المرصاد نت - متابعات
إن أوراق الحسابات التي فتحتها السعودية ابتداءً كانت مُتوقّعة لدى الطرف الآخر أي اليمنيين، والدّليل هو حجم الاستعدادات الإدارية والعسكريّة الدفاعية التي وفّرها اليمنيون لمواكبة تلك الحسابات.
وبغضّ النظر عن أن تلك الحسابات قد انطلقت من خلفيّاتٍ إقليميّةٍ تدّعيها السعودية التي ترفض أيّ تمرّد على إرادتها في الخليج ، أو انطلقت من خلفيّاتٍ دوليّةٍ مرتبطةٍ بالممرات البحريّة وبأمن النفط التي ترعاها الولايات المتّحدة الأميركيّة ، وبكلّ الأحوال فالنّزاع المُسلّح الذي نشب منذ أكثر من أربعة أعوام قد قام بين النظام السعودي وتحالف رمزيّ من بعض الدول من جهة ، وبين تشكيل محليّ يقوده حزب عقائديّ يمنيّ من جهةٍ أخرى.
انطلقت "عاصفة الحَزم" سنة 2015 على خلفيّة سيطرة أنصار الله على مفاصل الدولة في حملةٍ واسعةٍ استهدفت الانقساميين المدعومين من السعودية ، وقد بدا يومئذ أن حسابات القوّة والتفوّق العسكري والاستراتيجي تميل بشكلٍ رهيبٍ لصالح السعودية ، وأنّه لا مجال للتفكير وللتعويل على أيّ شيء من شأنه أن يشكّل مادة نقاش مُعتبرة حال تمثيل مُجابهة لتحديد التفاضل بين الطرفين.
فعلى مستوى الدولة والكيان كان يعاني اليمن انقساماً وطنياً حادّاً بين أبنائه على خلفيّة ولاءات لجهاتٍ خارجيّةٍ، يقابلها نَهَم أطراف داخليّة على الحُكم والرياسة، الأمر الذي تطوّر بطبيعة الحال إلى تصدّعٍ في مؤسّسات الدولة التي كادت أن تنتفي لولا الوعي وإرادة الصمود عند مؤسّسة الجيش اليمني الذي مثّل الضمانة الحقيقية لبقاء المؤسّسات، وبالتالي حماية كينونة الدولة من السقوط والتهاوي في المجهول.
أما على مستوى الاقتصاد الوطني فقد أدّى الحِصار المُطبَق على الموانئ والمطار وعلى المصرف المركزي من قِبَل السعودية والولايات المتحدة إلى تدهورٍ مُريعٍ في وضع الاقتصاد والعملة ، ولولا تداعي هيئات المجتمع المدني المُتمثّل بأبناء القبائل وباقي المنظمّات الأهليّة لدعم المصرف المركزي ورَفْدِ الجبهات بالمؤن والمساعدات المختلفة ، فلولا تلك الوقفات التي لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل ، لتداعى وضع العملة ولانهار الاقتصاد الوطني ومعه بقيّة المؤسّسات الأخرى.
لقد استطاعت الجبهة الداخليّة في اليمن الحفاظ على العناصر الأساسيّة التي تضمن بقاء الدولة وعدم انهيارها ، فبالتفاف قسم وازن من الشعب استطاع اليمنيون الأحرار ضمان اللحمة الوطنيّة ، وبسيطرة الجيش على ساحة الأمن الداخليّة استطاع بذلك حماية عنصر الدستور والمؤسّسات ، وبما يختصّ بالعنصر الثالث وهو الأرض فقد استطاعت اللجان الشعبيّة ردّ زحوفات غُزاة الخارج ومرتزقة الداخل بملاحم بطوليّة قلّما شهد لها التاريخ مثيلاً.
لم يكن بعيداً عن أحفاد مملكة سبأ أن يُجيدوا إدارة الأزمة وقد أصاب المُنظّرون الذين أضافوا عنصريّ الثقافة والحضارة إلى عناصر الدولة ، كما لم يكن مُستغرباً فشل الغُزاة عسكريّاً فاليمن هي الدولة الوحيدة تقريباً التي لم يدخلها غاز ، كما أنها الأمّة الوحيدة التي استطاعت عبر الأجيال الحفاظ على نقاء الدمّ ، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بشدّةٍ في مثل هذه الحال يدور حول ماهيّة المبنى الذي حكم الفكر الأميركي، أو بعبارةٍ أخرى "أيديولوجيّة القوّة في العقل الأميركي ومقوّماتها الفعليّة".
يُدرك المتابعون عموماً وأهل الشرق الأوسط على وجه الخصوص أنّ مبدأ القوّة كأصلٍ يقوم عليه الصّراع ، هو مبنيّ في العقل الأميركيّ على التفوّق العَدَديّ الكبير وعلى قوّة المال وعلى التكنولوجيا في التسليح والمعلومات والعمليات النفسيّة والافتراضيّة، وعلى هذا الأساس كان اعتمادهم على السعوديين الذين سعوا بجهدٍ باتجاه إنشاء تحالف يضمن لهم ما يكفي من تفوّقٍ عَدَدي، والذين لديهم ما يكفي من مالٍ لشراء الذِمَم والمُرتزقة ولنفقات الحرب، كما ولديهم جيش مُسلّح بأحدث أنواع الأسلحة والمنظومات.
