المرصاد نت - لقمان عبدالله
لم يعد الحراك المتسارع في البيت الداخلي السعودي خافياً. اتصالات حثيثة لاسترضاء الساخطين ولمّ شمل الأسرة بعد أزمة اغتيال جمال خاشقجي. هل يفضي هذا المسار إلى إعادة توزيع السلطة على نحو يعيد «الشراكة» التي كانت قائمة قبل صعود محمد بن سلمان؟ يبدو من المبكر الجزم بذلك إلا أن المؤكد أن الخيارات كلها محفوفة بالمخاطر
أقلّت السعودية بعد أزمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي من التحرّك السياسي والدبلوماسي الخارجي على رغم حاجتها الماسّة إلى ترميم صورتها المهشّمة وغسل يدها الملطّخة بالدماء في أكثر من بلد عربي لا سيما في اليمن. والظاهر أن الرياض لن تبادر في الوقت الحاضر تجاه الدول الغربية بالنظر إلى الضغوط المتصاعدة على القادة والمسؤولين الغربيين أصدقاء النظام السعودي وبالتحديد ولي العهد محمد بن سلمان المتّهم بأنه الذي أعطى الأمر باغتيال خاشقجي. تدرك المملكة أن الوقت لا يزال مبكراً لمدّ الجسور ووصْل ما انقطع مع الحلفاء الغربيين أو العمل على إغرائهم بصفقات جديدة لإسالة لعابهم وهي اللغة الرئيسة التي يفهمونها.
قد يكون التحرك الأقوى باتجاه الداخل السعودي في إطار ترتيب البيت الداخلي بعدما صدّعته سياسة الاستفراد والبطش التي اعتمدها بن سلمان وكانت ذروتها عملية الاعتقال الشهيرة لأبناء عمومته في فندق «ريتز كارلتون» أواخر عام 2017 تحت ذريعة محاربة الفساد والتي لم تنته إلا بتسويات مالية صادر بن سلمان من خلالها مبالغ كبيرة تُقدّر بـ35 مليار دولار أميركي. بعد حادثة خاشقجي بادر الملك سلمان إلى محاولة لمّ شمل الأسرة الحاكمة وبدأ جهوداً في التواصل مع الأمراء الساخطين على نجله.
ووفقاً لمصدر على صلة بالعائلة المالكة تحدث إلى «رويترز» الشهر الماضي فإن تداعيات مقتل خاشقجي كانت من الضخامة بحيث شعر الملك بضرورة التدخّل في الأمر. ويشيع مقرّبون من الديوان الملكي أن الأسرة الحاكمة بدأت تتلمّس خطراً وجودياً بعد واقعة اسطنبول وأن هناك محاولات داخلها لامتصاص حالة الغضب التي خلّفتها إجراءات بن سلمان القمعية ضد الأجنحة المنافِسة. والظاهر أن الساخطين لا يبدون ممانعة أو رفضاً وأن الأكثرية تتجاوب مع الجهود المبذولة من قِبَل الملك علماً بأن هذا التجاوب لا مفرّ منه؛ إذ لا سبيل أمام الأمراء سواه بعدما خُلعوا من السلطة وجُرّدوا من الامتيازات.
السؤال المطروح هنا: ما هي الأثمان المطلوبة لإرضاء تلك الأجنحة التي شكّلت قوائم حكم بني سعود خلال أكثر من ثمانين عاماً؟ المنطق والبداهة يفترضان إسقاط التفرّد وهيمنة الشخص الواحد، ووقف الاستئثار بمراكز القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية وتوزيعها ضمن الترتيب السابق وإعطاء ضمانات بعدم تكرار عمليات الاعتقال ومصادرة الأموال والممتلكات والأهم من ذلك العودة إلى «سعودة» السلطة بعدما عمد الملك سلمان إلى حصرها في أسرته وهو الإجراء الوحيد الذي سيعيد «الشراكة» ويهيّئ للخروج من الأزمة الحالية. لكن هل يرضى ولي العهد الذي يمسك بالسلطات كافة بالتنازل والقبول بمبدأ الشراكة، وتوزيع المغانم والسلطات؟
لا شكّ في أن الأزمة التي يمرّ بها ابن سلمان صعبة للغاية في ظلّ تشوّه صورته وتبلور رأي عام عالمي مناهض له بالإضافة إلى حراجة موقف حلفائه الأوروبيين والأميركيين من استمرار العلاقة به. باختصار الرجل في وضع لا يُحسد عليه. ومع ذلك لا يزال يحظى بثقة الملك الذي لا يبدي حتى الآن ميلاً إلى تغييره أو الحدّ من سلطاته بل تشير الدلائل إلى أنه متمسّك به ولا يبالي بالكمّ الهائل من الانتقادات واللوم الموجّه إلى ابنه.
وفي السياق ذاته وعلى رغم الضجيج الأميركي حول قضية خاشقجي إلا أنه لم يصدر حتى اللحظة أي موقف أو تلميح إلى رغبة أميركا في وقف التعامل مع ولي العهد وحتى لو وُجدت هذه الرغبة فإن ترجمتها تحتاج إلى ترتيبات مسبقة تتعلّق بإيجاد خليفة قادر على المضيّ في تنفيذ السياسات الأميركية والإسرائيلية بالحماسة نفسها التي أظهرها ابن سلمان.
في الواقع لدى واشنطن أوراق عديدة يمكنها اللعب بها داخل الأسرة خصوصاً والمملكة عموماً. وهي لا تعاني شحّاً في الأمراء السعوديين الراغبين في التعاون بل ثمة كثيرون حاضرون لتنفيذ المصالح الأميركية لكن الإشكالية تتّصل في الحاجة إلى أمراء على نسق بن سلمان مستعدين للمضيّ إلى أبعد الحدود في خدمة المشروع الأميركي ـــ الإسرائيلي لا سيما في ما يتعلّق بـ«صفقة القرن» والحرب على إيران. في الآونة الأخيرة أعيد الحديث مجدداً عن ولي العهد السابق محمد بن نايف بصفته أحد أهمّ أصدقاء الغرب القدامى. كما جاءت عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز الشقيق الأصغر للملك الأسبوع الماضي إلى البلاد في إطار تنويع الأوراق الأميركية والغربية وإن كان العارفون بالشؤون السعودية يقلّلون من قدرة الأخير على قيادة تحوّل داخل دوائر السلطة وحده.
على أيّ حال وعلى رغم محاولات رأب الصدع داخل الأسرة الحاكمة إلا أن وضعها شديد التعقيد والخيارات المتاحة أمامها محفوفة بالمخاطر. فإذا أعيد توزيع السلطات ضمن تسوية ما فإن ذلك سيكون على حساب بن سلمان وبالتالي سيبقى الأخير متوجّساً وحذراً خشية من أبناء عمومته الذين أشعل في قلوبهم حقداً جرّاء اعتقالهم وإهانتهم وسلبهم أموالهم. وفي المقابل سينظر الأمراء إلى بن سلمان على أنه متهوّر ويتحيّن الفرص لإعادة كرّة الانقضاض عليهم مرة أخرى.
المزيد في هذا القسم:
- ما هو سر بقاء الممالك والمشيخات الخليجية حتى الآن؟ المرصاد نت - متابعات عندما يلقي المرء نظرة على أحوال بعض الدول العربية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يرى بداية ان هناك تشابها بين هذه الدول من حيث الإفتقار ال...
- التيار الصدري يحتفظ بصدارة الانتخابات بعد إعادة الفرز المرصاد نت - متابعات أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في العراق اليوم فوز تحالف زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر والشيوعيين في الانتخابات التشريعي...
- أسباب نكسة إردوغان في الانتخابات المحلية: ليس بالاقتصاد وحده! المرصاد نت - أحمد طرابيش بعد أيام على صدور نتائج الانتخابات المحلية في تركيا ورغم عدم نهائية هذه النتائج تكشّف المزيد من الأسباب والمعطيات حول الواقع الجد...
- مصر : أموال «الإخوان» إلى خزانة الدولة من دون «أحكام» نهائية! المرصاد نت - جلال خيرت أموال «الإخوان المسلمين» إلى خزانة الدولة الخطوة التي كان يفترض أن تستغرق مزيداً من الوقت حتى الوصول إلى أحكام قضائية نهائي...
- احتجاجات في العاصمة الفرنسية تخللتها مواجهات واعتقالات! المرصاد نت - متابعات اعتقلت الشرطة الفرنسية أكثر من 60 شخصاً من محتجي السترات الصفر اليوم السبت خلال احتجاجات في العاصمة تخللتها مواجهات. هذا ونزل متظاهرون من...
- تركيا بدأت بدفع جزء من إمدادات الغاز الروسي بالروبل المرصاد-متابعات صرح وزير الطاقة فاتح دونمز، في مقابلة مع TRT Haber بثت اليوم الثلاثاء، بأن تركيا بدأت بسداد جزء من إمدادات الغاز الطبيعي من روسي...
- أكثر من 300 شهيد وجريح في الهجوم على مسجد الروضة في سيناء المرصاد نت - متابعات تحدثت وسائل إعلام مصرية عن ارتفاع حصيلة ضحايا الهجوم الإرهابي على مسجد الروضة في العريش شمال سيناء إلى أكثر من 184 شهيداً و 125 جريحاً بين...
- رؤساء تركيا وروسيا وايران يبحثون المستجدات في إدلب! المرصاد نت - متابعات عشية القمة الثلاثية حول سوريا والمزمع عقدها في أنقره يوم الإثنين المقبل أعلن المتحدث الصحافي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن الرئيس...
- موقع ديكريبت الفرنسي : السعودية… وجه آخر لتنظيم داعش المرصاد نت - بوب وودوارد تتقاسم المملكة السعودية وتنظيم الدولة الإسلامية ' داعش ' 'في العراق وبلاد الشام الأيديولوجية الدينية ذاتها التي تصدرها إلى ما ي...
- الشعب الجزائري يطوي صفحة الصمت: هل يسحب بوتفليقة ترشّحه؟ المرصاد نت - محمد العيد للمرة الثانية في خلال أسبوع تظاهر المئات في العاصمة الجزائرية أمس تنديداً بترشّح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة فيما انتفض مو...