في الوقت نفسه، تتولى كوادر السلاح الملكي العمل مباشرة مع إدارة مركز عمليات التحكم والسيطرة العسكري السعودي، على تحديد بنك أهداف القصف، وطبيعة المهمّات، والأسلحة التي ستستخدم فيها، والتنسيق مع كوادر «البريطانية لأنظمة الطيران» لتنفيذها، وتحضير القذائف والمعدات والطائرات وفق البرنامج الزمني المتفق عليه مع السعوديين. كل ذلك يعني ببساطة أن الجزء الجوي من الحرب على اليمن تتولّاه بريطانيا بالكامل: الطائرات والقذائف وإدارة العمليات والصيانة والتدريب والتنفيذ، وربما حتى بعض الأصابع التي تطلق الصواريخ على المواقع اليمنية.
لا شيء من ذلك بالطبع تجده في المصادر الإعلامية الرسمية أو صحف اليمين البريطاني، مع استثناءات نادرة. وتفضّل الحكومة البريطانية، على موقعها الرسمي، لفت نظر مواطنيها إلى مبلغ الـ 37 مليون جنيه استرليني الذي خصّصته أخيراً للأعمال الخيريّة في اليمن، وما تصفه بالاعتداءات المتكررة التي ينفذها الجيش اليمني («الحوثيّون» كما تسميهم لندن) ضدّ السعودية، من دون أدنى إشارة إلى الصفقة العسكرية الهائلة (3.3 مليارات جنيه) التي وقّعتها مع حكومة آل سعود عشية انطلاق العدوان قبل خمس سنوات.
ومن المعروف أن بريطانيا كانت مصدر التسليح للسلالة السعودية منذ مدّها السيطرة على معظم أجزاء الجزيرة العربية في 1920. وعلى رغم تولي الأميركيين مقاليد الهيمنة على مملكة آل سعود بعد انحسار الإمبراطورية البريطانية في خمسينيات القرن الماضي، فإنهم سمحوا للندن دائماً بالاحتفاظ بجزء مهم من كعكة تسليح السلطة هناك وحمايتها، وتركوا لها مهمّة إنشاء وتدريب وتطوير قوات ما يسمّى «الحرس الوطني» المخصصة لحماية آل سعود من الانقلابات. وقد تولّى البريطانيون، منذ الستينيات، مدّ سلاح الجو السعودي بمعظم مقاتلاته النفاثة، بما فيها تلك التي اشتملتها صفقة اليمامة الشهيرة. وتقوم طائرات باعتها بريطانيا للسعودية، من طرازَي «تورنادو» و«تايفون»، بجلّ الطلعات الجوية اليومية لقصف اليمن.
على أن المشاركة البريطانيّة في الحرب على اليمن تبدو على وشك الانتقال إلى مستوى الانخراط المباشر في النزاع على الأرض، بعدما وردت تقارير في آذار/ مارس الماضي عن وصول قوة بريطانية ــــ أميركية خاصة إلى عدن قوامها 450 عنصراً، كطليعة لقوة مشتركة سيصل تعدادها إلى 3000 عنصر، مهمّتها إحكام السيطرة على المحافظة الجنوبية ذات الأهمية الاستراتيجية الفائقة للملاحة في منطقة مضيق باب المندب وبحر العرب. وهذه القوة هي غيرها القوات المنتشرة في الميناء الرئيسي لتصدير الغاز الطبيعي المسال في محافظة شبوة، والمدعومة ببارجتين أميركيتين تتولّيان حماية سرقة ثروة اليمن، وربما أيضاً عناصر «وحدة الحرب الثقافية»، التي تضمّ بريطانيين من أصل يمني، وتساهم في العمليات اللوجستية والاستخبارية على الأرض.
وقد تسربّت، العام الماضي، معلومات عن إصابات تعرّض لها جنود بريطانيون في معارك داخل مناطق خاضعة لحكومة صنعاء، وهو ما يراه مراقبون مؤشراً إلى تحوّل تدريجي في استراتيجية المشروع الأميركي ــــ البريطاني تجاه اليمن، ونتاجاً لشعور واشنطن ولندن المتزايد بالضيق من فشل التحالف السعودي ــــ الإماراتي في حسم الأمور هناك بعد أكثر من خمس سنوات على بدء القتال، ولا سيّما مع استمرار تقدّم القوات اليمنية على حساب عملاء السعودية والإمارات، والمكاسب الثمينة التي حققتها أخيراً في الجوف ومأرب، ناهيك عن الاستهدافات المتكررة لمواقع سعودية حساسة ــــ عسكرياً ونفطياً ــــ بالصواريخ والطائرات الموجهة.
ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى إمكانية خروج قريب لبريطانيا من بحر الدم اليمني. فالسعوديون ــــ وبقية سلالات الخليج ــــ يشترون أكثر من نصف الصادرات العسكرية البريطانية إلى العالم. ومع اقتراب موعد خروج بريطانيا نهائياً من عضوية الاتحاد الأوروبي، والظروف الاقتصادية الضاغطة على مالية البلاد إثر تفشي وباء «كورونا»، لن يجرؤ أحد في المؤسسة البريطانية الحاكمة على وقف شلال النقد المتدفق على لندن مهما كانت الدواعي الإنسانية. واستراتيجياً، فإن اليمين البريطاني المحافظ، الذي ينفرد الآن بحكم المملكة المتحدة وسيبقى في السلطة لعشرية قادمة، يتجه على الأغلب نحو تعميق العلاقات مع الأميركيين في السياسة والاقتصاد، كما في المسائل العسكرية. وتتكامل جهود البريطانيين مع الأنشطة العسكرية الأميركية عبر العالم، من فنزويلا إلى بحر الصين، ومن أفغانستان إلى سوريا، ومن ليبيا إلى جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى والقرن الأفريقي، ولن يكون مطروحاً في وقت قريب أيّ كسر لذلك التكامل لا في اليمن ولا غيره.
المراقبون المتشائمون يقولون إن الطابع الشوفيني الغالب على «10 داونينيغ ستريت» (مقر الحكومة البريطانيّة)، وتفرّد بوريس جونسون بالسلطة للسنوات القادمة، قد يدفعان الرؤوس الحامية في الدولة العميقة المتشبّعة بأحلام الإمبراطوريّة وذكريات استيطانها جنوب اليمن باتجاه تنفيذ احتلال جديد لعدن ومينائها، وفرض أمر واقع هناك على الأرض منعاً لوصول النفوذ الإيراني المزعوم إلى بحر العرب.
على أيّ حال، أيدي البريطانيين ملطّخة تاريخياً بدماء اليمنيين، ومشاركتهم المحوريّة في الحرب العربية ــــ الأميركية على اليمن مسألة خارج النقاش، أقلّه في المدى المنظور. وتحويل عدن مجدداً إلى محميّة بريطانية لن يكون خارج هذا السياق الإمبريالي المستمر منذ عشرات السنين.
قراءة : سعيد محمد
المزيد في هذا القسم:
- تعز : فصائل الإصلاح تداهم منازل أفراد أبو العباس وإندلاع مواجهات طاحنة! المرصاد نت - متابعات اندلعت اشتباكات مسلحة مساء السبت بين فصائل موالية للتحالف في مدينة البيرين بريف محافظة تعز بعد ان داهمت فصائل الإصلاح منزل أحد الأفراد ال...
- لجان مجلس الشورى الدائمة تنجز مشاريع خطط عملها لمخرجات الحوار الوطني قال أمين عام مجلس الشورى الدكتور نجيب عبد الملك سالم" إن عدداً من اللجان الدائمة بالمجلس قد أنجزت مشاريع خطط عمل اللجان فيما يخص تنفيذ مخرجات مؤتمر ...
- تظاهرة حاشدة تحت عنوان "مليونية النصر" في عدن ! المرصاد نت - متابعات شهدت مدينة عدن تظاهرة حاشدة تأييداً لسيطرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً على المدينة، وشارك عشرات الآلاف في التظاهرة تحت اسم فعالية م...
- “إتفاق الرياض” يهيئ لصراع دولي في اليمن! المرصاد نت - متابعات يتسع ملف الحرب على اليمن بعد أن ظل اقليمياً بالوكالة وتزيد فوضى التحالف وسوء إدارته من تعقيدات المشهد خصوصاً في المحافظات الجنوبية. فعلى ...
- 'تحرير الجوف'.. تأكيد جديد على تفوق صنعاء عسكرياً! المرصاد نت - متابعات في الوقت الذي لم تَفُق فيه بعد قوى التحالف السعودي من صدمة سقوط جبهة نهم تحت قبضة الجيش واللجان الشعبية إلا وتتفاجأ بضربة عسكرية أخرى تمث...
- العدوان السعودي يواصل مجازره ويسقط عشرات الشهداء والجرحي في الحديدة المرصاد نت - متابعات استشهد اليوم السبت 12 مدنيا معظمهم من النساء والأطفال وذلك في حصيلة أولية للغارة التي استهدف بها العدوان منزلين في منطقة القطيع بمديرية ا...
- الانتحاريين التكفريين الذين هاجمو بيوت الله كانو متظاهرين بأنهم جرحى مصادر أمنية اكدت أمنية اكدت ان الانتحاريين الذين هاجموا بيوت الله وجموع المؤمنين المصلين في صلاة الجمعة اليوم اخفوا العبوات الناسفه في مادة الجبس متظاهرين بأنهم...
- اليونيسيف: مقتل 5 أطفال يومياً باليمن بسبب العدوان المرصاد نت - متابعات أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف أن كل يوم مر عام 2017 شهد مقتل خمسة أطفال على الأقل في اليمن بسبب عدوان العدوان السعودي على اليم...
- وسط توافد جماهيري حاشد .. صعدة تشييع أطفالها الشهداء المرصاد نت - متابعات شيعت محافظة صعدة صباح اليوم الاثنين شهداء الجريمة الكبرى التي ارتكبها طيران العدوان السعودي الأمريكي الخميس الماضي بحق طلاب كانوا يستقلون...
- سلطنة عمان تدعو الأطراف اليمنية إلى تجاوز الماضي الأليم والتركيز على صياغة المستقبل المرصاد-متابعات أكد سفير سلطنة عمان لدى الأمم المتحدة، محمد بن عوض الحسان، دعم بلاده للجهود التي تقودها الأمم المتحدة للتفاوض على سلام طويل الأمد في اليمن، وال...