المرصاد نت - مالك زياني
تبدو تيريزا ماي، في حربها الدبلوماسية التي أعلنتها ضدّ روسيا أمس في أعقاب اتهامها لموسكو بمحاولة اغتيال «الجاسوس» الروسي السابق فوق الأراضي البريطانية المُرهقة حالياً بتداعيات «البريكست» ومفاوضاتها كمن يستسيغ تسعير نيران المواجهة مع الكرملن لأهداف عدّة لعلّ أبرزها داخلية.
لكن هذه المواجهة تندرج أيضاً ضمن فصول الحرب الخفية المستعرة منذ 2014 بشكل خاص بين الأوروبيين والروس التي تستخدم فيها عواصم أوروبا مختلف أدوات «الحرب الهجينة»... لمواجهة روسيا وعودتها إلى الساحة الدولية
بعد أيامٍ من السجال الكلامي بين لندن وموسكو، قرعت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، طبول الحرب الدبلوماسية أمس، بإعلان نيتها طرد 23 دبلوماسياً روسياً خلال أسبوع، وتعليق «كل الاتصالات الثنائية المقررة على مستوى عالٍ مع روسيا» إضافة إلى «مقاطعة الأسرة المالكة والوزراء كأس العالم لكرة القدم» الذي سيُقام في روسيا في بداية الصيف. هذه التطورات التي قد تُعدُّ بمثابة إعلان حرب دبلوماسية تأتي على خلفية اتهام لندن لموسكو بتسميم «ضابط الاستخبارات الروسية السابق» سيرغي سكريبال.
وكانت ماي قد أعطت روسيا مهلة زمنية لتقديم «تفسير» عن كيفية استخدام غاز للأعصاب (تزعم أن الجيش السوفياتي طوّره) ضد سكريبال وابنته يوليا علماً بأنّ الروس يقولون إنّ من المفترض أن تكون بريطانيا هي المطالبة بتقديم توضيحات عن كيفية تسمم مواطن روسي على أراضيها وتحت حماية قواتها الأمنية.
الخارجية الروسية اعتبرت أنّ لندن اختارت المواجهة واصفةً الإجراءات بالـ«استفزازية» فيما نفى الكرملن أيّ ضلوع لروسيا في قضية سكيربال مشيراً إلى أنّ «روسيا أبدت استعداداً للتعاون لكشف الحقائق ولكننا لم نرَ تجاوباً». ونقلت وسائل إعلام روسية عن مصادر برلمانية قولها إنّ الردّ الروسي قد يتمثل في طرد أكثر من 23 دبلوماسياً بريطانياً، بينما حذّرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا من أنّ إقفال مكتب وسيلة الإعلام «روسيا اليوم» في بريطانيا سيُقابله إذا حصل رد أقوى من خلال منع وسائل الإعلام البريطانية من العمل في روسيا.
وبينما تلقت بريطانيا في الساعات الأخيرة دعماً أوروبياً وأميركياً و«أطلسياً» في مواجهتها الحالية مع روسيا، فإنّ حدة اللهجة المتبادلة بين لندن وموسكو، ليست وليدة اللحظة إذ تفسرها أيضاً العلاقات الثنائية المتوترة. فبالإضافة إلى الخلافات العميقة بين العاصمتين على قضايا الشرق الأوسط، بخاصة سوريا وإيران هناك ملف شبه جزيرة القرم المفتوح منذ استعادة موسكو لها في عام 2014 وثمة اتهامات لندنية كثيرة لموسكو بالتدخل بالانتخابات في بلدان العالم بخاصة انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016. ومنذ نهاية العام الماضي، اشتدت وطأة الاتهامات البريطانية لروسيا إذ سبق للندن أن أعلنت أن «الأنشطة الروسية البحرية تزايدت قرب بريطانيا» (الأمر الذي تنفيه موسكو) ما شكّل مبرراً لبريطانيا في 2017 لتعزيز كتيبتها المنتشرة في قاعدة للحلف الأطلسي في إستونيا في إحدى أكبر عمليات الانتشار للقوات البريطانية في أوروبا الشرقية منذ عقود.
المعطيات مجتمعةً، تقود نحو قراءة حدث الأمس بكونه فصلاً جديداً من فصول المواجهة المفتوحة منذ سنوات قليلة بين ما كان يُسمى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية المنظومة الغربية وروسيا التي تواصل العودة إلى الساحة الدولية بسياسات خارجية تبدي أكثر فأكثر طبيعةً تميل نحو الحزم.
هذه «المواجهة ــ الحرب» تتصف بطبيعتها الهجينة، بمعنى أنّها ليست حرباً تقليدية ولا نظامية، بل تُستخدم في ثناياها تهديدات وهجمات متباينة الطابع والأبعاد، إضافة إلى حملات الضغط الإعلامي وتتابعها (بدأت منذ الفيتو الروسي في مجلس الأمن قبل أيام، وانتقلت إلى انتقادات الانتخابات الرئاسية في روسيا وليس انتهاءً بحدث الأمس، إذ له ما بعده).
