المرصاد نت - متابعات
لم يضف الرئيس الأميركي دونالد ترامب جديداً في تصريحه المستفز عن النفط السوري على هامش قمة "الناتو" الأخيرة في لندن. قال ترامب إن "النفط السوري في أيدينا ويمكننا أن نفعل به ما نشاء".
جملة نقلت واشنطن من منطق تقديم تطمينات إلى حلفائها الكرد إلى واقع تشديد حربها على دمشق من البوابة الاقتصادية وزيادة الخناق على الاقتصاد السوري في مرحلة تترقب فيها دمشق انفراجات كبيرة من بوابة الثروات النفطية، التي خصّصت واشنطن أكثر من 500 جندي أميركي لتأمين حقولها في ريفي الحسكة ودير الزور.
جوهر التصريح لا يحمل أي تغيير في واقع خروج تلك الثروة عن سيطرة الدولة. خرجت حقول النفط عن السيطرة منذ بدء الحرب قبل ثمان سنوات تدريجياً بصرف النظر عن القوى التي توالت السيطرة عليها، بدءاً بـ"الجيش الحر"، ثم "جبهة النصرة"، ثم "داعش"، وصولاً إلى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي باتت تسيطر على كامل حقول النفط في ريف دير الزور الشرقي والحسكة، بما يشكل نحو 90 % من الثروات النفطية السورية بدعم أميركي معلن.
اختار الجيش الأميركي مواقع انتشاره بعد الانسحاب من قواعده في منبج وعين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي وخراب عشق شمالي الرقة، في حقول نفطية رئيسية أبرزها: العمر والتنك في ريف دير الزور الشرقي، وحقول الرميلان والسويدية في الحسكة.
حقل العمر كان ينتج نحو 80 ألف برميل يومياً، فيما كان حقل التنك ينتج نحو 40 ألف برميل يومياً قبل الحرب. أما بخصوص حقول الرميلان فكانت تنتج نحو 90 ألف برميل يومياً. تلك الحقول لم تعد إلى سيطرة الدولة منذ سيطرة المسلحين عليها بالتدريج منذ عام 2012.
حجم التعويل على تلك الثروات يمكن مقاربته من خلال تتبع خسائر قطاع النفط السوري خلال تلك السنوات المقدرة بأكثر من 74 مليار دولار بحسب أرقام رسمية. دمّر المسلّحون و"التحالف الدولي" حقول نفط مع تجهيزاتها بالكامل فيما وقعت أضرار مباشرة في حقول أخرى جراء التكرير البدائي قبل تهريبها إلى شمال العراق أو تركيا.
وهبط الانتاج بحدة من نحو 385 ألف برميل قبل الحرب إلى نحو 100 ألف برميل حالياً بحسب التقديرات، من حقول خارج سيطرة الدولة، فيما باتت الخزينة السورية تتكبد نحو 200 مليون دولار شهرياً ثمن استيراد المشتقات النفطية، وهي تبعات جديدة على الاقتصاد بعدما كان النفط مصدراً مهما للدخل القومي. تبعات عاشها السوريون في معاناة نقص وقود التدفئة وبنزين السيارات وحتى الغاز المنزلي خلال الأعوام الثلاثة الماضية بشكل خاص.
هذه المعطيات تجعل من استعادة حقول النفط وقد تحولت شريان حياة للاقتصاد السوري أولوية قصوى. ويدرك كل اللاعبين تلك الأهمية بمن فيهم الأميركيين الذين باتوا يستخدمون النفط سلاحاً مباشراً ضد دمشق، فيما لم تتوان موسكو عن وصف السلوك الأميركي بالسرقة التي لا تصب في مصلحة التسوية السياسية بل تشكل تهديداً خطيراً لسوريا حسب وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
استعادة هذه الحقول ليست يسيرة عندما يكون العدو قوة بحجم الولايات المتحدة وفي ظل تداخل العلاقات شمالاً بين القوى الكردية والأميركيين، وغياب أي رد فعل حتى على المستوى الشعبي ضد الوجود الأميركي. على العكس من ذلك كانت صور المدنيين وهم يرمون الأميركيين المنسحبين بالحجارة احتجاجاً على خذلانهم للكرد بليغة في معانيها ودلالاتها. في المقابل لا تبدو الصورة بهذه السوداوية في ظل أرضية تزداد صلابة للحوار بين مجلس سورية الديمقراطية (مسد) والحكومة السورية.
حوار عززه الهجوم التركي على الأراضي السورية وتوج بانتشار الجيش السوري شمالي شرق البلاد برعاية روسية، بموازاة تفاهم مع (قسد) على قضية الحدود مع تركيا وعلى طريق إم 4. يضاف إلى ذلك توالي تصريحات مشجعة من شخصيات كردية تعلن رفض الكرد سيطرة الولايات المتحدة على النفط شمالي سوريا كما جاء على لسان الرئيس التنفيذي في (مسد) إلهام أحمد.
خطوات يُبنى عليها بالتأكيد إلا أنها لا تبدو كافية لطرد الأميركيين من تلك الحقول، خصوصاً أنهم لم يدفعوا أي تكلفة بالمعنى المادي مع تولي دول أخرى دفع تكاليف الوجود الأميركي، كما لم يدفعوا أي كلفة بشرية مع غياب أي مقاومة جدية لهم جراء دخولهم الأراضي السورية.
ملامح عمل مقاوم ظهرت الأسبوع الماضي مع خبر أوردته وكالة "سانا" السورية الرسمية عن هجوم نفذه مجهولون على قاعدة أميركية قرب حقل العمر النفطي تزامناً مع وصول رتل أميركي مكون من 25 شاحنة إلى القاعدة. ورغم نفي مصادر كردية ذلك الهجوم وتصويره على أنه مناورات لقوات "التحالف الدولي" في المنطقة، إلا أن حجم التفاعل الشعبي معه يشير إلى مناخ عام مهيئ لإطلاق مقاومة شعبية ضد الأميركيين.
وقد لوّح الرئيس بشار الأسد بهذه المقاومة خلال مقابلته مع قناة "روسيا 24" محذراً من أن "الوجود الأميركي في سوريا سوف يولد مقاومة عسكرية تؤدي إلى خسائر بين الأميركيين" وبالتالي إلى خروجهم من سوريا.
«أستانا 14»: إنعاش لـ«المسارات التوافقية» من إدلب إلى شرق الفرات
بدا أن جولة «أستانا» بنسختها الرابعة عشرة قد أفلحت في إعطاء فرصة جديدة لاختبار التوافقات في الملف السوري. وبرغم أنّ الجولة عُقدت وسط مؤشرات تُنذر بالتصعيد في الميدان كما في الملف السياسي فإنّ الانطباعات الأوّلية تُظهر تغليباً للتهدئة، وتعليقاً (مرجّحاً) لأي عمليات عسكرية شاملة في المدى المنظور. وفضلاً عن المؤشرات العامة، تُجمع آراء مصادر عدّة على أنّ «الجولة كانت ناجحة». تشير المعلومات المتوافرة إلى توافق جديد بين مختلف اللاعبين على المضي في سياسة «التوافق بالتقسيط» إذ ينفّذ كل طرف من الأطراف الفاعلة التزاماً معيّناً ينقل الكرة إلى ملعب طرف آخر لينفّذ التزاماً آخراً بدوره. ويبدو أنّ مصالح «الدول الضامنة» قد تلاقت مع أولويّات دمشق في المرحلة الراهنة، لتُعطى الأولوية لملف شرق الفرات على إدلب. يأتي ذلك بالاستفادة من انتهاز «انكماش» أميركي خارجي مرتقب تفرضه الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة (ينطلق السباق الانتخابي في شباط/فبراير 2020) وما يليها من تشكيل لإدارة جديدة.
لا يمكن فصل مُجريات «أستانا» أمس عمّا دار خلف الأبواب المغلقة، بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أول من أمس كما أنّ معطيات الملف السوري بعمومه تبدو حالياً ذاهبة نحو الانسجام مع مزاج «تسوَوِي» مفترضٍ يسود المنطقة من الخليج إلى سوريا. فقد حرص البيان الختامي لـ«أستانا» على الإشارة إلى «مذكرة أكتوبر» بين موسكو وأنقرة، في شأن شرق الفرات إضافة إلى اتّفاقيّة أضنة (1998) بين دمشق وأنقرة. وتعزّزت فرص تحويل «أضنة» إلى أرضيّة قانونيّة صالحةً للبناء عليها في ما يخصّ مستقبل العلاقة بين الجارين اللدودين، سوريا وتركيا برغم الأفخاخ والعقبات الكثيرة التي يُتوقع أن يختبرها هذا المسار. وتؤكد مصادر دبلوماسية سورية أنّ «النتيجة النهائيّة محسومة سلفاً: عودة السيادة السورية إلى كل المناطق التي احتلّتها تركيا بفضل رعايتها للإرهاب».
لكن إعطاء الصدارة لملف شرق الفرات لا يعني أبداً أن ملف إدلب لم يكن حاضراً على طاولات «أستانا»، ولو ظلّ الكلام المعلن حوله عامّاً وفضفاضاً. تؤكّد مصادر واسعة الاطلاع أنّ «المحادثات الثنائيّة التي عُقدت في العاصمة الكازاخية ناقشت باستفاضة التزامات أنقرة في شأن محاربة التنظيمات الإرهابية في إدلب وضرورة تنفيذ اتفاق سوتشي ولو على مراحل». وينص الاتفاق الذي أُبرم في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، على إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خط التّماس في إدلب وفتح الطريقين الدوليّين M4 (حلب ــــ اللاذقية)، وM5 (حلب ــــ دمشق) وبتعهّد تركي بإخراج المجموعات المسلّحة من المنطقة المذكورة بما فيها «هيئة تحرير الشام/النصرة». ومن شأن هذا التفصيل أن يعيد إلى الطاولة احتمال اندلاع جولة جديدة من اقتتال «الإخوة الأعداء» في إدلب بما يمهّد لرسم خريطة توزّع جديدة لسيطرة المجموعات المسلّحة هناك.
وإذا ما قُيّض لتوافقات التهدئة الأخيرة أن تحظى بفرص حقيقية من المتوقّع أن ينعكس ذلك إيجاباً على الجولة المقبلة لاجتماعات «اللجنة الدستورية المصغّرة» التي بات انعقادها شبه محسومٍ في منتصف الشهر المقبل في جنيف. وتحفل الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل باستحقاقات شديدة الأهميّة في الشأن السوري يكمل بعضُها بعضاً، على طريق إنجاز «التوافقات بالتقسيط». وإضافة إلى اجتماعات «الدستورية»، تُشكل قمة إسطنبول الموعودة (شباط/فبراير 2020) محطة مهمة، بما يمكن أن تشكله من بوّابة لتلاقي مسارين مهمّين: أولهما «أستانا»، وثانيهما المجموعة الرباعية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وتركيا). وتوافق ضامنو المسار الأول على عقد لقائهم المقبل في آذار/مارس المقبل في موعد «مرجعيّ» جديد تتسع جعبته لما ستتمخض عنه «هندسة المسارات» حتى ذلك الوقت.
واختتمت يوم أمس اجتماعات الجولة الرابعة عشرة من اجتماعات «منصة أستانا» في العاصمة الكازاخية نور سلطان ببيان مشترك من الدول الضامنة الثلاث: روسيا، تركيا وإيران، يؤكّد ما ورد في سابقات الجولات مضافاً إليه التشديد على رفض «طروحات الحكم الذاتي» والالتزام بـ«التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات السابقة المتعلقة بإدلب» إلى جانب استنكار «الاستيلاء غير المشروع» على عائدات النفط السوري والاعتداءات الإسرائيلية على سوريا.
برغم كل ما تقدّم يظل الباب مفتوحاً أمام احتمالات التسخين الميداني في ظل تأكيد دمشق المستمر «أولويّة محاربة الإرهاب». ويحرص مصدر دبلوماسي سوري على التذكير بأنّ «الحرب ضد المجموعات الإرهابيّة في إدلب مستمرّة وإعطاء الفرص المتتالية لأنقرة بغية تنفيذ التزاماتها المزعومة لا يعني إطلاقاً الانتظار إلى ما لا نهاية له». ويضيف المصدر: «الجيش مستعدّ ومصمم على دحر إرهابيي القاعدة وسواهم، والقيادة أدرى بالتوقيت».
وفي سياق متصل قال أكبر مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية إن الولايات المتحدة تحتفظ بنحو 500 إلى 600 عسكري في سوريا وذلك للعمل على «هزيمة داعش» الذي لا يزال نشطاً في منطقة وادي الفرات، نافيين علمهما بأي «خطط لاستخراج وبيع النفط السوري». وتحدّث وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر خلال جلسة استماع حول سوريا نظمتها لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب صحبة رئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي عن واقع عمل القوات الأميركية في سوريا. وأوضح ميلي أن «داعش لا يزال موجوداً في الجزء الأدنى من وادي الفرات، والقوات الأميركية باقية لجمع معلومات استخبارية تمكنها من استهدافه... وفي حال فشلنا في ذلك سيعود التنظيم مجدداً».
بدوره أشار إسبر إلى أن قوات بلاده «ليست قوة حفظ سلام... بل هي تركز على الهزيمة الدائمة لداعش، ولديها هناك شركاء مهمّون». وبينما اعتبر وزير الدفاع أن الأمور «استقرّت نسبياً في شمال شرقي سوريا»، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة إن «الوقت لا يزال باكراً للجزم بذلك» مشيراً إلى وجود توقّعات بحدوث «اضطرابات حين يتم نقل اللاجئين إلى شمال سوريا».
ونفى إسبر علمه بأي «خطط لاستخراج وبيع النفط السوري» مضيفاً أن قوات بلاده «تمنع داعش من الوصول إلى النفط ليكون متاحاً لقوات سوريا الديمقراطية، لتمويل عملياتها».
المزيد في هذا القسم:
- للإمارات الجودو ولقطر الجمباز: لسان التطبيع يجمعنا! المرصاد نت - متابعات لم يعد «لسان الضاد» يجمع «بلاد العرب» كما رآها فخري البارودي. في الخليج «المقاطعة» بين «الإخوة&...
- تركيا تتوعد اليونان وتقبل وساطة سويسرية وتتهم فرنسا بمفاقمة التوتر المرصاد-متابعات توعد الرئيس التركي اليونان بالرد على أي هجوم أو تحرش بسفن بلاده في المتوسط معلنا أن سفينة التنقيب “أوروتش رئيس” ستواصل أعمالها شرقي ا...
- في ذكرى النكبة: دماء في غزة... ندوب في القدس المرصاد نت - متابعات مضت الولايات المتحدة الأميركية في ما قررته ونقلت سفارتها من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة وسط صمت خيّم على الضفة المحتلة ومسيرات محدودة...
- تونس : إضراب عام لزيادة الأجور و«اتحاد الشغل» يتجه إلى التصعيد ! المرصاد نت - متابعات لم تفضِ مفاوضات اللحظات الأخيرة في الوصول إلى اتفاق يُلبّي مطالب الاتحاد النقابي الأكبر في تونس يطوي صفحة خلاف امتد أكثر من عام. تقول الحك...
- مصادرة ٢٠٠٠ دونما من الأراضي الزراعية جنوب الخليل أبلغت سلطات الاحتلال الصهيونية فلسطينيين في شرق بلدة يطا قضاء الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، بمصادرة أراضيهم الزراعية ومنعهم من الدخول إليها، والتي تت...
- أفغانستان: قتلى وجرحى في تفجير انتحاري قرب تجمع لرجال دين في كابل المرصاد نت - متابعات قتل أربعة أشخاص على الأقل وجرح آخرون في هجوم انتحاري الإثنين قرب تجمع لرجال دين في كابول وقع بعد وقت قصير من إصدارهم فتوى تحرم هذا النوع ...
- أكثر من 100 إصابة في «جمعة حرق العلم الإسرائيلي» المرصاد نت - متابعات أصيب أكثر من مئة فلسطيني بالرصاص الحي الذي أطلقه جنود العدو وقناصته لتفريق المتظاهرين السلميين الذين وصلوا إلى السياج الشائك ظهر اليوم لل...
- ضجيج في «قصر الحكم»: تمرد الأمراء يؤرق ابن سلمان المرصاد نت - الأخبار ينزلق صراع الأجنحة في السعودية إلى الأرض، ليبدو أنه يشكّل حجر عثرة في طريق محمد بن سلمان إلى العرش بعد سنوات من حكم الوالد الثقيلة على ال...
- الأردن «الحائر» في سوريا... طوق النجاة في المعابر؟ المرصاد نت - متابعات لعلّ انسحاب «جيش العشائر» من مواقع له شرق السويداء باتجاه الأردن، يظهر بشكل أوضح دعم عمان للتهدئة في الجنوب السوري. ويعمل ...
- بعد زلزال السودان الغربة في الوطن : داء عربي! المرصاد نت - متابعات تُعدّ مشاركة الشباب في الحياة السياسية في الوطن العربى أمراً ضرورياً ولأنه كذلك، خاصة بعد تجربة ما سُمّي بثورات الربيع العربي ؛ فإن من ال...