سياسيون يراهنون على تحالف رجال المال والإعلام .. خطوة إلى الوراء أم دعوة لإعدام الصحافة

المرصاد نت - أوكيلي أحمد

أثبتت الأحداث التي عاشتها بعض البلدان العربية منذ انطلاق تنفيذ مؤامرة “الربيع العربي”Parss2016.5.16


أن الإعلام لعب دورا حاسما في تسريع وتيرة تدمير بعضها، كما كان الشأن في ليبيا التي سقطت عاصمتها طرابلس إعلاميا قبل سقوطها على أرض الواقع بيد من سمّاهم مهندسو هذا الربيع ب”الثوار” والحال نفسه ينطبق على تونس ومصر وسوريا واليمن… فالإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي تحوّلت إلى رأس حربة، في الحرب الجديدة على الوطن العربي، وأثبتت أنها أكثر فتكا من كل أدوات الحرب الأخرى وهو ما تفطنت إليه دول عربية كانت ضحية لهذه المؤامرة كسوريا على وجه التحديد والتي شهد إعلامها نقلة نوعية، بمواكبته للأحداث، وكشفه لسيناريوهات تزييف وتزوير الحقائق.

في ظل تزايد أهمية ودور الإعلام في تحصين وتقوية مناعة الشعوب نجد أن هذا القطاع تحوّل إلى مصدر للأزمات والقلاقل في الجزائر بخاصة في المدة الأخيرة، بحيث انقلبت فيها المفاهيم، واختلطت التجارة بالإعلام، وعوض أن ينصب اهتمام الأسرة الإعلامية على الدفاع عن حرية الإعلام تحوّل البعض إلى الدفاع عن حق بعض رجالات المال والأعمال في شراء ما طاب لهم من عناوين وقنوات تلفزيونية ولو أدى ذلك إلى إعادة انتاج احتكار قطاع الإعلام من جديد بحيث يحل احتكار الخواص محل احتكار الدولة في وقت مضى، والغريب أن البعض من السياسيين كسعيد سعدي يذهب إلى حد التصريح بأن السلطة تخشى التحالف بين إعلام مستقل ومؤسسات اقتصادية ناجحة وذلك بغرض التغطية على البواعث الحقيقية لتهافت رجالات المال والأعمال على شراء بعض المؤسسات الإعلامية، في هذا الظرف بالذات، والغريب في أمر هؤلاء السياسيين أنهم لم يدافعوا قط على العديد من الجرائد التي تمّ وأدها في زمن مضى، بل ولم يسجلوا تضامنهم مع جرائد أخرى أغلقت أبوابها مؤخرا بسبب متاعبها المالية، وبرزوا بشكل ملفت للإهتمام في الدفاع عن صاحب مؤسسة “سيفيتال” يسعد ربراب، وكأننا بهم يقدمونه للرأي العام على أنه هو من سينشر حرية التعبير ويدعمها في الجزائر، فهذا الكيل بمكيالين، ينمّ عن أمور كثيرة مسكوت عنها، لعلّ أبرزها هو اصطفاف هؤلاء السياسيين مع أصحاب المال للهيمنة على قطاع الصحافة، وتوظيفه لخدمة أجندة سياسية بعيدة كل البعد عن شعار “الدفاع عن حرّية التعبير وحق المواطن في الإعلام”، ونؤكد على ذلك، لأن الساحة الإعلامية غزاها كما قلنا بعض رجال المال، وأسسوا جرائد وقنوات تلفزيونية، وعوض أن يُسهموا بمالهم في تطوير القطاع، رأينا كيف أن بعضهم ميّعوا مهنة الصحافة، ووظفوا أناسا لا علاقة لهم بالمهنة، وبأجور زهيدة للغاية لا تكاد تُساوي الحدّ الأدنى للأجور، ولم يؤمّنوهم حتى في صندوق الضمان الإجتماعي، ولم يهتمّوا يوما بتنظيم دورات تكوينية للصحفيين للرفع من مستواهم، كما أنه لا يخفى على أهل مهنة المتاعب أن العديد من ملاك وسائل الإعلام، لجأوا إلى تهريب أموالهم المتأتية من أرباح مؤسساتهم الإعلامية إلى خارج البلاد، وفي بعض الأحيان تركوا الصحفيين والعمال بدون أجور لأشهر عديدة، وكما يعرف ذلك غالبية الصحفيين فإن أرباب هذه الوسائل الإعلامية لا يسجل لهم أي تدخل في مؤسساتهم ما عدا المتعلق بالسؤال عن حجم الإشهار الذي توصلت به جريدتهم أو قناتهم، وهذا ما يدحض إدعاء البعض بأن تحالف الإعلام مع أرباب المال سيخدم قطاع الصحافة، وأكثر من ذلك لفإنّنا لم نسجل أي موقف للأبواق التي تتعالى اليوم، وتدّعي الدفاع عن حرّية الصحافة، للتنديد بما لحق بالصحفيين من إذلال وقهر، من قبل بعض أرباب المال الذين تحوّلوا إلى بارونات للإعلام.
برأينا أن الوقت قد حان لتتدخل السلطات لردّ الإعتبار لهذا القطاع الحساس والخطير من خلال إيجاد آليات جديدة تُمكن الصحفيين المحترفين من إنشاء مؤسسات إعلامية حقيقية، وليكن ذلك عبر تشكيل تعاونيات للصحفيين، تقوم الدولة بدعمها وتسهيل حصولها على القروض، لإنشاء مؤسسات إعلامية غير مُلوّثة بالأموال الوسخة، ولنا في تجربة التعددية الإعلامية في تسعينيات القرن الماضي خير دليل على نجاح مثل هذه التجربة، التي تحول دون هيمنة أصحاب المال على قطاع الإعلام، كما أنه من المُفيد جدّا أن تتحرّك السلطات، للتحقيق في واقع المؤسسات الإعلامية الخاصة، للتأكد من جهة من شرعية الإعتماد الذي تمارس به أي مؤسسة إعلامية نشاطها، وللتأكد من أنه تمّ التصريح بالصحفيين والعمال لدى صندوق الضمان الإجتماعي، كما أنه على الوزارة المعنية، أن تُفكر في وضع دفتر شروط، يضمن حقوق الصحفيين، ويمنع على وسائل الإعلام ارتكاب تجاوزات خطيرة تمس بمصالح الدولة الإستراتيجية، ووحدتها وأمنها واستقرارها، كل ذلك بغرض تمكين وسائل الإعلام هذه من حصة من الإشهار العمومي التي تُغطي أجور العاملين بها والنفقات الأخرى، بما يصون كرامة الصحفيين بالدرجة الأولى، ويُخلّصهم من هيمنة أصحاب المال الوسخ.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية