تهديد سعودي بتجميد عضوية لبنان في الجامعة العربية

المرصاد نت - متابعات

الاتفاق الفرنسي مع السعودية على إطلاق رئيس الحكومة سعد الحريري لم يلجم الرياض عن اتخاذ خطوات تصعيدية إضافية تجاه لبنان فحرّكت مدّاحيها في لبنان مُحاولةً إحباطLeobnan2017.11.16 «المقاومة السياسية» التي يقوم بها رئيس الجمهورية ميشال عون لمنع تثبيت الوصاية السعودية التامة على لبنان.


وبدأ هؤلاء الترويج لنظرية أن كل مسعى للردّ على الاعتداء على الكرامة الوطنية والسيادة إنما هو تصعيد وإعلان حرب على السعودية والبعض منهم ذهب أبعد من ذلك ليقول إن مجرد إعلان رفض احتجاز رئيس الحكومة لأكثر من 13 يوماً هدفه إرضاء السياسة الإيرانية فماكينة الدعاية السعودية في لبنان لم تتعمد تجاهل عملية اختطاف الحريري واحتجازه وتدخل فرنسا علناً لإطلاقه وحسب لكنها تتجاهل أيضاً ما يجري الإعداد له سعودياً للبنان. 

مصادر دبلوماسية عربية قالت أن الرياض تقوم بمشاورات مع بعض الدول العربية تحضيراً لاجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد المقبل وتبلغهم أنها ستُبرز «أدلة تثبت تورط حزب الله في عملية تجميع الصواريخ التي تحصل في اليمن وتوجه نحو السعودية». كذلك تسوّق أنها تمتلك تفاصيل دقيقة عن نقل أجزاء الصواريخ عبر مراكب صغيرة من إيران إلى اليمن حيث يعمل حزب الله على جمع القطع في صنعاء ومساعدة الحوثيين على إطلاق الصواريخ نحو الأراضي السعودية. وبناءً عليه ستطلب إدانة حزب الله بصورة واضحة مشترطة إدانة لبنان للحزب أيضاً.

وفي حال رفض لبنان تنفيذ الأوامر السعودية فستقترح الرياض تجميد عضويته في الجامعة. وكشفت الاتصالات أن هذا الاقتراح لن يحظى إلا بتأييد الإمارات والبحرين ومندوب الرئيس المنتهية ولايته الفارّ إلى الرياض عبد ربه منصور هادي.

بموازاة ذلك قالت مصادر مطّلعة في الخارجية العراقية إن العراق لن يشارك في اجتماع القاهرة بوفدٍ يرأسه وزير الخارجية إبراهيم الجعفري بل سيمثّله أحد «وكلاء الخارجية». وأضافت أن الرياض تضغط على الوزراء العرب لتحصيل إجماعٍ على «إدانة طهران وحزب الله في ما يتعلّق بالصاروخ اليمني الذي استهدف مطار الرياض» موضحةً أن «الوفد العراقي سينسحب من الجلسة أو سيتحفّظ عن الإدلاء بصوته». وتشدّد المصادر على أن الخارجيتين العراقية واللبنانية على تواصل وتنسيقٍ مستمر حول بنود أعمال الجلسة مشدّدةً على أن الوفدين سيطالبان بـ«العودة السريعة للحريري إلى لبنان في حال بقائه في المملكة» مع تمسّك العاصمتين بأن يكون هذا البند «رقم 1» على جدول أعمال الجلسة.

وكان رئيس الجمهورية ميشال عون قد أوضح بما لا لبس فيه أمس أن الحريري «محتجز وموقوف وحريته محددة في مقر احتجازه». وأشار إلى أن هذا الاحتجاز «عمل عدائي ضد لبنان، ولا سيما أن رئيس الحكومة يتمتع بحصانة ديبلوماسية وفق ما تنص عليه اتفاقية فيينا». كذلك لفت إلى أن «وضع عائلة الحريري مماثل لوضعه ولم نطالب بعودتها في السابق، لكننا تأكدنا أنها محتجزة أيضاً ويتم تفتيشها عند دخول أفرادها وخروجهم من المنزل».

من جهة أخرى أبلغ عون رئيس وأعضاء المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع وأصحاب المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة الذين استقبلهم أمس في قصر بعبدا «أن ما حصل ليس استقالة حكومة بل اعتداء على لبنان وعلى استقلاله وكرامته وعلى العلاقات التي تربط بين لبنان والسعودية». وأكد أن الحريري سيعود إلى لبنان «بما يحفظ كرامتنا ورموزنا الوطنية»، مشيراً إلى عدم قبوله أن يبقى «رهينة». وتمنى «لو أن السعودية أوضحت لنا رسمياً سبب اعتراضها أو أوفدت مندوباً للبحث معنا في هذا الموضوع، لكن ذلك لم يحصل، وهو ما جعلنا نعتبره خطوة غير مقبولة». وطمأن عون إلى الأوضاع الاقتصادية والمالية والأمنية.

وأوضح رداً على سؤال أن «لبنان تلقى دعوة للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب ومناقشة شكوى سعودية ضد إيران وسيلبي الدعوة مبدئياً وإذا ما أُثير موضوع الأزمة التي نشأت عن تقديم الرئيس الحريري استقالته وما تلاها، فسنواجه ذلك بالحجج». وشدد على أنه «عند عودة الرئيس الحريري إلى لبنان واتخاذ ما يقرره وفق رغبته، سيتم البحث في الأمر». وأوضح أنه «لا يمكننا خسارة الوقت، خصوصاً أن لا موعد محدداً لهذه العودة فالكلام يدور حول موعد قريب جداً أو أيام قليلة. لا يمكن أن نوقف شؤون الدولة، وكان من الممكن أن يسبب هذا الأمر فتنة أو انهياراً مالياً واقتصادياً».

إلى ذلك تلقى عون رسالة من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع نقلها إليه وزير الإعلام ملحم رياشي. وطالب جعجع رئيس الجمهورية بعدم «التصعيد في وجه السعودية»، وبضرورة الحفاظ على «علاقات حسنة معها» وردّ عون بأن أي نقاش سياسي مؤجل إلى ما بعد عودة الحريري.

في موازاة ذلك أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، في لقاء الأربعاء النيابي أنه «رغم الأزمة التي نمرّ بها فإن لبنان لا يزال في أمان سياسي وأمني واقتصادي». وقال: «حتى بعد عودة الرئيس الحريري فإنه أمام السيناريوات المرتقبة أكرر أن العودة عن الاستقالة فيها عدالة واستقرار لبنانياً وعربياً، وليس فيها استفزاز لأحد» من جهته غرد النائب وليد جنبلاط عبر حسابه على موقع «تويتر» قائلاً إن «ما حدث مع الشيخ سعد الحريري استثنائي وغير مألوف والمعالجة برأيي يجب أن تكون هادئة ضمن الأصول» مشيراً إلى أن «الحريري عائد كما أكد لكن لا لإعلان الحرب على المملكة».

باسيل: انتصرنا على نيّات التخريب

أوضح وزير الخارجية جبران باسيل، في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيطالي أنجلينو الفانو عقب اجتماعهما في روما أنه شرح الوضع في لبنان «لأصدقائنا في إيطاليا، ونطلب منهم الدعم ومن أجل العودة إلى الوضع الطبيعي، حيث كان لبنان يمارس حياته السياسية بالتوافق بين مختلف أحزابه». ونفى باسيل أن يكون قد تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الحريري يطالبه فيه بعدم التداول في موضوع عائلته، مشيراً إلى أنه لم يتكلم مع الحريري منذ ذهابه إلى السعودية «وموضوع عائلته أمر يخصه وحده دون غيره». وأضاف: «حتى اليوم انتصرنا على أي نيّات لتخريب الوضع في لبنان من خلال تغليب الهدوء والحكمة والاستقرار ومن خلال الوحدة التي ستبقى سلاحنا الضامن في وجه ما يُعَدّ لنا».

وأكد باسيل أنه «ما دام رئيس وزرائنا في وضع غامض، فما يقوله لا يمكن أن نضعه إلا ضمن الإطار الغامض. نريد أن نتحدث معه بحرية في لبنان ونحاوره ونناقش المسائل التي تقلقه ونعمل معه على حلها».

لكن وفقاً لباسيل «المهم هو أبعد من ذلك»، فسوريا «كانت آمنة، لكن بفعل الاتهامات انظروا كيف تعاني الآن من الحرب والدمار وبات اللاجئون والنازحون السوريون يتنقلون في كل أنحاء العالم وإيطاليا من جهتها تعاني كثيراً من تحركات المهاجرين غير الشرعية عبر أراضيها». ما حدث في الداخل السوري «سببه التدخلات الخارجية التي حاولت أن تفرض أموراً عبر قرارات أجنبية. نحن لا نريد أن يحدث الأمر نفسه للبنان، بل نريد التأكد أنّ اللبنانيين يتخذون قرارهم بأنفسهم من دون أن يفرض أحد قراره عليهم من الخارج».

والتقى باسيل أيضاً أمين سر دولة ​الفاتيكان​ الكاردينال بيترو بارولين، والتقى أيضاً البطريرك الماروني بشارة الراعي في روما وأفاد بيان مكتب الإعلام في الصرح البطريركي بأنه جرى التوافق على أن «الأمور الوطنية والسياسية لن تستقيم إلا بعودة الرئيس الحريري».

الاستدارة الواقعية للسياسة الخارجية الفرنسية

الخلاف السعودي ــــ الفرنسي حول قضية خطف رئيس الوزراء سعد الحريري تطور مُلفت يأتي بعد سلسلة مواقف للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تظهر جميعها تغييرات فعلية في السياسة الخارجية تجاه المنطقة والعالم، وفي الثوابت التي حكمتها منذ سنوات عدة.

الشراكة مع السعودية كانت احدى هذه الثوابت. وهي أدت في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند الى تماه شبه كامل للسياسة الفرنسية مع السياسة السعودية في الشرق الأوسط، وتحديداً في ملفي سوريا وإيران. الاعتبارات الاقتصادية والتجارية، اي عقود السلاح الضخمة التي وقعت بين البلدين في تلك الفترة والرهان الفرنسي على عقود أخرى، كانت من الدوافع الاساسية لاعتماد هذه الوجهة من قبل دولة لم يتوقف دورها ووزنها على المستوى الدولي عن التراجع والضمور في العقدين الأخيرين.

لكن الدافع الآخر ايديولوجي بامتياز. فالتصور الاستراتيجي الذي بدأ بالتبلور في أواخر عهد الرئيس جاك شيراك وساد تماماً في مراكز صنع القرار خلال رئاستي نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، قطع مع التقليد الاستقلالي في السياسة الخارجية الذي أرسي منذ ايام الرئيس شارل ديغول، وتبنى الخيار الأطلسي بلا تحفظ لدرجة المزايدة على الولايات المتحدة نفسها في الفترة التي سبقت التوقيع على الاتفاق النووي مع ايران او بالنسبة للموقف من الحرب في سوريا او حتى من علاقات «الغرب» وهو كان مفهوما مستجدا في القاموس السياسي الفرنسي، مع روسيا والصين.

تزامَن انتخاب إمانويل ماكرون مع تحولات كبرى في المشهدين الإقليمي والدولي. فقد تمكن محور الممانعة من تعديل موازين القوى لمصلحته في الحربين الدائرتين في سوريا والعراق وفي دعم صمود ومقاومة اليمنيين للعدوان السعودي اما على النطاق الدولي، فجاء انتخاب دونالد ترامب ليُكره الأوروبيين، ومنهم فرنسا على التمايز عن الولايات المتحدة في عدد من الملفات الهامة من اتفاقية المناخ الى الاتفاق حول النووي الإيراني مرورا بالازمة في شبه الجزيرة الكورية. وهو يجبرهم ايضا على المزيد من التنسيق والاعتماد على النفس في علاقاتهم مع الولايات المتحدة حتى داخل الناتو، كما أسرّت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بعد آخر قمة للحلف.

الرئيس الفرنسي القادم من عالم المصارف والأعمال والذي عيِّن وزيرا للاقتصاد عام 2014 في حكومة مانويل فالس الاشتراكية، من دون ان يكون عضوا في الحزب الاشتراكي، يميل بسبب خلفيته للمدرسة الواقعية في العلاقات الدولية الأميركية المنشأ والتي تعتبر ان المعيار الرئيسي للحكم على صوابية اية سياسة هو ان تفوق ارباحها أكلافها. وللتذكير فقط يعتبر هنري كسينجر وزبغنيو بريجنسكي من ابرز أتباع هذه المدرسة. تجلت الرؤية الواقعية في المواقف التي عبّر عنها ماكرون بعد وصوله الى الرئاسة. ففي مقابلة مع ثمان من الصحف الأوروبية الكبرى في ٢٣ حزيران الماضي أعلن عن نهاية حقبة امتدت لعشر سنوات «سيطرت فيها اطروحات المحافظين الجدد ــــ بعد استيرادها الى فرنسا ــــ على سياستنا الخارجية».