جدير بالذكر أنّ الأميركيين والأوروبيين يتهمون بدورهم روسيا بأنّها هي من يقود حرباً هجينة. حتى الإعلام الإسرائيلي يُشارك إذ يقول تقرير نشرته «هآرتس» قبل أيام: «يوافق هذا الشهر الذكرى الرابعة لإلحاق روسيا للقرم. حدثٌ صدم العالم وزعزع الإيمان الأوروبي في النظام الأمني القائم بعد الحرب الباردة. وباستعادة الأحداث، صار من الواضح أن إلحاق شبه الجزيرة لم يكن هدفاً نهائياً بقدر ما كان إعلان نية مستقبلية أي كتصعيد مبكر ضمن مسعى أوسع وأكثر طموحاً سمّاه الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو أخيراً ببعض المبالغة الواضحة حرب روسيا العالمية الهجينة على الديموقراطية الغربية نفسها».
ويُستكمل هذا الفصل في ظلّ ما يمكن وصفه بالوقت الضائع لأنّ المرحلة الحالية تتّسم بخلط أوراق، أميركية على وجه التحديد وبريطانية ــ أوروبية أيضاً لأنّ الطرفين لم يصلا بعد إلى صيغة أوّلية تفتح كوّةً في جدار تداعيات البريكست فضلاً عن ألمانيا نفسها التي توصف بأنّها قائدة الاتحاد الأوروبي تُعيد مستشارتها أنجيلا ميركل ترتيب أوراقها بعدما تسلّمت مهماتها رسمياً أمس، على رأس ائتلاف حكوميّ يبدو هشاً. (الكاتب الفرنسي ــ المتصهين ــ إيريك زيمور، وصّف حالة الاتحاد الأوروبي ككل في مقالة له أمس بالحديث عن «ثورة للشعوب الغربية في الدول المؤسسة للاتحاد، بصورة تهدد أوروبا ككل» وذلك على خلفية نتائج عدة استحقاقات انتخابية في أوروبا جاءت مناقضة لتوجهات بروكسل ــ عاصمة مؤسسات الاتحاد).
هذا المشهد «الأوروبي ــ الغربي» يُشير إلى أنّ توازنات الحرب الباردة تبدّلت كثيراً إذ بات يظهر مرة تلو الأخرى أنّ مجمل المواجهات الأوروبية مع روسيا تكشف عن تراجع في القدرات الأوروبية، بما يُفرِّغ المسرح السياسي من عناصر دراميّة، ويجعله أكثر استفزازاً بواقعيته، فيما قد تأتي المواجهة الحالية مع روسيا بنتائج سلبية جداً على قيادة ماي في بريطانيا. فبالرغم من أنّه لا بد لفلاديمير بوتين أن يستفيد من هذه المواجهة لتعزيز صورته في بلاده وهو على أعتاب الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نهاية الأسبوع فإنّ تيريزا ماي، نفسها بحاجة إلى حدث كهذا أكثر من غيرها: «يجب على ماي الرد بشدّة على روسيا... فمحاولة اغتيال العميل المزدوج سيرغي سكريبال وابنته تمثّل تحديّاً مباشراً لقيادة ماي ولقدرة بريطانيا بعد البريكست على كسب صداقات والتأثير في حلفائها» يقول دايفيد هارتزنهورن في مقالة نشرها أول من أمس، موقع «بوليتيكو».
أمام هذا المشهد المتشعّب لعلّ العبرة العامة هي في خُلاصة ما قاله الدبلوماسي الفرنسي، كلود مارتان في مقابلة نُشِرت أمس وهو سفير سابق لبلاده في كلّ من الصين وألمانيا. يقول: «بعد توسيع الاتحاد الأوروبي أقمنا في قارتنا جداراً حديدياً جديداً. طبّقنا عقوبات ضد روسيا وكررنا مضايقاتنا لها بما جعل إعادة الحوار أصعب». هذا الاقتباس هو من إجابة الدبلوماسي الفرنسي على السؤال الآتي: «انتخابات نهاية الأسبوع في روسيا، ستعزز سلطة فلاديمير بوتين. ويوم الاثنين الماضي اعتبر (الرئيس الفرنسي السابق) فرنسوا هولاند، أنّه إذا كانت روسيا سيّد الكرملن مهدِّدة (لنا)، فيجب تهديدها. هل تعتقد أنّ الغربيين يُجيدون التعامل مع بوتين؟».
«سهرة» مجلس الأمن
على هذه الخلفية انعقدت ليل أمس جلسة مجلس الأمن لمناقشة الاتهام البريطاني الموجّه إلى روسيا. المندوب الروسي أشار إلى أنّه لا دليل يؤكد المزاعم بشأن الاتهام مقترحاً إجراء تحقيق دولي. وشدد على أنّ بلاده لا تجري منذ سنوات طويلة أيّ أبحاث لتطوير المواد الكيميائية لافتاً في المقابل إلى أنّ الولايات المتحدة لم تتخلص من مخزونها الكيميائي لا بل واصلت القيام باختبارات تطوير في مختبر جورجتاون التابع لوزارة الدفاع. واعتبر أنّ المصدر الأكثر احتمالاً للغاز المستخدم في اغتيال الجاسوس وهو «نوفي شوك»، هو الولايات المتحدة. وأشار إلى أنّ إسراع الجانب البريطاني في الكشف عن تركيبة الغاز يعني أنّ دولاً مثل بريطانيا وحليفتها أميركا يملكان فعلا عيّنات منه.
