرات المسيّرة التكتيكيّة «أوربيتر 3» الإسرائيليّة ـــــــ، في عمليات الاستطلاع وإدارة وتوجيه العمليات حول طرابلس.

الطائرات المسيّرة الأجنبيّة فعالة بالنسبة إلى المتحاربين الليبيّين، فهي تستوجب صيانة أقلّ بكثير من التي يملكانها، ويمكنها بذلك تنفيذ طلعات أكثر، لكنها تسمح أيضاً لقوات حفتر و«الوفاق» بتجاوز مشكلة كامنة: تحفّظ الطيارين على شنّ غارات تستهدف أشقاء ليبيّين. فمنذ 2011، عندما بدأ الصراع الليبي بانتفاضة ضدّ الطاغية معمر القذافي، فرّ طيارون مقاتلون أو رفضوا الخروج في مهمات. تقول مصادر إنّ بعض الطيارين في مصراتة تردّدوا أخيراً في تنفيذ هجمات، لكن توجد إشارات إلى أنّ الطيار التابع لحفتر الذي حطّ في تونس على نحو مفاجئ الشهر الماضي كان فاراً، إذ قِيل إنّه أخبر السلطات التونسيّة بأنّه هرب من الحرب قبل هبوطه، كما أنّه كطيار خبير كان بمقدوره تجاوز الصعوبات التقنيّة التي قُدِّمت كحجج لدخوله البلد الجار. وقد حاولت «الوفاق الوطني» خلال الأعوام الأخيرة حلّ هذه المشكلة بانتداب مرتزقة في قوتها الجويّة، لكن قد تكون الطائرات المسيّرة الأجنبيّة بصدد تعويضهم.

أرنود دوللند، خبير طائرات حربية ــــــ «ميدل إيست آي»

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية