فرج بن غانم... "العملة النادرة"

المرصاد نت - متابعات

أقلّ من عام واحد كان كفيلاً بإقناع رئيس الوزراء اليمني الأسبق الراحل فرج بن غانم بأن جهوده للإصلاح في اليمن سيكون مصيرها كمصير من يحرث في البحر أو يبني قصراً فوق الرمالfrag ben ganem2016.8.17


فقرّر بعد أن نكث الرئيس السابق علي صالح، بوعوده بعدم الإعتراض على خططه في تجفيف منابع الفساد أن يقدّم استقالته ويخرج من الباب الكبير بشرف.
لم يقبل بن غانم على نفسه لدى تعيينه في 1997 رئيساً للوزراء أن يكون كأسلافه بلا صلاحية فابن مدينة العلم والمعرفة غيل باوزير الذي وُلد في الأوّل من ديسمبر عام 1937م لأب بسيط يعمل في مقهى متواضع شبّ عوده على الإعتماد على الذات، والإعتزاز بالنفس، وعدم الإذعان إلّا لصوت العقل والمنطق والضمير.
سنوات الدراسة
بعد إكمال دراسته الإبتدائية في مدرسة باشراحيل، ثمّ مدرسة الملاحي، التحق بالمدرسة الوسطى في الغيل، وتخرّج فيها ضمن قوام الدفعة الثامنة في العام الدراسي 1948م - 1949م، ليُبتعث بعدها إلى ثانوية حنتوب في السودان، لإكمال المرحلة الثانوية. من السودان، عاد بن غانم ليعمل مدرّساً وإداريّاً في المدرسة الوسطى عام 1958م، ليساهم عبر كلمة كتبها باللغة الإنكليزية بعنوان "صحوة العرب"، وقرأها طالب في المدرسة أثناء عرض مسرحي، في إيقاد شرارة الإحتجاجات ضدّ الإستعمار البريطاني في حضرموت، في عام 1963م.
إلى السودان، سافر بن غانم لمواصلة الدارسة الجامعية، فنال في 1964م شهادة البكالوريوس من كلية الإقتصاد في الخرطوم مع مرتبة الشرف. ورغم تلقّيه إغراءات للبقاء في الخرطوم، للإستفادة من علمه ونبوغه الفكري، إلّا أنّه فضّل العودة إلى وطنه. في السودان، خاض بن غانم غمار التجربة السياسية للمرّة الأولى والأخيرة في حياته، التحق بخلية لحزب البعث، ثمّ سرعان ما انسحب بعد أن أدرك "الرفيق الفاتح"، وهو الأسم الحركي لبن غانم، حساسية وضعه في وسط طلابي يفور بالنشاط العدائي ضدّ انقلاب 58.
من سكرتير دائم في وزارة المالية في دولة "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، عُيّن نائباً لوزير التخطيط عام 1970م. بعدها بعام، تلقّى دوره تدريبية في الخارج بدعم من البنك الدولي، وفي غضون ثلاث سنوات ما بين 1975 و1978، نال الماجستير والدكتوراه من بولندا. منذ نهاية السبعينيّات حتّى بداية التسعينيّات، شغل بن غانم منصب وزير التخطيط، وعمل كمندوب لبلاده لدى المقرّ الأوروبي في جنيف. وبعد تحقيق الوحدة اليمنية، تفرّغ للعمل في وزارة التخطيط، حتّى اندلاع الحرب في صيف 1994، حيث غادر الوزارة، وعاد إلى منصبه السابق في المقرّ الأوروبي للأمم المتّحدة. يلتقي بن غانم مع صديقه فيصل بن شملان في قواسم مشتركة منها النزاهة والإستقلالية
الإصطدام بالمصالح
نصّت إحدى التفاهمات التي أقرّتها اتّفاقيات اليمن الحدودية مع عمان والسعودية، في منتصف التسعينيّات، على أن يكون رئيس الوزراء من الجنوب، فاختير بن غانم ليشغل المنصب، ويتسلّم رئاسة الحكومة من سلفه، عبد العزيز عبد الغني، في مايو 1997م.
كان بن غانم رجلاً استثئانيّاً، من جيل "التكنوقراط" الأصيل، الذي ولج السياسة من باب الإختصاص. قبل رئاسة الوزراء على مضض، شجّعته على ذلك موافقة البنك الدولي على الشروع في تطبيق برنامجه للإصلاح الإقتصادي والسياسي، الذي كان قد وضعه المهندس حيدر أبوبكر العطّاس، قبل حرب 94.
تدابير التقشّف والإصلاح، التي تبنّاها بن غانم، أسقطت من حساباتها فرض جرع اقتصادية على المواطنين. بدأ بخطّة الحدّ من هدر المال العام، فدخل في حرب مفتوحة مع كبار المسؤولين الذين احتجّوا على تدخّلاته في ميزانيّات مرافقهم الحكومية، ومحاولات إخضاعها للرقابة. امتدّت يده إلى مصلحة شؤون القبائل، فكانت القشّة التي قسمت ظهر البعير، حيث اصطدم مع الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، في المبالغ التي تُصرف في المصلحة. لم يطلب بن غانم سوى تحديد سقف للميزانية السنوية وإدراجها ضمن التخطيط، لكن صالح رفض، واعتبر مصلحة القبائل شأناً رئاسيّاً خاصّاً به، لا علاقة لرئيس الوزراء بإدارتها.
الخلاف بين صالح وبن غانم تفاقم بعد اعتراض الثاني على اسم المرشّح من قبل الرئيس، كوزير للمالية. هنا، أدرك بن غانم أن فتح باب التدخّلات في حكومته سيجعلها مجرّد ديكور مثل سابقاتها، فبدأ يتحيّن الفرصة لاتّخاذ موقفه الحاسم بـ"الإعتكاف". دعا مجلس هيئة الإستثمار للإنعقاد، فغاب معظم الوزراء، وعلى رأسهم وزير المالية، علوي السلامي، والخارجية، عبدالكريم الإرياني، ووزير التخطيط، عبد القادر باجمال، فألغى الإجتماع، وقرّر السفر أواخر مارس 1998 إلى جنيف، بحجّة إجراء فحوصات طبّية. وخلال فترة غيابه، تمّ تمرير المشروع الخاصّ بالتقسيم الإداري لحضرموت، دون استفتاء شعبي، وهو ما اعتبره بمثابة خطوة لتقسيم حضرموت وتحميله المسؤولية، فقرّر تقديم استقالته في أبريل 1998، وعُيّن خلفاً له عبد الكريم الإرياني، الذي بدأت في عهده أولى الجرعات الإقتصادية.
الحسّ الوطني
عاد بن غانم، بعد استقالته، إلى منصبه كمندوب دائم لليمن لدى المقرّ الأوروبي للأمم المتّحدة في جنيف، ثم عُيّن سفيراً ومفوّضاً فوق العادة للجمهورية اليمنية والإتّحاد الفيدرالي في سويسرا في 2002م.
يتذكّر المقرّبون من بن غانم موقفاً ينمّ عن حسّه الوطني. ففي بداية الوحدة، كُلّف بتأثيث مقرّ جديد لمكتب اليمن الدائم في جنيف، وأن ينتقل إلى سكن خاصّ غير الذي يقيم فيه عادة، فقرّر أن يشتري للمقرّ أثاثاً فخماً، ولبيته "عفشاً" مستعملًا، وردّ على منتقديه بقوله: "غرفة نومي لن يدخلها أحد، والمكتب يعتبر واجهة الدولة".
يلتقي بن غانم مع صديقه فيصل بن شملان في قواسم مشتركة منها، النزاهة والإستقلالية في الرأي، وعدم تعاطي القات، وهو ما جعل البعض يتّهمه بالإنعزال والتعالي. كان بن غانم حريصاً على تنظيم وقته، فلم يكن يقبل أن يلتقي بأحد، حتّى الوزراء في حكومته، دون تحديد موعد سابق. طوال حياته المهنية، فشلت جهود الحزب "الإشتراكي" في استقطابه، و"المؤتمر الشعبي العام" في استمالته بالإغراءات، إذ فضّل البقاء في حزب الوطن الكبير الذي يضمّ كلّ أبنائه، حتّى وافاه الأجل في 5- 8-2007م، ليُوراى جثمانه في ثرى مقبرة الشهداء في صنعاء في 8 أغسطس 2007م، وهو ما أثار لغطاً وجدلاً كبيرين، حينها، لأن أهله كانوا ينتظرون تشييعه في مدينة غيل باوزير، التي سقط رأسه فيها، وليس في منطقة سواها.

المزيد في هذا القسم:

  • قسماً يا وسيم .. لا اخفي عليكم ان عيوني تسمرت دقائق امام هذه الصورة.. الشهيد وسيم الخطيب ثائر حر خرج الى الساحة من أجل مستقبل وطن يبدأ بتلك البالونه وينتهي بما سيقوله ابن الشهيد... يمضــون

المزيد في يمضون: