موسم التضحية بالأكراد .. بوتين ــ إردوغان: اتفاقيّة حول سوريا!

المرصاد نت - متابعات

قلَب لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين المشهد الميداني والسياسي في الشمال السوري. عملياً أعلن الطرفان وقف عملية «نبع السلام» التركية ضد «قسد»Butain2019.10.23 مقابل انسحاب القوات الكردية مسافة 30 كم عن الحدود ومن مدينتَي منبج وتل رفعت في ريف حلب الشمالي أيضاً. ما أرادته أنقرة بالحرب حصلت على جزء مهم منه عبر المفاوضات والتوافق مع موسكو وواشنطن. كذلك الأمر حصل الأكراد على الحماية مقابل الغزو التركي وحفظوا مناطقهم من التواجد التركي المباشر فيها عبر احتلالها بعدما خذلتهم الولايات المتحدة وسحبت عنهم مظلّتها.

أول من أمس وقبل أن تُعلن أيّ اتفاقات جديدة تركية - روسية، حصل اجتماع بين وفد عسكري روسي والقائد العام لـ«قسد» مظلوم كوباني وعدد من القادة الأكراد. في نهاية الاجتماع اتُفق على انتشار الجيش السوري في محاذاة الطريق الدولي «حلب - الحسكة»، كخطوة أولى لتأمينه كونه أحد الأهداف التركية التي يحاول باستمرار السيطرة عليها. وبناءً على هذا الاتفاق انتشرت أمس قوات الجيش السوري جنوب طريق حلب الحسكة بـ2 كم، وعلى امتداد 60 كم انطلاقاً من باب الخير وحتى بئر الخفسة على مشارف الحدود الإدارية لمحافظة الرقة.

وفي هذا السياق يؤكد مصدر عسكري سوري أن «هدف تحرك القوات الوصول إلى مناطق انتشار الجيش في ريف الرقة وتحقيق اتصال بينهما» ويلفت المصدر الى أن «وحدات الجيش ستعمل على تأمين كامل طريق حلب الدولي وحتى الحدود العراقية». ويضيف أن «الجيش السوري سيطرد المحتلّين كما قضى على الإرهابيين» مؤكداً أن «قرار إعادة السيادة السورية إلى كلّ الأراضي السورية محسوم». ومع الانتشار الجديد للجيش في ريف الحسكة، باتت تفصله عن نقاطه في ريف الرقة 60 كم فقط. ويعني التقاء القوات من الطرفين فتح طريق إمداد بري للقوات السورية الموجودة في الحسكة لأول مرة منذ 7 سنوات. كما سيتيح للجيش إمكانية نقل معدات وأسلحة ثقيلة لمواجهة الاعتداءات التركية، أو إطلاق أيّ عملية عسكرية لاستعادة الشريط الحدودي بين تل أبيض ورأس العين، والذي سيطر عليه الأتراك أخيراً. وعلمت «الأخبار» من مصادر مطلعة أن زهاء 50 عسكرياً من الشرطة العسكرية الروسية وصلوا إلى المنطقة الشمالية، وأن «مكان إقامتهم سيكون في المتحف في مدينة الحسكة»، فيما تتوقع المصادر أن تتم زيادة هذا العدد للقيام بمهمة الدوريات المشتركة مع الجانب التركي في المرحلة المقبلة، وفق ما نصّت عليه «اتفاقية سوتشي».

وبعد لقاء بوتين - أردوغان أمس قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن موسكو وأنقرة اتفقتا على انسحاب مقاتلي الوحدات الكردية إلى مسافة 30 كم من الحدود السورية في اتفاق وصفه بأنه «سيُنهي إراقة الدماء في المنطقة». وأضاف لافروف، في تصريحات أدلى بها بعد محادثات الرئيسين أن الأكراد «سينسحبون أيضاً من مدينتَي منبج وتل رفعت». وتابع أنه «سيتم نشر الشرطة العسكرية الروسية وقوات حرس الحدود السورية على الجانب السوري من الحدود مع تركيا ابتداءً من ظهر 23 تشرين الأول/ أكتوبر (اليوم) خارج منطقة العمليات العسكرية التركية».

وبموجب الاتفاق الذي أبرم أمس فإن الشرطة العسكرية الروسية ستشرع مع قوات حرس الحدود السورية في إبعاد القوات الكردية عن الحدود ابتداءً من اليوم وستقوم القوات الروسية والتركية بعد ذلك بستة أيام بالبدء في تسيير دوريات مشتركة في نطاق 10 كم في «المنطقة الآمنة». وأعلن الكرملين بدوره أن الرئيس الروسي شرح لنظيره السوري بشار الأسد هاتفياً نتائج محادثاته مع الرئيس التركي. وقال الكرملين إن الأسد وجّه الشكر لبوتين كما «عبّر عن تأييده الكامل لنتائج العمل وأيضاً استعداد قوات حرس الحدود السورية للوصول مع الشرطة العسكرية الروسية إلى الحدود السورية التركية». من جهة أخرى ذكر وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو أن موسكو تعتقد حسب تقديراتها أن ما يصل إلى 500 شخص بينهم مقاتلون من تنظيم «داعش» «فرّوا من الأسر في شمال سوريا بعد أن غادر الحراس مواقعهم». وأشار إلى أن «إجراءات تتخذ لإعادة اعتقالهم».

على المقلب الأميركي أعلن وزير الدفاع مارك إسبر أمس أن واشنطن تهدف إلى إعادة القوات الأميركية المنسحبة من سوريا إلى الولايات المتحدة لا أن تبقيها في العراق «لمدة طويلة». وقال إسبر من أمام بطارية لصواريخ «باتريوت» في قاعدة الأمير سلطان الجوية قرب الرياض في السعودية، إن «الهدف ليس البقاء في العراق لمدة طويلة الهدف هو سحب جنودنا وإعادتهم إلى الديار في نهاية الأمر». وأضاف أن التفاصيل في شأن الوقت الذي ستمضيه القوات الأميركية في العراق «لم يجر بحثها بعد» وأنه «سيجري مناقشات مع نظيره العراقي غداً (اليوم)».

بوتين ــ إردوغان: اتفاقيّة «تاريخيّة» حول سوريا! موسم التضحية بالأكراد...

الاتفاقية المكونة من 10 بنود والتي شملت تفاصيل متعددة تتعلق بالوضع الميداني والعسكري في مناطق التوتر التي كانت توجد فيها «قوات الحماية الكردية» بدت اتفاقية لتصفية ما تبقى من حالة كردية في سوريا بعد اتفاقية أنقرة يوم الخميس الماضي في 17 تشرين الأول/ أكتوبر بين أنقرة وواشنطن كما أنها فتحت الباب أمام ترسيخ تداعيات عملية «نبع السلام» التركية. وإذا تذكرنا أن اتفاقية أضنة وُقّعت في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1998م وقضت بإخراج عبد الله أوجلان من سوريا والتعاون لملاحقة حزب «العمال الكردستاني» فسوف يدخل شهر تشرين الأول في التاريخ الكردي الحديث على أنه شهر التخلي عن الأكراد والتضحية بتطلعاتهم. وقد وصف محللون عسكريون أتراك «اتفاقية سوتشي» بأنها مهمة جداً للأمن التركي وما كانت تطالب به تركيا علماً بأن الاتفاقية أهملت كلياً الإشارة إلى الوضع في إدلب التي ذكر إردوغان أنه وبوتين اتفقا على المحافظة على «الوضع القائم» فيها، لكن كانت لافتة إشارتها إلى اتفاقية أضنة حيث ستعمل روسيا على تسهيل تطبيقها.

النقطة الأساسية أن «قوات الحماية الكردية» لن يكون لها وجود على امتداد الحدود، حيث الجيش التركي أو الجيش السوري وبعمق 32 كلم، على أن تسيّر تركيا وروسيا دوريات مشتركة بعمق 10 كلم. ومن ضمن المناطق التي يجب أن تنسحب منها القوات الكردية: منبج وتل رفعت. وقد ثبتت الاتفاقية الوضع الحالي في المنطقة التي تحتلّها تركيا من تل أبيض إلى رأس العين. ولا شك في أنه في الأيام، وربما الساعات المقبلة، ستتضح التطبيقات الميدانية العملية للاتفاقية، والتي سيبدأ تنفيذها خلال 150 ساعة، بدءاً من منتصف ظهر اليوم الأربعاء. المؤتمر الصحافي للرئيسين، والذي سبق الإعلان عن الاتفاقية أظهر تفهماً روسياً لعملية «نبع السلام»، وتأييد روسيا لوصف «قوات الحماية الكردية» بـ«الإرهابية»، وإن دعت إلى حماية حقوق الشعب الكردي في سوريا. وقال بوتين إن البلدين سوف يعتمدان العملة الوطنية فيهما للتبادل التجاري. أما إردوغان فأشار إلى أن المسألة السورية كانت في أساس المحادثات مع بوتين. ومرّ سريعاً على التطورات في إدلب. وإذ أكد أن تركيا لا تطمع بأي أرض في سوريا، ذكّر بالعمل على عودة مليون ونصف مليون لاجئ إلى سوريا. لكن الأهم في الاجتماع أنه خرج باتفاقية وصفها إردوغان بـ«التاريخية».

اتفاقية سوتشي ... البنود الـ 10 للاتفاقية:
1- يؤيد الطرفان الوحدة السياسية والجغرافية لسوريا كما حماية الأمن القومي التركي.
2- محاربة الإرهاب بكل أشكاله والتنظيمات الانفصالية في سوريا.
3- المحافظة على الوضع القائم بين رأس العين وتل أبيض بعمق 32 كلم في إطار عملية «نبع السلام».
4- يؤيد الطرفان اتفاقية أضنة وستعمل روسيا (دون ذكر تركيا) على تسهيل تطبيق الاتفاقية في ضوء الظروف الحالية.
5- إخراج «قوات الحماية الكردية» (وردت حرفياً بالاسم) من الأراضي السورية المحاذية لتركيا والتي تقع خارج منطقة «نبع السلام» وبعمق 30 كلم من جانب الجنود الروس وقوات حرس الحدود السورية على أن تبدأ عملية الإخراج من منتصف الأربعاء في 23 تشرين الأول وتنتهي بعد 150 ساعة. وفي الوقت نفسه، تسيير دوريات تركية ــــ روسية مشتركة في المناطق الواقعة إلى الغرب والشرق من منطقة عملية «نبع السلام» باستثناء مدينة (وليس منطقة) القامشلي وبعمق 10 كلم.
6- إخراج العناصر «الإرهابية» (أي الأكراد) من منبج وتل رفعت مع أسلحتهم.
7- اتخاذ الطرفين التدابير اللازمة لمنع تسلل «الإرهابيين» (دون تحديد من أين وإلى أين).
8- العمل المشترك لتسهيل عودة اللاجئين بصورة آمنة وطوعية.
9- تشكيل آلية مراقبة وإشراف لضمان تطبيق هذه الاتفاقية.
10- تدعم أطراف أستانا مساعي إيجاد حل سياسي في سوريا وتدعم مهمات اللجنة الدستورية.

أوراق القوة
ذهب الرئيس التركي إلى سوتشي متسلحاً بمجموعة من أوراق القوة لم يكن يملكها قبل أسبوع واحد فقط:
1- الاتفاق مع واشنطن حول إقامة منطقة آمنة ودخول الجيش التركي إلى شمال سوريا من دون اعتراض أميركي الأمر الذي يساهم في تحسين العلاقات التركية ــــ الأميركية.
2- احتلال الجيش التركي منطقة بعرض 120 كلم على الأقل بين رأس العين وتل أبيض وبعمق متحرك يقارب الـ 30 كلم وتثبيته موطئ قدم في شرقي الفرات للمرة الأولى منذ 100 عام بعدما كان يطالب بذلك منذ بداية الأزمة السورية عام 2011.
3- التمهيد لتوسيع منطقة الاحتلال وهو هدف أساسي للتدخل العسكري التركي ليصل إلى عرض 444 كلم وعمق 32 كلم.
4- انسحاب «قوات حماية الشعب» الكردية من تل أبيض ورأس العين طواعية تارة وبالتراجع العسكري تارة أخرى.
5- استعادة إردوغان شعبية كان قد افتقدها في الداخل التركي وفقاً لبعض استطلاعات الرأي.
6- اختفاء المعارضة للعملية العسكرية بل تأييدها من جانب المعارضة، ولا سيما زعيم حزب «الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار أوغلو الذي جلّ ما يطالب به هو أن يفتح إردوغان حواراً مع النظام في دمشق.
في المقابل فإن بوتين استقبل إردوغان وقد امتلك المزيد من أوراق القوة في سوريا:
1- شكّل الانسحاب الأميركي ربحاً صافياً لروسيا باعتبار أن الوجود العسكري الأميركي كان عنصر توازن وردع لروسيا في سوريا وانسحاب واشنطن أعطى روسيا حرية حركة تكاد تكون مطلقة في الساحة السورية ومكّنها من ممارسة تأثير متعدد الاتجاهات.
2- الانسحاب الأميركي ومن ثم التدخل العسكري التركي أرغم «قوات حماية الشعب» الكردية على إبرام تفاهمات برعاية روسية مع دمشق أفسحت المجال أمام انتشار الجيش السوري في مناطق كانت خاضعة للأكراد، مثل منبج وعين العرب/ كوباني والرقة والطبقة ومناطق أخرى شرقي الفرات ووصل للمرة الأولى منذ سنوات إلى منطقة حدودية مع تركيا هي عين العرب/ كوباني. أي أن روسيا أعادت صلتها ونفوذها، ولو نسبياً على الأكراد.
3- بذلك أصبحت روسيا الطرف الوحيد في سوريا الذي له صلات وعلاقات مع كل الأطراف الرئيسة الأخرى، مثل: تركيا والدولة السورية والأكراد فضلاً عن الولايات المتحدة.