وبدأت الجلسة بكلمة للمندوب البريطاني الذي عرض للحادث وخلاصة التحقيقات البريطانية فيما قالت المندوبة الأميركية نيكي هالي إنّ بلادها متضامنة مع بريطانيا، واستغلت القضية لوضعها ضمن «مسار تصرّ روسيا على سلوكه» باستخدامها الفيتو ست مرات ضد قرار أممي بشأن الملف الكيميائي السوري.
في الأثناء علّق نائب وزير الخارجية الروسية السابق سيرغي أوردجونيكيدزه على التطورات بالقول: «هذه حملة للتدخل في الشؤون الداخلية لبلدنا قبل الانتخابات بل ومحاولة تعطيلها. كذلك فإنّها محاولة لتحويل أنظار الرأي العام عن المشاكل السياسية والاقتصادية الداخلية المرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي» مردفاً: «لقد أدركت الولايات المتحدة أن التهديدات لا تعمل حتى بالنسبة إلى كوريا الشمالية... فلتتذكر أنها تتعامل اليوم مع روسيا».
المزيد في هذا القسم:
- إيطاليا تخفف قيود مكافحة فيروس كورونا للقادمين من الصين المرصاد-متابعات أمر وزير الصحة الإيطالي أوراتسيو سكيلاتشي، اليوم الثلاثاء، بتخفيف قيود مكافحة فيروس كورونا بالنسبة للمسافرين القادمين من الصين. وستطلب إيطاليا...
- ترامب يكلف فريقا للإشراف على انتقال السلطة يضم 3 من اولاده المرصاد نت - متابعات كلف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الجمعة نائبه مايك بنس بقيادة فريقه للإشراف على انتقال السلطة في البيت الأبيض الذي يضم أيضا ثلاثة من ...
- مسيرات تضامنية مع الحكومة في الجزائر! المرصاد نت - متابعات خرج مؤيدون للحكومة الجزائرية إلى الشوارع تعبيراً عن تضامنهم معها قبيل الانتخابات الرئاسية التي ترفضها الحركة الاحتجاجية المناوئة للحكومة....
- اصابة 6 جنود فرنسيين في هجوم غرب باريس المرصاد نت - متابعات قالت وسائل إعلام فرنسية إنّ سيارة صدمت جنوداً فرنسيين في إحدى ضواحي باريس ما أدى إلى إصابة 6 جنود بينهم اثنان في حال الخطر. وتحدثت شرط...
- الجيش السوري يسيطر على كامل حدود السويداء مع الأردن المرصاد نت - متابعات انتهت المرحلة الثانية من عمليات الجيش وحلفائه في محاذاة الحدود مع الأردن بفرض سيطرة كاملة على النقاط الواقعة ضمن حدود محافظة السويداء. وب...
- انقسام أميركي على دعم حفتر: ترامب وبولتون يزكّيان «الغزوة» ! المرصاد نت - متابعات تنقسم المواقف الدولية في شأن هجوم المشير خليفة حفتر على طرابلس بشكل واضح. لكن اللافت هو تضارب الآراء داخل الإدارة الأميركية، بين وزارة ال...
- التوتّر يحوم فوق البحر الأسود: واشنطن على خطّ الأزمة... بحراً وجوّاً المرصاد نت - متابعات تستمر أوكرانيا في سياسة شدّ الحبل مع روسيا بغية استفزازها. آخر فصول التوتر بين البلدين اختبار الجيش الأوكراني صاروخاً مجنّحاً جديداً ومنظ...
- ظريف يؤكد أهمية دور الأمم المتحدة لتبني الحوار اليمني أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أهمية دور الأمم المتحدة في تبني الحوار اليمني والإشراف عليه من اجل تسوية الأزمة اليمنية.وشدد ظريف خلال لقائه امس الاثن...
- ألمانيا تهادن إردوغان: الاقتصاد فوق الجميع! المرصاد نت - متابعات على توقيت أزمتها الاقتصادية سارعت تركيا إلى تقليص الخلافات مع ألمانيا بوابتها لوصل ما انقطع مع الأوروبيين. خلافات تصاعدت في السنوات الأخي...
- خيبات عمر البشير: أن تبيع أرضك وجيشك بلا مقابل! المرصاد نت - متابعات كل ما قدمه الرجل لم يرضِهم. ثمة حكام كثر يساومون على سياساتهم مقابل منافع يمنحهم إياها المستعمر أو المهيمن تحفظ كرسياً أو تؤجل سقوطاً قري...