لم يعرف الأميركيون ولن يعرفوا على الأرجح أن حسابات القوّة لديهم مبنيّة بالأصل على مُعطياتٍ منقوصةٍ، فمَن يحمل السيف ليتراقص به أمام ترامب وغيره أو ليهوي به على رأس شيخٍ أعزل أو فتاة بريئة، ليس كمثل مَن لا يُفارقه خنجره وإذا استلّه من غمده فلطعن جبّار في الأرض أو مُفسِد. ومَن يتلذَّذ بفاخِر الأطباق لتصبح حاله كحال البهيمة التي تكترش من أعلافها وتلهو عمّا يُراد بها، ليس كمثل من اعتاد جشوبة العيش ليصير كالنبتة العزيّة (البريّة) أصلب عوداً وأكثر وقوداً وأبطأ خموداً. ومَن يسعى وراء حفنة ريالات ليرتزق وهو لا يعرف أن نفس مرتّبه هذا سيؤول إلى غيره من المرتزقة بعد مقتله هو ليس كمثل من بلغ به برّه أن يُنفق في سبيل الله ماله لدعم المصرف المركزيّ والجبهات ولو كان به خصاصة...
وماذا عساني أقارن بعدُ بين كيان يدّعي أنه صاحب استراتيجيّات وسياسات في الوقت الذي تقوم فيه دولته على برامج خطط جاهزة ومُعلّبة من البيت الأبيض، وبين أمّة قد تجلّت منها مُفردات التفاعُل الايجابيّ إلى الحدّ الذي انهارت وستنهار به ومعه كلّ اعتبارات القوّة الأميركيّة وستتبدّل وفقه كافّة متغيّرات ومفاهيم السياسة الدوليّة على كافة الأصعدة المحليّة والاقليميّة والدوليّة، وسيُدرِك المُستكبِرون ولو مُتأخّرين أن مُستضعَفي اليمن قد نالوا منهم في الحرب، ولكن ليس بميدان عمليات بريّ وجويّ وبحريّ وحسب بل بضربة في أصل عقيدة القوّة لديهم. نعم سيعرف الأميركيين أن هزيمتهم هذه إنما هي بضربةٍ على الرأس وطعنةٍ في الصميم.
قراءة : هشام صفا - كاتب ومحلل لبناني
المزيد في هذا القسم:
- اندبندنت: بريق "المجلس الإنتقالي" الداعي للإنفصال يخفت لدى أنصاره! المرصاد نت - متابعات حالة من شبه الاستقرار الأمني تشهده مدينة عدن العاصمة المؤقتة أعاد لها شيئاً من الروح بعد سنوات من الحرب والاضطراب الذي أرهق وجه المدينة ال...
- عدن : انتشار متزايد لشعار انصار الله " الحوثيين " في احياء المدينة,, بعد اغتيال المحضار !! افاد شهود عيان للمرصاد في محافظة عدن اليوم ان العشرات من سكان المحافظة قاموا برفع شعارات " أنصار الله " الحوثيين على منازلهم في احياء مدينة عدن ,, وبشكل ملفت ...
- الغارديان: السعودية مسؤولة عن أسوأ أزمة إنسانية في العالم والتاريخ لن يرحمنا المرصاد نت - متابعات أكدت صحيفة الغارديان البريطانية أن العدوان السعودي على الشعب اليمني والحصار الخانق عليه جعل الرياض مسؤولة عن أسوأ أزمة إنسانية في العالم....
- طائرات العدوان تجدد قصفها لمستشفيات ومدارس اليمن ردا على فشل مفاوضات الكويت.. المرصاد نت - رآي اليوم لا نعرف ماذا سيكون شعور بان كي مون امين عام الامم المتحدة وهو يقرأ التقارير التي تبثها منظمات دولية مثل “اطباء بلا حدود” وم...
- الإمارات محصلة التخلف العربي وخلاصة الشر الغربي المرصاد نت - محمد عايش سأناقش بعض التعليقات على منشوري أمس بشأن الإمارات وسقطرى : 1- بعضهم يقول: لماذا تسخرون من حداثة عهد وتأسيس الإمارات وعدم امتلاكها تا...
- السعودية تبحث عن ضمانات بشأن الصواريخ البالستية اليمنية! المرصاد نت - متابعات قالت مصادر دبلوماسية يمنية إن الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة اليمنية تمثل عقدة فعلية للسعودية وهي تبحث عن كيفية الحصول على ضمانات ح...
- حصيلة أولية لأسماء شهداء التفجيرات الارهابية بصنعاء حصيلة اولية لأسماء الشهداء الذين سقطوا في التفجيرات الارهابية التي استهدفت المصليين بجامعي بدر والحشوش يوم أمس بالعاصمة صنعاء 1- الشهيد العلا...
- أول خرق في «جدار إتفاق الحديدة»: «تسوية أولية» برعاية لوليسغارد ! المرصاد نت - متابعات بعد أربعة أيام من المحادثات على متن قارب تابع للأمم المتحدة في رصيف ميناء الحديدة أعلنت الأمم المتحدة التوصل إلى ما سمّته «توافقاً ...
- السعودية المهزومة في اليمن بين الخوف والرجاء من واشنطن المرصاد نت - متابعات يُنظر إلى انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكي بشعور متقلب من قبل النظام السعودي العميل العربي الأول لواشنطن فمن ناحية ...
- السعودية تدرج 11شخصية يمنية بينها الذراع العسكري الإمارتي ضمن قائمة الإرهاب المرصاد نت - متابعات أدرجت السعودية 11 شخصية يمنية بينها الذراع العسكري للإمارات في تعز “أبو العباس” ومستشار هادي أمين عام حزب الرشاد السلفي &ldqu...