بأوراق القوة المتبادلة هذه اجتمع إردوغان مع بوتين في سوتشي. إردوغان يذهب منتصراً ومستقوياً بما حققه وخصوصاً مع واشنطن لكنه يريد إكمال انتصاره من خلال تثبيت تطلّعه إلى السيطرة الكاملة على الشريط الحدودي داخل سوريا المقابل لتركيا من تل أبيض إلى الحدود العراقية ليضمّ ذلك إلى المنطقة من جرابلس إلى إدلب. لكنّ خرقاً لهذا الشريط تحقق قبل أسبوع من خلال استعادة الدولة السورية السيطرة على عين العرب/ كوباني والتي شكلت ضربة معنوية ومادية كبيرة لتطلعات إردوغان. وكما كان يريد منع إقامة كوريدور كردي داخل سوريا فها هو يتلقى ضربة جزئية، لكنها ذات دلالة كبيرة بمنع الجيش السوري تركيا من إقامة شريط متصل بقطعه في نقطة عين العرب/ كوباني.

لم تمانع روسيا من إقامة منطقة آمنة تحت الاحتلال التركي في سوريا وبوتين أعلن لدى التوصل إلى اتفاق 7 آب بين أنقرة وواشنطن تأييده بصورة مفاجئة للمنطقة الآمنة. لذا فإن تأييد بوتين اليوم لهذه المنطقة «تحصيل حاصل». وهو ما عكسته اتفاقية سوتشي. نجح بوتين في تهدئة مخاوف تركيا بتلبيتها بالكامل. لكن النقطة الأكثر أهمية وحساسية هي مدى نجاحه في إقناع إردوغان بضروة بدء التواصل مع دمشق ليس فقط على الصعيد الأمني والاستخباري وهذا قائم من حيث المبدأ بل بدء التواصل السياسي مع الرئيس بشار الأسد.

من الواضح أن إردوغان لا تزال تتحكّم فيه «عقدة الرئيس الأسد» ولا يريد مثل هذا الاجتماع الذي سيعتبره هزيمة له. وكم كانت معبّرة وذات دلالة رسالة الرئيس بشار الأسد إلى إردوغان عندما زار قبل ساعات قليلة من قمة سوتشي، الخطوط الأمامية في إدلب معوّلاً أهمية كبرى على تحريرها وواصفاً الرئيس التركي بأنه لص سرق المعامل والنفط والقمح، والآن يسرق الأرض. ولا شك في أن بوتين كان ولا يزال محرجاً بالنسبة إلى إدلب، حيث أرخى العنان لإردوغان بالمهل المفتوحة والتنصل من تطبيق الاتفاقات فكانت زيارة الرئيس الأسد الميدانية عامل دفع للرئيس الروسي للضغط هذه المرة على نظيره التركي. فهل تكون الإشارة إلى اتفاقية أضنة في نص توافق عليه تركيا للمرة الأولى بهذا الوضوح خطوة على طريق بدء إيجاد الحل النهائي في سوريا بعدما انحصرت الأطراف المؤثرة بكلّ من روسيا وتركيا وسوريا؟

محمد نور الدين - الأخبار

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية