المرصاد نت - متابعات
على خطى «صفقة القرن» الأميركية ولتعزيز مكانته في مواجهة تهم الفساد التي قد توصله إلى السجن يواصل رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «فتوحاته» السياسية التي يستند فيها إلى دعم أميركي وغربي وخليجي ليفتح له أبواباً بقيت مغلقة لعقود. وإذا صحّ ما كشفه بيان مكتب نتنياهو عن لقاء جمعه مع رئيس «مجلس السيادة» السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في مدينة عنتيبي الأوغندية، فإنه يكون خطا خطوة إضافية في اتجاهين: الأول مواصلة مساعيه لمحاصرة الفلسطينيين في «غيتوات صفقة القرن» والثاني تقديم المشهد أمام جمهوره كما يلي: بينما تنصبّ جهوده لتعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية يواصل الآخرون (القضاء والأحزاب) التآمر عليه. إذاً بعد «احتفالية الصفقة» وحضور «حواريّي النظام السعودي» من البحرين والإمارات وسلطنة عمان يلتحق النظام السوداني ممثلاً في «رأس الهرم في الخرطوم» وفق بيان مكتب نتنياهو بالتواطؤ العربي فيما دشّن البيان الاتفاق مع البرهان على «بدء التعاون لتطبيع العلاقات» واصفاً ذلك بـ«الحدث التاريخي».
لا تتعارض مقاربة هذا الحدث السياسي من زاويتين في آن واحد: داخلية إسرائيلية، وإقليمية، وهو ما ينطبق على الكثير من المحطات الإقليمية والدولية إذ تؤكد التجارب السابقة أن القادة الإسرائيليين لا يتورّعون عن استثمار كلّ المحطات بما فيها المتصلة بالأمن القومي في التنافس الداخلي الضيق فكيف عندما يتعلق الحدث بالتأسيس لتطوّر في مسار التطبيع المتواصل مع الأنظمة العربية؟ مهما حاول نتنياهو أن يثبت خلاف ذلك فهو لا يستطيع أن يُقنع أحداً في الداخل والخارج بأن هدف نشاطه السياسي المتزايد على مسافة شهر من الانتخابات ليس تعزيز مكانته لدى الجمهور في مواجهة اتهامه رسمياً، الأمر الذي ينسحب على توظيف إعلان «صفقة القرن» الآن.
مع هذا لا ينبغي تجاهل حقيقة أن الكثير من الأنظمة العربية والإقليمية ترى في تل أبيب بوابة إلى تعزيز مكانتها في واشنطن والدول الغربية على أمل أن يحظى من يُقدِّم المزيد من الخدمات إلى إسرائيل وقادتها بـ«لفتة» أميركية. ذلك ما أكده بيان نتنياهو ضمناً عندما قال إن البرهان «يسعى إلى مساعدة بلاده على اجتياز عملية التحديث عبر إخراجها من العزلة ووضعها على الخريطة العالمية». وفي السياق يندرج ما كشفته القناة «الـ13» العبرية عن أن الخرطوم تسعى إلى وساطة إسرائيلة لـ«فتح أبواب» إدارة دونالد ترامب أمامها، بما في ذلك إقناعها برفع اسم السودان من «قائمة الدول الراعية للإرهاب». وأضافت القناة: «نتنياهو طرح هذه المسألة أمام وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، خلال لقائهما في واشنطن الأسبوع الماضي الأمر الذي حرّك المياه الراكدة... دعا رئيس مجلس السيادة لزيارة العاصمة الأميركية الأسبوع المقبل».
على المستوى الإقليمي المؤكد أن المستهدف من هذه الخطوات التطبيعية هو القضية الفلسطينية. فما أقدم عليه النظام السوداني وفق الإعلان الإسرائيلي يأتي استكمالاً لخطوات سابقة بادرت إليها الأنظمة الخليجية ولا سيما النظام السعودي الذي عبَّد الطريق أمام البقية. لذا لا يمكن تجاهل الرسائل التي ينطوي عليها توقيت اللقاء لجهة أنه أتى بعد إعلان الخطة الأميركية ما يعني أنه إعلان وتبنٍّ لمسار التطبيع مع العدو بالاستناد إلى السقف الجديد الذي تهدف الصفقة إلى فرضه وإلا فالمطلوب إحكام الطوق حول الشعب الفلسطيني وإشعاره بأنه معزول عن عمقه العربي.
وفي الإطار نقلت صحيفة «هآرتس» عن وزير إسرائيلي قوله إن «التعاون بين البلدين من المرجّح أن يؤثر في الرحلات الجوية من إسرائيل وإليها عبر الأجواء السودانية» مضيفاً: «هناك توجه عام لدول إسلامية وعربية وأفريقية بالتقرب من إسرائيل». كذلك لمّح مقرّبون من نتنياهو إلى أن «إقامة علاقات رسمية مع السودان من شأنه أن يساعد إسرائيل في ترحيل طالبي اللجوء السودانيين المقيمين فيها».
وكان السودان تعرَّض في سنوات سابقة لسلسلة من الهجمات الإسرائيلية استهدفت قوافل أسلحة كانت تعمل إيران على إيصالها إلى المقاومة في فلسطين، لكن منذ 2014م بدأ التحول بالمبادرة إلى قطع العلاقات مع إيران التي كانت تقدّم الدعم إلى الخرطوم. وبعدها تحدثت تقارير إسرائيلية وأجنبية عن إجراء محادثات مع مسؤولين سودانيين عبر قنوات سرية وممثلين من المنظمات الدولية ما أدى إلى بلورة «لوبي إسرائيلي من أجل السودان» في كلّ من الولايات المتحدة وأوروبا. وفي النتيجة طلبت إسرائيل من الدول الغربية مساعدة البلد العربي في ديونه الدولية. لكن يبدو أن النظام الجديد، الذي يحاول أن يقدم نفسه أنه بديل عن السابق يكشف اللقاء الأخير أن خياراته الإقليمية ليست إلا امتداداً لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
وسبق لتقارير إسرائيلية أن كشفت أن نتنياهو سيلتقي مسؤولين سودانيين خلال زيارته العاصمة الأوغندية كمبالا بالتزامن مع تقارير سودانية أشارت إلى أن البرهان موجود في المدينة نفسها (خلال وجود نتنياهو) في زيارة غير معلنة. يتقاطع ذلك مع ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر مرافق لنتنياهو خلال زيارته من أن الأخير سيعلن قريباً إقامة علاقات مع دولة عربية من دون أن يحدّد اسمها. وفي سياق متصل ذكر موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن نتنياهو دعا الرئيس الأوغندي يوري موسفني إلى فتح سفارة لبلاده في مدينة القدس المحتلة مقابل فتح سفارة إسرائيلية في كامبالا معبّراً عن أمله في أن يحدث ذلك قريباً. وكان نتنياهو قد وصل إلى عنتيبي في زيارة ليوم واحد وبحث مع موسفني «تعزيز التعاون في مجموعة واسعة من المجالات: المدنية والاقتصادية والصحية والمياه والطاقة والاتصالات والزراعة». وفي وقت متأخر أمس قال مجلس الوزراء السوداني إن اللقاء «تم من غير علم المجلس أو مشاورته وننتظر توضيحات من البرهان».
الخلاصة ...
لا يمكن لأيّ قراءة سياسية أن تنظر إلى لقاء البرهان - نتنياهو على أنه حدث عابر. ذلك أن اللقاء تتويجٌ لمسار وراثة الخرطوم من قِبَل معسكر التطبيع الذي سعى منذ اللحظة الأولى إلى وأد الثورة السودانية ومنع تشكّل قيادة وطنية لها. قد يراهن البعض على ردّ فعل معاكس لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي عُقدت عليه آمال كبيرة في الداخل لكن يكفي النظر إلى التمهيد الذي عمل عليه وزراؤه منذ اليوم الأول لتأليف حكومته وعلى رأسهم وزيرة الخارجية التي نفت أمس علمها بخطوة رئيس «مجلس السيادة» وأيضاً وزير الأوقاف. فكلاهما مهّد لتطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي أو على الأقلّ جعلها «وجهة نظر» تحتمل الأخذ والرد.
إذاً تقف «ثورة ديسمبر» على أعتاب اختبار قد يكون الأصعب في تاريخها خاصة مع تصاعد أصوات تنادي بتمرير «التطبيع» ولو بالحدّ الأدنى للحصول على رضى واشنطن ورفع البلد من «قائمة الإرهاب». ومع أن تجربتَي معمر القذافي ومحمد حسني مبارك ووصفات «النقد الدولي» و«البنك الدولي» ليست ببعيدة فإن العبرة قد تحتاج إلى دفع ثمن سوداني بحت مقابلها كي يتيقّن حكّام الخرطوم أن الأميركيين يذهبون بهم كما غيرهم عطاشى إلى البحر ويعودون بهم ظمآنين أكثر.
المزيد في هذا القسم:
- بريطانيا توقع اتفاقية تعاون عسكري مع السعودية المرصاد نت - متابعات مستغلة الأزمة الخليجية والتوترات التي يغذّيها الغرب بين دول المنطقة وقّعت بريطانيا اتفاقية إطارية للتعاون العسكري والأمني مع السعودية بعد...
- مشروع محمد بن زايد: الجيل الثاني وتعريب نموذج إسرائيل المرصاد نت - متابعات لا يزال اسم دول الخليج يرتبطُ في أذهان العامّة في الشرق وفي الغرب بالنفط. وفي الولايات المتحدة لا تزال دول الخليج ترتبط بظاهرة استيراد ال...
- الرئيس الأسد وبن علوي يبحثان كيفية التصدي للتحديات المفروضة على المنطقة! المرصاد نت - متابعات استقبل الرئيس بشار الأسد اليوم الأحد يوسف بن علوي بن عبد الله وزير الشؤون الخارجية في سلطنة عمان بحضور وزير الخارجية وليد المعلم. وأعلنت...
- المقاومة تقلب مناخات الإذعان لواشنطن وإسرائيل؟ المرصاد نت - متابعات الغضب الشعبي الصاخب الذي يبشّر باندلاع الانتفاضة في الأراضي المحتلة يظنه كثير من المحبَطين الموشّحين بضيق الأفق أنه موجة عابرة كما تسعى إ...
- الغارديان: لا أحد يعرف ما الذي سيفعله ترامب بعد تولي الرئاسة المرصاد نت - متابعات نشرت صحيفة الغارديان في صفحتها الأولى تقريرا عن تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة تقول فيه إنه لا أحد يعرف ما الذي سيفعله ترامب ف...
- تونس : رئاسة العاصمة لـ«النهضة»: الإسلاميون يحلّقون بعيداً المرصاد نت - متابعات في تونس ما بعد 2011 ثمة ثابتة وحيدة في المشهد السياسي: وحدها «حركة النهضة» تتقدّم فيما يتراجع الآخرون من دون أن يُجدي أحداً ا...
- هذه هي الحرب التي خسرتها السعودية.. أسرار لم تعرفها من قبل! المرصاد نت - متابعات نشرت مجلة “فورين آفيرز” الأمريكية تقريرا بعنوان “الحرب التي أخفقت فيها المملكة السعودية”. وجاء عنوان المجلة ال...
- إسبر في الرياض : واشنطن تبثّ الروح في مؤتمر وارسو! المرصاد نت - متابعات في وقت كانت تجلس فيه مسؤولة إسرائيلية في البحرين مع «أصدقائها» من «عرب أميركا» للتباحث في «الأمن البحري» ضمن ورشة منبثقة عن «مؤتمر وارسو»...
- 2018: سنة اللاعبين الخمسة المرصاد نت - متابعات في عالم العرب أكثر من عشرين «دولة»، ليس بينها دولة واحدة متماسكة، فهي متعثّرة أو متهدّمة أو متفككة. بلاد العرب ساحات يتبار...
- ترامب وكيم في سنغافورة... القمة بعد يومين المرصاد نت - متابعات اكتملت التحضيرات للقمّة المزمعة بين واشنطن وبيونغ يانغ بوصول كيم جونغ أون ودونالد ترامب إلى سنغافورة. وأبعد من الصورة التي سيلتقطها ترامب...