المرصاد نت - متابعات
أكد المسؤولون الإيرانيون تخطّي الأزمة الناجمة عن الاحتجاجات على قرار حكومة الرئيس حسن روحاني رفع أسعار البنزين. المواقف أتت بعد أقلّ من أسبوع على اندلاع الاحتجاجات التي شهدت أعمال عنف وسقوط ضحايا واعتقالات، لتُصوّر السيطرة على الأحداث على أنها «انتصار أمني» في وجه الخارج. هذا التوصيف تضمّنته مواقف قادة النظام في طهران وعلى رأسهم المرشد علي خامنئي والرئيس روحاني.
تصريحات الأخير ذهبت إلى حدّ اعتبار ما جرى إفشالاً لمخطط خارجي إذ قال في كلمة ترافقت مع تواصل مسيرات تأييد حاشدة: «الشعب الإيراني بدّد مخططات العدو في حوادث مختلفة وهذه المرة نجح أيضاً في إفشال مخططات العدو، وإحباط مؤامرات أولئك الذين فرضوا العقوبات القصوى في السنتين الماضيين، وأعدوا الخطط ضد النظام لنشر الفوضى وانعدام الأمن، وسعوا إلى دفع الناس ضد النظام ليخرجوا إلى الشوارع يوماً ما». وأشار روحاني إلى تقارير وزارة الداخلية حول الأحداث، بالقول: «لقد بات واضحاً عدد الأشخاص الذين خرجوا في الأيام الأخيرة إلى الشوارع، والقليل منهم كانوا من مثيري الشغب إلا أنهم كانوا أكثر تنظيماً وتنسيقاً ومسلحين أيضاً، ويعملون بالكامل وفقاً لبرنامج أُعدّ من قِبَل القوى الرجعية في المنطقة والصهاينة والأميركيين».
وكان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي خامنئي من جهته اعتبر أن إيران «أجبرت العدو على التراجع»، في إشارة إلى الأحداث الأخيرة التي وصفها بالأحداث «الأمنية لا الشعبية»، واعداً بإجبار «العدو على التراجع في ساحة الحرب الاقتصادية» التي شدّد على ضرورة أن تشهد ازدهار الإنتاج المحلي وعدم انتظار رفع العقوبات، «فاختراق الحظر تكتيك لكن صون البلد من الحظر استراتيجية».
هذه المواقف أظهرت ارتياحاً لدى النظام في طهران مردّه إلى اعتبار أن احتواء الاحتجاجات اليوم يُفشِل الرهانات الأميركية من خلال سياسة «الضغوط القصوى» على قلب الشارع الإيراني ضدّ النظام بوساطة الحرب الاقتصادية، وأن تمرير مشروع المساعدات المعيشية للأسر يقلّل من فرص استغلال الأزمة المعيشية مستقبلاً. وبالتالي يشعر القادة الإيرانيون أنهم ينجحون في تحصين ثغرة الاقتصاد نسبياً، على رغم اعتراف خامنئي بأن بلاده لم تحقق بعد انتصاراً حاسماً في «المعركة الاقتصادية».
وإذ توقفت الاحتجاجات في إيران في الساعات الأخيرة بشكل شبه كلّي، تتالت مسيرات التأييد الرافضة لأعمال العنف وإحراق المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة. أمنياً وفيما أفادت التقارير الإيرانية بسقوط 11 قتيلاً بينهم 5 من رجال الأمن أثناء الأحداث المرافقة للاحتجاجات تحدثت «منظمة العفو الدولية» عن أنه يُعتقد أن أكثر من 100 متظاهر قُتلوا وأن الحصيلة الفعلية يمكن أن تكون 200 قتيل. وهو ما سارع المتحدث باسم البعثة الإيرانية إلى الأمم المتحدة علي رضا مير يوسفي إلى نفيه والردّ عليه بالقول: «المزاعم التي لا أساس لها والأرقام المزيفة من قِبَل كيانات غربية منحازة/ لا تزعزع عزم الحكومة على اتخاذ قرارات اقتصادية حكيمة مع احترام حقوق الإنسان بما في ذلك الحقّ في حرية الاحتجاج الشعبي في ظلّ أجواء سلمية».
في الأثناء أقدمت وزارة الخارجية الإيرانية على استدعاء السفير السويسري لدى طهران بصفته ممثلاً للمصالح الأميركية في إيران من أجل الاحتجاج على التدخلات الأميركية في الأحداث الأخيرة لا سيما إعلان وزير الخارجية مايك بومبيو دعمه للمحتجين.
موجة الاحتجاجات تنحسر: مسيرات تأييد مضادة
بدأت وتيرة الاحتجاجات المتواصلة منذ الجمعة في إيران بالتراجع لحساب مسيرات تأييد مضادة خرجت في الساعات الماضية. الاحتجاجات التي شارك فيها عشرات الآلاف حوّلت مدناً من بين 100 منطقة إلى ما يشبه ساحة حرب بعد أن قام ملثّمون بإطلاق نار على قوات الأمن وفق رواية السلطات المدعومة بمشاهد عُرضت على التلفزيون الإيراني. في الأثناء، يظهر النظام متماسكاً وغير متوجّس ممّا يجري، على رغم الإجراءات التي يتّخذها.
تتمسّك الحكومة الإيرانية بقرارها رفع أسعار البنزين، مدعومة من مختلف مؤسسات النظام وشارع مضادّ مؤيّد، فيما تراجع منذ يوم أمس زخم الأعمال الاحتجاجية في البلاد، والتي رافقها سقوط قتلى وجرحى وتوقيفات أمنية، لا تزال أعدادها غامضة. وتفيد التقارير الإعلامية والأمنية في طهران بأن وتيرة الاحتجاجات بدأت تنخفض منذ صباح الثلاثاء، في ظلّ مشهد اصطفاف شعبي إلى جانب النظام ساعدت عليه مشاهدة أعمال شغب عنيفة طالت مدناً، خاصة إسلام شهر وقدس وشهريار في جنوب غرب العاصمة طهران، ومدينة شيراز حيث تمّ إحراق مراكز عامة وخاصة.
وخرجت في مدينتَي تبريز (مركز محافظة آذربيجان الشرقية / شمال غرب) وزنجان (مركز محافظة زنجان/ وسط البلاد)، يومي الإثنين والثلاثاء مسيرات شعبية تندّد بأعمال الشغب الأخيرة، وتطلق شعارات تأييد للنظام. ومن المتوقع تنظيم تظاهرات مماثلة بعد صلاة الجمعة هذا الأسبوع في المدن كافة. كل ذلك يقود، بالنسبة إلى مراقبين إلى استبعاد تراجع الحكومة عن قرار تقنين البنزين وزيادة سعره في ظلّ الظروف الراهنة. وهذا ما شدّد عليه الرئيس حسن روحاني الذي برّر القرار بأنه لم يحدث رفع أسعار للبنزين مدة أربع سنوات وأن الزيادة سيتم توزيعها على الناس. وقال روحاني: «الاحتجاج حق لجميع المواطنين ولكننا لن نسمح بزعزعة الأمن في المجتمع»، لافتاً إلى أن «هدف الحكومة في مشروع الدعم المعيشي هو دعم الأسر المتوسطة الدخل وذات الدخل المحدود، والتي تواجه ضغوطاً في ظلّ الحظر الاقتصادي».
وبيّن تقرير أمني نشرته وكالة «أنباء فارس» الإثنين أن من بين 1080 مدينة وقضاء في البلاد، شهدت أکثر من 100 نقطة تجمعات احتجاجية. ومنذ الجمعة حتى الإثنين يُقدّر مجموع المحتجين بحوالى 90 ألف شخص 82 ألفاً منهم من الرجال. ولا يوجد إحصاء رسمي عن خسائر نتجت عن أعمال الشغب ونهب المراكز والمحال التجارية، لکنّ التقرير الأمني المذكور أشار إلى إحراق أكثر من 100 مصرف و57 مركزاً تجارياً خلال يومَي السبت والأحد في محافظة واحدة فقط، فيما هاجم مثيرو الشغب مخازن نفطية ومقارّ عسكرية في عدد من المدن بينها سيرجان في محافظة كرمان.
وكان التلفزيون الإيراني نشر، الإثنين، مقاطع فيديو لمسلّحين ملثّمين في مدينة أنديمشك التابعة لمحافظة خوزستان (جنوب غرب)، وأفاد بأن هناك تقارير مشابهة عن حوادث إطلاق نار من قِبَل مجهولين في عدد من المدن يومي السبت والأحد. وقال مصدر مطّلع في طهران إن مدينة إسلام شهر شهدت مساء الإثنين اشتباكاً مسلحاً بين قوات الأمن وعناصر مجهولة الهوية قُتل خلاله عدد من المسلحين. كذلك أكد المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي أن مثيري الشغب في بعض المدن «استخدموا الأسلحة النارية والباردة تكراراً».
وفي افتتاحيتها أمس كتبت صحيفة «جمهوري إسلامي» القريبة من الإصلاحيين أنه لا شك في ضرورة تقنين البنزين وتعديل سعره لكن ثمة تساؤلات جدية حول كيفية تطبيقه وزمن تنفيذه، مضيفة أن «المسؤولين في إيران إذا أرادوا أن يطبّقوا قراراتهم بشكل ناجح، فعليهم أن يوسّعوا نطاق نظرتهم إلى الأمور... ويجب عليهم أن يعرفوا أن المحتجين ليسوا فقط هم من نزلوا إلى الشوارع وعليهم أن يجيبوا عن هذا السؤال وهو أنه لماذا واجهت الحكومة ردّ فعل عنيفاً من قِبَل الناس؟» مجيبة بأن «الشعب يعرف حسب خبرته أن ارتفاع أسعار البنزين لن يبقى محدوداً بأسعار الوقود، بل سيشمل قطاعات أخرى وسيتسبّب في ارتفاع أسعار السلع الأخرى ومن هذا المنطلق شعر الناس بقلق كبير تجاه مستقبلهم الاقتصادي».
النقاش المحتدم في إيران بدأ مع قيام حکومة روحاني بتقنین البنزین في خطوة فاجأت الشعب بأکمله إذ لم يكن أحد مطّلعاً عليها إلا بعد أن استیقظ الجميع صباح الجمعة لیجدوا أنفسهم أمام أسعار جدیدة مثیرة، إذ خصّصت الحکومة 60 ليتراً لکل سیارة عادیة شهرياً بسعر 1500 تومان (12 سنتاً أمیرکياً) بعد أن کان ألف تومان وحددت سعر 3000 تومان لما یزید على الحصة الشهریة المدعومة من الحکومة. وفي ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أغلبية الشعب (الحدّ الأدنى للأجور حوالى 120 دولاراً شهرياً) دفعت الخطوة الحکومیة المفاجئة العشرات من الشباب للنزول إلى الشوارع في عدة مدن في محافظات شیراز وکرمان وخوزستان، وحتى في العاصمة طهران والبلدات المجاورة لها، کإسلام آباد وقدس وشهریار إلى جانب مدن أخرى للتعبیر عن احتجاجهم على قرار حکومة روحاني، فيما سجّل الأخير رقماً قیاسیاً في هبوط شعبیته إلى أدنى مستویات خلال تاریخ الجمهوریة الإسلامیة بحسب أحدث استطلاع رأي أجرته جامعة طهران.
وبعد سريان إشاعات عن قیام عدد من أعضاء البرلمان بإعداد مشروع قانون یلزم الحكومة بإيقاف قرار زیادة أسعار البنزین، جاء موقف المرشد علي خامنئي لیفجّر مفاجأة ثانیة، حینما أعلن دعمه لـ«قرار السلطات الثلاث»، إذ قال، خلال الدرس الفقهي صباح الأحد، إنه لا یحمل تخصّصاً فی مجال البنزین وأسعاره لکونه اطّلع على آراء متباینة للخبراء في هذا المجال، إلا أنه في المحصلة یدعم قراراً اتخذته السلطات الثلاث بالإجماع، وهو «جاء بناءً على دراسة دقیقة، ولذا لا بد من تطبیقه». وأكد أنه یعلم أن المواطنین مستاؤون من القرار بسبب ظروف معیشیة صعبة للغاية، لکنه یرفض «أعمال الشغب والتخریب وإحراق الممتلکات العامة والخاصة». كلام المرشد جاء لینهي تكهّنات عن تراجع الحكومة، ويحسم الأمر بأنها لن تتراجع عن القرار، محصّناً بذلك موقفها. وحثّ خامنئي أعضاء الحکومة على السعي إلى الحدّ من آثار الخطوة الحکومیة، ومنها ارتفاع أسعار السلع الأخرى.
المزيد في هذا القسم:
- المرض يصل إلى قلب «أوروبا»: برلين ضعيفة من عوارض «اتحاد» يموت المرصاد نت - ناصر الأمين تشكّل الأزمة السياسية في ألمانيا عائقاً أمام حكومة برلين للحفاظ على موقعها كمركز للقرار الحقيقي للاتحاد الأوروبي. وبطبيعة الحال أنجيل...
- تجدد الاشتباكات في مدينة صبراتة الليبية المرصاد نت - متابعات قالت الأمم المتحدة إن خمسة مدنيين على الأقل لقوا حتفهم وأصيب 12 آخرون ضمن عشرات الضحايا الذين سقطوا في قتال وقع في الآونة الأخيرة بمدينة ...
- أحداث السفارة.. الفجوة بين الشعب العراقي وأميركا! المرصاد نت - متابعات أتهم المبعوث الأميركي الخاص بشؤون إيران، برايان هوك الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالهجوم على السفارة الأمريكية في العراق، زاعما أنه يهدف...
- الطائرة المصرية المفقودة تحطمت قبالة جزيرة كارباثوس اليونانية المرصاد نت - متابعات أكدت وزارة الطيران المصرية تحطم طائرة تابعة للخطوط الجوية المصرية قادمة من العاصمة الفرنسية باريس وعلى متنها 59 راكباً و10 من أفراد ال...
- السيد نصر الله : محور المقاومة ينتصر.. والجماعات الإرهابية إلى زوال المرصاد نت - متابعات أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في كلمة ألقاها اليوم بمناسبة ولادة السيدة فاطمة الزهراء (ع) على أن محور المقاومة ينتصر في ...
- لافروف: ملتزمون بالتعاون إلى أقصى حد مع كوريا الشمالية المرصاد نت - متابعات في مستهل زيارته التي بدأها اليوم إلى بيونغ يانغ، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن روسيا ليس من حقها التدخل بالعملية التفاوضية بين...
- أردوغان يخلط أوراق سوتشي من حميميم وترامب . المرصاد نت - متابعات الحرب الكونية على سورية تتجه نحو نهاياتها المحتومة كما أراد لها أهل الحق من شعب وقيادة ومقاومة سورية وعربية وإسلامية. وهذا ما يتأكد يومياً...
- بريطانيا: ساعات حاسمة قبل «تقرير المصير» ! المرصاد نت - متابعات عشية تصويت حاسم للبرلمان على اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست» غادرت رئيسة الوزراء تيريزا ماي إلى ستراسبورغ ...
- علم داعش على السفارة السعودية في ألمانيا المرصاد نت - متابعات وضع متظاهرون علم تنظيم “داعش” الإجرامي على مبنى السفارة السعودية في ألمانيا عبر الإضاءة الليزيرية.وتظاهر العشرات مساء أمس ...
- صفقة القرن تأخذ العرب إلى مزبلة التأريخ! المرصاد نت - متابعات من حق رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتباهى بأنه قد غدا الآن "سلطان" هذه المنطقة التي كانت تسمى سابقاً "الوطن العربي" وال...