المرصاد نت - متابعات
اختتم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أمس زيارة «تاريخية» للسودان تُوّجت بمنح بلاده جزيرة سواكن الواقعة على البحر الأحمر تحت عنوان «الترميم والتطوير».
اتفاقية بدا واضحاً من خلال تصريحات الطرفين أن ثمة أغراضاً أمنية وعسكرية من ورائها تتصل بصراع النفوذ على البحر الأحمر ولا تخلو من دلالات بشأن تموضع السودان الإقليمي وموقفه من أزمتي اليمن والخليج
تطرح الزيارة «التاريخية» للرئيس التركي رجب طيب اردوغان للسودان التي استمرت من الأحد إلى الثلاثاء وما تخلّلها من توقيع اتفاقيات «استراتيجية» علامات استفهام متكاثرة حول التموضع الإقليمي الجديد للخرطوم والذي بدا خلال الأشهر القليلة الماضية أنه دخل مرحلة تذبذب أبعدت نظام الرئيس عمر البشير ولو جزئياً عن كل من الرياض وأبو ظبي.
تذبذب تظهر زيارة اردوغان التي تُعدّ الأولى لرئيس تركي للسودان منذ استقلال الأخير عام 1956 كما لو أنها تتويج لمحاولة اللعب عليه بهدف انتزاع نظام البشير من الحضن السعودي ــ الإماراتي واستغلال موقع السودان في لعبة التنافس على الزعامة مع السعودية وتضعيف موقف محور الرياض وأبو ظبي في الأزمة الخليجية التي تستهدف من وجهة نظر أنقرة إخضاع أحد أبرز حلفائها في المنطقة إمارة قطر.
هذه الأهداف المفترضة بدت يومَي الأحد والاثنين لائحةً بوضوح في أفق إعلان تركيا والسودان رسمياً اتفاقهما على منح الأخير الأولى جزيرة سواكن الواقعة على البحر الأحمر والتي تضمّ آثاراً من عهد السلطنة العثمانية وميناءَ «سواكن» الأقدم في السودان والثاني بعد ميناء «بور سودان» «على سبيل الاستثمار». صحيح أن ذلك الاتفاق تم الإعلان عنه بعنوان «إعادة إعمار وترميم جزيرة سواكن على نحو يناسب شكلها الأصلي خلال فترة محددة» على حد تعبير اردوغان وتخصيص المنطقة التاريخية الواقعة خارج الميناء «لتكون للسياحة وللحجاج» وفق ما قال وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور إلا أن ثلاثة مؤشرات أوحت بأن الغرض من تأجير الجزيرة التي تنفذ فيها وكالة التعاون والتنسيق التركية، «تيكا» مشروعاً لترميم الآثار العثمانية يتجاوز ما تم الجهر به من قِبل اردوغان وغندور.
إلى جانب إعلانه أن «الأتراك الذين يريدون الذهاب إلى العمرة (في السعودية) سيأتون إلى سواكن ومنها يذهبون إلى العمرة في سياحة مبرمجة» في رسالة مبطنة إلى السعودية التي تجهد في فرض شروطها التنظيمية على الدول التي يَقدُم منها الحجاج والمعتمرون قال اردوغان إن «هناك ملحقاً لن أتحدث عنه الآن». غموضٌ ربما يفسّره ما جاء على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس مع نظيره السوداني حيث أعلن أنه «تم توقيع اتفاقيات بخصوص أمن البحر الأحمر» لافتاً إلى «(أننا) مهتمون بأمن السودان وأفريقيا وأمن البحر الأحمر» مؤكداً أن تركيا «ستواصل تقديم كل الدعم للسودان بهذا الخصوص» ما ينبئ بأن أهدافاً عسكرية وأمنية تكمن خلف اتفاقية جزيرة سوكان وخصوصاً أن غندور لم ينكر ذلك في قوله «(إننا) وقّعنا اتفاقية يمكن أن ينجم عنها أي نوع من أنواع التعاون العسكري» مشيراً إلى أن «وزارة الدفاع السودانية منفتحة على التعاون العسكري مع أي جهة... ومستعدون للتعاون العسكري مع تركيا».
ماذا يعني ذلك في الإطار العام؟ تقع جزيرة سواكن على الساحل الغربي للبحر الأحمر الذي يحدّ السعودية من الغرب ما يعني أن أي وجود عسكري أو أمني تركي فيها سيشكل، في حده الأدنى «عامل إزعاج وإقلاق» للسعودية التي لم تُرح بالها إلى الآن من وجود قاعدة عسكرية تركية شرقيّها هي قاعدة الريان في قطر والتي شكّل مطلب إغلاقها أحد المطالب الـ 13 التي تقدمت بها الرياض ومعها أبو ظبي والبحرين والقاهرة إلى الدوحة كشروط لإعادة العلاقات مع الأخيرة.
يُضاف إلى ما تقدم أن وجود تركيا في جزيرة سواكن إلى جانب وجودها في الصومال يمثّل عامل منافسة إضافياً للإمارات التي تسعى الى إحكام قبضتها على كامل الموانئ الواقعة في البحر الأحمر والقرن الأفريقي وشرق أفريقيا عموماً بعد سيطرتها على ميناء جيبوتي عبر «شركة موانئ دبي» التي تديره وميناء عصب في أريتريا حيث تمتلك قاعدة عسكرية، و«تَملّكها» ميناء بربرة في «جمهورية أرض الصومال» (حصلت على عقد امتياز إدارته وتطويره) وتحكّمها بميناء عدن جنوب اليمن.
بالنسبة إلى السودان تنبئ موافقته على منح تركيا جزيرة سواكن بأنه يقطع شوطاً إضافياً على طريق إعادة تجلية تموضعه الإقليمي الذي شهد منذ عام 2014 تبدلات جذرية نقلت البلد الأفريقي من ضفة إلى أخرى مغايرة تماماً. هل يعني ذلك أن نظام البشير يتجه إلى القطع، نهائياً مع المحور السعودي ــ الإماراتي؟ ينفي وزير الخارجية السوداني نية بلاده الدخول في حلف إقليمي جديد قائلاً إن «السودان لم ولن يكون يوماً جزءاً من أي محور ونحن منفتحون على كل دول العالم لتبادل المصالح وتركيا دولة شقيقة ولنا معها تاريخ طويل» لكن حجم الاتفاقات التي تم توقيعها بين البلدين والتي بلغ عددها 22 وبرز من بينها الاتفاق على تشكيل «مجلس للتعاون الاستراتيجي» وتتويج زيارة اردوغان بمباحثات ثلاثية جمعت أمس رئيس أركان الجيش التركي خلوصي أكار ونظيره السوداني عماد الدين مصطفى عدوي ونظيره القطري غانم بن شاهين الغانم الذي أُخرجت بلاده لتوّها من تحالف العدوان على اليمن فيما واصل السودان حتى الأمس القريب انغماسه في أوحال هذه الحرب يحمل أكثر من رسالة على هذا الصعيد.
رسائل ستشكل ساحات الاشتباك السياسي في المنطقة في المرحلة المقبلة مختبراً لتجلياتها وخصوصاً في اليمن حيث تكبد السودان خسائر بشرية كبيرة ولّدت ولا تزال موجة سخط على نظام البشير وفي مضمار أزمة الخليج التي بدت الخرطوم منذ بداياتها ميّالة إلى الدوحة وخصوصاً عقب زيارة البشير لقطر أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
المزيد في هذا القسم:
- بيونغ يانغ تجري مناورات بالمدفعية ووأشنطن تردّ بإرسال غواصة المرصاد نت - متابعات أجرت كوريا الشمالية في تحد منها لواشنطن اليوم الثلاثاء مناورات كبرى للمدفعية بالقرب من قاعدة ونسان شرقي البلاد بحسب ماذكرته وكالة "يونهاب...
- الأزمة الاقتصادية السودانية مستمرة: الجميع ينتظر الحلول المرصاد نت - مي علي يعيش السودان وضعاً اقتصادياً متأزماً، إذ في الوقت الذي تواصل فيه العملة المحلية ترنحها أمام العملة الأجنبية يصل التضخم إلى مستويات غير مسب...
- الإخوان المسلمون في مصر يعلنون إجراء مراجعات داخلية! المرصاد نت - متابعات أعلن المكتب العامّ لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر تبنّي الجماعة توجهاً جديداً للفترة المقبلة على خلفية ما وصفته بالواقع الجديد بعد وفاة...
- تيريزا ماي ... الرئيسة التي هزمها «بريكست» ! المرصاد نت - متابعات استقالة تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية المستحقة، والتي بدا أنها تأخرت كثيراً بحسب ردود الأفعال، ستكون بمثابة نهاية رمزية لنظام سياسي...
- السيد حسن نصر الله: المشروع الأمريكي فشل في اليمن والشعب اليمني تحول إلى قوة فاعلة المرصاد نت - متابعات أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم الخميس أن المشروع الأمريكي فشل في اليمن وأن الشعب اليمني تحول إلى قوة فاعلة طردت ال...
- مصر: تعديل وزاري وشيك والغاز الإسرائيلي يصل بداية 2020! المرصاد نت - متابعات تترقّب مصر تعديلاً وزارياً خلال أيام بناءً على تقديرات سيادية فيما يتوقع أن يمرره مجلس النواب كآخر التعديلات الحكومية قبل إجراء الانتخابا...
- احتجاجات الجزائر: زوابع «العملاق الهائم» المرصاد نت - مراد طرابلسي في ظلّ تواتر الحركات الاحتجاجية في مختلف القطاعات وأبرزها في قطاعي التعليم والطب يُمكن القول إنّ الثقافة الاحتجاجية بات الجميع يتبنا...
- الأردن وتركيا يبحثان مد سكة حديدية تصل لدول الخليج وإسرائيل المرصاد نت - متابعات كشفت صحيفة الرأي اليوم الأردنية اليوم الاثنين عن نية الأردن وتركيا مد خط سكة حديدية تربط بين البلدين وتصل إلى السعودية ودول الخليج. و...
- مقتل وإصابة 6 جنود أتراك في هجوم استهدف قاعدة عسكرية المرصاد نت - متابعات قتل جنديان تركيان وأصيب 4 آخرون في هجوم شنه حزب العمال الكردستاني جنوب شرق تركيا الليلة الماضية. وذكرت مصادرأمنية لموقع روسيا اليوم أن...
- الأجواء في سوريا قبل أيام من الاستحقاق الانتخابي النيابي! المرصاد نت - متابعات أيام قليلة تفصل السوريين عن انتخاباتهم البرلمانية، في دورة انتخابية يطغى على أجوائها ظروف صحية طارئة كتلك التي تعصف ببلدان العالم، وظروف ...