المرصاد نت - متابعات
إعلان «صفقة القرن» في خلال ساعات. هكذا تقول واشنطن، بمعزلٍ عمّا سيعقب الإعلان الذي سيتضمّن بنوداً شبه مستحيل تطبيقها، مثل نزع سلاح غزة وإنشاء ممرّ آمن بينها وبين الضفة. الفكرة الأساسية هي أنه بعدما اقتصر الأمر على التسريبات، ستكون هناك خطة ببنود واضحة ومعلنة. حالياً، لا أحد مشغول بردود الفعل بحدّ ذاتها، بل بمعرفة بنود الصفقة نفسها التي تبقّى يوم أو اثنان على الأكثر حتى تصير مكشوفة.
الجانب الفلسطيني يعيش ترقباً واستعداداً للأسوأ. على الصعيد الرسمي، لا تفتأ السلطة تهدّد بالانسحاب من الاتفاقات وتحذر من خطورة الخطة الأميركية، من دون الإقدام على خطوات عملية حتى الآن. أما الفصائل، ولا سيما «حماس» التي أعلنت استعدادها للجلوس من دون شروط مع «فتح»، فتدعو إلى أيام غضب شعبية لمواجهة الصفقة. إذاً الرهان الأساسي لا يزال قائماً على ردّ الفعل الشعبي، ولا سيما في القدس، المعنيّة الأولى بتبعات الصفقة، إذ إن أيّ اشتعال لهبة شعبية في المدينة المحتلة يعني حكماً انتفاض الضفة وغزة، في وقت تعاني فيه الأخيرة نزيفاً مستمراً يجعلها عاجزة عن الفعل سوى بمواجهات عسكرية مباشرة لا تؤدي إلى تغيير في واقع الصفقة التي من المفترض مواجهتها بطرق أخرى. أيّاً يكن السيناريو الوحيد الذي تتخوّف منه إسرائيل هو انتفاضة شاملة تخرّب كلّ ما ترى أنه حلم عمرها لو تحقق وهذا مرهون بعوامل عديدة في الساحة الفلسطينية التي أثبتت التجربة أخيراً أن تراكم الفعل فيها هو ما يولّد ردود الفعل، وليس بالضرورة أن تكون الردود مباشرة أو فورية.
من جهة ثانية لدى كلّ من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو مادة دعائية ضخمة للانتخابات المقبلة لكليهما، على أنه يصعب على الأخير أن يبادر إلى خطوات فعلية قبل موعد الانتخابات الثالثة المبكرة لما تنصّ عليه الخطة الأميركية، وفق التسريبات من «مدة كمون» ينتظر فيها الأميركيون ردّ الفعل الفلسطيني لتقييم الموقف. هكذا على نار هادئة منذ ثلاث سنوات، استمرّ طبخ الصفقة لتثمر أخيراً «شرعنة» لواقعٍ فرضه الاحتلال على الأرض، فيما المرتقب أن يستغلّ الفلسطينيون الظرف لكسر قيود «أوسلو» التي كبّلتهم طيلة عقود وإعادة تفعيل المقاومة الشعبية في سبيل كسر مخطّطات واشنطن وتل أبيب.
آخر «نُسخ» الصفقة: شبه دولة فلسطينية... بتمويل سعودي
كشف الإعلام الإسرائيلي تفاصيل جديدة ترتبط بـ«صفقة القرن»، من بينها ضمّ مناطق واسعة من الضفة المحتلة إلى إسرائيل، ووضع شروط تعجيزية لإقامة دولة فلسطينية لاحقاً، وتكفّل السعودية وأمراء الخليج بتمويل الجزء الاقتصادي من الخطة. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس عن مصادر سياسية مطلعة على بنود الصفقة وجدولها الزمني قولها إن الأميركيين غير معنيين بأن توافق إسرائيل على جزء وترفض أو تتحفّظ على جزء، بمعنى أنهم في واشنطن لن يوافقوا على أن يسمعوا من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عبارة «نعم ولكن»، لأنه - وفق التوجّهات الأميركية - لا يمكن إسرائيل فرض سيادتها على جميع المستوطنات، وضمّ غور الأردن، وفي الوقت نفسه رفض تنفيذ أجزاء أخرى من الصفقة.
وتنصّ الخطة على «مدة تجهيز» من شأنها إبقاء الباب مفتوحاً أمام الفلسطينيين لقبولها، وتحديداً من خليفة رئيس السلطة محمود عباس، إن قرّر الأخير رفضها، إذ إنها تفرض على إسرائيل، خلال هذه المدّة، تجميد الاستيطان في جميع مناطق «ج» الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، أي الامتناع عن البناء (الاستيطان) داخلها، لكن يمكن البناء في المستوطنات نفسها بحدودها المقرّرة، وأيضاً ضمّ ما بين 30% إلى 40% من مناطق «ج». في المقابل، يسيطر الفلسطينيون على نحو 40% من مناطق «أ» و«ب»، من دون التزامات واضحة في شأن 30% من «ج» (بخلاف الـ30% التي ستأخذها إسرائيل)، التي عمد الأميركيون إلى إفهام الأردنيين والفلسطينيين أن بالإمكان لاحقاً ضمّها إلى الدولة الفلسطينية العتيدة التي يفترض في أحسن الأحوال أنها ستقام على نحو 70% من أراضي الضفة (40% الحالية و30% من بقايا «ج»). ووفقاً للمصادر الإسرائيلية سينتظر الأميركيون الموقف الفلسطيني بضعة أسابيع، قبل أن تبدأ إسرائيل تطبيق السيادة على «ج» ما يعني أن نتنياهو غير قادر على ضمّ مناطق في الضفة قبل موعد انتخابات «الكنيست» في آذار/ مارس المقبل.
ويراهن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على فوزه بولاية ثانية كي يعمد خلالها إلى الضغط على الفلسطينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات وقبول الصفقة، على أن يتمكّنوا من إعلان دولتهم «المستقلة»، التي لا تكاد تحوز أيّاً من مقوّمات الدولة وفق ما هو مخطط، إذ ستكون من دون جيش ومن دون سيطرة على المجال الجوي ومن دون سيطرة على المعابر وعاجزة عن إقامة تحالفات مع دول أجنبية. من جهة أخرى تنصّ الصفقة على إنشاء نفق بين غزة والضفة (الممرّ الآمن)، علماً بأن هذه القضية حساسة جداً بالنسبة إلى إسرائيل ولذلك «لم توضع إلى الآن على طاولة البحث والدراسة لدى المؤسسة الأمنية» في تل أبيب لكن «يتوقع أن يكون التحفظ حولها كبيراً خشية استخدام الممرّ لنقل السلاح والمطلوبين».
أيضاً، تدعو الخطة رام الله إلى استعادة السيطرة على غزة، وتفكيك ونزع سلاح حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وهذا البند يعني وفق مسؤولين إسرائيليين أن الأميركيين لا يفهمون الوضع أو لا يقصدون فعلاً ما يقولونه. وفقاً للصفقة أيضاً، تبقى القدس تحت السيادة الإسرائيلية بما في ذلك الحرم القدسي والأماكن المقدسة الأخرى، لكن ضمن إدارة مشتركة، على ألّا يحدث تقسيم للمدينة. أما ما هو خارج جدار الفصل فيُنقل إلى الفلسطينيين شرط قبول الصفقة كما هي. ويمكن للفلسطينيين تحديد عاصمتهم في أيّ مكان يريدونه خارج جدار الفصل في القدس أي بالإمكان أن تكون العاصمة في شعفاط. وأخيراً تنصّ الصفقة على 50 مليار دولار تُخصَّص لتمويل مشاريع في مناطق الدولة الفلسطينية في وقت تقول فيه مصادر مقرّبة من البيت الأبيض إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وأمراء الخليج، تعهّدوا للأميركيين بدفع هذه المبالغ.
«صفقة القرن» و«أوسلو»: هل تَلِد الحيّة إلّا حيّة؟
لم يكن طرح «صفقة القرن» معزولاً عن مسارات محلية وإقليمية ودولية سبقته أو تزامنت معه، كذلك لم تكن علاقته بما سبق مجرّد توالٍ لمحطات، بقدر ما شكّل تتويجاً لها، بعدما هيّأت هي المظلّة لفرض وقائع استيطانية وسياسية في انتظار فرصةٍ تنتجها تحوّلات إقليمية ودولية لإسباغ «الشرعية» على تلك الوقائع. يمكن ربط «صفقة القرن» بالكثير من المحطات السابقة، وصولاً إلى بدايات المشروع الصهيوني لكن الأكيد أنها تمثل امتداداً مباشراً لـ«اتفاقية أوسلو» باعتبار الأخيرة إحدى أبرز المحطات المفصلية. منذ انطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987، وجدت إسرائيل نفسها أمام مستجدّ استراتيجي فرض عليها البحث عن خيارات بديلة لمواجهته. ولم يكن أمامها، بعدما تحوّلت الانتفاضة إلى عبء حقيقي عليها، إلا التوصّل إلى صيغةٍ ما تخرجها من ورطتها، بالاستفادة من اللحظة الإقليمية والدولية آنذاك والمتمثلة في انهيار الاتحاد السوفياتي وتدمير العراق.
في البداية وجدت إسرائيل أن لا إمكانية للتوصّل إلى حلول «إبداعية»، في ظلّ مواقف الطرف الفلسطيني الذي كان يطالب بدولة على حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية. وهو ما دفع الاستخبارات العسكرية، «أمان»، في حينه (قبل أن تطّلع على مسار أوسلو السري)، الى استبعاد التوصل إلى اتفاق (دراسة صادرة عن مركز تراث الاستخبارات/ إسحاق رابين، اتفاق أوسلو والاستخبارات/ أيار - 2019). لكن، في النهاية تبلور «اتفاق أوسلو» المرحلي بالصيغة التي نشهدها. وبالفعل، كان الاتفاق مرحلياً، لكن في أيّ اتجاه؟ ليس من الصعوبة استشراف معالم المخطط الصهيوني في ضوء نصوص «أوسلو». فقد تمّت بلورة هذه النصوص وفق ثوابتِ أوسعِ شريحةٍ سياسية وأيديولوجية على الساحة الإسرائيلية، عبر الاتفاق على حكم ذاتي لتكون بهذا متبنّيةً إلى حدّ كبير مفهوم اليمين للتسوية مع الفلسطينيين.
ذلك أن الشخصية التي أوجدت مفهوم الحكم الذاتي كصيغة حلّ للقضية الفلسطينية كانت رئيس الوزراء ورئيس حزب «الليكود» مناحيم بيغن، خلال مفاوضات «اتفاقية كامب ديفيد» مع مصر عام 1978. وفي عام 1991م تبنّى إسحاق شامير في «مؤتمر مدريد» المفهوم نفسه، قبل أن يتحوّل الأخير لاحقاً إلى مشروع لمعسكر اليسار في إسرائيل. أما بخصوص منشأ معارضة «الليكود» ومعسكر اليمين للاتفاق في حينه، فهو على ما يبدو نَبَع من كونه محطة انتقالية في اتجاه تسوية شاملة، ولذا أراد المعارضون قطع الطريق على ما بعده.
لم يكن اختراع تقسيم إداري وأمني وفق المعايير والمصالح الأمنية والسياسية الإسرائيلية عبثياً. فقد فتح هذا التقسيم الطريق أمام سياسات استيطانية وأمنية لاحقة. بحسب «اتفاق أوسلو»، تمّ إخضاع المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية لسلطة أمنية وإدارية فلسطينية، وهو ما عُرف بـ«مناطق أ»، فيما أُخضعت أخرى لسلطة أمنية إسرائيلية وإدارية فلسطينية في ما عُرفت بـ«مناطق ب» أما «مناطق ج» فهي الخاضعة لسلطة أمنية وإدارية إسرائيلية خالصة. ولم يكن التصنيف الأخير، الذي استهدف قرابة 60% من مساحة الضفة الغربية، عبثياً؛ بل لكونه شمل المستوطنات الإسرائيلية التي توجد فيها أعداد محدودة من الفلسطينيين وهو ما أشّر إلى مستقبل المخطّط الاستيطاني، بوصفه تجسيداً لمقولة أكبر مساحة من الأرض مع أقلّ عدد ممكن من الفلسطينيين. وما يتم طرحه الآن من عملية ضمّ في «صفقة القرن» هو في هذه المساحة تحديداً، والتي يدعو اليمين الإسرائيلي إلى ضمّها.
في السياق نفسه، أتى ترحيل البحث في القضايا الجوهرية (القدس، اللاجئون، المستوطنات، الحدود...) إلى ما كان يُفترض أنها مفاوضات الوضع النهائي. لكن التدقيق في هذه القضايا يبيّن أن ليس ثمة حزب أو زعيم سياسي إسرائيلي، لا سابقاً ولا لاحقاً، يقبل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة عام 1948. وهو موقف يحظى بإجماع الأوساط السياسية اليهودية (الصهيونية وغير الصهيونية). وبخصوص القدس تكفي استعادة موقفٍ لإسحاق رابين الذي وقّع على «اتفاق أوسلو» عام 1993م اعتبر فيه أن «القدس ستبقى موحدة حتى في الاتفاق النهائي» مع الفلسطينيين، في ما يُعدّ مطلباً إسرائيلياً يمينياً بامتياز. وفي ما يتعلّق بالمستوطنات، فقد كان بارزاً جداً في «أوسلو» عدم اشتراط وقف الاستيطان قبل التوصّل إلى اتفاق نهائي، وهو ما أطلق يد الاحتلال في هذا المجال. أما بالنسبة إلى الحدود، فالواقع أن الحدود الوحيدة للضفة هي مع الأردن إلى جانب كيان العدو. والأخير كان ولا يزال يعلن أنه في أيّ ترتيبات، سيبقى الجيش الإسرائيلي مسيطراً على الحدود مع الأردن لأسباب متعلقة بـ«الأمن القومي» الإسرائيلي. والمطروح الآن هو ضمّ غور الأردن أيضاً إلى إسرائيل الأمر الذي يتبنّاه نتنياهو ومنافسوه على السواء.
في الخلاصة حققت إسرائيل من خلال «اتفاق أوسلو»، أكثر من إنجاز مهّد الطريق للواقع المتشكّل الآن سياسياً واستيطانياً وأمنياً. ومن بين تلك الإنجازات أنها استطاعت احتواء الانتفاضة، وحوّلت السلطة إلى قوة دفاع عن أمنها وهو ما مَكّنها من مواصلة سياسة فرض الوقائع الاستيطانية إلى جانب سياسات أخرى تتصل بمختلف المجالات. وهي فعلت ذلك مطمئِنّةً إلى وجود قوة أمنية - سياسية تقع على عاتقها مهمة إحباط أيّ حراك شعبي واسع، أو عمل مقاوم مضادّ. وللتذكير عندما أخلّ الرئيس الراحل ياسر عرفات بهذا البند قامت بتصفيته. يضاف إلى ما تقدّم أنه، من خلال الاتفاق أسهمت إسرائيل في بلورة قيادة سياسية فلسطينية (السلطة) تتبنّى التسوية كخيار وحيد مع الاحتلال لكن عملياً اتبعت حكومة نتنياهو ومَن سبقها من الحكومات، تكتيك التسويف والمماطلة، وأغرقت الطرف الفلسطيني بشروط تدرك أنه لا يستطيع الموافقة عليها (الاعتراف بيهودية الدولة) الأمر الذي أسهم في عرقلة أيّ محاولة للجلوس إلى طاولة مفاوضات نهائية.
هكذا تبلور على أرض الواقع، نتيجة «اتفاق أوسلو» وفي ظلّه، مسار وحيد يتمثل في استمرار التمدّد الاستيطاني الذي بلغ في الضفة والقدس المحتلّتَين أربعة أضعاف ما كان عليه قبل الاتفاق (ارتفع العدد من حوالي 200 ألف إلى حوالى 800 ألف). أيضاً، تكرّست معادلة مكّنت الطرف الإسرائيلي من وضع السلطة الفلسطينية بين خيارين: إمّا القبول باستمرار الوضع القائم استيطانياً وسياسياً وأمنياً، وإما استمراره مع دفع المزيد من الأثمان السياسية والأمنية والاقتصادية.
في خضمّ ذلك تبلور مستجدّ أميركي - عربي رأت فيه إسرائيل ظرفاً مثالياً لإضفاء «الشرعية» على تلك الوقائع. وعليه، فإن الأخيرة التي فُرضت بفعل «أوسلو» هي الأهمّ، وليس «صفقة القرن» بذاتها. فحتى لو لم يصل شخص مثل دونالد ترامب إلى الحكم، فالبديل كان استمرار التمدّد الاستيطاني واستمرار الدور الوظيفي للسلطة وفق ضوابط «أوسلو». بتعبير آخر، «صفقة القرن» لم تنتج وقائع ولكن شرعنتها أميركياً على أمل أن يكون ذلك مدخلاً إلى شرعية دولية ما. وليس من الصعوبة التقدير أن رهان تل أبيب وواشنطن الأساسي في ذلك هو على وجود واقع سياسي أمني فلسطيني وعربي يلعب دور الكابح لأيّ انتفاضة شعبية، ومقاومة مسلحة تقلب الطاولة على الطرفين.
تعويم ترامب... و«بيبي»
كلّ الإشارات في الآونة الأخيرة، كانت تدلّ على قرب طرح بنود «صفقة القرن» وتحديداً قبل أن يعود الإسرائيليون، للمرّة الثالثة في غضون عام واحد، إلى صناديق الاقتراع. عبثاً، انتظرت الإدارة الأميركية تأليف حكومة إسرائيلية. وفي كلّ مرّة، وقبلها وبعدها، كان دونالد ترامب يقدِّم دفعةً بالمجّان لإسرائيل، إن كان لتدعيم تحالفاته داخلياً عبر تحقيق وعود انتخابية، أو سعياً منه إلى انتشال حليفه بنيامين نتنياهو من أزماته الداخلية. لم يَعد طرح الصفقة غاية في حدّ ذاته. اجتثاث القضية الفلسطينية بدأ عملياً منذ وطئت قدما دونالد ترامب البيت الأبيض، بداية بإعلانه القدس المحتلة عاصمةً لإسرائيل ونقل سفارة واشنطن إليها، وصولاً إلى مصادقته على ضمّ الجولان السوري المحتلّ وما تلاه مِن شرعنة الإدارة للاستيطان، وغيرها من الخدمات التي جرى تقسيطها على مدى السنوات الثلاث الماضية، بوصفها هدايا مجانية لكيان الاحتلال. من هنا، فإن عودة الصفقة إلى واجهة الأحداث عالمياً ولا سيما في هذا التوقيت، تؤشّر إلى المساعي المتجدّدة لتعويم نتنياهو ومعه ترامب نفسه. تفاصيل هذا الإعلان الذي تأجّل أكثر مِن مرة ولأكثر من سبب، ستخرج يوم غدٍ الثلاثاء إلى الضوء. وسيُطرح الجانب السياسي من الصفقة بعدما تمّ الكشف عن جانبها الاقتصادي في «ورشة المنامة» في حزيران/ يونيو مِن العام الماضي، حين دعا «عرّابها»، مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر، إلى الاستفادة مِن «فرصة القرن» التي ستجلب «السلام والاستقرار للفلسطينيين والإسرائيليين».
في غضون عام واحد، أضيف إلى حملة الانتخابات الإسرائيلية الثالثة عنصرٌ غير عاديّ. سُجّلت يوم الخميس الماضي واقعة جديدة: خطوة قام بها الرئيس الأميركي أدّت إلى إضعاف الحملات المضادّة لنتنياهو. طرح الصفقة في هذا التوقيت يمنح ترامب فرصة للتشويش على محاكمته الجارية حالياً في مجلس الشيوخ، أولاً، كما أنه يُعدّ، كما قرئت الخطوة غربياً، «وثيقة انتخابية» تهدف إلى تعويم حليفه رئيس الحكومة الإسرائيلية، ثانياً، بعدما صارت السياسة الانتخابية في إسرائيل تُدار من المكتب البيضاوي. آرون ديفيد ميلر رأى أن إعلان الصفقة قبل أسابيع من إجراء انتخابات «الكنيست» «يأخذ الدبلوماسية الأميركية إلى درجات غير مسبوقة من السقوط». فاستدعاء نتنياهو جنباً إلى جنب رئيس المعارضة في «الكنيست»، بيني غانتس، إلى واشنطن، لمناقشة تفاصيل الصفقة التي طال انتظارها يعتبر بمثابة «مفاجأة» ترامب الثالثة في ثالث انتخابات إسرائيلية (بعد المصادقة على ضمّ الجولان السوري، والترويج لاتفاقية دفاعية أميركية - إسرائيلية). من حيث التوقيت أيضاً، فإن الرحلة - المقررة في اليوم ذاته الذي يواجه فيه رئيس الحكومة إجراءً محورياً في سياق الصراع الدائر على حصانته البرلمانية في وجه قضايا احتيال ورشى - يُنظر إليها باعتبارها «نعمةً» لنتنياهو و«فخاخاً» لغانتس.
بحماسة شديدة وافق الأوّل على دعوة نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، الذي كان يشارك في مناسبة «تحرير معسكر الإبادة النازي أوشفيتز»، الخميس، في القدس المحتلة. توازياً، منح بنس نتنياهو الفضل في تمدد الدعوة لتشمل غانتس. دعوةٌ بدت أشبه بعملية «تجميد» لحملة هذا الأخير الذي أكّد، السبت، موافقته على مقابلة الرئيس الأميركي يوم الإثنين، أي قبل يوم واحد من «القمة المصغرة» المزمعة، على أن يعود إلى إسرائيل يوم الثلاثاء لإجراء محادثات برلمانية في شأن مسألة الحصانة. وعلى الرغم من تردّد زعيم حزب «أزرق أبيض» في قبول الدعوة، إلا أن رفضه سيعني مخاطرته في أن يُنظر إليه على أنه تجاهل إحدى أكثر الخطط تحيّزاً لإسرائيل، كما أنه سيعني تخلّيه عن مصافحة ترامب الذي يحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين الإسرائيليين، وفق ما رأت «واشنطن بوست».
واستبق ترامب خطوة الإعلان بإيفاد مبعوثه إلى الشرق الأوسط آفي بركوفيتش، إلى إسرائيل بداية الشهر الجاري، حيث اجتمع بنتنياهو وغانتس والسفير الأميركي ديفيد فريدمان، وبحث معهم إمكانية الإعلان عن تفاصيل الخطة الأميركية قبل انتخابات «الكنيست». وجرى التكتّم على حيثيات المشاورات بين الجانب الإسرائيلي وفريق ترامب ممثلاً ببركوفيتش، الذي زار إسرائيل في مهمّته الرسمية الأولى منذ استقالة سلفه جيسون غرينبلات في أيلول/ سبتمبر 2019م بعد تأجيل ترامب الإعلان عن الصفقة للمرة الثانية بسبب إعادة الانتخابات في إسرائيل. وعلى رغم التكتّم على فحوى اللقاء الذي جمعه بالمبعوث الأميركي، أبدى غانتس تحفّظه على الاستعدادات الأميركية للإعلان عن «صفقة القرن» قبل انتخابات «الكنيست»، قائلاً: «يمكنني أن أفترض أنه في مثل هذه القضية المهمة سيكون الأميركيون حذرين، ولن ينشروها خلال الانتخابات. وإذا نشرت قبيل الانتخابات، فسيكون ذلك تدخّلاً صارخاً وحقيقياً».
الأخبار - من ملف : «صفقة القرن»: شبه دولة بتمويل سعودي
المزيد في هذا القسم:
- اعتداء إسرائيلي على سوريا... من الأجواء اللبنانية المرصاد نت - متابعات استهدف الكيان الإسرائيلي الغاصب بضربات صاروخية فجر اليوم مطار التيفور العسكري في منطقة ريف حمص ما أسفر عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى. ...
- داعش يختطف 86 امرأة آشورية و39 طفلا في شمال سوريا قالت الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان إن تنظيم “داعش” الارهابي اختطف 86 امرأة و39 طفلا من الآشوريين في شمال سوريا. وأضافت الشبكة في بيان لها اليوم أنه “بينما يح...
- بعد أزمة الإساءة للنبي محمد.. هل تحتوي الهند غضب العالم الإسلامي؟ المرصاد-متابعات بإجراءات عاجلة سعت الهند لاحتواء موجة غضب في العالم الإسلامي بعد إطلاق مسؤولين في الحزب الحاكم تصريحات مسيئة. وفي رد فعل سريع رحبت دول وازنة ف...
- 34 شهيدا وجريحا بتفجير نفذه انتحاري في الكاظمية المرصاد نت - متابعات أفاد مصدر أمني عراقي الاحد بأن الانفجار الذي شهدته مدينة الكاظمية اليوم نفذه انتحاري بحزام ناسف واشار الى أن التفجير اسفر عن استشهاد واصا...
- إردوغان بعد الانتخابات المحلية.. حسابات الداخل والخارج! المرصاد نت - علي فواز فيما تعيد الانتخابات المحلية التركية تشكيل الخارطة السياسية في الداخل يتعرض حكم إردوغان إلى المزيد من الضغوط الخارجية في إطار علاقته الم...
- طهران تعلن عن أول رد انتقامي صاروخي باستهداف"عين الأسد"! المرصاد نت - متابعات أعلن «الحرس الثوري الإيراني» أنّه استهدف بعشرات الصواريخ، قاعدتين عسكريتين في العراق، تشغلهما القوات الأميركية، الأولى في غربه وهي «عين ا...
- أردوغان يختتم استعراضه في الخليج مع بداية الدورالروسي المرصاد نت - متابعات عاد الرئيس التركي إلى بلاده مساء أمس بعدما أوصل رسالة إلى السعودية تؤكد حضور أنقرة (العسكري) في الخليج. ومع مغادرته تنفتح الأزمة على فصل ...
- اقتحام القصر الرئاسي في سيريلانكا بعد تطويقه من قبل 100 ألف متظاهر المرصاد-متابعات تجمع أكثر من 100 ألف شخص بالقرب من قصر الرئيس السيريلانكي بالعاصمة، كولومبو، مع المزيد من المسيرات من خارج المدينة، مطالبين باستقالة الرئيس جوت...
- أبو ظبي تموّل تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا ! المرصاد نت - متابعات بموجب اتفاق وُصف بـ«التاريخي» ستزوّد إسرائيل أوروبا بالغاز بدعم من الاتحاد الأوروبي وبتمويل إماراتي وصلت قيمته إلى مئة مليون ...
- مملكة الصمت على حافة الانفجار وحرب أهلية تلوح بالأفق المرصاد نت - متابعات مرور سريع على تطور الأحداث في السعودية سيخبرك عن كيفية تحوّل صراعات المملكة من خارج الحدود إلى داخلها ومن يراقب سير سياسة السعودية خ...