جاء هذا الإعلان في سياق حديثه عن مقاربة فرنسية جديدة للازمة السورية لا تشترط رحيل الرئيس بشار الاسد كشرط مسبق للتسوية. وأثار هذا التصريح عاصفة انتقادات من قبل المحافظين الجدد الفرنسيين داخل مؤسسات الدولة وخارجها، خصوصاً وزارة الخارجية ومراكز الدراسات المرتبطة ـــ بدرجة او بأخرى ـــ بها وشبكات الخبراء/ النجوم الاعلاميين وبعض وسائل الدعاية الإعلامية. لكن لماكرون وفريقه في المقابل حلفاء مؤثرين جدا داخل المؤسسات وخارجها وفي أوساط النخب والرأي العام وهما وزيرا الخارجية الأسبقان هوبير فِدرين ودومينيك دو فيلبان. للأول وهو من اقطاب المدرسة الواقعية في فرنسا علاقة خاصة مع الرئيس الفرنسي الذي يتبنى لدرجة كبيرة قراءته للوضع الدولي، وينعكس ذلك في عدد من تصريحاته ومقابلاته ويستشيره في الكثير من الأحيان.

وجهة نظر فدرين يمكن تلخيصها على الشكل التالي: العالم انتقل من نظام احادي القطبية خاضع لهيمنة القوة الخارقة الأميركية (hyperpuissance américaine) الى نظام شبه فوضوي تراجعت فيه الولايات المتحدة الى مستوى القوة الدولية العظمى الاولى في مواجهة صعود دور قوى إقليمية عظمى كروسيا والصين، او متوسطة كإيران وتركيا والبرازيل وآخرين، وعدد من اللاعبين غير الدولتيين. الصراعات الدائرة في عالم اليوم ليست ايديولوجية، وهي لا تقع بين معسكرات كما كانت الحال عليه ايام الحرب الباردة بل بين دول وأطراف يسعى كل منها للدفاع عن مصالحه وتعظيمها ويتقاطع او يواجه الآخرين على قاعدتها.

يعني ذلك بالنسبة للفرنسيين والأوروبيين انه لم يعد محرماً عليهم البحث عن قواسم مشتركة وامكانيات تعاون مع روسيا والصين وإيران ودول اخرى من دون إعادة النظر بالضرورة بالعلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة. وبخصوص ايران، التي ناصبتها السياسات الفرنسية السابقة العداء، يقول فدرين، في حوار مع دورية La revue des deux mondes، «على الأوروبيين تجنب السير خلف الولايات المتحدة، واعتماد مقاربة اخرى تجاه ايران... اعتقد ان الدولة العميقة في الولايات المتحدة، اي الأجهزة الأمنية والجهاز الاداري والجيش وأضيف الحزب الجمهوري، لم يسامحوا الإيرانيين على إسقاطهم نظام الشاه واحتجازهم لدبلوماسيي السفارة الأميركية.

قسم من أميركا ما زال يرغب بالانتقام والتشدد الحالي مع ايران تعبير عن ذلك. تذكروا عندما كان غورباتشيف يحاول إصلاح النظام السوفياتي، كان ميتران وهلموت كوهل وجاك دولور يرغبون في مساعدته، وأنشئت مجموعة الدول الثماني لهذه الغاية. لكن أميركا ارادت للاتحاد السوفياتي ان يغرق. الامر نفسه ينطبق الان على ايران... التحالف المعلن بين ترامب والوهابيين في السعودية والليكود هو تماما عكس ما ينبغي على الغربيين فعله اي التموضع في موقع وسطي يسمح لهم بالحوار مع السنة ومع الشيعة».

مواقف الرئيس الفرنسي المدافعة عن الاتفاق النووي مع ايران وإعلانه عن نيته زيارتها مستقبلا وكذلك موقفه المتحفظ على التصعيد السعودي ضد قطر أوضحت جميعها ان الرؤية المذكورة أعلاه لها تأثير كبير على مسعاه لما سمّاه إعادة التوازن لسياسة بلاده الخارجية. وقد جاء اختيار برنار إيمييه السفير السابق في لبنان وتركيا والجزائر لمنصب مدير الاستخبارات الخارجية بدلا من منافسه ميشيل ميراييه المدير السابق لهيئة الشؤون الاستراتيجية التابعة لوزارة الدفاع والسفير الحالي في دولة الإمارات والمعروف بتأييده للمحافظين الجدد ولاسرائيل، كمؤشر إخر إلى الرغبة في إعادة التوازن.

لفرنسا اليوم علاقات مميزة أساسا اقتصادية وتجارية مع عدد من دول المنطقة كمصر والإمارات. وهي تعمل جاهدة على تطويرها مع العراق وإيران. وستساعد الاستدارة الواقعية التي شرع بها ماكرون والابتعاد عن الانحيازات المغالية وسياسات التدخل في شؤون الدول الاخرى بحجج واهية على هذا الامر على أغلب الظن.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية