المرصاد نت - ليليا بلاز
تحكم تونس منذ عام 2014 أي بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة حكومة توافق وطني تضم حركتي «النهضة» (تصوّر نفسها كمسلمين ديموقراطيين) و«نداء تونس». لكنّ هذا التحالف غالباً ما يجد نفسه عالقاً بين سندان الصراع على السلطة ومطرقة التسويات للحفاظ على الإجماع داخله
في 13 أيلول/ سبتمبر الماضي صوّت البرلمان التونسي على قانون المصالحة الإدارية وتمّ العفو بموجبه عن بعض المسؤولين ممن تورطوا في قضايا فساد وذلك بعد عامين من الجدل بشأنه داخل البلاد.
ووفق العديد من المراقبين، وخاصة شباب المجتمع المدني وحركة «مانيش مسامح» التي عبّرت عن اعتراضها في الشارع فإنّ هذا القانون وُجد ليُمرّر تسويات سياسية على حساب العدالة. بعد أسبوع أشار رئيس «حركة النهضة» راشد الغنوشي إلى الموافقة على فكرة تأجيل الانتخابات البلدية التي كان من المقرّر إجراؤها في كانون الأول/ ديسمبر 2017 وقد أعقب ذلك قرار اتخذته أحزاب التحالف بالإجماع والهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمكلفة بمراقبة العملية الانتخابية.
مثّل هذا القرار خيبة أمل أخرى لأولئك الذين كانوا بانتظار إجراء أول انتخابات بلدية بعد الثورة لكن مجدداً خيّم ظلّ رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي على هذه التسويات السياسية؛ مشروع قانون المصالحة الذي صودق عليه هو الوحيد الذي قدمته الرئاسة والسبسي الذي اضطر (بدوره) منذ الصيف الماضي إلى إعادة الإمساك بزمام الأمور داخل حزبه بعد صراعات داخلية ارتبطت بقيادة ابنه حافظ قائد السبسي مثّل تأجيل الانتخابات البلدية أيضاً حاجة دعت إليها الأحزاب الصغيرة، إضافة إلى «نداء تونس» كما كان للرئيس التونسي دورٌ في التعديل الوزاري الذي جرى أخيراً.
وفي هذا السياق السياسي، تُبرّر حركة «النهضة» التسويات السياسية والتنازلات بالحرص على مبدأ «التوافق» (الحركة معروفة بالتزامها التصويت، ومع ذلك انقسم النواب على قانون المصالحة بحيث صوّت 31 نائباً في مقابل رفض أربعة آخرين وتمنّع نائب واحد فيما غاب بقية أعضاء الكتلة المتكونة من 69 نائباً لأسباب عدة). أما بالنسبة إلى «نداء تونس» فإنّ الإعلان عن مؤتمر انتخابي (داخلي) قبل الانتخابات البلدية من شأنه أن يؤدي ربما إلى تغيير القيادة المتنازع عليها وإعادة تشغيل هذا الحزب الذي عانى الأمرّين جراء الاستقالات والإقالات منذ عام 2016. إلى جانب ذلك يحاول فعلياً زعيم «النداء» حافظ السبسي استعادة الحزب من خلال الترشح للانتخابات التشريعية الجزئية والتي ستجرى في ألمانيا لاستبدال نائب اختير وزيراً في التعديل الحكومي الأخير ومن المفترض أن يُمثّل حافظ السبسي الدائرة الانتخابية لتونسيي الخارج فيما أعلنت «النهضة» عدم نيتها تقديم مرشح لها.
هكذا تجدُ أكبر حركتين تونسيتين نفسيهما ضمن فترة محورية تكافح كل واحدة منهما للحفاظ على مواقفها والاستعداد على أفضل ما يكون للانتخابات المقبلة. في هذا الصدد، يعتبر رئيس مجلس شورى «النهضة» عبد الكريم الهاروني أن حركته تمكنت من «البقاء داخل الوزارات التي تضمن نجاح الانتقال الاقتصادي داخل الحكومة الجديدة وهذا يُعدّ نصراً بالنسبة إلينا» مستدركاً بالقول: «إلا أنّ ذلك لا يمنع وجود اختلافات مع حركة نداء تونس». ويشير الهاروني إلى أنّ «النهضة» لم تكن موافقة على تأجيل الانتخابات البلدية إلا أنها اضطرت إلى الانضمام إلى إجماع بقية الأطراف. كما يلفت إلى أنّ «هناك مسؤولية تقع على عاتق البرلمان في هذه المسألة بحيث إن المجلس لم يصوّت على استبدال أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قبل الموعد النهائي، وهو أمر كان ضرورياً لإجراء الانتخابات في كانون الأول/ ديسمبر عام 2017» والواقع أنّ التصويت على قانون المصالحة والذي حظي بالأولوية في الجدول التشريعي أظهر أولويات النواب.
غير أنّ «حركة النهضة» تبدو كأنها لم تفقد زخمها رغم التنازلات إذ وفق القايدي فيها فإنّ الاستعدادات جارية «للانتخابات البلدية التي لا تزال أهم انتخابات منذ قيام الثورة». ويضيف الهاروني: «لقد فتحنا 50 في المئة من سجلاتنا الانتخابية أمام مستقلين وفي حال دخولنا في منافسة مع الأطراف الأخرى خلال الانتخابات فإننا سوف نعمل بعد إعلان النتائج وفقاً لمبدأ التوافق لتشكيل المجالس البلدية».
من جهة أخرى يرى المحلل السياسي يوسف الشريف أنّ «النهضة» تدافع وقبل كل شيء عن موقفها الذي لا يزال هشّاً منذ انتخابها ديموقراطياً عام 2011 ومن ثمّ استقالتها جزئياً من السلطة عام 2013 بفعل ضغوط أحزاب سياسية كانت قد هددت بوقف مشروع كتابة الدستور التونسي الجديد وطالبت باستقالة «الترويكا» (التحالف الذي كان حاكماً بقيادة النهضة). «لا تملك النهضة خياراً إذا كانت ترغب في البقاء في السلطة سوى الوصول إلى تسويات. الدولة العميقة في تونس متجذرة عبر شخصيات في نداء تونس أكثر منها في النهضة وهؤلاء هم الأكثر تأثيراً في الوقت الحالي»، يقول يوسف الشريف.
وافقت «النهضة» منذ عام 2014 على حقائب اقتصادية وليس على حقائب سيادية داخل الحكومة وبذلك تتحمل مسؤولية أقل في حال فشل الحكومة كما حاولت أن تكون موجودة ضمن وزارات لها تأثير على المدى الطويل.
من جهة أخرى لا يزال بإمكان «نداء تونس» البناء على شعبية رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي استطاع الفوز بها بعد إطلاقه منذ أيار/ مايو الماضي حملة لمكافحة الفساد أدت إلى اعتقال عدد من الشخصيات الكبيرة المرتبطة بالفساد والتهريب. لكن هامش المناورة لدى الشاهد يبقى محدوداً أمام الرئاسة وإرادة حزبه وقد اتضح ذلك من خلال التشكيل الوزاري الجديد الذي أتى بخمسة كوادر من عهد بن علي ومقربين من الباجي قائد السبسي.
ويواجه يوسف الشاهد نهاية عام صعبة في ظل النقاشات بشأن مشروع قانون المالية لعام 2018 والذي من المفترض أن يفرض سياسة التقشف على التونسيين المنهكين أصلاً بفعل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها البلاد منذ الثورة، بحيث يبلغ معدّل التضخم 5.5 في المئة فيما معدلات البطالة تقترب من نسبة 15 في المئة والدينار لا يزال يتراجع في مقابل اليورو. ويعمد شبابٌ بفعل الواقع السيئ إلى الهجرة غير الشرعية. ففي الأسبوع الماضي قتل ثمانية تونسيين في البحر وهناك 40 مفقوداً نتيجة اصطدام بين قارب مهاجرين وزورق عسكري. وبالنسبة إلى التونسيين فإنّ عدم إحراز أي تقدم اجتماعي والانزلاق في الأزمة قد زادا من حدة انعدام الثقة بالسياسات ومن خطر الامتناع عن التصويت في الانتخابات المقبلة.
المزيد في هذا القسم:
- الجزائر: المجلس الدستوري يعلن استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل! المرصاد نت - متابعات أعلن المجلس الدستوري في الجزائر استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية في الرابع من تموز/ يوليو المقبل وأفاد مصدر بأن المجلس رفض ملفَّي الترشّ...
- النظام الصهيوني المغتصب والفاسد والمجرم سيزول من الوجود وستكون فلسطين للفلسطينيين المرصاد-متابعات https://bit.ly/3kPMptk الامام السيد علي الخامنئي: لا يوجد أدنى شك بان النظام الصهيوني المغتصب والفاسد والمجرم سيزول من الوجود ...
- تعطيل الحكومة والمجلس وباسيل لن يعتذر .. نهاية التسوية المرصاد نت - متابعات لا حاجة لكثير من الشرح التسوية السياسية التي حكمت البلاد مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتأليف حكومة الرئيس سعد الحريري وجرى...
- هل بدأ تنفيذ مشروع ' ماكس سينجر ' في السعودية؟ المرصاد نت - هشام الهبيشان ما تعيشه السعودية اليوم من تطورات ومتغيرات جديدة وما يقوم به النظام السعودي من مغامرات ومقامرات جديدة بالمنطقة العربية والإقليم ككل...
- بارزاني يدعو ألمانيا إلى تسليحه ضد "داعش" طلب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في حديث مع صحيفة بيلد الشعبية الألمانية اليوم الاحد من حلفائه و"من المانيا أيضاً"، "أسلحة قوية" لمقاتليه. وأضاف: "نو...
- قتلى وجرحى في اشتباكات متواصلة في العاصمة الليبية ! المرصاد نت - متابعات أعلنت وزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني في ليبيا ارتفاع عدد قتلى الاشتباكات المسلحة في العاصمة طرابلس إلى 13 قتيلاً و52 جريحاً داعية إلى...
- تركيا في طريقها للانفصال عن حلفائها العرب المرصاد نت - متابعات بعد خمس سنوات من التحالف بين تركيا ودول مجلس التعاون بقيادة السعودية بشأن الأزمة السورية أخذت خطوط التصدع تتحرك بين الطرفين في الأيام وال...
- الأزمة القطرية ــ السعودية: حقيقتها وتداعياتها على القضية الفلسطينية المرصاد نت - متابعات على الرغم من أن الأزمة القطرية السعودية ليست بالجديدة، فهي قديمة قدم أسبابها وكان قد سبق لها أن بلغت حدّ القطيعة الدبلوماسية عام 2014 إلا...
- مصالح الكيان الإسرائيلي تتوسع مع دول الخليج خلال عام! المرصاد نت - متابعات كشف الوزير الإسرائيلي السابق أيوب قرّا أمس الأحد في مقابلة له على قناة "i24NEWS" العبرية أن جميع الإسرائيليين سيستطيعون خلال العام القادم...
- وزارة الخارجية السورية ترد على أردوغان و تصفه بـالطاغي الاخواني المرصاد نت - متابعات أصدرت وزارة الخارجية السورية منذ قليل بياناً تدين فيه تصريحات الرئيس التركي أردوغان حول ضرورة إنهاء حكم الرئيس السوري بشار الأسد قائلةً إ...